خطة البحث:
1-
مقدمة.
2-
أركان العقد:
3-
تعريف المحل :
4-
شروط المحل
5-
ركن السبب في العقد
6-
تعريف السبب
7-
النظرية التقليدية في السبب
8-
مضمون النظرية
9-
نقد النظرية
10-
النظرية الحديثة في السبب
11-
موقف المشرع الجزائري
12-
الخاتمة
مقدمة:
العقد نظام فريد خدم البشرية وأسهم في صناعة تقدم حياة البشر،
ولوال العقد ما كانت المبادلة منذ فجر التاريخ البشري، والتي يعتمد عليها بصورة لم
يكن الإنسان لتتقدم حياته دونها. فالعقد كان وليد ضرورة الحياة وتقدم الإنسان، ومنذ بدء تطور نظام
التعاقدات فيما بين أفراد البشرية ظهر العقد وليد إرادات الأطراف الداخلين فيه،
والذين يلتزمون بأثاره بإرادتهم ورضاهم، وقد أدى ذلك إلى نشوء نظام العقد الذي
تضمن قوة تحتم على أطراف العقد الرضوخ والقبول والاحتكام إلى ما تضمنه العقد من
أثار. والعقد هو توافق
إرادتين أو أكثر لإحداث أثر قانوني، وهو من أهم مصادر الالتزام، وذلك ألنه يرتب
التزامات على عاتق المتعاقدين وهذه الالتزامات ال يمكن التهرب منها أو العدول عن الإرادة
التي جسدت في العقد على أساس أن العقد هو قانون المتعاقدين، والخطأ في تطبيق نصوصه
هو خطأ في تطبيق القانون، فيمنع على أي من المتعاقدين نقض العقد أو تعديله باتفاق
الطرفين، ويمر العقد بمرحلتين وهي مرحلة التكوين ومرحلة التنفيذ
و من المعروف أن أركان العقد ثلاث وهي الرضا ، المحل و السبب ، و لابد من توافرها حتى
يقوم العقد ، وركن الرضا سبق دراسته ، ونتناول فيما يلي الركن الثاني من العقد و
هو المحل .
لا يكون العقد صحيحا و منتجا لآثاره إلا إذا اجتمعت فيه الأركان و
شروط الصحة معا، فبتخلف أحد الأركان يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا و لا يرتب أي
أثر، أما إذا تخلف شرط من شروط الصحة فإن الجزاء هو قابلية العقد للإبطال متى تمسك
به من تقرر الإبطال لمصلحته، و عليه سنتناول في هذا ركن السبب في العقد .
لمعرفة ركن السبب في العقد المدني وجب علينا أولا معرفة العقد حيث
تم تعريفه كالآتي:
العقد في القانون هو اتفاق بين طرفين أو أكثر يتعهد فيه كل منهم بأشياء أو وعود
متبادلة بحيث ينفذها القانون.
ويقوم قانون العقود على العبارة اللاتينية pacta sunt servanda التي هي "العقد
شريعة المتعاقدين". وإذا تم الإخلال بالعقد فإن القانون يقدم ما يعرف بالتدابير
القضائية
للتعامل مع ذلك، أحيانا تكون العقود مكتوبة مثلما هو الحال عند شراء أو إيجار
منزل، إلا أن النسبة الغالبة من العقود تكون شفهيا، مثلما هو الحال عند شراء كتاب
أو فنجان من القهوة، ويندرج قانون العقود تحت ظل القانون المدني كجزء من القانون
العام للالتزامات.[1]
وتعد النظرية العامة للعقود من أهم النظريات
القانونية قاطبة.
أركان العقد:
·
الرضا: أي تراضي كل من الطرفين على العقد، ويعد أهم أركان العقد إذ هو التعبير
عن إرادة التعاقد لدى المتعاقدين.
وطبقا لمبدأ سلطان الإرادة، فإن لكل شخص حرية
التعاقد من عدمه، وعليه فإن الدخول في مفاوضات لا يلزم الشخص في أن يتعاقد في
نهاية المفاوضات، بل له أن يرفض التعاقد دون أن تنعقد مسؤوليته من حيث المبدأ، كما
يترتب على هذا المبدأ أن للشخص حرية كاملة في اختيار الشخص الذي يتعاقد معه.[2]
·
عناصر الرضا: الإيجاب والقبول المطابق للإيجاب.
·
عيوبه: الغلط، التدليس، الإكراه، الاستغلال.
·
المحل: وهو الركن الثاني من أركان العقد: ويتكون من جزئين؛
·
محل العقد: هو العملية القانونية التي تراضى الأطراف على تحقيقها مثل البيع أو
الإيجار أو المقاولة.
·
محل الالتزام: هو الآداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح الدائن. وهو يتمثل
في القيام بعمل أو الامتناع عن عمل وهو يكمن في الإجابة على السؤال: بماذا التزم
المدين؟
·
السبب: وهو الركن الثالث من أركان العقد، ويقصد به: الغرض الذي يقصد إليه
الملتزم، أو أن السبب هو الإجابة على السؤال؛ لماذا التزم المدين؟، أو الدافع الباعث إلى التعاقد ويتحدد السبب
حسب نوع (أو طائفة) العقد.[3]
تعريف المحل :
محل العقد لم يتضمن القانون المدني الجزائري تعريفا محدد لمحل الالتزام
، حيث أن محل الالتزام هو الذي ينشئه محل العقد الذي هو العملية القانونية التي
تراضى الطرفان على تحقيقها ( كالبيع ، الإيجار ، التأمين ) ، أما محل الالتزام فهو
ما يتعهد به المدين في مواجهة الدائن و هذا الأداء قد يكون نقل حق عيني لصالح
الدائن ، و قد يكون قيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل بنقل حق عيني لصالح الدائن
، وقد يكون قيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل ومثال الالتزام بإعطاء نقل أو إنشاء
حق عيني ، كالتزام البائع بنقل حق عيني كحق الرهن أو حق الارتفاق[4] .
- مثال الالتزام بعمل كالتزام ممثل بالقيام بتمثيل دور معين في
تمثيلية معينة ، و التزام مهندس معماري بعمل تصميمات هندسية لمستشفى و مثال
الالتزام بامتناع عن العمل التزم ممثل بعدم التمثيل في فرقة أخرى و التزام تاجر
بعدم مناقشة تاجر آخر ، و التزام من يشتري قطعة أرض بعدم بناءه مصنع عليها [5].
شروط المحل :
و يلزم في محل الالتزام توافر شروط معينة تضمنها المواد 92 ، 96 من
القانون المدني الجزائري و هذه الشروط هي :
• أن يكون محل الالتزام ممكنا غير مستحيل م 93 .
• أن يكون معينا أو قابلا للتعيين . م 94 .
• أن يكون الحل مشروعا ، أي غير مخالف للنظام للنظام العام و الآداب
م 96.
1- أن يكون محل الالتزام ممكنا غير مستحيل : و يعني أن يكون محل
الالتزام موجودا أن يكون شيء الذي يرد عليه الحق أو يتعلق به العمل موجودا وقت
إبرام العقد ، يترتب على ذلك بطلان العقد بطلانا في خالة ما يتعاقد الطرفان على
اعتبار أن هذا الشيء موجود وقت العقد ، و يتبين أنه ملك قبل التعاقد ، كما في بيع
منزل تبين أنه هلك قبل العقد بفعل صاعقة ، لكن إذا هلك الشيء محل الالتزام بعد
نشوء الالتزام ، فإن الالتزام ينشأ صحيحا و ينعقد العقد ، و إنما نكون في هذه
الحالة بصدد استحالة تنفيذ الالتزام ، بالتالي إذا كانت الاستحالة هذه ليست راجعة
لعمل المدين هو إنما لقوة قاهرة ، فإن العقد ينفسخ من تلقاء نفسه ، أما إذا كانت
راجعة إلى فعل المدين ، فإن الالتزام لا ينقضي و يلتزم بالتالي المدين بالتعويض .
و يدخل ضمنه هذا الشرط إمكان وجود الالتزام ، أي لا يكون محل
الالتزام مستحيلا م 93 ق.م.ج و الاستحالة قد تكون مطلقة حيث يعجز كل الناس على
القيام بمحل الالتزام كأن يتعهد محام برفع استئناف عن حكم و اتضح أن ميعاد
الاستئناف قد انقضى ، و قد تكون الاستحالة نسبية ، أي بالنظر إلى شخص المدين ، كأن
يتعهد أحد الأشخاص برسم لوحة فنية و هو يجهل الرسم .
كما يجوز أن يكون محل الالتزام مستقبلا و هذا ما جاء في نص م 92
ق.م.ج " يجوز أن يكون محل الالتزام مستقبلا و محققا " إذا أصبح بالإمكان
بيع المحصولات المستقبلية قبل أن تنضج ، سواء بثمن جزافا أو بسعر الوحدة ، و كذلك
في حالة ما يشترط شخص دار من شخص آخر لم يبدأ البناء فيها بعد ، فالدار هنا أمر
مستقبل حيث يشترط القانون في جواز التعامل بالأشياء المستقبلية أن تكون محققة
الوجود ،و إلا اعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا[6] .
- و على الرغم من هذا إلا أن القانون المدني الجزائري ، استثنى من
قاعدة جواز التعامل بالأموال المستقبلية التعامل في تركة إنسان حي حتى و لو برضاه
إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون ، وهذا ما يتضح في نص المادة 92/02
" غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل و لو كان برضاه إلا في
الاحوال المنصوص عليها في القانون " لأن ذلك يعتبر مخالف للآداب العامة .
2- أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين : لابد من توافر هذا الشرط
أيا كانت صورته أو ما تفرضه طبيعة الاشياء ، فإذا ورد الالتزام على شيء معين
بالذات يجب ان تحدد ذاتية الشيء على وجه يميزها عن غيرها و يمنع الإخلاط بغيرهما
فإذا كانت أغراضا مثلا يعين موقعها و تاريخ صنعها و لونها ، أما إذا ورد الالتزام
على شيء معين بنوعه و صنفه و مقداره ، كأن يذكر مثلا أنه حبوب ، نوعه قمح ، مقداره
70 قنطارا . و إلا اعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا . و هذا طبقا لنص المادة 94/ 01
ق.م.ج .
- و إذا كان الشيء محل الالتزام نقودا يجب تعيين مقداره ، يلتزم
المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو
انخفاضها وقت الوفاء أي أثر وفقا لنص المادة 95 ق.م.ج .
أما إذا كان محل الالتزام عملا أو امتناعا عن عمل فيجب أن يكون هذا
العمل الامتناع معينا ، أو قابلا للتعيين ، فإذا تعهد مقاول ببناء منزل ، فلابد
تحديد أوصافه على الأقل ، أو أن يكون قابلا للتعيين من ملابسات على الأقل ، أو أن
يكون قابلا للتعيين من ملابسات التعاقد مثل إذا كان المحل بناء مدرسة أو مستشفى أو
مصنع أو ما إلى ذلك[7] .
3- أن يكون مشروعا : تنص المادة 96 ق.م.ج على أنه " إذا كان محل
الالتزام مخالفا للنظام العام ، و الآداب كان العقد باطلا " و يتضح من هذا
النص يلزم توافر شرط المشروعية في محل الالتزام ، بمعنى أن يكون سائغا قانونيا
فإذا كان المحل غير مشروع لا يقوم الالتزام و بطل العقد لانتفاء محله
النظام العام و الآداب : و مناط مشروعية محل الالتزام مشروعيتهم ،
هو مخالفته للنظام العام و حسن الآداب .
و أساس النظام العام ، المصلحة العامة ، التي تتضمن المصلحة
الاجتماعية و السياسية و السياسية و الأدبية و الاقتصادية .
و أساس حسن الآداب هو الرأي العام ، و ما يتأثر به منه مثل العليا
، و مبادئ أخلاقية و اجتماعية مبنية على الدين و العرف و التقاليد .
* و من المعروف أن النظام العام و حسن الآداب هما من الأفكار المبنية
و المتطورة و تختلف من مجتمع إلى آخر في نفس المجتمع ، فهما يتأثران بالظروف
السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الخلقية ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك عقد
التأمين على الحياة ، فقد اعتبر في أول ظهوره مخالفا للنظام العام و الآداب ، و في
العصر الحديث نجده أكثر شيوعا و الاسترقاق الذي أصبح مخالفا للآداب . و زواج
المتعة الذي تجيزه المذاهب الشيعية و عدم جوازه في المذاهب السنية .
أما عن تطبيقات فكرة النظام العام ، فهي متناثرة هنا و هناك. جميع
العلاقات التي ينظمها القانون العام . جميع العلاقات التي ترتبط معها الإنسان مع
مجتمعه و مع الأفراد و في نطاق القانون العام. جميع العلاقات التي ينظمها القانون
العام تتعلق بالنظام العام و بالتالي لا يجوز مخالفتها ، فبالنسبة لما يقرره
القانون الدستوري من قواعد دستورية و حريات عامة تتعلق بالنظام العام ، كحق الترشح
و العمل و حرية التجارة و بالنسبة للقانون الإداري فتعتبر كل قواعده المنظمة
للوظيفة و تنظيم المرافق العامة و غير ذلك من المسائل التي ينظمها هذا القانون من
النظام العام ، و بالتالي كل اتفاق يخالف أحكام القانون الدستوري و الإداري يعتبر
باطلا بطلانا مطلقا لمخالفته للنظام العام . و كذلك القوانين المتعلقة بالضرائب أو
تنظيم النقد أو تحديد سعر العملة ، وكذلك أحكام القانون الجنائي ، يضاف إلى ذلك
النظام القضائي من حيث تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم و طرق الطعن في الحكم إلى
غير ذلك من الإجراءات .
- أما في نطاق روابط لا القانون الخاص ، فنجد أن غالبيتها تتلق بفكرة
النظام العام و من ثم لا يجوز الاتفاق بما يخالفها ، فالحالة الشخصية للإنسان من حيث
الحالة المدنية له : اسمه و جنسيته و من حيث أهليته ، و علاقته بأسرته كلها تتعلق
بالنظام العام ، فلا يجوز الاتفاق على تعديل الجنسية أو التنازل عنها و كذلك الاسم
أو أحكام الأهلية و أحكام الأسرة فكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلا بطلانا مطلقا .[8]
أما تطبيقات الآداب العامة فهي كثيرة من أمثلتها : العلاقات
الجنسية غير المشروعة فكل اتفاق على مواصلة علاقة أو إقامة علاقة جنسية غير مشروعة
يعتبر باطلا بطلانا مطلقا كذلك فيما يتعلق ببيوت الدعارة ، فكل الاتفاقات المتعلقة
بالبيوت تعتبر باطلة لمخالفتها للآداب العامة ، وكذلك المقامرة. و يستثنى منه
الرهان الرياضي و السباق و ما شابه ذلك .
ركن السبب في العقد:
يقصد بعد أن نص المشرع الجزائري على الشروط الواجب توافرها في محل
الالتزام في المواد 92 إلى المادة 96 ق.م تناول السبب في المادتين 97 و 981 و هو
الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه وراء رضائه التحمل بالالتزام ، ومعه آخر
الغاية التي يستهدف الملتزم تحقيقها نتيجة التزامه ، و في عقد البيع مثلا البائع
التحمل بالالتزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري و بتسليمه إياه يهدف الحصول على
الثمن رغبة منه في الحصول على المبيع و بالتالي يعتبر السبب عنصرا من عناصر
الإرادة.[9]
- تعريف السبب
السبب يعرف عادة بأنه الغرض المباشر (أو القريب) المجرد الذي يقصد
اليه المتعاقد من التزامه (السبب القصدي مثل عقد البيع فإن السبب القصدي للبائع
الحصول على الثمن و السبب القصدي للمشتري الحصول على المبيع) اما الغرض غير
المباشر فهو الباعث الدافع إلى التعاقد وهو أمر شخصي نفسي يصعب إدراكه ( مثلا في
عقد البيع السابق يعتبر دافع البائع التخلص من البضاعة او شراء أخرى جديدة أما
دافع المشتري هو إعادة بيع المبيع أو استعماله في مهتنه) ومنه ظهرت
نظريتان في الفقه لتحديد مفهوم السبب في التصرفات الارادية، الأولى تقليدية، في حين
أن الثانية هي حديثة.[10]
1: - النظرية التقليدية في السبب: السبب هو الغاية غير
المباشرة التي يقصد المتعاقد الوصول إليها. فيختلف مثلاً الباعث على الشراء من شخص
إلى آخر. ويظهر من ذلك أن الباعث يمتاز بما يلي: هو شيء خارج عن العقد، فلا يذكر
فيه، ولا يستخلص حتماً من الالتزام. وهو شيء ذاتي للملتزم، حيث يرجع إلى
نوياه وما يتأثر به من دوافع، تبعا لهذه النظرية الالتزام باطل إذا لم يوجد السبب[11]
النظرية التقليدية في السبب :
ترجع فكرة السبب إلى القوانين الرومانية ، الذي يقصد به الغرض
القريب المباشر ، دون النظر إلى غيره من الأسباب البعيدة ، حيث تصور فقهاء الرومان
أن السبب في العقود الملتزمة لجانبين كالبيع ، التزام كل متعاقد بالنسبة إلى
المتعاقد الآخر ، فسبب التزام البائع بتسليم المبيع هو التزام المشتري بدفع الثمن
، و سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع و انتقلت فكرة
السبب من الرومان إلى فقهاء القانون الكنسي ، حيث عمموها على كل العقود ، وتعمقوا
فيها ، فجعلوا السبب يتعدى الغرض المباشر الذي يسعى المتعاقد إلى تحقيقه الى
الباعث الذي دفع المتعاقد الى التعاقد.[12]
مضمون النظرية:
السبب في هذه النظرية هو الغرض المباشر المجرد الذي يريد المدين
تحقيقه بالتزامه ، ولقد وضح الفقيه الفرنسي الكبير domat أسس النظرية التقليدية في السبب في القرن 17 م فاعتمد السبب التصدي
و الغرض المباشر ، و أغفل الباعث الدافع ، فالعقد قد يكون له دوافع متعددة ، أما
التزام فليس له إلا سبب واحد بالنسبة لنوع واحد من الالتزام .
أ- و في عقود المعاوضة : سبب التزام كل متعاقد هو التزام متعاقد
الآخر فنجد إنه في عقد البيع مثلا ، سبب التزام البائع بنقل الملكية و تسليم
المبيع ، هو التزام المشتري بدفع الثمن ، و سبب الالتزام المشتري بدفع الثمن هو
التزام البائع بنقل الملكية ، وينطبق هذا الحكم على كل العقود الملزمة للجانبين.
ب- العقود الملزمة لجانب واحد : يجب التمييز بين العود العينية و
السبب فيها هو التسليم ( عقود القرض ، الوديعة ، العارية ...) و بين العقود
الرضائية ( عقود الوعد بالبيع و الإيجار وسبب التزام هو تمام العقد الموعود به[13] .
ج- و في عقود التبرع : كالهبة مثلا بسبب هو الالتزام نية التبرع .
د- و في عقود التفضل : كالوكالة دون أجر أو الكفالة ، السبب هو
إسداء خدمة للموكل أو للمدين .
و على هذا الأساس تميز النظرية التقليدية بين السبب المنشأ
للالتزام و السبب القصدي لا الباعث على التعاقد ، و أن السبب القصدي عنصر موضوعي
داخل في العقد ، ولا يتغير بالنوع النوع واحد من العقود بحيث يخلف السبب في لأي
نوع من العقود يؤدي إلى بطلانها ،و هو الأساس بينما الباعث أمر شخصي يتعلق بنوايا
الملتزم و خارج العقد سواء كان مشروعا أو غير مشروع .
و أخيرا يذهب أنصار النظرية التقليدية في السبب إلى أن السبب وفقا
لهذه النظرية يجب أن تتوافر في شروط ثلاثة و هي : أن يكون موجودا – صحيحا و أن
يكون مشروعا .[14]
نقد النظرية :[15]
لعل من أهم الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية ، أنها غير صحيحة و لا
فائدة منها ، و غير منطقية يمكن الاستغناء عنها و الاكتفاء بالمحل و الرضا ، و
تظهر صحتها من استعراض السبب في الطوائف المختلفة للعقود ، أما أنها نظرية لا
فائدة منها ، ذلك بأنه يمكن الوصول إلى النتائج التي تهدف إليها بطرق أخرى ، طالما
أن فكرة السبب يراد بها إبطال العقد إذا لم يكن الالتزام سبب أو كان ذلك السبب غير
مشروع
- هذه النظرية عقيمة لا تضيف شيئا إلى الثورة القانون إذ تحدد السبب
في أنواع العقود المختلفة تحديدات آليا . و تطلب فيه شروط الثلاثة ، و يمكن
الاستغناء عنها دون أي خسائر تلحق القانون .
- رغم الانتقادات العنيفة التي وجهت إلى النظرية إلا أن الواقع غير
ذلك ، فالقول بالارتباط في العقود الملزمة لجانبين هو بذاته التسليم بفكرة السبب ،
لذا لا يستغني عنه النظرية التقليد له في تلك العقود ، وكذلك عقود المعاوضة
الملزمة لجانب واحد و يتضح من خلال ما سبق أن هذه النظرية صحيحة و مقيدة ، إلا
أنها لا تتسع لإبطال التصرفات التي يرمي أصحابها إلى تحقيق أغراض غير مشروعة ، إذا
كانت هذه الأغراض هي غير المباشرة و هذا ما قامت به النظرية الحديثة ، فأكملت
النظرية التقليدية
النظرية الحديثة في السبب :[16]
مؤدى النظرية التقليدية في السبب ، هو الوقوف عند الغرض المباشر
الأول الذي دفع المتعاقد إلى ارتضاء الالتزام الذي يتحمل به بينما النظرية الحديثة
في السبب على أساس الفكرة التي وضعناها فهي لا تقف منذ السبب القصدي ، ، بمعنى
الغرض المباشر ، ولكنها تدخل فيه الباعث الدافع إلى التعاقد كلما كان متصلا
بالمتعاقد الآخر ، بمعنى أنه كان عالما به أو على الأقل يستطيع أن يعلم به ، فلو
اشترى شخص منزلا بغية إعداده للقمار ، و التزام بالتالي بدفع ثمنه ، فنحن نقصد
الغرض الذي من أجله قبل أن يتحمل هذا الالتزام ، ولا شك أنه قصد الحصول على ملكية
المبيع ، كغرض مباشر ، وهو غرض مشروع ،و لكن لا تقف عند هذا الغرض كما تفعل
النظرية التقليدية بل نتقص الغرض التي و تعتد به إذا كان دافعا للتعاقد ، وملحوظا
عند إبرامه ، و في مثالنا نجد الغرض الثاني الذي يستهدفه المشتري هو استعمال
المنزل كناد للقمار ، و هو غرض يخالف النظام العام و حسن الآداب ، وهكذا نستطيع ان
نبطل العقد .
فليس كل باعث يدخل عنصرا في السبب دائما يلزم أن يكون هذا الباعث
هو الدفع إلى التعاقد ، ومعنى ذلك أن يكون من الأمور الجوهرية التي أدت بالمتعاقد
أن يتحمل بالالتزام ، و علاوة على ذلك ، يكون المتعاقد الآخر و لم يكن في استطاعته
العلم به ظل غريبا عن العقد ، و لم يدخل عنصرا في تكوين السبب . ففي المثال السابق
الخاص شراء منزل بغرض استعماله كناد لقمار ، لا يدخل هذا الباعث عنصرا في السبب و
يؤدي بالتالي إلى بطلان البيع إلا إذا كان البائع عالما بذلك و كان يستطيع أن يعلم
به .
موقف المشرع الجزائري[17]:
و تفترض مشروعية السبب افتراضا ، و يعني هذا ، أن كل التزام في
الأصل يقوم على سبب مشروع ، إلى أن يقام الدليل على عكس ذلك ، ومعنى أن القرينة
التي وضعها المادة 98 من ق.م.ج و التي تقرر بأن " كل التزام مفترض أن له سبب
مشروعا ، ما لم يقم الدليل على ذلك " تعتبر قرينة ضعيفة يجوز إثبات عكسها ،
وعبء الإثبات يقع على عاتق من يدعي عدم مشروعية السبب ، وفي حالة ذكر السبب في
العقد ، يعتبر هو السبب الحقيقي للاتفاق ، إلا إذا قام الدليل على عكس ذلك ، و
بهذا نقول الفقرة الثانية من المادة 98 من ق.م.ج " و يعتبر السبب المذكور في
العقد هو السبب الحقيقي من يوم الدليل على ما يخالف ذلك " فإذا ثبتت صورته
السبب المذكور في العقد فعلى من يدعي أن للالتزام سبب آخر مشروعا أن يقيم الدليل
على ذلك ، و هذا ما قررته الفقرة 2 من المادة 98 في الجزء الثاني منها على انه
" إذا قام الدليل على صورته السبب فعلى من يدعيها أن للالتزام سببا آخر
مشروعا أن يثبت ما يدعيه " .
الخاتمة:
من خلال ما سبق يتضح لنا أن السبب ركن من أركان العقد مثلهما مثل
المحل و الرضا و يترتب على ذلك بطلان
العقد بطلانا مطلقا في حالة عدم توافر هذا
الركن.
و قد نظم المشرع الجزائري السبب في المادتين 96 و 97 ق.م.ج غير أنه
أخلط بين سبب الالتزام و سبب العقد حيث ذكر لفظ " سبب الالتزام " بدلا
من " سبب العقد" ،لذلك ينبغي علينا أولا التمييز بين سبب الالتزام
و سبب العقد، فسبب الالتزام يتمثل في الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول اليه من وراء
التزامه، فالبائع يلتزم بنقل ملكية المبيع و تسليمه للمشتري رغبة منه في الحصول
على الثمن.و يلتزم المشتري بدفع الثمن بهدف الحصول على المبيع.
أما سبب العقد فهو الباعث الدافع إلى التعاقد أي الغرض الذي
حمل المتعاقد على إبرام التصرف القانوني، و هو أمر شخصي يختلف من شخص إلى آخر،
فالمستأجر يبرم عقد إيجار الشقة لباعث معين قد يكون السكن أو مكتب مهني أو تجاري
أو ممارسة نشاط غير مشروع.
و يلزم لقيام العقد صحيحا أن يكون السبب مشروعا أي متفقا مع نصوص
القانون الآمرة و النظام العام و الآداب العامة، و يكون السبب غير مشروع إذا كان
غير ذلك، و يترتب عبى عدم مشروعية السبب عدم مشروعية العقد ذاته فالعقد الذي يكون
سببه غير مشروع يكون عقدا باطلا بطلانا مطلقا.
و الواقع أن اشتراط مشروعية العقد هو الضابط لتقدير مدى اتفاق
العقد مع النظام العام و الاداب العامة و يغني ذلك عن اشتراط مشروعية سبب
الالتزام، لأن هذا السبب قدي كون بصفة عامة مشروعا ، و من الصعب أن يتصف في حد
ذاته بعدم المشروعية، فالتزام البائع بنقل الملكية و تسليم المبيع و التزام المشتري
بدفع الثمن هو دائما أمر مشروع، لذا يجب الاعتداد بالبواعث التي دفعت إلى التعاقد
فتلك الدوافع هي التي يمكن أن تتصف بالمشروعية أو عدم المشروعية.
من خلال دراستنا لأركان العقد نستخلص أنه لا
وجود و لا قوام للعقد إلا باجتماع الأركان الثلاثة و هي التراضي و المحل و السبب
بمعنى أن تخلف أحد هذه الأركان أو اختلاله يؤدي إلى بطلان العقد بطلانا مطلقا و
التالي لا يرتب أي أثر.
قائمة المصادر و المراجع:
- عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في القوانين العربية، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1974
- منصور حاتم محسن ابو خبط، محاضرات القانون المدني، جامعة بابل، 2013.
- بلحاج العربي، النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري،
الجزء الاول: التصرف القانوني، العقد والإرادة المنفردة، ديوان المطبوعات
الجامعية، الجزائر، 1999
- عبد الحي حجازي، النظرية العامة لاللتزام وفق القانون الكويتي
»دراسة مقارنة"، المصادر اإلرادية العقد واإلرادة المنفردة، مطبوعة جامعة
الكويت، الكويت، 1982.
_خليل أحمد حسن
قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، 2005.ص
140
_محمد صبري
السعدي، تفسير النصوص في القانون والشريعة اإلسالمية، المطبعة الجهوية، ديوان
المطبوعات الجامعية، 1984 ،ص 28.
_ - أحمد مدحت
المراغي، ل الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول : نظرية الالتزام، ، منشأة
المعارف، الإسكندرية، 2004 ،ص ص، 504-505.
_ حميد بن شنيتي، سلطة
القاضي في تعديل العقد، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الدولة في القانون، معهد
الحقوق، جامعة الجزائر، 1996
_ لبنى مختار،
وجود اإلرادة وتأثير الغلط في القانون المقارن، رسالة لنيل شهادة ماجستير،كلية
الحقوق، جامعة الجزائر.
_ لشعب
محفوظ بن حامد،عقد اإلذعان في القانون المدني الجزائري والمقارن، المؤسسة الوطنية
للكتاب، الجزائر، 1995.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Ektesad8/-Ekood/sec05.doc_cvt.htm
[2] منصور حاتم محسن ابو خبط،
محاضرات القانون المدني، جامعة بابل، 2013
[3] - عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في القوانين العربية، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1974 ،ص 455
[4] - بلحاج العربي، النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري،
الجزء الاول: التصرف القانوني، العقد والإرادة المنفردة، ديوان المطبوعات
الجامعية، الجزائر، 1999 ،ص 238.
[6] - بلحاج العربي، النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، ،
1999 ،ص 239.
[7] المرجع السابق، نفس
الصفحة.
[8] عبد الحي حجازي، النظرية العامة لاللتزام وفق
القانون الكويتي »دراسة مقارنة"، المصادر اإلرادية العقد واإلرادة المنفردة،
مطبوعة جامعة الكويت، الكويت، 1982 ،ص 320.
[9] _خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، ديوان
المطبوعات الجامعية، 2005.ص 140
[10] محمد صبري السعدي، تفسير النصوص في القانون
والشريعة اإلسالمية، المطبعة الجهوية، ديوان المطبوعات الجامعية، 1984 ،ص 28.
[11] - أحمد مدحت المراغي، ل الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الاول :
نظرية الالتزام، ، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004 ،ص ص، 504-505.
[12] حميد بن شنيتي، سلطة القاضي في تعديل العقد،
أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الدولة في القانون، معهد الحقوق، جامعة الجزائر، 1996
،ص 12.
[13] المرجع السابق.
[14] - لبنى مختار، وجود اإلرادة وتأثير الغلط في القانون المقارن، رسالة
لنيل شهادة ماجستير،كلية الحقوق، جامعة الجزائر، .ص 12.
[15] نفس المرجع.
[16] لشعب محفوظ بن حامد،عقد اإلذعان في القانون
المدني الجزائري والمقارن، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1995، ص 149
[17] بلحاج العربي، مرجع سابق، ص 939.