JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

الجامعة و التكوين الجامعي مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر

خط المقالة

 

نحاول في هذا الفصل التعرض إلى أهم حيز اجتماعي يمكن للإطار و التقني أن يتلقى فيه تكوينه وهي الجامعة، هذه الأخيرة التي تحتل موقعا مهما و مؤثرا في المجتمعات المعاصرة  و تعيش تحولات نوعية متسارعة، اجتماعية، اقتصاديـة، علميـة و تكنولوجية طرأت على الساحة الدولية بشكل عام و العربية بشكل خاص، و تلقى على  الجامعات مسؤوليات جديدة لمواجهة التحديات المتجددة، و لتصبح الجامعات رائدة في تطوير مجتمعاتها و النهوض بها من خلال قيامها بممارسة مهامها وأدوارها ووظائفها  حيث أصبح مطلوبا منها أن تقوم بالمواكبة.

       و عليه فقد أدركت الجامعة الجزائرية خطورة التحديات الخارجية التي تفرض على الجامعة مسايرتها قصد اللحاق بركب الدول المتطورة، و سنحاول من خلال هذا الفصل التعريف بالجامعة و  التعرض إلى أهم أهدافها ووظائفها، و إلى أوضاع الجامعة الجزائرية منذ الفترة الاستعمارية إلى وقتنا الراهن الذي تعرف فيه الجامعة حركة إصلاحية واسعة في منظومتها التعليمية، كما سيتم إبراز أهم تحدياتها لهذه المستجدات المعاصرة.



1- الجامعة وظائفها و أهدافها:

       تبعا للإطار النظري للدراسة، فإن الجامعة تمثل محرابا للفكر و المعرفة و ذلك لما يتكون داخلها من علماء و باحثين في مختلف ميادين العلوم، و تبعا لهذا فإن المفهوم يكون دائما ميدانيا خصبا و حيويا للبحث المستمر في سبيل جعلها فاعلة في إحداث عملية التنمية الشاملة، و بغض النظر عن نمط المجتمع الذي تنتمي إليه الجامعة و إيديولوجيته سواء تعلق بالدول النامية أو الدول المتقدمة، فإنه يمكن توحيد الأهداف و الوظائف للجامعة من خلال العملية التكوينية التي تقوم بها.

1-1 مفهوم الجامعة:

       إن اصطلاح كلمة جامعة University مأخوذ من كلمة Universities  و تعني التجمع الذي يضم أقوى الأسر نفوذا في مجال السياسة من أجل ممارسة السلطة  و هكذا استعملت كلمة الجامعة لتدل على تجمع الأساتذة و الطلاب من مختلف البلاد و الشعوب، هذا و تعد كلمة الجامعة باللغة العربية ترجمة دقيقة للكلمة الإنجليزية[1].

في حين يعرف مصطلح الجامعة على أنه يعني " أكثر من مجرد تجمع الأساتذة فهو يتضمن أبعادا عديدة منها جامعة المعارف و جامعة لمختلف إبداعات الفكر الإنساني و جامعة لثوابت المجتمع و خصوصياته الثقافية، و جامعة لموارد و مصادر المعرفة، بما ييسر تجديدها و إنتاجها "[2].

       وفضلا عن ذلك فإن  الجامعة "تعد من المؤسسات المعرفية ذات المكانة المحترمة و الوزن الكبير داخل المجتمعات التي تحترم بل و تقدس العلم و العلماء، كما أنها تؤثـر و تتأثر بالمجتمع بكل ما يحمله من آمال و تطلعات، بل هي ترجمة لواقع و حقيقة المجتمع."[3]

       و يعرفها المشرع الجزائري: أنها مؤسسة عمومية ذات طابع علمي و ثقافي و مهني تتمتع بالشخصية و الاستقلالية المالية[4].

       إن الجامعة هي: "مؤسسة تتولى التعليم العالي و تربية المواطنين من أجل إذكاء المواطنة الصالحة  في نفوسهم، و إيقاظ الوعي الحضاري فيهم، و هي أيضا مؤسسة تقوم بالبحث العلمي، و هي في هذا إنما تنشر الحقيقة و تخدم المجتمع و توسع نطاق المعرفة الإنسانية"[5]

       يمكن أن نستخلص مفهوم حديث للجامعة فهي تعتبر بوابة حقيقية للخروج من التخلف و التبعية الفكرية و الاستلاب الثقافي، و العاملة على إثبات الهوية الوطنية  و تحقيق التطور في جميع المجالات، لذلك  نجد الجامعة الجزائرية تعمل جاهدة من أجل الرقي بهذه المؤسسة التكوينية قصد مسايرتها للتحديات الراهنة المحيطة بها من جميع الأصعدة.

1-2 وظائف الجامعة:  يمكن حصر أهم وظائف الجامعة المنوطة إليها فيما يأتي:

1-2-1 الوظيفة البيداغوجية: تتمثل هذه الوظيفة في تقديم تعلمي عال و تكوين متخصص للطالب، يسمح له بالاندماج في مهنة معينة في المجتمع و هذا التكوين لا يتم إلا عن طريق إيصال المعرفة من خلال عملية معقدة سماتها التكامل و الشمول و التفاعل  ومهما كانت الأساليب التي تعتمدها الجامعة في التكوين فإن المهمة الأولى للجامعة ينبغي أن تكون دائما هي التوصيل الخلاق لمعرفة الإنسانية في مجالاتها النظرية و التطبيقية     و تهيئة الظروف الموضوعية لتنمية الخبرة الوطنية[6]، فالوظيفة البيداغوجية لا تقتصر على التدريس بل تتعدى ذلك إلى " شبكة من العلاقات الاجتماعية و الثقافية و الفكرية بين الأستاذ و الطالب مهمتها تكوين عادات و اتجاهات و ممارسات تعكس حقيقة المجتمع الجامعي و مواصفات الحياة الجامعية"[7].

       و لا يمكن لهذه الوظيفة أن تتجسد إلا إذا ربطت أواصل الاتصال (أستاذ-طالب) (طالب – أستاذ) هذا من جهة، و إمكانات الأساتذة من جهة أخرى ككفاءة و تأهيل حتى تكون هذه المهمة في أحسن مستوى و مدى قدرة الطالب و استيعابه( مؤهلات خاصة).

1-2-2 الوظيفة العلمية: إن الجامعة بوصفها حلقة ضمن حلقات ينقسم إليها الجهاز التعليمي بطريقة تسلسلية تنوط بوظيفة أساسية ألا و هي الوظيفة العلمية، إذ أن الجامعة ليست معاهد للتدريس فقط، و لاشك في أن كل مشتغل في التعليم يعلم من الأولويات التي لا جدال فيها أن رسالة الجامعة ذات شقين همـا التعليم، متمثـلا في تـدريس الطـلاب و تدريبهم  و العلم ممثلا في البحث العلمي، و كل محاولة لتجاهل أحد هذين الشقين يخرج الجامعة من رسالتها و يهدم كيانها الجامعي[8].

1-2-3 الوظيفة الإيديولوجية: الجامعة في أي مجتمع توكل لها مهام فكرية و تكوينية      و في أدائها لهذه المهام هي ملزمة بالوفاء لطبيعة النظام السائد في المجتمع و بالحفاظ على شخصية الدولة و مقوماتها، لأن الجامعة من المفروض أن تخضع لمتطلبات البيئة  و بما أن الدولة أو النظام السياسي جزء من البيئة المحيطة بالجامعة و بالتالي فإن الجامعة تستجيب بطريقة أو بأخرى للنظام السياسي، فالجامعة تتوافد عليها جماعات طلابية بذهنيات مختلفة  برصيد من الأفكار المتباينة و المتناقضة أحيانا، و هذه الاختلافات يقابها اختلافات في الأفكار و الاتجاهات بالنسبة للأساتذة، و بهذا تكون الجامعة إلى حد ما مركز صراع بين أفكار واتجاهات الطلبة من جهة و أفكار و اتجاهات الأساتذة من جهة أخرى، و حدود هذا الصراع هو ما يعبر عنه بالإيديولوجية.

إن الوظيفة الإيديولوجية باختصار تتمثل في ولاء الجامعة للنظام السياسي وحتى إن حاولت أن تخرج عن هذه المحاولة فهي تتخذ شكل ضمني ولا تكون إلا من حدود ضيقة جدا[9]. 

1-2-4- الوظيفة الاقتصادية: إن الجامعة من خلال أداء وظيفتها الأولى تهدف إلى تكوين إطارات في شتى المجالات، إذ من المفروض أن التعليم الجامعي من شأنه أن يكسب الأفراد المهارات وأن ينمي لديهم الإمكانات والقدرات الفكرية والعقلية قصد تأهلهم لقيادة حركة الفكر والثقافة والتجديد في المجتمع وإدارة شؤون هذا المجتمع بما يتفق بطموحاته وما يستجيب لمطالبه.

فلا ريب أن متطلبات وحاجات سوق العمل يشكل جزءا أساسيا من متطلبات وحاجات الطالب –الخريج- الذي يحصل على شهادته الجامعية ليكسف عن رحلته الصعبة التي بدأت بعد تخرجه لتأمين لقمة العيش في ظل أسواق عمل محلية وعالمية التي تتميز بمنافسة شديدة لا يوجد فيها عمل إلا من أعدت جامعته لفهم حاجات ومتطلبات وآليات عمل تلك الأسواق[10]. 

وعلى العموم يمكن القول أن الوظيفة الاقتصادية للجامعة تبقى في إعداد إطارات التي يحتاجها سوق العمل حتى يتجنب استيراد الخبرة كما تستورد الأجهزة الصناعية والتكنولوجية.

1-3- أهداف الجامعة: تخضع الأهداف المرسومة في الجامعات في الغالب إلى الطبيعة السياسية والاجتماعية لكل المجتمع وواقعه ومشكلاته وهذا التفاوت طبيعي وينتج عن اختلاف الفلسفات التي تقوم عليها مثل هذه المؤسسات الجامعية واختلاف المواقف الفلسفية  التي يتخذوها القائمون عليها[11].

ويمكن عرض أهم العناصر الأساسية التي تهدف إليها الجامعة كما يأتي: [12]

1-3-1- ترقية المستوى الفكري والثقافي للأفراد المجتمع: وهذا في مجمله يعني استثمار الثروة البشرية للمجتمع وتسخيرها للإنتاج والإبداع في ما يتماشى مع حاجياته ومستلزماته

1-3-2- إقرار التواصل بين الأجيال فكرا وسلوكا: وهذا لا يعني أن يكون الجيل الجديد صورة طبق الأصل عن سابقه وإنما يكون للفرد الجامعي رؤية شاملة لتاريخه، يراعي أفضل ما في الماضي وأفضل ما في الحاضر من تطلعات في محاولات للتخطيط لمستقبل أفضل وهذه الثلاثية لا تنشأ إلا في رحاب الجامعة وعن طريق الجامعة فالجامعة دون سواها هي القادرة على إحياء التاريخ واحتوائه وإعادة إحيائه بين الأجيال المتواصلة وعلى جميع المستويات.

1-3-3- التثقيف العام: يتحقق هذا التثقيف عن طريق الأبحاث التي تنجزها الجامعة حيث يتم تبسيط معارفها بالمستوى الذي يسمح بتوصلها وتبليغها إلى العامة من الناس  وهذا بدوره يساهم في توثيق الصلة بين الجامعة والواقع الإنساني والمادي للمجتمع، ذلك أن التطور السريع في العلوم سواء فيما يتعلق منها بالتكنولوجيا أو بالإنسان والمجتمع ككل يتطلب نظرة جديدة للمشكلات والقضايا الاجتماعية التي بدورها تتطلب دراسة علمية مخولة أن تقوم بها إطارات جامعية دون سواها، وهم بدورهم ينقلون النتائج إلى عامة الناس، للحرص أكثر فأكثر على تعميم العلم والثقافة، وهذا لا يخل أبدا بالسمة الأكاديمية للجامعة كما يتصور البعض بل العكس يتفتح وينمو وعي الناس لمشكلات العصر وقضاياه وتنمو معه رغبته في العلم والثقافة ومنه يصبح المجتمع أكثر تقدما وتحضرا [13].

إن الأهداف التي سبق وذكرت لا تظهر إلا عن طريق التكوين التي تقدمه الجامعة ولا تتجسد إلا من خريج الجامعة.

فالجامعة تختص بالتعليم والبحث العلمي الذي تقوم بهما مؤسستها ومعاهدها في سبيل خدمة المجتمع وتحقيق نهضته وهذه الأهداف لا يمكن أن تتضح إلا من الوظائف التي تقوم بها الجامعة.

2-نبذة تاريخية عن مراحل تطور الجامعة الجزائرية:

لا يمكن بأي حال من الأحوال فهم ما يجري داخل الجامعة الجزائرية و الحالة التي وصلت إليها دون الرجوع إلى  تاريخ نشأتها و تتبع التحولات التي مرت بها، و أهم التطورات التي عرفتها، و القرارات الحاسمة التي اتخذت في شأنها فالتاريخ هو الآلية الأنجع و الأمثل للوقوف على كذلك على حد تعبير "رايت ميلز" "التاريخ هو عصب العلوم الاجتماعية"  و على هذا الأساس سنتطرق إلى أهم المعطيات التي عرفها تاريخ جامعة الجزائر والتغيرات التي عرفتها سواء على مستوى البنية أو الوظيفة وهذا من خلال تقسيمنا لها على مرحلتين فترة أثناء الاستعمار وفترة ما بعد الاستعمار هذه الأخيرة التي بدورها قسمناها إلى مراحل وصولاً بها إلى وقتنا الراهن.

2-1- الجامعة الجزائرية أثناء الاستعمار الفرنسي:

لم يكن إنشاء الجامعة الجزائرية خلال الفترة الاستعمارية إلا امتدادا لسياستها التربوية التي انتهجتها، هذه السياسية لم تكن تهدف إلى بلوغ الأهداف المتوخاة عادة من كل منظومة تعليمية وإنما كانت لمعرفة الأرض المحتلة (الجزائر) ومعرفة شعبها وتقاليده وعاداته..إلخ ، فالفرنسيون فكروا منذ البداية بتكملة العمل الحربي بالعمل التعليمي الثقافي لزرع الأفكار الاستعمارية عن طريق المدارس،وبالفعل ففي 1832 قام "جانتي دي بوسي" بإنشاء المدارس العمومية الأولى وتشجيع المبادرات الخاصة على الرغم من قلة وجود المدارس العمومية الأولى وتشجيع المبادرات الخاصة على الرغم من قلة وجود الأسر الفرنسية في الجزائر البلد المحتل حديثا[14].     

       في 20 ديسمبر 1879 صوت مجلس الشيوخ الفرنسي على القانون المتعلق بالتعليم العالي في الجزائر الذي ينص في مادته الأولى على أنه زيادة على مدرسة الطب و الصيدلة الموجودة أصلا·، يتم إنشاء مدرسة تحضيرية للتعليم العالي للآداب .و في سنتها الأولى ضمت هذه المدارس 13 طالبا التحقوا بها خلال السنـة الدراسيـة 1880 و أطلق على اسم هذه المدارس اسم المعهد الجزائري الأدبي و العلمي الذي توسع شيئا فشيئا إلى غاية 1997 تاريخ إنشاء معهد الصناعة التابع لكلية العلوم[15]. 

منذ إنشاء هذه المدارس و الجهود على قدم وساق من طرف المنفذين في مجال التعليم العالي الفرنسي في الجزائر من أجل إنشاء جامعة مستقلة نظرا لتزايد عدد الطلبة ونظرا لنوعية التعليم الذي تمنحه تلك المدارس و ارتفاع مستوى الدور الذي بدأت تقوم به في مجال تطوير العلوم ، الأمر الذي جعل أحد الفرنسيين المكلفين بهذا الملف يقول وهو يتحدث عن الأمم الأجنبية كلها و خاصة انجلترا التي سمحت بإنشاء جامعات في مستعمراتها فقد يكون مفيدا لمستقبل فرنسا في إفريقيا أن تنشأ جامعة في الجزائر[16].

 و بالفعل فبعد أخذ ورد لمدة سنوات أمضى جيرارد جونار رئيس الحكومة آنذاك قانون إنشاء الجامعة الجزائرية وفي 05 جويلية 1909 صوت النواب الفرنسيون على قانون تم بموجبه ترفيع المدارس العليا إلى كليات أربع لتشكل جميعها جامعة الجزائر[17].

و في سنة 1936 بلغ عدد المسجلين في المدارس 1109 موزعين كالآتي:     "862 اوروبي ،130عربي، 27 يهودي"، وفي هذه الفترة قال الكونت سلفاندي وزير الإرشاد العمومي آنذاك: "إذا كانت إفريقيا قد تم فتحها بالحرب فإن الحفاظ عليها يتم بالحضارة... إني أتطلع إلى اليوم الذي تنشأ فيه المدارس و الجامعات حيث سيكون هناك أكاديمية وثانوية، وكلية للآداب ومدرسة للطب".[18]

وقد كان أو درس يكتسي الطابع الجامعي في عهد الاستعمار يوم 02-01-1832  في مكان كان يسمى حديقة الداي التي كانت موجودة في بوزريعة في بناء راق شيد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر[19] ، فقد حول جناح من تلك الحديقة إلى قاعدة محاضرات ليتمكن "ستيفانوبولي" الطبيب الأساسي للجيش الفرنسي من إلقاء أول محاضرة حول الفيزيولوجيا أمام حوالي ثلاثين من الذين كانوا يحضرون للقيام بمهمة الطب، وفي اليوم الموالي شرع الجراح الميجر "بودانس" في إلقاء محاضراته حول الجراحة الوصفية  وهذا يعني أن الجيش هو أول من أسس مؤسسة فرنسية للتعليم العالي بالجزائر في مدة أقل من سنتين من احتلالها[20]، وبعد أقل من عام قام "جواني فرعون" وهو ابن مترجم نابليون في مصــر، بإعطاء دروس في اللغة العربية لطلبة معظمهم من الضــباط والموظفين وكــان ذلك في 06 ديسمبر 1832[21] كما هو واضح لم يكن هدف هذه الدروس علمي محض بل كان لتكوين مترجمين حتى يتم مخاطبة الأهالي المستعمرين حديثا.

كان الهدف من تأسيس جامعة الجزائر ومن إيجاد التعليم العالي في الجزائر هو نشر الفكر الفرنسي في البلد المحتل أولا وفي القارة الإفريقية ثانيا، لذا لم تكتف فيها بالتعليم العلمي المحض، بل تعددت مهمتها إلى إيجاد منافذ أخرى لدراسة المحيط الاجتماعي والثقافي، الطبيعي والاقتصادي في القارة كلها، وهكذا ولهذه الغاية تم إنشاء المعاهد وإلحاقها بجامعة الجزائر ومنها معهد البحوث الصحراوية في 20 جويلية 1937  معهد الدراسات الإسلامية في أكتوبر 1946، معهد الدراسات السياسية في 02 أوت 1949، معهد الدراسات الفلسفية في 05 ماي 1952، معهد علم الأعراف في 24 أفريل 1944، معهد علم النفس التقني والبيوقياسي في 1945[22].

تظهر أيضا النوايا السيئة للتعليم العالي الاستعماري في الجزائر من خلال عدد الطلبة الجزائر بين المسموح لهم بدخول الجامعة حيث بلغ 80 طالبا سنة 1914، ليتراجع هذا العدد في العام الموالي إلى 39 طالبا وتواصل هذا النقصان إلى أن وصل إلى 17 طالبا سنة 1919، ثم بعد ذلك يسجل ارتفاعا محسوسا سنة 1933 حيث وصل إلى 110 طالبا وأخيرا إلى 1372 سنة 1960[23].

ومن خلال هذه الإحصائيات نجد أن عدد الجزائريين الملتحقين بالجامعة هو عدد قليل خاصة في السنوات الأولى، وهذا يوضح أكثر أهداف هذا التعليم الذي انصبت لخدمة الاستعمار وترسيخ التمييز والتفريق العنصري والاجتماعي الذي مس حتى الطلبة الذي كان لهم الحظ في الإلتحاق بالجامعة منهم كذلك عانوا التمييز.

 

2-2- الجامعة الجزائرية في عهد الاستقلال (1962 إلى يومنا هذا ) :

2-2-1 الجامعة الجزائرية غداة الاستقلال:

عاشت الجزائر غداة الاستقلال في جوًا عامًا من التخلخل والتبعية في جميع الميادين والقطاعات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والتربوية، فكانت الأعباء كبيرة بعد الاستقلال للنهوض بهذه القطاعات الحيوية والمهمة، سواء على مستوى توفير الوسائل    أم على مستوى التأطير والتنظيم قطاع التعليم العالي على غرار كل القطاعات وهذا ما أدى إلى نتيجة حتمية لمواصلة النشاط وهي التبعية.

فمباشرة بعد الاستقلال الوطني بقيت الجامعة الجزائرية بنفس الأسلوب الذي تركه الاستعمار في برامج التعليم، في هيئة التدريس وأساليب وأنظمة الامتحانات والشهادات[24].

ويمكن أن نلخص أهم ما وصف به التعليم الجامعي في هذه الفترة أنه تعليم مفرنس في لغته، يكرر تقاليد الإدارة الفرنسية المصممة أصلا لخدمة النخبة، ومحتوياته بسيطة وساذجة من الناحية المعرفية، وغامض غير واضح الأهداف، إيديولوجي جزئي التوجه سلطوي في بداغوجيته، طبعي في نتيجة البشري، تقليدي في وسائله غير موحد في إدارته ومستوياته التعليمية، ناقص في كفاءته الداخلية والخارجية يعتمد أكثر على استعارة الخبرة الأجنبية[25].

2-2-2- مرحلة التسيير التلقائي ومشروع إصلاح التعليم(1963-1969):

تميزت هذه المرحلة أو هذه الفترة عموما بمسايرة الأمر الواقع ومواجهة تلقائية نظرا للفراغات والتشوهات المورثة من الاستعمار الفرنسي، ومع البدايات الأولى للاستقلال التحق بمؤسسة الجامعة كل من تحصل على شهادة البكالوريا أو نجح في الاختبار الخاص بالدخول إلى الكلية. [26]

وهناك ثلاث فروع:[27] 

-       فرع الكلية: أسندت لها مهمة إعداد الإطارات العليا والباحثين

-       المدارس العليا والمعاهد: يتخرج منها الطالب بدبلوم في تكوين أجنبي عالي

-       مدرسة النورمال العليا: تهتم بعملية التكوين لأساتذة التعليم الثانوي ويمثل عدد الطلبة المسجلين في الفترة (62-63) بـ 2179 مسجل وارتفع في (68-69) إلى 9416 مسجل في مقاعد الجامعة.

أما الطلبة المتخرجين فتؤكد النتائج المتحصل عليها أنها كانت نسبة تخرج ضئيلة حيث بلغت نسبته (20%) من مجموع الطلبة الملتحقين بالجامعة ومن بين الأسباب التي أدت بهم إلى التخلي عن الدراسة بالجامعة عدم التلاؤم بين محتوى التكوين والخصوصيات العامة التي تميز بها المجتمع الجزائري آنذاك. [28]

2-2-3- مرحلة الشروع في إصلاح الجامعة (1970-1977):

تزامنت مرحلة الشروع في إصلاح التعليم عموما والجامعة بالأخص مع بداية المخطط الرباعي الأول(1970-1973) وحتى نهاية المخطط الثاني(1974-1977).

وتقرر إصلاح التعليم الجامعي في شهر جويلية 1971، بعدما تم فصل الوزارات وقيام كل وزارة بمهامها منفردة عن غيرها وعليه تأسست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتأخذ على عاتقها مهمة إصلاح الجامعة سواء تعلق الأمر بالهياكل التنظيمية والإدارية أم البيداغوجية. [29] 

فبدءا  من المرسوم الجامعي 1977 تم تحديد الأهداف المتوخاة من إصلاح التعليم عموما وفقا لجملة من الإجراءات المزمع تطبيقها والمتمثلة في: [30]

-       إعادة توجيه محتويات التعليم والتكوين وما يتم منحه من شهادات وفقا لسياسة التوظيف وسياسة التنموية وذلك من خلال الربط بين سنق الجامعة ومختلف الفروع متعددة النشاطات الاقتصادية عن طريق الأسلوب الميداني العملي لتسهيل الإدماج التوفيقي لاحقا.

-       الإسراع في تكوين وتخريج أقصى عدد من الإطارات الوطنية وبأقل ما أمكن من تكاليف وتم وفقا لذلك إلغاء السنة التحضيرية للجامعة وإعادة النظر في نظام العطل والمناهج السنوية

-       مراجعة وإعادة تنظيم الهياكل الإدارية وكذا المحتوى التكويني والبيداغوجي بغرض تكيفها ومتطلبات المجتمع المتغيرة[31].

حيث نجد أن السياسة العامة لإصلاح التعليم انطوت على المبادئ الأساسية الرئيسية الآتية:

-ديمقراطية التعليم: عملت الدولة الجزائرية على تطبيق مبدأ ديمقراطية التعليم وتعميمه على كل فئات المجتمع الجزائري، فقد أصبح التعليم مجاني كما أتيحت جامعـة مفتوحـة، نظرا للظروف التي مرت بها البلاد أثناء الثورة التحريرية حين ترك الطلبة الجزائريين دراستهم للالتحاق بصفوف الثورة وأعلنوا إضرابهم عن التعليم حتى استقلال الجزائر لذلك كان من الضروري إتاحة الفرصة للذين انقطعوا عن التعليم سواء كان منهم من يدرس من يدرس باللغة العربية أو الفرنسية، كذلك فئة أبناء الشهداء والمجاهدين والذين أتيحت لهم فرصة الالتحاق بالجامعة بعد خضوعهم للامتحان وتقديم شهادة تعادل شهادة البكالوريا [32].

ولم تقف الجزائر عند هذا الحد بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بحيث منحت كافة الطلبة الجامعيين منحة دراسية تمكنه من سد بعض حاجياتهم التكوينية دون نسيان إطعام لكل طالب جامعي وبسعر رمزي إضافة إلى ذلك قامت بتكفل وإيواء الطلبة الجامعيين البعيدين عن المراكز الجامعية وجامعات التكوين وهذا حتى تسهيل فرص التعليم لكل فئات المجتمع داخل الجزائر أما من ناحية توفير المؤطرين، فقد عمدت الجزائر على إرسال بعثات إلى مختلف الدول الأوربية تحفيزا للطلبة المتفوقين، وهذا حتى تتمكن من إعداد نخبة مؤهلة علميا وتتماشى ومتطلبات العصر ولسد الفراغ الذي تركه المستعمر لذلك نجد أن ديمقراطية التعليم تهدف إلى ما يأتي[33] : 

-إتاحة الفرص المتكافئة لجميع الطلبة الجزائريين الذين أكملوا بنجاح دراستهم الثانوية كلا حسب كفاءته العلمية

- ربط القطر الجزائري بشبكة واسعة من الجامعات والمعاهد العليا ومنه تعدد مراكز توزيع العلم والثقافة والتكنولوجية في كل جهات الوطن.

- توفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لبناء الفئات الاجتماعية باختلاف انتماءاتهم فهي تؤكد حق التعليم لكل مواطن جزائري

أما من الناحية المناهج فقد أدخلت مواد كثيرة لم تكن تدرس في السابق وهذا تماشيا مع المتطلبات الاجتماعية[34].

الجزأرة: لقد حققت الجامعة الجزائرية في ميدان الجزأرة تقدما ملحوظا خاصة ما تعلق بالإطارات التي أصبحت المشرفة الرسمية عليها والتي من خلال تقوم باختيار أهداف التعليم ومتطلباته في ضوء واقع الجزائر وتطلعاته بما يحقق تنميته الشاملة وفق مقوماته الوطنية، إلا أن هذه العملية لم تشمل كافة هيئة التدريس فقد تطلب الإصلاح الاستعانة بالخبرات الأجنبية وبأعداد كبيرة جدا على مستوى بعض التخصصات[35].

كما ساهمت جزأرة التعليم في إنشاء ستته جامعات كبرى هي: جامعة الجزائر  وهران، قسنطينة، جامعة هواري بومدين للعلوم التكنولوجية بالجزائر، جامعة وهران للعلوم التكنولوجية أما المراكز الجامعية فقد وصل إلى غاية عشر مراكز منها : مركز البليدة  مستغانم، سطيف، باتنة، تيزي وزو، بسكرة...

إضافة للمراكز الجامعية فقد تم تأسيس عدة معاهد عليا مثل: المعهد الوطني للعلوم الفلاحية  المدرسة الوطنية للطب، المدرسة الوطنية العليا للإدارة وغيرها من المعاهد[36].

التعريب: إن سياسة التعريب في مجال التعليم العالي احتلت المكانة الأولى في الإصلاحات فإدخال اللغة العربية في جميع مجالات التكوين وإنشاء عدد من الدراسات باللغة العربية للحصول على مختلف الشهادات العلمية، كما تم تعريب تكوين المعلمين، كل هذا عبارة عن إجراءات تهدف إلى تشجيع تكوين إطارات قادرة على التعبير باللغة الوطنية[37].

كما تم تأسيس المجلس الأعلى لتعميم استعمال اللغة العربية في بداية الثمانيات رئاسة الرئيس الشاذلي بن جديد وهذا قصد متابعة جهود التعريب في كافة مجالات وفي مقدمتها التعليم العالي[38].

إن ما نستنتجه من خلال عملية التعريب التعليم العالي أنه عرف نوعا ما تباطئا في تعميمه خاصة داخل الإدارات الجزائرية، ناهيك عن التكوين الذي تلقاه الإطار فكله كان فرنسيًا وهذا ما صعب حقا من استعمال اللغة العربية بصفة رسمية لذلك نجد محمد العربي ولد خليفة يصف ذلك بقوله:" ما زلنا نشهد بعض التذبذب... بين التعريب والجزأرة من جهة وبين سيطرة اللغة الأجنبية على قطاع التعليم...

إن الثنائية السائدة حاليا في بعض أقسام العلوم الاجتماعية، الاقتصادية والقانونية ستعرض الطلاب والدارسين جميعا إلى انشطار عقلي، نفسي وثقافي... [39].

أولوية التكوين العلمي والتقني:

 انطلاقا من القناعة أن التحكم العلمي والتكنولوجي يؤثر في التطور وتقدم المجتمعات، فقد تضمن هذا البند فرض سياسة توجيهية للطلبة نحو الفروع العلمية ذات الصلة بالتكنولوجيا وهو ما نص عليه الميثاق الوطني في ما يتعلق بجعل التقنية عاملا فاصلا في التنمية وعليه تم التأكيد المستمر على الإصلاح من أجل التوجيه نحو التكوين في فروع تقنية وتقليصه نحو فروع أخرى بدت أقل فاعلية وأولوية[40].

بالإضافة إلى المزج بين الدراسة النظرية والعلمية في التعليم الجامعي بحيث يكون الطالب الجامعي قادرا على تطبيق النظريات العلمية في المجالات التطبيقية في الصناعة والزراعة والطب وغيرها[41].

-مجموع الطلبة المسجلين (1973-1977): نظرا للسياسة التعليمية العامة التي تم تبنيها خلال هذه المرحلة ببنودها وأهدافها، فقد ازدادت درجة استيعاب الجامعة لأعداد أكبر من الطلبة، وخاصة أن فرص القبول بها لم تكن مشروطة بالحصول على شهادة البكالوريا، حسب توقعات المخطط الرباعي الأول، فقد عبرت محاولة الانتقاء على أساس حوالي (75%) من مجموع التلاميذ من القسم النهائي وعليه يرتفع عدد الطلبة المسجلين بالجامعة من 9700 تقريبا سنة (68-69) ليصل إلى 27000 طالب وذلك بغض النظر عما تستوعيه المعاهد التكنولوجي من غير الطلبة الجامعيين[42].

وقد قدر التطور الكمي للطلبة بالجامعة سنة (77-78) بحوالي 62000 طالب[43].

-مجموع الطلبة المتخرجين(1770-1977): لقد تطور عدد الطلبة المتخرجين خلال المخططين الرباعي الأول والثاني إلى (16500) متخرج تقريبا ويتوزع عدد المتخرجين على (17%) علوم دقيقة،(13%)علوم اقتصادية، (27%) علوم قانونية وتتوزع (43%) المتبقية على: الهندسة المعمارية 4800 متخرج، الطب 2150 متخرج، وجراحة الأسنان 930 متخرج، الفلاحة 280 متخرج[44].

والملاحظ أنه رغم سياسات الإصلاح المتبعة خلال هذه الفترة إلا أنه ما زالت وتيرة مجموعة الطلبة المتخرجين، في تباطئ, و يمكن تحديد أهم الأسباب وهي المشاكل التي ما يزال القطاع يتخبط فيها كالتزايد السريع في أعداد الطلبة الملتحقين بالجامعة مقابل نقص المكونين وعدم كفاءة نظام التوجيه الجامعي وكذا عدم التلازم بين ما تقدمه الجامعة من متخرجين ليسوا مرتبطين كيفا بالطلب الاجتماعي في مختلف المؤسسات, إضافة إلى نقص الخبرة التربوية و المهنية لدى هيئة التدريس نظرا لعاملي السن من جهة وغياب التأطير الكفء والأكثر ملائمة ونجاعة من جهة أخرى.

2-2-3- مرحلة المراجعة واستمرار سياسة الإصلاح (1978-1989): تبعا لسياسة التقييم الشاملة التي عرفتها الجزائر فإنه تم التأكيد بالنسبة للجامعة على الاستمرار في الإصلاح المقرر خلال المرحلة التخطيطية السابقة، وجاءت فترة المخطط الخماسي الأول لتدعيم بنود إصلاح الجامعة من ديمقراطية التعليم والجزأرة والتعريب والتوازن الجهوي مع أولوية التكوين التكنولوجي والعلمي، كل ذلك في إطار الانفتاح على الخارج دون التخلي عن ربط كل ذلك بالواقع الجزائري المحلي.

ولا يتكامل مشروع الإصلاح الذي تقرر انتهاج سياسة لتحسين فعالية المحتوى التكويني والتعليمي للوصول إلى أفضل استعمال للإمكانيات والوسائل المادية والبشرية[45].

إضافة إلى مراجعة معايير التوجيه الجامعي ونظام التخصصات وكذا نظامين المنهج الجامعي إذ أشارت وأكدت المصادر الرسمية على ضرورة الاستمرار في البحث على السبيل الذي يؤدي إلى التكامل بين الهياكل القاعدية للجامعة تبعا لما تفرضه حاجات البلاد من كم وكيف للإطارات العليا

مجموع الطلبة المسجلين: حسب ما كان متوقعا مع نهاية المرحلة التخطيطية الخماسية فإن عدد الطلبة المسجلين بلغ 127 ألف طالب خلال الموسم الجامعي (1984و1985) من بينهم 115 ألف طالب في مستوى التدرج في مقابل مخرجات قدرت بـ46 ألف طالب يتوزعون على الفروع العلمية الرئيسية بالنسبة الآتية: العلوم التكنولوجية 12 ألف طالب (26%) العلوم الطبية 9.2 ألف طالب(20%) وتبقى ما يقدر بـ8.8 ألف طالب(19%) لفروع أخرى.

بناء على نتائج الحصيلة التقييمية لعشرية (1967-1980) فإن تحديد توزيع الطلبة على الفروع العلمية تم وفقا للحاجات التنموية للبلاد، ففي سنة 79-80 وزع مجموع الطلبة الذي قدر بحوالي 176 ألف طالب منه 57 ألف طالب في مرحلة التدرج كان نصيب العلوم الاجتماعية و الآداب (41.8%) و العلوم الطبية و علوم الأرض (31.5%) أما نسبة (26.7%) للعلوم الدقيقة و التكنولوجية[46].

مجموع الطلبة المتخرجين:

       لقد قدر عدد الطلبة المتخرجين خلال الموسم الجامعي (1979-1980)  بـ 6933 متخرج أما في الموسم الجامعي (1984-1985) فقد عدد المتخرجين بـ 11482 متخرج، فحسب المصادر الرسمية فإن هذه المعطيات تكشف عن نوع من التوازن بين مجموع الطلبة و أولئك المتخرجين، مع أن ذلك لم يكن في مستوى التوقعات، خاصة قيما يتعلق بأهم البنود التي جرت الجهود لتحقيقه خلال مراحل المخططات التنموية – كما سبق و أن ذكرنا- و المتمثل في إعطاء الأولوية للتكوين التكنولوجي و التقني، فعلى الرغم من التطور الملحوظ عبر مختلف الفترات، فإن النسبة الأكبر لمخرجات الجامعة كانت لصـالح العلوم الاجتماعيـة و الآداب، مقارنـة بالعـلوم الاقتصاديـة، القانونيـة و السياسية، و قد يعود ذلك لأسلوب التوجيه و المحتوى التكويني للفروع، مما يؤدي غالبا للرسوب أو التحول نحو تخصص آخر عادة ما يكون العلوم الاجتماعية و الآداب.[47]

2-2-4 مرحلة الانفتاح الاقتصادي و الإصلاحات الراهنة 1990 إلى وقتنا الراهن:

       على غرار باقي المؤسسات الاجتماعية، فإن الجامعة الجزائرية لم تكن من الممكن أن تنعزل عن مؤثرات و ضغوطات التوجه الاقتصادي الجديد الذي فرضته جملة من الظروف.

       و بغرض إدماجها في السيرورة العامة للمجتمع الجزائري و حركته، تم إحداث تغيرات أو على الأقل محاولة إعادة النظر في جوانب التعليم بالجامعة بغرض التوصل إلى خلق نوع من الانسجام بين مخرجاتها و التغير الحاصل للمؤسسات خاصة الاقتصادية منها.

       فلقد عرفت منظومة التعليم العالي في الجزائر على المستوى الكيفي تطورا كبيرا إذ سجل وجود 60 مؤسسة جامعية موزعة على 41 ولاية، كما تزايد الأساتذة عن ما يزيد عن 29000 أستاذ بتعداد الطلبة المقدر بـ 902300 طالب من بينهم 43500 مسجل في الماجستير و الدكتوراه، كما تخرج أكثر من مليون إطار منذ الاستقلال[48].

       لكن مثل هذا التطور السريع ما كان ليحدث دون أن تتولد عنه اختلالات مردها أساسا إلى الضغط الكبير الناجم عن الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي، و لقد أدى تراكم هذه الاختلالات منذ الاستقلال الوطني إلى جعل الجامعة الجزائرية غير مواكبة بالقدر الكافي للتحولات العميقة في بلادنا على الأصعدة الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية      و الثقافية، و هذا ما يترجم إشكالية المواءمة بين نظام التعليم العالي الكلاسيكي على الاستجابة بفعالية للتحديات الكبرى التي يفرضها التطور غير المسبوق في العلوم  و التكنولوجيات، ما أدى إلى عولمة الاقتصاد و ظهور ما يعرف حاليا بمجتمع المعلومات ثم مجتمع المعرفة و بروز المهن الجديدة، فضلا عن التحديات المتمثلة في عولمة منظومة التعليم العالي.

       إن هذه الوضعية الجديدة تفرض على منظومة التعليم العالي أن تكون قادرة في إطار إستراتجية تطويرها على استيعاب نتائج التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي ميزت تطور البلاد خاصة و المحيط العالمي عامة.

       لقد مكّن الإصلاح الجامعي لسنة 1971 الجامعة الجزائرية في الإسهام بشكل فعال     و حاسم في التنمية الوطنية حيث سمح لها بضمان تكوين إطارات لازمت مؤسسات الدولة و الاقتصاد فضلا عن تلبية احتياجات الجامعة من الأساتذة و تكوين المتكونين[49].

       لقد آن الأوان بعد ما يقارب أربعين سنة من الإصلاحات و التعديلات التي تبعته لخلق الظروف التي تمكن الجامعة الجزائرية من الإنخراط الكلي في سيرورة التنمية القائمة على الديناميكية المتسارعة التي باشرتها البلاد من دفع التحديات الراهنة المستقبلية.

       أمام الأوضاع الشديدة التعقيد المحيطة بجامعة، و أمام تقارير اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي أبرزت مختلف الحلول الواجب إدخالها لا بد من لتمكين الجامعة من القيام بالدور المنوط بها في دفع تكيف منظومتهـا التكوينيـة مع متطلبـات و الحاجيات التي أفرزتها هذه السيرورة.

       و على ضوء توصيات اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية و توجيهات المخطط التنفيذي الذي صادق عليه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 30 أفريل 2002، حددت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي إستراتيجية عشرية لتطوير القطاع للفترة (2004-2013) ، و تتضمن الإستراتيجية في أحد محاورها إعداد و تطبيق إصلاح شامل للتعليم العالي تتمثل المرحلة الأولى لهذا الإصلاح في وضع هيكلة جديدة للتعليم ما يسمى بنظام LMD ذو الأطوار الثلاث التعليمية: ليسانس، ماستر، دكتـوراه هذه الهيكلة التي تستجيب للمعايير الدولية.[50]

حيث يهدف هذا النظام ما يأتي: [51]

ü    المواءمة بين المتطلبات الشرعية الديمقراطية لالتحاق بالتعليم العالي و المتطلبات الضرورية لضمان تكوين نوعي.

ü     إرساء أسس الحكم  الراشد للمؤسسات تستند على المشاركة و التشاور.

ü    إشراك الجامعة في التنمية المستدامة للبلاد.

ü    تمكين الجامعة الجزائرية من أن تصبح من جديد قطبا للإشعاع الثقافي و العلمي على  مختلف الأصعدة.

ü    ضمان تكوين نوعي من خلال الاستجابة للطلب الاجتماعي.

ü    تحقيق تناغم حقيقي مع المحيط السوسيو اقتصادي عبر تطوير كل التفاعلات الممكنة ما بين الجامعة و عالم الشغل.

ü    تدعيم المهمة الثقافية للجامعة من خلال ترقية القيم العالمية لا سيما منها تلك المتعلقة بالتسامح و احترام الغير، في إطار أخلاقيات المهنة الجامعية و آدابها.

ü    التفتح أكثر على التطورات العالمية خاصة تلك المتعلقة بالعلوم التكنولوجية.

ü    تشجيع التبادل و التعاون الدوليين و تنويعهما.

إن العمل على مطابقة الجامعة الجزائرية للمعايير الجامعية المعمول بها دوليا سيكون لها تبعات تتمثل في تحفيز المبادلات بالتعاون و كذا دعم الاعتراف بالشهادات الوطنية  فضلا عن تشجيع الحراك للطلبة و الأساتذة.

       إن هذا الإصلاح الشامل في تصوره و مسعاه التدرجي يهدف إلى ترسيخ طابع المرفق العمومي للمؤسسة الجامعية، و تكريس الخدمة العمومية للتعليم العالي و تعزيز ديمقراطية الالتحاق بالتعليم العالي، مع الحرص على تكوين نوعي يستجيب باستمرار للمعايير الدولية. [52]

       و عليه فإن مجمل الجهود المبذولة في مجال التطوير و الإصلاح هدفها إيجاد الظروف الملائمة البيداغوجية، العلمية، التنظيمية و الاجتماعية الكفيلة بتكوين الموارد البشرية و تطويرها، بصفتها الهدف الإستراتيجي الذي سيزود البلاد ميزة تنافسية أكيدة في عالم يشهد تحولات سريعة و متسارعة في شتى المجالات مما يفرض عليها أكثر ممارسة دورها التنموي في المجتمع بشكل أكثر جدية.

3- الجامعة الجزائرية و دورها التنموي:

       سنحاول من خلال هذا العنصر إبراز الدور الراهن الذي أصبحت الجامعات المعاصرة تقوم به من خلال تفعيل أدوارها، و أردنا من خلال هذا العرض التطرق لدور الجامعة من الناحية التنموية، و هذا اعتبارا من أن التنمية هي عملية تغيير حضاري تستهدف الارتقاء بالمجتمع اقتصاديا، اجتماعيا، تكنولوجيا و بشريا بمشاركة الجميع إضافة إلى اعتبارها حالة ديناميكية  على مختلف القطاعات، لذا سنتناول دور الجامعة في تحقيق التنمية الاجتماعية، الاقتصادية و التكنولوجية باعتبارها مقاييس لرقي المجتمعات المعاصرة.

3-1 التنمية الاجتماعية:  تعرف التنمية الاجتماعية بأنها تهدف إلى تحقيق نمط خاص من التقدم يلاءم خصوصيات المجتمعات النامية، قصد إحداث تغيرات في البنية الاجتماعية و الهياكل الأساسية للمجتمع، و يحدد أحد الباحثين التنمية بأنها: "تكيفا يهدف لتغيير الظروف و التكيف الهادف مع الظروف"[53].

كما تعرف بأنها: "عبارة عن عمليات تغيير اجتماعي تلحق بالبناء الاجتماعي ووظائفه، بهدف إشباع الحاجات الاجتماعية للأفراد و تنظيم سلوكهم و تصرفاتهم، و هي تعني بدارسة مشاكلهم، مع اختلافها... فتحدث تغييرات جذرية شاملة عن طريق المجهودات المخططة و المتعددة و المنظمة للأفراد و الجماعات لتحقيق هدف معين"[54].

كما أن البعض اتجه إلى اعتبار التنمية الاجتماعية هي تنمية العلاقات و الروابط القائمة في المجتمع، و رفع مستوى الخدمات التي تحقق تأمين الفرد على يومه و رفع مستواه الاجتماعي و الثقافي و الصحي،  و زيادة قدرته على تفهم مشاكله و تعاونه مع أفراد المجتمع للوصول إلى حياة أفضل، كما أنها – أي التنمية الاجتماعية- إرادة اجتماعية مستمرة و موحدة تهدف إلى إحداث تغيير و تطوير كمي و نوعي في المجتمع على مراحل زمنية  مخطط لها، و ذلك للوصول إلى وضع اجتماعي و سياسي و تقني يوفر للفرد الرفاهية المعنوية و المادية، ليؤكد هويته من خلال ثقافته و يساهم في تقدم الحضارة[55].

وتقاس التنمية الاجتماعية من خلال مؤشراتها الآتية[56]:

ü    تحقيق حالة معيشية، بتوفير السلع و الخدمات و العلاقات الاجتماعية السوية.

ü    التواصل الفعال بين الفرد و مجتمعه.

ü    انتشار ثقافة مشتركة و متطورة حسب تطور العصر.

ü    المشاركة الإيجابية في صياغة حركة المجتمع بطريقة مباشرة و غير مباشرة.

ü    توسيع قاعدة فرص العمل المنتج  و زيادة الحراك الاجتماعي مع ترسيخ قيم الاحترام و التقدير الاجتماعي لكل أنواع العمل.

يمكننا مما سبق أن نحدد هدف التنمية الاجتماعية في بعض النقاط الآتية:

ü    تهدف إلى تطوير الفرد بتوفير التعليم و الصحة و السكن و القيم الثقافية...

ü    تهدف إلى تغيير اجتماعي مقصود و مرغوب في أبنية المجتمع ووظائفه و في مواقف الأفراد و المجتمعات نحو أنفسهم و نحو المجتمع.

ü    تهدف إلى استثمار العنصر البشري الذي يلعب دور في التنمية الثقافية و العلمية     و الاقتصادية.

أما على مستوى الواقع، فنجد أن الدولة الجزائرية بهدف تطوير الفرد قد انتهجت سياسة تنموية شاملة من خلال المخططات التنموية و من خلال ما تضمنه الميثاق الوطني لسنة 1976 الذي جسد التنمية الاجتماعية من خلال تحسين مستوى معيشة الجمـاهيـر  و توفير الخدمات الصحية، تعميم الديمقراطية و محاولة بناء مجتمع صناعي مساير للنظام العالمي.

       كما عملت الجزائر على ترسيخ العروبة بمفهومها الإسلامي، و إعادة الاعتبار للغة العربية من خلال عمليات محو الأمية و التحكم في العلوم التكنولوجية و محاولة تعزيز التكوين[57].

       إن هذه الأهداف قد أعيد النظر فيها من خلال دستور (1996) الذي أعاد هيكلة التنمية الاجتماعية بما يتناسب و التوجه العالمي الجديد الذي انتهجتها لجزائر، و من هنا يظهر لنا دور الجامعة كمؤسسة تكوينية علمية اجتماعية و ثقافية في التنمية الاجتماعية للمجتمع الجزائري، فالجامعة بتأديتها لوظائفها الأساسية تساهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاجتماعية، و هذا ما نوضحه في النقاط الآتية:

ü    محو الأمية، و ذلك من خلال مجانية و تعميم التعليم العالي.

ü    تحسين سلوك الأفراد، فسلوك رجل الشارع فعلا ليس كسلوك الرجل الجامعي.

ü    تحسين الأحوال الصحية، و ذلك من خلال زيادة نسبة المسجلين في فرع الطب      ( اكتفاء ذاتي على مستوى القطاع الصحي)

ü    محاولة القضاء على البطالة من خلال فتح مناصب شغل ( في أكثر من 60 جامعة عبر41 ولاية جزائرية)

ü    تساهم في التنشئة الاجتماعية للأفراد في المجتمع الجزائري.

كما يساهم البحث العلمي – و لو كان شحيحا- في تقديم الحلول للمشكلات الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية الخاصة بالسكن و الصحة و الجريمة، كما يساهم في إنتاج المعرفة خاصة و أننا نواجه عصر المعرفة من خلال عرضا لبعض ما يمكن أن تقدمه الجامعة الجزائرية للتنمية الاجتماعية للفرد الجزائري نجد أن تطور هذا الأخير مرهون بمدى قدرة الجامعة الجزائرية على استكمال مهمتها في أكمل وجه.

3-2 التنمية الاقتصادية: تعتبر التنمية الاقتصادية مقياس تقدم المجتمعات، و هذا عن طريق استنباط أساليب إنتاجية جديدة لإنماء المهارات و الطاقات البشرية، إضافة إلى زيادة المال في المجتمع، و من ثم فإن التنمية الاقتصادية تنطوي على تغيرات اقتصاديـة و اجتماعية و هيكلية و تنظيمية.

       كما أنها تتضمن زيادات في الدخل القومي الحقيقي و زيادة دخل الفرد، و هذا ما يساعد على زيادة الادخار مما يدعم التقدم داخل المجتمع، كذلك تشمل تحسين كل من مهارة وكفاءة و قدرة العامل على الحصول على الدخل و تنظيم الإنتاج بطريقة أفضل      و تطوير وسائل النقل و المواصلات، و تقدم المؤسسات المالية، إضافة إلى زيادة معدل التحضر و تحسين مستوى الصحة والتعليم و توقعات الحياة[58].

كما نجد أفريد مارشال يرى أن التعليم العالي الجامعي يعتبر نوع من أنواع الاستثمار، و الذي اهتم به رجال الاقتصاد في التنمية الاقتصادية، و أشار إلى أن ما ينفق على التعليم ينبغي أن لا يقاس بالعائد المباشر منه، فهناك فائدة عظيمة تتأتى من إعطاء الأفراد فرصا متزايدة من التعليم العالي التي من خلالها يتم كشف مواهبهم و قدراتهم[59].لعامل على الحصول على الدخل و تنظيم الإنتاج بطريقة أفضل، و تطوير وسائل النقل و المواصل

كما اعتبرت الكثير من البحوث و الدراسات أن  المستوى التعليمي لسكان المجتمع من أهم المؤشرات الدالة على وجود تنمية اقتصادية، لأنه ينشط النمو الاقتصادي و يتغذى منه و يغذيه.

و حاليا لا يتم تحقيق تقدم اقتصادي إلا إذا توفرت عناصر من الطاقة البشرية ذات الإعداد الجيد ، التكوين، و القابلة للتطور من حيث النوع و المستوى، و هذا الأمر لا يتم إلا إذا توفر نظام تعليمي يرتبط بمخطط التنمية كما أكدت دراسة "Heyneman" أن التعليم الجامعي يؤهل الأفراد لمكنات اقتصادية مرموقة في المجتمع، كما يدر على الفرد دخلا شهريا معتبرا، كما أشار أيضا في هذه الدراسة بضرورة إدخال آليات السوق إلى الجامعات  بحيث تعد هذه الأخيرة طلبتها للعمل في المصانع و الشركات و القطاعات الإنتاجية المختلفة.[60]

و يأتي في السياق نفسه تقرير أعد حول العوائد من الاستثمار في التعليم العالي حيث يشير التقرير على أن العوائد من الاستثمار يظهر في عمل الفرد و زيادة إنتاجيته ليس هذا فحسب تتعدد الفوائد التي تعود على الفرد و المجتمع، و هذا ما ينعكس بدوره على التنمية الاقتصادية و زيادة الدخل القومي العام في المجتمع، إضافة لذلك يرى خبراء الاقتصاد أن توفير رأس المال هو العلاج الطبيعي للركود و التخلف الاقتصادي لذلك وجب الاستثمار المستمر للتعليم الجامعي الذي يؤثر بدوره على مستوى الدخل من خلال تحسين نوعيته و أنشطته البحثية و الاجتماعية.[61]

على أساس ما سبق فقد أصبحت الجامعات في المجتمع أحد أهم مؤسسات الإستثمارية لتحقيق التنمية الاقتصادية، خاصة وأنها تسعى إلى تكوين نخبة قادرة على التخطيط الجيد و الفعال، و الجامعة نراها تحاول من خلال هيكلة منظومتها الجديدة لتحقيق وضمان تكوين نوعي قصد تحقيق أفضل مجال للنمو و المنافسة الاقتصادية.

3-3 التنمية البشرية:  إن الاهتمام بمفهوم التنمية البشرية ليس جديدا، بل هو تراث قديم  إذ نجد ابن خلدون قد طرح العديد من المقولات و الأفكار التي تعكس إسهاماته في تعظيم الإنسان و اهتمامه بالعديد من القضايا و الأبعاد التي تعد الآن- و نحن في القرن الواحد     و العشرين- مكونات أساسية في التنمية البشرية، حيث كرس الباب الخامس من الأبواب الستة الواردة في "المقدمـة" و بالأخص في المبـحث " المعـاش ووجهـه مـن الكسب و الصنائع" و ركز في الفصل الأول من هذا الباب على البحث في حقيقة الرزق و الكسب موضحا أن الكسب هو قيمة الأعمال البشرية.[62]

       و عليه يعتبر مفهوم التنمية البشرية مفهوما متكاملا وشاملا، فهي تعتبر الكائن البشري أولوياتها الأولى و تضعه منذ البداية في مركز اهتمامها، فهي تعني توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس و في مقدمة هـذه الخيـارات الحياة الخاليـة مـن العـلل و الأمراض و اكتساب المعرفة و الحصول على موارد تكفل المستوى المعيشي الكريم على جانب خيارات أخرى كالحرية و ضمان حقوق الإنسان و غير ذلك، فالتنمية البشرية تسعى إلى إدماج ما يسمى بالخارجيات، كما تعتبر أن العناصر البشرية و المؤسسة هي غايات مباشرة فضلا عن كونها وسائل، و تعتبر أيضا أن المبادئ و الأهداف الاقتصادية ليست الوحيدة في التنمية البشرية، و بهذا المعنى  يمكن التمييز بين جانبين من التنمية فجانب يتعلق بتكوين القدرات البشرية و الجسدية و الفكرية و تعزيزها، و يتناول جانب استخدام الغذاء و الصحة و التعليم و اكتساب المهارات المختلفة، و الجانب الآخر يتناول استخدام الناس لقدراتهم و الانتفاع بها في الأنشطة الاجتماعية و الثقافيـة و السياسيــة و بذلك تكّون التنمية.[63]

       كما نجد الأمم المتحدة قد أعطت اهتماما خاصا بمصالح التنمية البشرية منذ عام 1990 عندما أصدرت التقرير الأول لتنمية البشرية، و يمكن تعريف التنمية البشرية بأنها:" عملية توسيع القدرات البشرية و الانتفاع بها".[64]

       و من خلال التعاريف السابقة و خاصة التعريف الخاص بالأمم المتحدة، أن التنمية البشرية لها جانبان، جانب تكوين القدرات، و جانب الانتفاع و الاستفادة من هذه القدرات  فالجانب الأول قيم تكوينية من خلال التعليم و التدريب،  و هنا ندخل  مهام الجامعة بشكل مباشر في تكوين الفرد و تزويده بمختلف المعارف و المهارات، و بفتح تخصصات جديدة تناسب و متطلبات العصر مع الحرص على تخريج كوادر بشرية مؤهلة لكل التغيرات الحاصلة داخل البيئة الداخلية و الخارجية لها.

       و كان هذا التطور مدعاة للاهتمام بعمليات الإصلاح في التعليم العالي، و هذا ما نجده على مستوى الإصلاحات التي تقوم بها الجامعة الجزائرية قصد تكوين طاقة بشرية كفئة قادرة على التصدي لمختلف التحديات الخارجية، و قصد توظيفها أيضا في مختلف القطاعات التنموية الأخرى، لذا نرى أن الجامعة هي معقل بناء القوى البشرية بمختلف المهارات العلمية و التقنية و هذا قصد إنتاج المعارف لمجارة العصر الحالي.

3-4 التنمية التكنولوجية: تعتبر البيئة التكنولوجية من المفاهيم التي ناقشها الكثير من الباحثين و المفكرين، على اختلاف أرائهم و هذا راجع لاختلاف تخصصات الباحثين       و تطور خصائص التكنولوجيا، هذه الأخيرة التي تعبر بكونها هي:"المعرفة المنظمة التي تتصل بالمبادئ العلمية و الاكتشافات، فضلا عن العمليات الصناعية و مصـادر القـوة و طرق النقل و الاتصال الملائمة لإنتـاج الســلع و الخدمات، كما أنها تعني بوصف العمليات الصناعية و لكنها تتبع تطورها، معنى ذلك أن التكنولوجية تكشف عن أسلوب الإنسان في التعامل مع الطبيعة و التي من خلالها يدعم استمرار حياته".[65]

و هناك أربعة عناصر متشابكة و متكاملة تشمل التكنولوجية و هي: الأدوات  طرق العمل  العلم و القدرة على الابتكار، إذا يمكن أن نعرف التكنولوجية على أنها مجموعة المعارف المستخدمة في إنتاج السلع و الخدمات و في خلق سلع جديدة. [66]

كما تعرف التكنولوجية أنها كل ابتكار في ميدان العلم و التقنية لهذا فصفة الحداثة تبقى مؤقتة لأنها قد تبقى عادية بعد سنوات. [67]

       لقد أصبحت التكنولوجية مقياس لتطور المجتمعات المعاصرة، لذ فإن دور الجامعات في تحقيق التنمية التكنولوجية مهما خاصة لمواجهة البيئة التنافسية التي تشهدها ذات المجتمعات في هذا المجال.

و يمكن إبراز دور الجامعات في التنمية التكنولوجية من خلال:

- العمل على تفعيل العلاقة بين العلم و المجتمع.

- تنمية القدرات الفردية من خلال إعطاء فرص الإبداع و الابتكار.

- العمل على انتشار التكنولوجية من خلال تعميمها و تطويرها.

- العمل على تحديد الأهداف التكنولوجية ( التطبيق و التطويع، المحاكاة) و البتكار من خلال تشجيع البحث العلمي.      

ومن خصائص هذه المجتمعات حسب"Whilaker":[68]

-       وجود رؤية مشتركة يعمل الأفراد على حقيقتها من خلال الشراكة الفاعلة.

-       توفير فرص مستمرة ومتنوعة لتبادل الخبرات والتعلم، تحمل المسؤولية الإخلاص   في العمل.

-       دعم عمليات الإنتاج المعارف من خلال العمل بروح الفريق واستخدام قواعد المعلومات.

-       استعمال التكنولوجية بشكل مكثف ودمجها في التعليم والتعلم.

-       توفير فرص متعددة للبحث والاستقصاء وحل المشكلات.

-       الشراكة الفاعلة ومد جسور التواصل مع البيئة المحيطة.

-       المرونة والتحرر العقلي وسعة الأفق والاستعداد لتبني قيم جديدة.

إن الجامعات العربية بحاجة ماسة على أن تتحول إلى مجتمعات للتعلم كأحد أبعاد مجتمع التعلم السياسية، وهو نشر ثقافة التنمية التي تعمل على تحقيق النمو المستمر لأعضاء هيئة التدريس والارتقاء بمستواهم الأكاديمي والمهني والعلمي، وتدريبهم على تجريب الأفكار الجديدة في إطار فريق عمل متكامل .  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلاصـة:

لقد مر التعليم العالي في الجزائر بعدة مراحل،  تكونت خلالها الجامعة الجزائرية و التي لا تختلف من حيث الشكل عن تلك الموجودة في المجتمعات الأخرى من حيث الأهداف و الوظائف و التحديات، المتحورة حول توفير الكفاءات و القيام بالأبحاث العلمية، و نشر الثقافة الوطنية و ترسيخها، و الإسهام في مسيرة التنمية.

إن الإدارة الفرنسية في فترة تواجدها في الجزائر أعطت صبغة خاصة للجامعة في الجزائر غدة الاستقلال تجلت في لغة التعليم و برامجها التي بقيت لفترة طويلة، بالإضافة إلى البرامج و حتى هيئة التدريس، هذا ما جعل هم الجامعة منصبا على التحرر من الهيمنة الثقافية الفرنسية، فقامت بإصلاحات عديدة أهمها إصلاحات سنة1971، لكن هذه الإصلاحات اصطدمت بظروف واقعية أفرزت العديد من المشكلات المرتبطة بمسار الإصلاح ذاته أو بأزمات على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي أدت إلى تأجيل أو التخلي عن بعض تلك الإصلاحات أو عدم تطبيقها، و هو ما ظهر من خلال التعديلات المستمرة و المتواصلة، إلى غاية ظهور النظام  الجديـد المطبـق في 2004 و المتمثل في نظام LMD و الذي يعتبر في  رأي البعض ضرورة من أجل مواجهة تحديات الجامعة الجزائرية أمام التنمية خاصة على المستوى الاقتصادي الذي أفرزته تحديات العولمة و تكنولوجيا المعلومات و الجودة الشاملة، بالإضافة إلى محاولة ربطها بالنسق الخارجي – المؤسسة- و هذا ما سنحاول معرفته على مستوى واقع الجامعة الجزائرية ، و شركائها في سوق العمل في الفصل الموالي.



[1]- عريفج سلطي، الجامعة و البحث العلمي، دار الفكر العربي للطباعة و النشر و التوزيع، عمان، ط1، 2001، ص23.

[2]- حامد عمار، الجامعة رسالة و مؤسسة، دراسات ثقافية، القاهرة، 2002، ص 24.

-[3] نفس المرجع ، ص20

-[4] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المرسوم رقم 83-544 المؤرخ في 24/09/1983.

-[5] محمود السمرة، الجامعات و مشكلات العصر، وزارة التراث القومي و الثقافة، عمان، 1993، ص15.

-[6] مسعودة عذاوري، التكوين الجامعي بين الواقع المأمول، رسالة ماجستير في علم الاجتماع التربوي (غير منشورة)، جامعة الجزائر، 2006، ص54.

-[7]  نفس المرجع، ص55.

-[8] لمياء محمد أحمد السيد، العولمة ورسالة الجامعة، رؤية مستقبلية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2002، ص219.

-[9] مسعودة عذاوري، مرجع سابق، ص59.

[10]- سمير الجسر، كلمة افتتاحية، الاجتماع الاول للجنة الموسعة لإعادة تنظيم التعليم العالي الخاص في لبنان، قصر الإينيسكو، بيروت، 2003، الاستخراج في 10/ 02 / 2008 ، نقلا عن:http// www.ksau.info

[11]- عبد الله بوطانة، الجامعة وتحديات المستقبل للتركيز على المنطقة العربية، مجلة عالم الفكر، مجلد 19، العدد 02، 1998، ص 93.

[12]- مسعودة عذاوري، مرجع سابق، ص ص 50،59.

[13]- فريد نجار،  إدارة الجامعات بالجودة الشاملة،.إيتارك للنشر والتوزيع ، القاهرة، طـ 02، 2002، ص54.

-[14] طاهر حجار،  جامعات  الجزائر 1909- 2006،. مطبعة جامعة الجزائر، ا لجزائر، 2006، ص06.

· تم إنشاؤها بموجب مرسوم مؤرخ في 03 أوت 1837.

-[15] نفس المرجع، ص10.

[16]- Jean (M).  Histoire de l' université d' Alger. Edi la maison des liveres .  Alger.  P.104.

[17]- Guy (P).  Les étudiants Algériens universités Françaises de 1880-1962.  édition centre national de recherche scientifique.  France.  1984. PP20-21.

[18]- Jean (M).  Opcit.  P104.

[19]- L'association des amies de l'université.  L'université  d'Alger.  Cinquantaine 1909-1959.  L'imprimerie officielle de délégation général du gouvernement en Algerie.  Alger.  1959. P.115.

-[20] طاهر حجار،  مرجع سابق، ص08.

[21]- L'association des amies de l'université.  Opcit. P.16.

-[22] طاهر حجار، مرجع سابق، ص ص 17،23 .

[23]- Guy (P). Opcit .PP. 20 .21.

[24]- محمد الطاهر عيسات،  مرجع سابق، ص52.

[25]- العربي فرحاتي،  "الجامعة الجزائرية من أزمة التحديث إلى محنة العولمة"، دفاتر المخبر، العدد 02، بسكرة، 2006،ص123.

-[26] لحسن بوعبد الله، محمد مقداد، مرجع سابق، ص 05.

-[27] محمد الطاهر عيسات،  مرجع سابق، ص ص54، 58.

-[28] لحسن بوعبد الله، محمد مقداد، مرجع سابق، ص 05.

-[29] نفس المرجع ، ص ص 06،08.

[30]- نفس المرجع، ص ص 06، 08.

[31]- رابح تركي، أصول التربية و التعليم، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1990، ص 159.

[32]- ولد خليفة محمد العربي،  المهام الحضرية للمدرسة و الجامعة الجزائرية، مساهمة في تحليل و تقييم نظام التربية و التكوين و البحث العلمي،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1981، ص 156.

[33]- ركيبي عبد الله، التعليم العالي في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية،  حوليات جامعة الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، رقم01، 1986 ،ص 159.

-[34] نفس المرجع، ص 163.

-[35] ولد خليفة محمد العربي،  مرجع سابق ،ص 251.

[36]-  ركيبي عبد الله، مرجع سابق ،ص 155.

[37]-ابن اشنهو مراد، نحو الجامعة الجزائرية ، تأملات حول مخطط جامعي ، تر: عائد أديب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1981 ،ص 07.

[38]- ركيبي عبد الله، مرجع سابق، ص 155.

[39]- ولد خليفة محمد العربي، مرجع سابق، ص 195.

-[40] لحسن بوعبد الله، محمد مقداد، مرجع سابق، ص 07.

-[41] رابح تركي، مرجع سابق ،ص 159.

-[42] محمد الطاهر عيسات،  مرجع سابق ، ص52.

-[43] نفس المرجع، ص53.

-[44] نفس المرجع، ص55.

-[45] لحسن بوعبد الله، محمد مقداد، مرجع سابق، ص 07.

-[46] مسعودة عذاوري، مرجع سابق، ص64.

[47]- نفس المرجع، ص 66.

-[48] الجمهورية الجزائرية ، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي، إصلاح التعليم العالي، جوان 2007.

[49]- نفس المرجع.

[50]- نفس المرجع .

[51]- نفس المرجع .

[52]- الجمهورية الجزائرية ، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي، إصلاح التعليم العالي، جوان 2007.

-[53] زايد مصطفى، التنمية  الاجتماعية و نظام التعليم الرسمي في الجزائر( 1962-1980)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986، ص03 .

-[54] إبراهيم أبو الحسن عبد الموجود، مرجع سابق، ص20 .

-[55] واثق عبد الله و آخرون، إستراتيجية تطوير العلوم الثقافية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، دون تاريخ، ص109.

-[56] حامد عمار، في التوظيف الاجتماعي للتعليم، مكتبة الدار العربية، القاهرة،1997، ص15 .

-[57] زايد مصطفى، مرجع سابق، ص157.

[58]- عجمية محمد عبد العزيز و آخرون، التنمية الاقتصادية مفهومها، نظرياتها، سياستها، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص 21.

[59]- مرسي محمد، تخطيط التعليم  و اقتصادياته، عالم الكتب ، القاهرة، 1998، ص 74.

[60]- حسين عبد الحميد، أحمد رشوان، العلم و التعليم من منظور علم الإجتماع، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص 172.

[61]- أحمد حسين الصغير، التعليم الجامعي في الوطن العربي، تحديات الواقع و رؤى المستقبل، عالم الكتب ، القاهرة، 2005، ص 86.

[62]- عبد الرحمان بن خلدون، المقدمة (ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و من عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر )، دار الفكر و النشر  و التوزيع، لبنان،ط1، 2004، ص ص398،399.

[63]- حميدوش علي، "التنمية البشرية و قضايا التشغيل مع الإشارة للجهود الجزائرية"، مجلة الأبحاث الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية و التسيير، جامعة البليدة، العدد01، 2006،ص 177.

-[64] عطية عبد القادر محمد عبد القادر، اتجاهات حديثة في التنمية، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2003، ص 49.

[65]- عاطف غيث محمد، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 1995، ص484 .

[66]- إبراهيم أبو الحسن عبد الموجود، التنمية و حقوق الإنسان نظرة اجتماعية، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة، 2006، ص236 .

[67]- بوقلقول الهادي، "تكنولوجيا المعلومات كأداة قوية في خدمة مسعى الجودة الشاملة"، التواصل، مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية، عنابة 2006، ص57.

[68] - أحمد حسين الصغير، مرجع سابق، ص 60.

الاسمبريد إلكترونيرسالة