JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

مذكرة بعنوان تغيير نظام الزواج داخل المجتمع الحضري مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في علم الاجتماع الحضري تخصص: علم الاجتماع الحضري

خط المقالة

 

1- الإشكالية :

يعتبر الزواج ظاهرة اجتماعية مهمة، ويرتبط ارتباطا وثيقا بما هو سائد من عادات وتقاليد وقيم منتشرة في أي مجتمع، والجزائر وكما هو معروف وعلى غرار باقي الدول العربية والإسلامية فإن أهم شيء يميز الزواج فيها هو تلك الصبغة الدينية المرتبطة به قصد تكوين أسرة وسد الحاجة البيولوجية لكل من الرجل والمرأة في نطاق شرعي وقانوني يجنبهما الدخول في دائرة الفساد الأخلاقي، وما ينتج عن هذه العلاقة من إنجاب للأطفال وتنشئتهم وفقا لما يرونه مناسبا لهم مصـداقا لقــــوله تعالى : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ . (سورة النحل: الأية 72)

عرفت الجزائر حديثا تغيرات عديدة وفي شتى المجالات أملتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية، والتي كان لها الدور الكبير في تغير ملامح ظاهرة الزواج ومسارها، ابتداء من ارتفاع سن الزواج الأول والذي تعدى الثلاثين سنة حسب إحصائيات سنة 2002 مقارنة بـ 18 سنة في سنة 1966، مرورا بارتفاع نسبة العزوبة لدى الجنسين من11% بداية الستينات إلى 83% سنة 2002.

إضافة إلى هذا التغيّر فلقد كان زواج الأقارب وإلى وقت قريب السمة الأبرز للزواج في أغلب المجتمعات العربية والأكثر شيوعا فيها. بحيث شكل هذا النوع من الزواج ما نسبته 66% من مجموع الزيجات في السودان، و58% في كل من العراق والسعودية و56% في الأردن، وما يقارب 40% في الجزائر.[1]

لقد أثرت مختلف تلك التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العديدة في الجزائر على نفسية الفرد الجزائري، بحيث تغيرت نظرته للزواج عامة وللزواج من الأقارب خصوصا، بعدما شكل هذا النوع من الزواج الحجة والذريعة للإبقاء على روابط العائلة من الناحية الاجتماعية (العرق) والاقتصادية (ممتلكات العائلة) الشيء الذي سمح بالتحرر من كل العادات والتقاليد الزواجية السائدة، فأضحى الزواج من خارج العائلة أو القبيلة يتطور باستمرار الشيء الذي أدّى إلى ضعف زواج الأقارب، وأصبحت ثقافة التعرف على الخارجي تلقى إقبالا في الوسط الحضري مقارنة بزواج الأقارب متسلحا بضعف سلطة الآباء والآثار السلبية لهذا الزواج على الأبناء من الناحية العقلية والجسدية (معاقين).

ومن كل ما سبق ذكره يمكن طرح التساؤل العام التالي:

 

 

 

- ما هي أوجه تغير نظام الزواج في الأسرة الحضرية الجزائرية؟

بالإضافة إلى الأسئلة الجزئية التالية:

- هل ساهمت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في ارتفاع سن الزواج الأول في الجزائر؟

- هل ساهمت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في تقلّص وتراجع الزواج الداخلي في الجزائر؟

2 – تحديد فرضيات الدراسة :  

للفرضية دور مهم في البحث العلمي من خلال أنها ترسم للباحث إطاراً واضح المعالم، هذا الإطار يقدم للباحث خطوات أساسية يتبعها لكي يصل إلى نتائج علمية وصحيحة، وبغية الوصول إليها ولأن موضوعي يشمل متغيرين فإننا اقترحت الفرضية العامة التالية:

- التغيرات الاقتصادية والاجتماعية ساهمت بشكل كبير في تغير نظام الزواج داخل المجتمع الحضري.

الفرضيات الفرعية :

-الفرضية الفرعية الاولى:

- ساهمت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في ارتفاع سن الزواج الأول في الجزائر.

-الفرضية الفرعية الثانية :

- ساهمت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في تقلّص وتراجع الزواج الداخلي في الجزائر .

3- تحديد أهمية الموضوع:

يعد نظام الزواج ظاهرة اجتماعية مهمة في جميع المجتمعات أخذت أشكالا مختلفة عبر العصور، وبحيث أنه يلامس العديد من الجوانب الاجتماعية الأخرى من خلال نتائجه كالإسكان والتعليم والصحة كانت هناك دراسات عديدة بغية توفير معطيات حقيقية وقوية حوله لتستعمل من بعد في التخطيط والتنمية والتطوير،  فعملت الدول على ضرورة الاهتمام والاستفاضة العلمية في هذا المجال، إضافة إلى ذلك فإن الموضوع يكتسي أهميته من خلال مايلي:

- الموضوع يتناول ظاهرة مهمة وبالغة الخطورة على المجتمعات وهي تأخر سن الزواج الأول وما ينجرّ عنه من انعكاسات خطيرة على الحياة الاجتماعية و الديموغرافية.

- دراستي تتناول موضوع زواج الأقارب الذي كان إلى وقت قريب إحدى التحديات التي تعرقل مسيرة بعض الشباب ونظرتهم إلى الزواج.

4- أهداف الدراسة:

- الموضوع يحاول تسليط الضوء على أبعاد ظاهرة الزواج و ما يتعلق بها من تأخر سن الزواج الأول، إضافة إلى الكشف عن أسباب تغير الرؤى حول زواج الأقارب.

- إعطاء حلول مقترحة و تصورات بغية الحد أو التخفيف من مشكلة استمرار ارتفاع سن الزواج.

- التعرض إلى ظاهرة الزواج الداخلي (زواج الأقارب) و محاولة ترصد اتجاهاته.

5 – تحديد أسباب اختيار الدراسة : اختيار الموضوع

من بين جملة الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع :

– استفحال ظاهرة تأخّر سن الزّواج الأول.

– اهتمامي وشعوري بالأبعاد الخطيرة لنتائج هذه الظاهرة على المجتمع.

– تراجع معدّلات الزّواج الداخلي في الجزائر.

– قلة الدراسات والأبحاث في هذا الجانب ومحاولة منا لإثراء الموضوع.

6 - تحديد المفاهيم:

قبل الغوص في الدراسة كان لزاما علينا شرح وإزالة الغموض عن بعض المفاهيم المتعلقة بالدراسة ومن بين هذه المفاهيم:

6-1- الزواج : هو تلك العلاقة التي يتم ربطها بين رجل و امرأة عن طريق العقد الشرعي والمدني، يتم بموجبه تنظيم وسد الحاجات البيولوجية لكل منهما والتي تتمثل في إشباع الرغبة الجنسية إضافة إلى الإنجاب والتكاثر والحفاظ على النوع البشري عن طريق تكوين أسرة، و ممارسة جميع الوظائف الاجتماعية من تربية الأولاد، وتعليمهم والاهتمام بهم.

6-2- مفهوم الزواج الداخلي : هو من بين طرق اختيار شريك الحياة على أساس القرابة أي من نفس الجماعة بغية الحفاظ على خصائص ومميزات هذه الفئة كالخصائص البيولوجية والجمال والذكاء والقوة الاقتصادية أو الدينية.

ويعرف على أنه زواج من داخل جماعة معينة مثل فئة القرابة ، القبيلة ، طبقة اجتماعية ، طائفة دينية.[2]

6-3- تعريف القرابة : أن معجم العلوم الاجتماعية يعرف القرابة على أنها : انتماء شخصين أو أكثر إلى جد واحد أو اعتقادهم أن لهم جدا واحدا وانحدروا منه، وقد تكون هذه القرابة حقيقية وقد تكون متخيلة أو قانونية تقوم الأولى على صلة الدم في الغالب، أما الثانية فتظهر في قرابة التبني وفي معظم المجتمعات البشرية نجد القرابات الشهيرة : الوالد والوالدة الجد والجدة والعم والعمة .......إلى غير ذلك.[3]

وخلاصة المفهوم أن الزواج القرابي أو الداخلي هو الزواج الذي يربط بين جنسين مختلفين من نفس الدائرة أو الوسط القرابي سواء كانت دموية أو مصاهرة من جهة الأم أو الأب بعيدة كانت أم قريبة.

6-4- تعريف الوسط الحضري : المقصود بالوسط الحضري كما جاء به محمد عاطف غيث ''المدينة تقابل الريف'' فهو نوع من مجتمع يتكاثف فيه السكان في موقع معين ينظمون حياتهم وفقا لأساليب تختلف عن أساليب سكان الريف، ويتميز الوسط الحضري بعدة صفات منها:

- يتميز بالاختلاف الواضح في اللغات والثقافات وحتى  الأديان.

- ضعف الانتماء للجماعة.

- يغلب عليه طابع الخدمات والصناعة بخلاف الريف.

- يحتوي على الأسر النووية وتعدد الأدوار خاصة للمرأة.

6-5- تعريف التغير : فسر كل من جبرت و ميلز التغير على أنه: التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها الأفراد وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة من الزمن.[4]

وذكر العالم ولبرت مور أهم الصفات التغيرية التي يشهدها العالم المعاصر وهي كالتالي:

- التغير السريع الذي يحدث في المجتمع أو الحضارة يكون إما مستمرا أو منقطعا.

- تكون التغيرات بشكل سلسلة متتالية من الأحداث تتبعها فترات هادئة يعم فيها البناء والتعمير ويكون لنتائجها صدى على العالم كله.

- إن نسبة التغير في الوقت الحاضر هي الأعلى مقارنة بالزمن السابق.

- يكون التغير سريعا في مجالات التكنولوجية المادية وفي السياسات الاجتماعية.

- يؤثر التغير على خبرات الأفراد وعلى النواحي الوظيفية للمجتمعات المعاصرة وذلك لتعرض جميع أفراد المجتمع للتغيير.[5]

يمكن اختصار التغير الاجتماعي على أنه التحول الذي يمس البناء والقيم والأدوار في زمن معين ويعود بالسلب أو الإيجاب.

6-6- تعريف سن الزواج: هو السن الذي يسمح قانونا للرجل والمرأة بالزواج فيه، وقد تطور في الجزائر مع مرور الوقت كما يوضحه الجدول التالي:

الجدول رقم (01): يبين مراحل تطور سن الزواج القانوني في الجزائر.

المرأة

الرجل

                الجنس

 

       السنة

15

15

1930

15

18

1959

16

18

1963

18

21

1984

6-7- تعريف تأخر سن الزواج : هو ارتفاع سن الزواج بالنسبة للجنسين حيث أن متوسط سن الزواج الآن هو 32.5 سنة بالنسبة للمرأة و35.5 سنة بالنسبة للرجل وكل من تجاوز هذا السن يدخل في إطار تأخر سن الزواج.

7- الدراسات السابقة:

        تعتبر الدراسات السابقة الأرضية التي تنطلق منها الدراسات اللاحقة، إذ كل دراسة تكمل الأخرى ونجد هذا خاصة في العلوم الاجتماعية، ومن جملة الدراسات التي تطرقت إلى موضوعي وفي حدود ما توفر للاطلاع عليه نجد:

7-1 -الدراسات التي تناولت موضوع تأخر سن الزواج: ولقد اخترنا نموذجين أحدهما تم تناوله في الجزائر، والنموذج الآخر تم تناوله في سوريا كمثال عن الدول العربية.

- النموذج الأول: دراسة ميدانية بعنوان "ظاهرة العنوسة في الجزائر" من إعداد آمال بن عيسى بجامعة البليدة بالجزائر في أكتوبر 2008 م.

تهدف الدراسة إلى التعرف على الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الجزائري، وذلك من خلال الظروف المعيشية التي يعيشها الشاب الجزائري ونوعية التنشئة التي تتلقاها الفتاة بالإضافة إلى إمكانية تصريف العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج في ظلّ التغير الاجتماعي وغياب الوازع الديني.

انطلقت الدراسة من تساؤل رئيسي:

        - ما هي الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمع الجزائري؟

اعتمدت الباحثة في دراستها على عينة تتكون من 121 امرأة. 51 امرأة ماكثة بالبيت تم الحصول عليها عن طريق الكرة الثلجية، و70 امرأة تم الحصول عليها عن طريق التوجه إلى مؤسسات معينة) المؤسسات التربوية، القطاع الصحي،...) وقد اختارت العينة القصدية الموجهة المناسبة لطبيعة موضوعها.

كما استخدمت الباحثة في دراستها المنهج الوصفي التحليلي بغرض محاولة وصف ظاهــرة العنوسة، وذلك من خلال جمع المعلومات والمعطيات الخاصة بالظاهرة بالإضافة إلى اعتمادها على المنهج الإحصائي وذلك من أجل محاولة الاقتراب أكثر من الموضوعية والدقة وذلك باستخدام الكم. أما بالنسبة للتقنيات فقد استخدمت الباحثة في دراستها لجمع المعطيات من الواقع وتحليلها الملاحظة، المقابلة والاستمارة بالمقابلة بالإضافة إلى دراسة حالة، ومن خلال الدراسة الميدانية التي قامت بها الباحثة وتحليل النتائج توصلت إلى أن الظروف المعيشية التي يعيشها الشاب الجزائري لها دخل في انتشار الظاهرة، فبطالة الشاب وصعوبة الحصول على السكن وارتفاع تكاليف الزواج في ظل غلاء المعيشة شكلت أهم العوامل التي تقف أمام إقبال الشاب على الزواج. كما أن المرأة شهدت عدة تغيرات هامة بحيث أصبحت تسعى إلى إثبات ذاتها في المجتمع من خلال التعليم والعمل  أولا ثم الزواج، وارتفاع مستواها التعليمي غير من نظرتها نحو بعض السلوكيات الاجتماعية وفي مقدمتها الزواج، وحسب الدراسة فان الطموح العلمي للفتاة والعمل لقي تشجيعا من طرف الأسرة وخاصة الأم.

وقد انعكس الطموح العلمي المتزايد بالسلب على بعض النساء بحيث تسبب في عنوستهن، وقد تتسبب العنوسة في ظل التغير الاجتماعي وغياب الوازع الديني في انحراف بعض النساء، كما ساهم التفتح على الثقافات التي لا تمد إلى عاداتنا وقيمنا بصلة إلى تشبع بعض الأفراد بمفاهيم لا تشجع على الزواج، أما إشباع الغرائز الجنسية فقد وفر المجتمع العديد من القنوات غير الشرعية لتحقيق ذلك وقد لعبت وسائل الإعلام  والاتصال دور لا يستهان به في ذلك، خاصة أمام رغبة بعض الشباب في الزواج وغياب الوسائل المشروعة لتحقيق ذلك. [6]

وفي الأخير استنتجت الباحثة أن ظاهرة العنوسة وليدة تفاعل العديد من العوامل الاجتماعية الثقافية، النفسية، الاقتصادية، وحتى السياسية فعدم استقرار المجتمع وغياب الأمن يصرف الشاب عن الزواج، وتتفاوت هذه العوامل من حيث قوة تأثيرها في انتشار ظاهرة العنوسة.

- النموذج الثاني: دراسة بعنوان: "تأخر سن الزواج لدى الشباب الجامعي" من إعداد جلال السناد كلية التربية جامعة دمشق.

يهدف البحث إلى الكشف عن أسباب تأخر سن الزواج كما تراها عينة من طلبة كليتي التربية والهندسة في جامعة دمشق، كما يهدف إلى معرفة الفروق بين أفراد العينة تبعا لمتغيرات البحث: الجنس، السنة الدراسية، الكلية.

انطلقت الدراسة من تساؤل رئيسي مفاده:

        - ما أسباب تأخر سن الزواج كما تراها عينة من طلبة جامعة دمشق؟

احتوت العينة على 400 طالبا وطالبة من كليتي )التربية، الهندسة المدنية(، وسحبت العينة بالطريقة العشوائية من الطلبة المواظبين على المحاضرات في السنتين الأولى والخامسة ومن كلا الجنسين، اعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي المناسب لطبيعة البحث ومن حيث قدرته على المساهمة في التزويد بالمعلومات اللازمة للدراسة.

استخدم الباحث مقياس خصصه من اجل هذا الموضوع عرضه على مجموعة من المحكمين لإبداء ملاحظاتهم، اختصر عدد بنود المقياس من 40 إلى 46 عبارة.

        من أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة أن أفراد العينة يعطون الأهمية الكبرى لمشكلة السكن وغلاء الإيجار، يلي ذلك أن إيمانهم بأن الزواج قسمة ونصيب، وارتفاع تكاليف المعيشة والحياة، وفقدان الوالدين أو أحدهما ومسؤولية الفتى أو الفتاة عن تربية الإخوة، وعدم رغبة الزوجة بالسكن مع أهل الزوج، وحالة الأسرة الاجتماعية، وغلاء المهور، ومواصلة التحصيل العلمي ومستوى الدخل المنخفض للرجل، وتقدير الأسرة للفرد الذي ينوي تكوينه.[7] كل هذه العوامل تعتبر معوقات أمام الشباب تحول دون إقدامهم على الزواج.

7-2 -الدراسات التي تناولت موضوع زواج الأقارب: لقد اعتمدنا كذلك على نموذجين من الدراسة إحداها في الجزائر والأخرى في الكويت كذلك كنموذج عن الدراسات التي تناولت موضوع زواج الأقارب.

النموذج الأول: دراسة بعنوان الزواج بين الأقارب في الوسط الحضري بين التقليد والتغير مذكرة مقدمة لنيل درجة ماجستير من إعداد الطالبة أونيسة مرنيش ، جامعة باجي مختار، عنابة ، سنة 2005/2006.

كان الهدف من الدراسة تقديم تفسيرات علمية ومنطقية عن الدور الذي لعبه الزواج القرابي في الماضي والتغير الذي طرأ  عليه في الحاضر مع تحديد العوامل التي أدت إلى انخفاض الزواج القرابــــي وارتفاع الزواج الخارجي (الاغترابي).

وللوصول إلى ذلك فقد اعتمدت الباحثة على الأسلوب الوصفي التحليلي، انطلاقا من التساؤل العام الذي هو:

- هل أن انخفاض نسبة الزواج بين الأقارب له علاقة بتأثر الأفراد بالوسط الحضري وخصوصياته؟

وللإجابة على هذا التساؤل فقد اقترحت الباحثة الفرضيات التالية:

- إن توسع مجال اختيار شريك الحياة في الأسرة الحضرية عامل من عوامل انخفاض ممارسة الزواج بين الأقارب.

- إن لتعليم وخروج المرأة للعمل دور في إقبال الأفراد على الزواج خارج الدائرة القرابية.

- إن انخفاض الزواج القرابي بين الأفراد مرتبط بالوعي الفكري الصحي لمخاطره الوراثية.

أما بالنسبة لعينة البحث فقد حصرت الدراسة في عينة تم اختيارها بصفة قصدية لأسر تضم أزواج وزوجات تربطهم صلة قرابية حيث بلغ عدد أفراد عينتها 80 مبحوث موزعة بين 43 زوجة و 37زوج.

وقد خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج العامة التي أثبتت أن العوامل التي أحدثتها التنمية الاجتماعية بصفة عامة خلقت للأفراد صفات وخصوصيات بفعل تغير نمط الحياة لديهم مما جعلهم يبتعدون عن الزواج الداخلي ويبدون أكثر تحفظا نحوه.

ويظهر ذلك جليا في النقاط المتوصل إليها في نهاية الدراسة والتي تمثلت في ما يلي[8]:

- إن الفرد لم يعد يولي اهتمام كبير بالصلة القرابية عند إقباله على الزواج بل أصبح ينظر إلى أسس

أخرى أكثر أهمية كالمستوى التعليمي والميل العاطفي...الخ.

- حل أسلوب الاختيار الذاتي للزواج محل أسلوب اختيار الأهل.

- إن خضوع الأبناء التام لسلطة الآباء عرفت تغيرا كبيرا ويظهر ذلك من خلال مناقشة أمر الزواج وإبداء الرأي بالموافقة أو الرفض بعد أن كان الأهل يعملون على ترتيبه بدون مشاركة المعني بالأمر. - كلما اتسع مجال اختيار شريك الحياة كان الاتجاه أكثر نحو الزواج الخارجي والتخلي تدريجيا على

الزواج الداخلي (القرابي).

- إن مقدار ممارسة الزواج القرابي في انخفاض مستمر ولم يعد تقليدا أو عادة متداولة في الوسط العائلي كما كان الحال من قبل.

 -إن ازدياد فرص التقاء الجنسين وارتفاع المستوى التعليمي للأفراد ساهم في إقبالهم على الزواج  الخارجي (الاغترابي).

- إن تعليم المرأة وخروجها للعمل أدى إلى خلق قيم جديدة ساهمت في انخفاض نسبة الزواج القرابي.

-إن تخوف الأفراد من المشاكل والصراعات العائلية جعلهم يعزفون عن الزواج القرابي ويفضلون الزواج الخارجي.

- إن الحراك الاجتماعي وتغير نمط معيشة الأفراد أثر على شخصية الأفراد ومواقفهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم فأصبحت شخصية الفرد مستقلة بعد أن كانت مذابة في الجماعة.

- إن للزواج القرابي إيجابيات كما أنه لا يخلوا من السلبيات خاصة تلك المتعلقة بالجانب الصحي والأمراض الوراثية التي تمس الأبناء.

- إن احتمال ظهور الآثار الصحية السلبية على الأبناء الناجمة عن الزواج القرابي تكون نسبية وغير مطلقة كونها مرتبطة بالجينات الوراثية للأولياء باعتبار مخاطره تزداد احتمال بروزها كلما استمر هذا

الزواج لأجيال متعاقبة.

- إن نظرة الأفراد الممارسون للزواج القرابي تغيرت خاصة بعد معرفتهم للأضرار الصحية التي يخلفها على المواليد.

- ضرورة القيام بالفحوصات والتحاليل الطبية قبل الزواج وبعده لتفادي الأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية الناجمة عن ذلك.

و بصفة عامة فإننا نستخلص في الأخير أن انخفاض نسبة الزواج القرابي مرهون بانخفاض أو زوال العوامل المشجعة على ذلك.

النموذج الثاني: دراسة قامت بها سكينة بواروي حول العائلات الإسلامية والحداثة سنة 1986 بالكويت وقد اختارت عينة متكونة من 526 أسرة كويتية بصفة عشوائية لتتعرف على مدى إقبالها على الزواج القرابي لا سيما في خط الأب (أبناء العمومة) وقد توصلت إلى مجموعة من النتائج هي:

- أن نسبة الزواج القرابي (الداخلي) قد انخفضت مقارنة مع نسبة الزواج الخارجي، وقد تقلصت ممارسته عما كان عليه من قبل 50 سنة الماضية، ويعود ذلك إلى حركة التطور وجملة التغيرات الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية التي شهدها المجتمع الكويتي، وأدخلت عليه قيم ثقافية جديدة وممارسات عبرت عن  تغير الذهنية الكويتية، وقد كان التغير واضحا خلال السنوات التي شهدت تطور اقتصادي مفاجئ والرفاهية التي حققتها المداخيل البترولية.

- أن نسبة %48 من أفراد العينة تزوجوا من زوجات قريبات، في حين بلغت نسبة الذين تزوجوا من نساء لا تربطهم بهن أي صلة قرابية %52 وهذا ما يبين إحجام الزواج القرابي أمام إقدام الزواج الخارجي وإن كان الفرق طفيفا في النسب.

وقد استخدمت في  الدراسة عدة مؤشرات منها :

- إن نسبة إقبال الأفراد على الزواج القرابي تزداد كلما ارتفعت نسبة الأمية وتنخفض تدريجيا كلما ازداد ارتفاع المستوى التعليمي للأزواج، إذ أن نسبة %68 من الذين فضلوا الزواج من الأقارب كانوا أميين، بينما كانت نسبة الذين لهم مستوى ثانوي%30 ، وتقلصت إلى حد بعيد لدى الجامعيين، إذ وصلت إلى %2، وكل هذا يدل على أن نسبة الوعي مرتفعة التي يكونها التحصيل العلمي تحول دون التوجه نحو الزواج القرابي ، فالشاب المتعلم يميل نحو الزواج عن طريق الاختيار الشخصي أكثر من الذي يكون مرتب من قبل الأسرة.

- إن الزواج القرابي له إقبال من طرف الشباب الذين لهم دخل محدود ومن ذوي المستويات المادية المنخفضة، وهذا يرجع إلى كون الزواج القرابي يتأسس على الصلة القرابية بالدرجة الأولى مع انخفاض المهور وتسهيل إجراءات الزواج وتوابعه، وتنعدم لدى الطبقات الغنية ليسرها الاقتصادي وانفتاحها على العالم الخارجي.

- إن معدل زيادة أو انخفاض قبول النساء لهذا النمط من الزواج (الزواج القرابي) متعلق بمدى السماح  لهن بحرية الاختيار والموافقة على الشريك.

- إن نسبة %59 من العينة تفضل الزواج القرابي للحفاظ على تقاليد الأسرة وتماسكها ووحدتها، في حين بلغت نسبة الذين لا يفضلون هذا الزواج %41 وترجع هذه الفئة رفضها لذلك نتيجة المخاطر الوراثية والآثار الصحية التي تلحق بالأبناء كالتشوهات الخلقية، وكذلك إلى أسباب دينية، حيث ترى بأن الإسلام دعا للتفتح على باقي الأجناس شريطة الحفاظ على المقومات والمبادئ الدينية.

- هناك علاقة عكسية بين الزواج الداخلي والتحضر، بمعنى أن نسبة الزواج بين الأقارب تزداد في القرى، نتيجة الضغوطات الاجتماعية التي تظهر جليا بين الأسر الممتدة، لتنخفض في المدن نتيجة تأثر الأفراد بالقيم الحضرية والعلم والانفتاح على العالم الخارجي والهجرة وتحسين المواصلات... الخ، كل تلك الأمور أدت إلى توسيع دائرة اختيار القرين ومنه نجد أن انخفاض إقبال الشباب على الزواج القرابي  مرهون بالانخفاض التدريجي للعوامل التي كانت تشجع على ذلك، والتي تمثلت في :

- المحافظة على الأملاك والثروة ضمن الأسرة الكبيرة.

- تعزيز وحدة الأسرة وترابطها.

- انخفاض المهور.

- الإبقاء على البنت قريبة من أهلها.

من خلال هذه الدراسة نجد أن العائلات الكويتية تمسكت بشدة بالتقاليد القديمة (أي الزواج من داخل العائلة أو القبيلة) وإن كان الزواج من غير الكويتيات قد ازداد باستمرار بسبب التغيرات الاجتماعية والتفافية التي عرفها المجتمع الكويتي وأصبح شائعا أن ترى الكثير من الشباب الكويتي يبحثون عن زوجة غير كويتية من العرب أو الأوربيين أو الآسيويين مما أدى إلى إعادة بناء التركيب الوراثي بدخول مورثات جديدة.



[1] عمرية ميمون: تغير نموذج الزواج في الجزائر، مذكرة مكملة لنيل درجة الماجستير في الديموغرافيا، إشراف : د علي قواوسي، كلية وقسم علم الاجتماع والديموغرافيا، جامعة الحاج لخضر، باتنة، غير منشورة، 2008/2009، د ص.

[2] نبيل السمالوطي : الدين والبناء العائلي، دار الشروق، جدة، 1981، ص144.

[3] ابراهيم مذكور : معجم العلوم الاجتماعية ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1975، ص422.

[4] محمد الدقس :التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق ، دار محدولاي ، عمان ، الأردن، 1996، ص ص16-17.

[5] دينكن ميتشل ، معجم علم الاجتماع ،ترجمة احسان محمد الحسن ،دار الطليعة بيروت ،الطبعة الأولى ،1981 ص ص 190-191.

[6] آمال بن عيسى: ظاهرة العنوسة في الجزائر، ملخص رسالة الماجستير، جامعة البليدة، الجزائر، أكتوبر 2008. موقع: www.swmsa.net   بتاريخ 19/03/2013(01:22).

[7] جلال السناد: تأخر سن الزواج لدى الشباب الجامعي، مجلة دمشق،  كلية  التربية،  دمشق، المجلد 23 ، العدد01 ،2007.

[8] أونيسة مرنيش: الزواج بين الأقارب في الوسط الحضري بين التقليد والتغير، مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نيل درجة الماجستير، إشراف: عبدالحميد بوقصاص، قسم علم الاجتماع، جامعة باجي مختار، عنابه، سنة 2005/2006، غير منشورة. د ص.

الاسمبريد إلكترونيرسالة