JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

مذكرة ماستر بعنوان المحكمة الدستورية في ظل النظام السياسي الجزائري

خط المقالة

 

المحكمة الدستورية في ظل النظام السياسي الجزائري



مقدمة:

 شهدت الجزائر عبر تاريخها منذ الاستقلال عدة تعديلات دستورية ، غير أن  التعديل الدستوري لسنة 2020 في الجزائر عرف الارتقاء من المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية، بهدف تعزيز بناء دولة القانون والمؤسسات، مما سيضفي على قراراتها القوة القانونية الحقيقية على اعتبار أنها صادرة عن محكمة وليس من مجلس كما كان الحال عليه سابقا، خاصة أنها شهدت تعديلا آخر بخصوص تشكيلتها وتنظيمها العضوي الوظيفي حيث كان  استحداث المؤسس الدستوري الجزائري في التعديل الدستوري 2020 لهيئة دستورية جديدة مثمثلة في  المحكمة الدستورية بدلا من المجلس الدستوري الذي كان مکرسا ابتداء من دستور 1989 .

و بين ما تضمنه التعديل الدستوري الجديد  لسنة 2020 استحداث مؤسسة دستورية جديدة حلت محل المجلس الدستوري اصطلح على تسميتها المحكمة الدستورية، تعتبر مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور حسب المؤسس الدستوري على شاكلة ما كان ممنوحا للمجلس الدستوري الذي كان من مهامه تولي  مهمة السهر على احترام الدستور، غير أن المؤسس الدستوري حاول تمييزها ( المحكمة الدستورية) عن المجلس الدستوري وذلك بمنحها مهمة ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية وهي الصلاحية التي لم تمنح من قبل المؤسس الدستوري سابقا للمجلس الدستوري.

كما حاول المؤسس الدستوري أيضا التأكيد على تغيير نمط الرقابة وطبيعة الهيئة حيث استبدل التسمية من هيئة إلى مؤسسة وخصها بفصل مستقل ضمن الباب الرابع المعنون بمؤسسات الرقابة خلافا لتعديل 2016 الذي لم يخصص للمجلس الدستوري فصلا خاصا به .

ومن نقاط الاختلاف بين الجهتين الرقابيتين إدخال العديد من التعديلات على نمط الرقابة على دستورية القوانين التي يمارسها المجلس الدستوري حيث منح للمحكمة الدستورية دورا مغايرا بخصوص الرقابة على دستورية القوانين، بالإضافة إلى صلاحيات أخرى مستحدثة في التعديل الدستورية سنة 2020 لصالح المحكمة الدستورية للمم تكن ممنوحة للمجلس الدستوري من قبل غير أنه رغم محاولات المؤسس الدستوري التمييز بين هيئة الرقابة المستبعدة ومؤسسة الرقابة المستحدثة، إلا أنه احتفظ بالعديد من مقومات الهيئة الرقابية المستبعدة ضمن مقومات المؤسسة الرقابية المستحدثة بعضها يتصل بالجانب العضوي خصوصا تشكيلة المحكمة الدستورية وبعضها يتصل بالجانب الوظيفي، كما أن المؤسس الدستوري رغم تبنيه تسمية "المحكمة الدستورية"، إلا أنه لم يحدد الطبيعة القضائية لها ولم ينص عليها ضمن الفصل المخصص للسلطة القضائية وإنما ضمن جهات الرقابة ما يجعلها تشبه في هذا المجال المجلس الدستوري كمؤسسة سیاسية لها بعض الصلاحيات القضائية، وإن كان البعض يعتقد أن المجلس الدستوري الجزائري يقترب من الصفة القضائية، ما يجعلنا نتساءل عن جدوى هذا التغيير في جهة الرقابة ما دام أبقى المؤسس الدستوري على العديد من خصائص المجلس الدستوري ضمن المحكمة الدستورية من الناحيتين العضوية والوظيفية.

أولا: أهمية الدراسة

تكمن أهمية هذا الموضوع في الدراسة إلى ما تحتله المحكمة الدستورية التي تبناها التعديل الدستوري الجديد من أهمية و خاصة بالدور المنوط بها و هو الرقابة من أجل ضمان حماية الدستور و سموه على النصوص القانونية مهما كان ترتيبها في الهرم القانوني و هي ضمان لمبدأ الشرعية.

بالاضافة الى أهمية الدفع بعدم الدستورية كآلية في يد الأفراد من أجل الحد من تطبيق نص قانوني عليهم أمام ما منح من صلاحيات للسلطات العليا لا سيما السلطة التشريعية التي تصيغ النص القانوني مع افتراض احترام فحواه للنص الدستوري و السلطة التنفيذية التي تنفذ محتوى النص فضلا عن تمتعها باختصاص تشريعي في حالات معينة حددها الدستور.

ثانيا: أسباب اختيار الموضوع.

نظرا لأن الرقابة الدستورية مهمة جديدة أسندت إلى المحكمة الدستورية و كذا  آلية الدفع بعدم الدستورية لم تكن موجودة أصلا في الدساتير السابقة التي ركزت فقط على الرقابة الدستورية السياسية مع الاحتفاظ ببقية مظاهر المجلس الدستوري في المحكمة الدستورية دفعنا لاختيار هذا الموضوع  لمعرفة العلاقة بين المحكمة الدستورية و المجلس الدستوري.

ثالثا: اشكالية الدراسة.

 كون المجلس الدستوري كان هو من يمارس الرقابة على دستورية القوانين و انتقال مهمته هذه إلى المحكمة الدستورية يدفعنا لطرح الاشكالية التالية:

هل المحكمة الدستورية التي تبناها التعديل الدستوري لسنة 2020 هي امتداد للمجلس الدستوري أم هو قطيعة بين الجهتين الرقابيتين؟

و يندرج تحت اشكالية الموضوع الرئيسية عدة تساؤلات فرعية تتمثل في:

-ماهي المحكمة الدستورية و ماهي أسباب وأهداف التعديل من وجهة نظر الفقه وبعض الدساتير المقارنة.

- كيف احتفظ المؤسس الجزائري بمظاهر المجلس الدستوري في المحكمة الدستورية.

- ماهي اختصاصات المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020.

رابعا: أهداف الدراسة

تهدف دراسة هذا الموضوع الى تسليط الضوع على اجراءات احتفاظ  تغيير المؤسس الدستوري بمظهر المجلس الدستوري في المحكمة الدستورية.

خامسا: منهج الدراسة .

لدراسة هذا الموضوع وجب علينا اتباع بعض المناهج العلمية في اطار ما يسمى بالتكامل المنهجي باستخدامنا للمنهجين الوصفي و التحليلي و هو ما يتناسب و دراسة الموضوعات القانونية  بالاضافة إلى المنهج المقارن اللازم لدراسة الفروقات و التعديلات التي أجريت بين الدستور القديم و دستور 2020.

سادسا: صعوبات الدراسة

تتمثل الصعوبات التي واجهتنا في انجاز هذه الدراسة أساسا في نقص المراجع الخاصة بموضوع التعديلات الجديدة ، بالاضافة لكون الموضوع جديدا لم يتطرق له من قبل إلى في دراسات قليلة مما اثر نوعا ما على دراستنا لهذا الموضوع ، كما أن ضيق الوقت  من المشاكل التي واجهتنا لأن موضوعنا هذا بالغ الأهمية و دراسته تتطلب وقتا طويلا وجهدا مضاعفا.

سابعا: خطة الدراسة

من خلال ما سبق ارتأينا أن نقسم عملنا إلى فصلين الأول: ماهية المحكمة الدستورية و أسباب وأهداف التعديل الدستوري يتكون من مبحثين أولهما مفهوم المحكمة الدستورية تناولنا فيه نشأتها و تعريفها و المبحث الثاني تطرقنا فيه إلى أسباب و أهداف التعديل الدستوري من وجهة نظر الفقه  و بعض الدساتير المقارنة، أما الفصل الثاني كان عنوانه: المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري 2020 مكون من مبحثين الأول احتفاظ المؤسس بتشكيلة و اختصاصات المحكمة الدستورية ضمن المحكمة الدستورية أما الثاني المبحث الثاني فقد تناول اختصاصات المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020.


 

 

                             

الفصل الأول

ماهية المحكمة الدستورية و أسباب وأهداف التعديل الدستوري

 

 

 

 

 

 

 

 

تمهيد:

المحكمة الدستورية الجزائرية هي هيئة دستورية مستقلة ومتخصصة تأسست بموجب التعديل الدستوري لعام 2020 ، لذا سواء كانت عدالة عادية أو إدارية ، فإن المحكمة الدستورية ليست محكمة تتبع السلطة القضائية ، بل هي أقرب أنواع المحاكم الخاصة ، لأنها تمارس نوعًا مختلفًا من السلطة القضائية ، وتكون قراراتها نهائية وقاطعة وملزمة وصالحة. حماية مؤسسي الدستور لمظاهر المجلس الدستوري.

المبحث الأول: مفهوم المحكمة الدستورية:

ظهرت فكرة المراقبة الدستورية للقوانين لأول مرة في الجزائر ، مع ميلاد الدستور في 8 سبتمبر 1963 ، وتم إنشاء المجلس الدستوري بموجب الدستور ، مهمته الفصل في دستورية القوانين، بالإضافة إلى الأوامر التشريعية ، ولكن ليس للهيئة أي صلاحيات إلا وفقًا لدستور 23 فبراير 1989. بموجب تعديل عام 1996 ، تم توسيع صلاحيات المجلس الدستوري لعدة أسباب سياسية ودستورية. أضاف التعديل الدستوري لعام 2016 عددًا من الصلاحيات لتقديمها إلى المجلس الدستوري ، بما في ذلك التأكد من صحة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والتشريعية والطعون المتعلقة بها وإعلان نتائجها ، وأخيراً ، في عام 2020 ، إنشاء هيئة دستورية خاصة مستقلة. الهيئة الجزائرية ، بعد أن سمي المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية ، سندرس إنشاء وتعريف المحكمة الدستورية الجزائرية في الطلب الأول ، وفي الطلب الثاني سنبين طبيعتها القانونية.

المطلب الأول: نشأة وتعريف المحكمة الدستورية في الجزائر:

لقد مرت الرقابة على دستورية القوانين الجزائرية بعدة مراحل ، في بداية تطبيقها كفكرة ، فأصبحت هذه الرقابة إحدى الهيئات الدستورية الرئيسية القائمة على فكرة سيادة القانون ، بالنظر إلى ذلك تاريخيًا. و دول العالم لديها في تطوير فكر الرقابة الدستورية ، لاحظنا أن نماذجها مختلفة ، وأنظمتها تختلف من دولة إلى أخرى. من وجهة النظر هذه ، نحن ملتزمون بالجزء الأول وهو توليد وتطوير الرقابة على دستورية القانون الجزائري ، ومن ثم من خلال الجزء الثاني سنناقش تعريف المحكمة الدستورية.

الفرع الأول: نشأة وتطور الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر:

تم إحداث المجلس الدستوري في الجزائر في دستور 10 سبتمبر 1963 إلا أنه لم يتم الإفراج على النصوص التطبيقية التي تنظم عمله وبعدها تم تجميد الدستور بسبب إعلان حالة الطوارئ، فما كان بالإمكان تحديد طبيعته باستثناء أنه تم النص عليه في الباب المتعلق بالسلطة القضائية تحت عنوان العدالة، وقد نصت المادة: 63 من دستور سنة 1963: "يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا، ورئيسي الحجرتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا و ثلاثة نواب بعينهم المجلس الوطني وعضو يعينه رئيس الجمهورية"، ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ليس له صوت مرجح .

و منه نجد أنه من نص المادة أن المجلس الدستوري في دستور 1963 يتشكل من رئيس المحكمة العليا، ورئيس الغرفتين المدنية والإدارية للمحكمة العليا، وثلاثة نواب تم تعيينهم من المجلس الوطني الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية، حيث أن أعضاء المجلس الدستوري في هذه الفترة عبارة عن توافق بين رجال السياسة ورجال القضاء ، وبالتالي يمكن القول أن المجلس الدستوري الجزائري ذو طبيعة مختلطة قضائية وسياسية[1].

وفي دستور 18 نوفمبر 1976 تم اهمال الرقابة الدستورية و تم جعلها من اختصاص الهيئات المركزية للحزب باعتبارها أولوية الحزب على الدولة وعلوية الميثاق الوطني على الدستور، واكتفى بالنص في المادة: 186 منه على أن "الأجهزة القيادية في الحزب والدولة تمارس الرقابة السياسية المناط بها"، كما تم النص على هيئات أخرى، ووسائل أخرى للرقابة كالرقابة السياسية، والرقابة الشعبية، والرقابة المالية. أما عن مرحلة التعددية الحزبية وبعد الإصلاحات السياسية التي قامت بها الجزائر وذلك بعد أحداث تاريخ 05 أكتوبر سنة 1988 حيث تم إصدار دستور 23 فيفري 1989 والذي شهد لأول مرة منذ الاستقلال میلاد رقابة دستورية حقيقة في الجزائر، وتم في 08 مارس 1989 تنصيب المجلس الدستوري، ثم بعده تم إصدار المرسوم الرئاسي رقم: 89-143  المؤرخ في 07 أوت 1989 والمتعلق بتنظيم المجلس الدستوري والقانون الأساسي البعض موظفيه[2].

كما نظمت المادة الرابعة (04) من نفس المرسوم حالة حدوث مانع لرئيس المجلس الدستوري بوفاته أو استقالته أو حصول مانع دائم له، حيث يترتب على ذلك إجراء المجلس لمداولة برئاسة العضو الأكبر سنا، وفي هذه الفترة يمكن القول أن المجلس الدستوري أسندت له مهام جديدة كمراقبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات وكذلك تقديم الرأي في بعض الحالات المحددة في الدستور.

وفي هذا الإطار نجد أن المؤسس الدستوري الجزائري قد سایر مبدأ التسيير وفق التعددية الحزبية، والفصل بين السلطات وتقرير مسؤولية الحكومة أمام البرلمان واحترام الحقوق والحريات مثل ما تم ذكره في المادة: 153 من دستور سنة 1989: "يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور".

وبالنسبة لمرحلة 1996 حاول المشرع معالجة العديد من المسائل المتعلقة بنظام الرقابة الدستورية، عكسته الهيكلة التنظيمية للمجلس الدستوري، باعتبارها الهيئة الموكلة لها دستوريا بممارسة الرقابة الدستورية.

ومن خلال هذه المرحلة اعتمدت الجزائر على ازدواجية القانون وكذا ازدواجية القضاء أي بوجود غرفة إدارية على مستوى مجالس الاستئناف، وغرفة إدارية على مستوى جهات النقض العادية أي المجلس الأعلى، وبناء على نص المادة: 164 من الدستور صار من حق السلطة القضائية أن تنتخب عضوين (02) واحد تنتخبه المحكمة العليا وعضو أخر ينتخبه مجلس الدولة، وقد تجلى مبدأ الفصل بين السلطات من خلال الفصل العضوي الذي نص عليه دستور 1996 صراحة وذلك بعدم الجمع بين المهام النيابية والوظائف الأخرى المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بالنواب، وكذلك الفصل الوظيفي الذي يتجلى في التأكيد على استقلالية كل سلطة عن الأخرى، من خلال القانون العضوي المحدد لحالات التنافي، وأصبح بذلك المجلس الدستوري الجزائري في ظل دستور 1996 يتشكل من تسعة (09) أعضاء، يعين رئيس الجمهورية ثلاثة (03) أعضاء من بينهم رئيس المجلس الدستوري وتقوم السلطة التشريعية بانتخاب أربعة (04) أعضاء من ضمن التسعة (09)، اثنان (02) يتم انتخابهم من طرف المجلس الشعبي الوطني، وعضوين (02) يتم انتخابهم من طرف مجلس الأمة إضافة إلى عضوين (02) من السلطة القضائية عضو واحد تنتخبه المحكمة العليا، وعضو آخر ينتخبه مجلس الدولة[3].

وتم تحديد مدة العضوية في المجلس الدستوري بست (06) سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يتم تجديد المجلس جزئيا كل ثلاث (03) سنوات وذلك حسب نص المادة: 64 في فقرتها الرابعة (04) من الدستور، وتنتهي عهدة العضو بانقضائها عند تاريخ تنصيب العضو الجديد كما جاء في المادة: (03) من المرسوم الرئاسي رقم 04-105 والمؤرخ في 5 أفريل 2004، وبعد أن تم إحداث هذا المجلس وما تمتع به من صلاحيات واسعة على غرار الرقابة الدستورية، تكون الجزائر قد توفرت على آلية أخرى في البناء المؤسساتي للجمهورية الجزائرية، لتشمل الرقابة على القوانين العضوية قبل إصدارها، وتم احداث سلطة دستورية جديدة وهي رئيس مجلس الأمة، وما يمكن أن نلاحظه على المجلس الدستوري في هذه الفترة، أنه قد تم تحديد الجهات المخولة قانونا وحصريا بموجب النصوص الدستورية بتقديم مراجعة حتى يتسنى للمجلس الدستوري أن يبحث في مدى دستورية القوانين، وهذه الجهات هي: رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة، وبالتالي يتم الفصل في رقابة المعاهدات السارية المفعول واصدار قرارات بشأنها؛ إذ تم اخطاره من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة، ولآرائه وقراراته حجية ملزمة لكافة السلطات وهي غير قابلة لأي شكل من أشكال الطعن[4].

وفي مرحلة التعديل الدستوري لسنة 2016 تم رفع عدد أعضاء المجلس الدستوري إلى اثنا عشرة (12) عضوا، وذلك من خلال نص المادة: 183 من تعديل 2016 التي تنص على: "يتكون المجلس الدستوري من 12 عضوا: أربعة أعضاء (04) من بينهم رئيس المجلس ونائبه، وعضوين من المجلس الشعبي الوطني وعضوين (02) من مجلس الأمة واثنان (02) ننتخبهما المحكمة العليا واشتان (02) يتم انتخابهم من طرف مجلس الدولة.

وعليه يمكن القول بأن المؤسس الدستوري الجزائري قد ساوى من خلال هذه المادة بين السلطات الثلاث، من حيث عدد الأعضاء في المجلس الدستوري، حيث أصبحت السلطة التنفيذية ممثلة بأربعة (04) أعضاء معينين من طرف رئيس الجمهورية وأربعة (04) أعضاء يتم تعيينهم من طرف السلطة التشريعية؛ عضوين (02) يتم انتخابهم من طرف المجلس الشعبي الوطني، العضوان (02) الآخران يتم انتخابهم من طرف مجلس الأمة؛ وأما في ما يخص السلطة القضائية فهي الأخرى ممثلة بأربعة (04) أعضاء، اثنان (02) تنتخبهما المحكمة العليا، واثان (02) ينتخبان من طرف مجلس الدولة، مما يعزز من تمثيل السلطة القضائية في تشكيلة المجلس بعدما كانت ممثلة بعضوين، وهو ما يمكن أن نستنتج من خلاله تبنيه للرقابة السياسية والرقابة القضائية، وهو الاتجاه الحديث الذي أصبح منتهجا في الأنظمة المعاصرة، كونه يجمع بين مزايا الرقابة السياسية من جهة والاستعانة بالخبرة الفضائية، خاصة وأن مهمة المجلس الدستوري الأساسية تتمثل في الرقابة على دستورية القوانين، وهي مهمة تعتبر في الأساس قانونية، وبذلك فهي تندرج ضمن اختصاصات القضاة[5].

وبناء على ذلك فقد تم إقرار وظيفة أساسية للمجلس الدستوري؛ وهي السهر على احترام الدستور ومراقبة مدى دستورية القوانين عن طريق ما يدعی برقابة المطابقة والرقابة الدستورية، وتتم ممارسة هذه الرقابة من طرف المجلس الدستوري عن طريق الإخطار من طرف الجهات المخولة دستوريا بذلك، ومن زاوية أخرى فقد نصت المادة: 182 من التعديل الدستوري لسنة 2016 المجلس الدستوري هيئة مستقلة تكلف بالسهر على احترام الدستور ؛ ويمارس المجلس الدستوري رقابة المطابقة والرقابة الدستورية على دستورية القوانين، وتحددت هذه المجالات الرقابية في نص المادة: 186 من التعديل الدستوري السنة 2016، إضافة إلى ذلك فإن المجلس يختص في الرقابة على عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والتشريعية؛ وكذلك اختصاصات أخرى متمثلة في كونه هيئة استشارية، كما نصت المادة: 141 في فقرتها الثانية (02) من التعديل الدستوري لسنة 2016 على: "يخضع القانون العضوي لمراقبة مطابة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري قبل صدوره، ومن جهة أخرى نصت المادة: 186 في فقرتها الثالثة (3) من نفس التعديل على: كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حيث يعد المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة نظامهما الداخلي ويصادقان عليه، وهذا ما نصت عليه كذلك المادة: 132 بقولها: "بعد المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة نظامهما الداخلي وبصادقان عليه".2 ومن خلال قراءة نص المادة: 190 من التعديل الدستوري 2016 بقولها: إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم فرار المجلس"، كما نصت المادة 187 من نفس التعديل على: "يخطر المجلس الدستوري رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو الوزير الأول. كما يمكن إخطاره من خمسين (50) نائبا أو ثلاثين (30) عضوا في مجلس الأمة[6].

وهو ما نصت عليه كذلك المادة 188 من التعديل 2016 بقولها: "يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مأل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. تحدد شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب قانون عضوي[7].

واستخلاصا لما سلف يمكننا القول أن تعديل سنة 2016 في مجال الرقابة على دستورية القوانين، جعل الإخطار أمام أطراف أي دعوى قضائية وفي أي جهة قضائية، ويدعى هذا الأسلوب في الرقابة على دستورية القوانين بالطعن الدستوري غير المباشر، حيث يسمح لأحد أطراف الخصومة أثناء النظر في القضية المرفوعة أمام القضاء سواء أكان الفضاء العادي أو القضاء الإداري بالطعن في عدم دستورية النص القانوني، الذي ينتهك الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، كما تمت اضافة الوزير الأول كجهة إخطار جديدة في ما عدا المجالات التي يتفرد بها رئيس الجمهورية، وجهة إخطار أخرى والمتمثلة في 50 نائبا من المجلس الشعبي الوطني أو 30 عضوا من مجلس الأمة، مما أعطى أعضاء الهيئة التشريعية لممارسة حقهم في إخطار المجلس الدستوري[8].  

وفي سنة 2020 فقد اعتمد المؤسس الدستوري الجزائري في مجال الرقابة على دستورية القوانين على هيئة دستورية مستقلة تسمى ب: "المحكمة الدستورية"، خلفا للمجلس الدستوري سابقا، والذي كان يمارس مهمة الرقابة على دستورية القوانين، وقد خصص لها المؤسس الدستوري الفصل الأول من الباب الرابع تحت عنوان مؤسسات الرقابة من المادة 185 إلى المادة 198 من التعديل الدستوري 2020، حيث جاء في نص المادة 185: "المحكمة الدستورية مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور"؛ نلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أبقى على نفس عدد الأعضاء "12 عضوا"، مثلما كان في المجلس الدستوري سابقا، لكن أحدث تغييرا في ما يخص السلطة التشريعية حيث أنه ألغي لها سلطة التمثيل ضمن تشكيلة المحكمة، لكنه أبقى لها على سلطة الإخطار، وكذلك أبقى لها المؤسس الدستوري على الدور الاستشاري، الذي كان يمارسة المجلس الدستوري سابقا، كما أن المؤسس الدستوري جمع بين أسلوب الانتخاب وكذا أسلوب التعيين فيما يخص تشكيلة المحكمة الدستورية، لكنه لم يبين كيفية وطريقة انتخاب أعضائها ؛ والجديد في تعديل 2020 أدرج المشرع الجزائري (06) أعضاء ضمن تشكيلة المحكمة يتمتعون بخبرة في مجال القانون الدستوري والتي لا تقل عن 20 سنة[9].

الفرع الثاني: تعريف المحكمة الدستورية:

قبل التطرق إلى تعريف المحكمة الدستورية لابد من الوقوف عند تعريف الرقابة على دستورية القوانين، وتتنوع هذه الرقابة حسب الجهة أو الجهاز أو الهيئة المنوطة بهذه الرقابة، فقد تكون هيئة سياسية، وقد تكون هيئة قضائية وبالرجوع إلى الأنظمة الدستورية المقارنة نلاحظ أن طرق الرقابة على مدى دستورية القوانين تختلف حسب كل نظام سياسي في الدولة، فهناك من اعتمد على هيئة سياسية أو بواسطة هيئة قضائية بحيث يمكن لأي محكمة مهما كانت درجتها في السلم القضائي أن تنظر في مدى دستورية القوانين[10].

وأساس هذا التعريف أنه عبارة عن وظيفة من الوظائف الأصلية للسلطة القضائية، ويري کاريه دي مالبيرج  أنه يستوجب على المؤسس الدستوري عند وضع النصوص التشريعية أن يتأكد من مطابقتها للدستور وأن يستبعد كل ما يشوب ذلك وعليه لا يجوز لأي سلطة أو قاض أن ينظر في مدى دستورية القوانين غير الهيئة المخولة بذلك، لكن أغلب الفقهاء اتجهوا إلى تفضيل المحاكم الخاصة بالقضاء الدستوري، ومهمتها الوحيدة والأساسية هي مراقبة دستورية القوانين، والتي بدورها تطبق طريقتين في إطار الرقابة القضائية على دستورية القوانين وهما: "طريقة الدعوى الأصلية والتي ترى أنه لكل ذي مصلحة الحق في أن يطعن في القانون بهدف الغائه أمام المحاكم المختصة، التي يحق لها الغاء هذا القانون المخالف للنص الدستوري، وطريقة الدفع الفرعي ومفادها أنه يحق لكل ذي مصلحة يرى أنه سيتم تطبيق قانون مخالف للدستور عليه، وفي هذه الحالة تقوم المحكمة المختصة بوقف الفصل في الدعوى الى غاية صدور حكم من المحكمة الدستورية بشأن مدى دستورية القانون، لقد نظر الفقه الدستوري إلى تعريف المحاكم الدستورية من زاويتين، الأولى من الناحية العضوية[11].

 أما التعريف الثاني فقد عالجها من الناحية الموضوعية، وقد وجاء في التعريف العضوي للمحكمة الدستورية: هي تلك الهيئة التي تمارس الوظيفة الرقابية على دستورية القوانين، نستنتج أن الفقه في هذا التعريف قد عالجها من ناحية الجهاز أو الهيئة التي تصدر الأحكام والقرارات، حيث جاء تعريف آخر بأنها: المحاكم المختصة التي تقوم بإصدار الأحكام والقرارات المتعلقة بالفصل في المسائل الدستورية، أي الحكم بدستورية أو عدم دستورية النصوص التي يطعن أو يدفع بعدم دستوريتها، سواء أكان الطعن مباشرا من قبل الجهات الرسمية أمام المحكمة الدستورية أو من قبل أطراف الدعوى أمام محكمة الموضوع أو محاكم أخرى تختص بالنظر في حسم هذه المسائل ؛ أما من الناحية الموضوعية فيقصد بها الفصل والنظر في المسائل الدستورية، ومن هذا المنطلق نستنتج أن الفقه اتجه إلى الناحية القضائية في تعريفه للمحكمة الدستورية موضوعيا، كذلك جاء في تعريف آخر للمحكمة الدستورية بأنها: "مجموعة القرارات أو الأحكام (الأقضية) الصادرة عن هذه المحاكم[12].

ومن وجهة نظر أخرى تكون المحكمة الدستورية هي جهة تختص بالفصل في مدى دستورية القوانين وبذلك يتحقق نوع من الرقابة المركزية على مدى دستورية القوانين، ولا تمارس هذه الرقابة من الجهاز القضائي في الدولة، بل تناط إلى جهة مركزية واحدة وتكون في شكل صورتين، إما أن تكون في شكل محكمة عليا في النظام القضائي العادي ومثالها التجربة السويسرية سنة 1874، وكذلك التجربة الكوبية سنة 1934، أو جعلها من صميم المحكمة الدستورية المتخصصة وتختص بالنظر في مدى دستورية القوانين عن طريق دعوى أصلية ومثال ذلك التجربة الإيطالية في دستورها سنة 1947 وتركيا في دستور 1961 والكويت سنة1962 .[13]

ذكر تعريف المحكمة الدستورية بأنها أعلى سلطة قضائية في البلاد، ويتم تحديد مهامها وكذا اختيار أعضائها من خلال النصوص الدستورية الخاصة بالدولة، وتختلف من دولة إلى أخرى، كذلك جاء ذكر تعريف المحكمة الدستورية في المادة: 174 من الدستور المصري لسنة 2014 بأنها: "هيئة قضائية مستقلة وقائمة بذاتها وتختص دون غيرها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح وتتولى، تفسير النصوص التشريعية".[14]

أما في الجزائر في التعديل الدستوري لسنة 2020 جاء في المواد من 186 إلى 198: بأن المحكمة الدستورية هي مؤسسة رقابية تتمتع بالاستقلالية، ومكلفة بضمان احترام الدستور حيث تضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية، تفصل بقرار في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، وكذا تقصل في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، وتنظر في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاء، وكل ذلك لأجل ضمان مبدأ الوجاهية عند الفصل في المنازعات المعروضة عليها[15] .

 المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للمحكمة الدستورية:

إن التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2020، استحدث مؤسسة مستقلة للرقابة على دستورية القوانين وأطلق عليها اسم: المحكمة الدستورية"، وقد نص بصريح العبارة في المادة: 185 بقولها: "المحكمة الدستورية مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور"، نلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أطلق على المحكمة الدستورية الجزائرية صفة المؤسسة المستقلة، وكذلك قد أدرجها ضمن المؤسسات الرقابية في الفصل الأول من الباب الرابع تحت عنوان مؤسسات الرقابة وخصصها في المواد من 185 الى المادة

198، وقد اعتبرها الأستاذ عمار بوضياف أنها إضافة نوعية استحدثها المؤسس في التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2020.[16]

وبالنظر إلى نص المادة: 186 من نفس التعديل الدستوري والتي تحدد تشكيلة المحكمة الدستورية والمتمثلة في (12) عضواء أربعة (04) أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية وعلى رأسهم رئيس المحكمة، وعضوان (02) يتم انتخابهما من بين أعضاء المحكمة العليا ومجلس الدولة، وستة (06) أعضاء يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام من أساتذة القانون الدستوري[17].

وفي مستهل الحديث خصصنا فرعين الفرع الأول سنحرص على دراسة نظامها الداخلي وكذا طريقة عملها أما في الفرع الثاني سنتطرق الى موقف الفقه من الرقابة على دستورية القوانين.

 الفرع الأول: نظامها الداخلي وطريقة عملها:

بما أن الدفع بعدم دستورية القوانين إجراء جديد استحدثه المؤسس الدستوري الجزائري، وحتى لا يقع في أي اشكال يثار عند تطبيقه وحرصا منه على ذلك، قام بإصدار القانون العضوي رقم: 18-16 الذي يحدد شروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم دستورية القوانين، والذي تم تعديله في 12 ماي 2019، وكذلك تم إجراء تعديل أخر عليه في 17 أكتوبر 2019، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على اتجاه نية المؤسس الدستوري الجزائري إلى؛ تبني الطبيعة القضائية على الدفع بعدم دستورية القوانين، والتي هي من صميم صلاحيات القضاء الدستوري والمتمثل في المحكمة الدستورية، التي أنشئت بموجب التعديل الدستوري الأخير 2020 وفي انتظار صدور قانونها العضوي الذي نص عليه هذا الأخير، مازالت مهمة الدفع بعدم دستورية القوانين منوطة بالمجلس الدستوري الذي لبس حلة القضاء الدستوري الذي سوف نتطرق الى قراءة في نظامه الداخلي.[18]

قراءة في النظام الداخلي للمجلس الدستوري:

بالنظر إلى التعديل الدستوري لسنة 2016 وكذا القانون العضوي رقم 18-16 والمعدل بتاريخ 17 أكتوبر 2019، المحددة لشروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية والنظام الداخلي للمجلس الدستوري الجزائري، نلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أضفي الطبيعة القضائية على المجلس الدستوري، رغم أن طبيعة عمله في الأصل هي سياسية خاصة إذا تعلق الأمر بالرقابة الدستورية أو رقابة المطابقة، خاصة في علنية الجلسات وكذا إدارتها وفيما يخص سماع الأطراف وإبداء ملاحظاتهم أثناء الجلسات، كل ذلك يوحي وكأننا أمام محكمة دستورية[19] .

بالنظر إلى أطراف الدعوى الدستورية نلاحظ أنها تقتصر على أحد أطراف الخصومة ضد الحكم التشريعي، الذي ينتهك الحقوق والحريات بينما نلاحظ أن القانون العضوي رقم 16-18 قد نص على الأطراف دون تحديد السلطات المتمثلة في رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول وركز في نظامه الداخلي على محامي كل طرف دون تحديد، وممثل الحكومة كطرف محدد في تقديم ملاحظاته الشفوية، في الحكم بين طرفين مختلفين، مما يجعل من المجلس الدستوري شبيها بالمحكمة الدستورية[20].

وفي نفس الصدد نلاحظ أن القانون العضوي رقم 18-16 قد نص

على عدم تأثير انقضاء الدعوى الموضوعية على الدفع بعدم الدستورية، ومنه يمكن أن نقول أنه عبارة عن خروج على الطبيعة القضائية، خاصة وأن الدفع بعدم الدستورية في حالة سقوط الدعوى من الناحية الموضوعية أو في حالة انقضائها أو التنازل عنها يؤول إلى السقوط بالتبعية. وناهيك عن ذلك فإن الأحكام والقواعد التي نص عليها القانون العضوي رقم 18-16 والنظام المحدد لعمل المجلس الدستوري، تعتبر متناقضة تماما خاصة وأن الدفع بعدم الدستورية ليس من قبيل النظام العام وإنما هو دعوی شخصية، تستوجب اثبات المصلحة ويتم النظر فيها بموجب قانون الإجراءات الادارية والمدنية وكذا قانون الإجراءات الجزائية، وفي نفس السياق تستبعد النيابة العامة كطرف، وهذا التناقض جاء جراء تقليد المشرع الجزائري والمجلس الدستوري للمشرع الفرنسي. ومن الجدير بالملاحظة أن التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016 وكذا التعديل الدستوري لسنة 2020، قد نص على تناول الجلسات بصفة مغلقة، سواء في المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية، أما القانون العضوي رقم 18-16 قد جاء على خلاف ذلك من خلال أخذه بعلنية الجلسات كأصل عام، لكن النظام الداخلي المنظم لقواعد عمل المجلس الدستوري کاستثناء، أعطى لرئيس المجلس سلطة عقد جلسات سرية في حالة ما إذا لاحظ أن الجلسات العلنية تخل بالنظام والآداب العامة، في حين أن الدفع بعدم الدستورية يختلف تماما عن الخصومة المدنية أو حتى الجزائية، لأنه يتعلق بخصومة نصوص قانونية لا تتناول أية وقائع أو أشخاص[21].

الفرع الثاني: موقف الفقه من الرقابة على دستورية القوانين:

إن إعلان المؤسس الدستوري الجزائري، في التعديل الدستوري لسنة 2020 الأسلوب الرقابة على دستورية القوانين من خلال محكمة دستورية، هو نيته لأجل الحفاظ على الحقوق والحريات، وكذلك لأجل ضمان مبدأ المشروعية، ولعل أبرز مزايا تلك المؤسسة الرقابية يعني وحدة الحلول الرقابية بشأن دستورية القوانين وبالتالي الاستقرار في الترسانة القانونية للدولة، ولما كان الاسلوب الرقابي الذي تمارسه المحاكم الدستورية بصفة عامة يمتاز بعدة مزايا، فإن هذا الأخير لا يخلو كذلك من بعض الانتقادات.

مزايا الرقابة على دستورية القوانين:

-  في ممارستها بصفة قبلية فهي تعتبر رقابة وقائية، لتجنب أي مخالفة أو تجاوز للدستور قبل وقوعها[22].

- كونها تمتاز بالحياد والموضوعية والبعد عن كل تأثير سواء من الناحية السياسية أو الحزبية، ومن بين تشكيلتها قضاة مختصين لهم تكوين من الناحية القانونية والفنية، وهذا ما يجعل من قراراتها وأحكامها قوة وحجية، لأن رقابة المحاكم الدستورية على دستورية القوانين تتطلب خبرة ودراية بالقوانين والدستور، ومعرفة باختصاصات السلطة المشرعة.[23]

- تعتبر من أهم الضمانات للمتقاضين، وهدفها الأساسي هو الوصول للحقيقة، وهو ما  يمتاز به نظام الإجراءات القضائية التي تكفل حق الدفاع والمواجهة بين الخصوم، وكذا  تسبيب الأحكام، وتحديد طرق الاثبات، كل ذلك لأجل حماية المصالح المختلفة في النزاع محل الفصل.

- أنها تمنع تنفيذ كل ما يتنافى مع القواعد الدستورية، في حالة مخالفة السلطة التشريعية للدستور، وبذلك فانه لا يمتد ليشمل تطبيق القوانين المخالفة للدستور .

- وحدة النظر والفصل في مدى دستورية القوانين، وبطبيعة الحال وحدة الحلول القضائية وكذا الاستقرار في المعاملات القانونية.

- تعتبر من أهم الآليات والوسائل التي تضمن حماية للدستور، لأنها تضمن حق الطعن بعدم الدستورية للقوانين المراد تطبيقها[24] .

عيوب الرقابة على دستورية القوانين:

- هناك من يعتبرها خروجا عن مبدأ الفصل بين السلطات وهي عبارة عن تدخل في أعمال السلطة التشريعية من المحكمة الدستورية.

- بموجبها تمنح الحق في ابطال القوانين التي ترى أنها غير دستورية، وهذا ما يتنافى مع وظيفتها والمتمثلة أساسا في تطبيق القانون وليس الحكم عليه.

- هناك من يعتبرها تغليبا لإرادة للسلطة التنفيذية على ارادة الأمة، لأن القوانين تصدر عن ممثلي ونواب الأمة، بينما القضاة يتم تعيينهم من طرف السلطة التنفيذية[25].

وتنطوي وجهة النظر هاته أن الرقابة على دستورية القوانين لا تعد تدخلا في أعمال السلطة التشريعية، بل هي من صميم أعمال المحكمة الدستورية التي تلتزم بتطبيق القانون، وفي حالة وجود تعارض بين القانون والدستور وجب التدخل الصارم لأجل حماية الدستور، وفضلا عن ذلك فانه عند ممارسة الرقابة على مدى دستورية القوانين لا تعتبر خروجا على مبدأ الفصل بين السلطات بل هي حماية ومحافظة عليه، وبناء على ذلك فإن القوانين التي تصدر من قبل السلطة التشريعية تمثل إرادة الأمة المفترضة، فإن

الوثيقة الدستورية تمثل الارادة الحقيقية والأصلية، للأمة لأن المصدر الأساسي لها هي السلطة التأسيسية، وبطبيعة الحال لا يمكن للإرادة المفترضة أن تتعارض وتتنافى مع الارادة الأصلية[26].

وتأسيسا على ما سبق نلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري أنه أدرج المحكمة الدستورية في التعديل الدستوري لسنة 2020 ضمن المؤسسات الرقابية في الباب الرابع، كما لم يطلق عليها تسمية هيئة قضائية وجاءت تسميتها بالمؤسسة المستقلة، وتختص بإبداء الآراء وإصدار القرارات وتكون قراراتها نهائية وملزمة على جميع السلطات العمومية والسلطات الادارية والقضائية، لكن بالنظر في مواد التعديل الدستوري لسنة 2020 والأمر رقم 01-21 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، الجريدة الرسمية الجزائرية عدد 17، المؤرخة في 10 مارس 2021 يمكن أن نلاحظ أن تشكيلتها وإجراءات عملها تبدو فضائية، وقد أعطاها المؤسس الدستوري الاستقلالية، وأسند إليها مهمة ضمان احترام الدستور وكذا ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية، فهي بذلك غير تابعة لأي جهة أو سلطة في الدولة، وبعيدة في اتخاذ قراراتها عن كل التأثير والتبعية[27].

 

 

المبحث الثاني: أسباب وأهداف التعديل من وجهة نظر الفقه وبعض الدساتير المقارنة

تمهيد:

يلاحظ أن التعديل في بنية الشيء من جهتي الشكل والمضمون قد يراد به إحداث بعض التغييرات عليه بالزيادة أو بالنقصان، لكي يتلاءم مع الأوضاع الجديدة. أما إزالة البنية من أساسها وإقامة أخرى بدلا منها برأينا لا تحمل معاني التعديل، بل هي شيء مختلف عنه، على الأقل من أنها متميزة بخصائص محددة لها تكون منسجمة فيما بينها ومتسقة مع الأهداف الأساسية المتوخاة منها، و قياسا على ذلك فإن مدلول التعديل لغة واصطلاحا مقتضاه التصدي لبعض قواعد الدستور السارية المفعول بالحذف استغناء عنها، أو بإضافة أحكام لها، أو بإحداث فصول ومواد أخرى تتضمن أحكاما جديدة، مثل المادة الثالثة مكرر من دستور 1996م (تعديل 2002).

قد لا يشك أحد في أن التعديلات الواقعة على الدستور الجزائري وأي دستور أجنبي باعتباره الوثيقة الأساس في الدولة المعاصرة إنما تقتضيه الضرورة، كيفما كانت ومهما تنوعت وتداخلت وتشعبت وتارة تعارضت المبررات والدواعي والأسباب والظروف المدرجة بعنوان الضرورة. فلقد تكون هناك فعلا ضرورات بالمعاني السابقة الأمر الذي يقتضي إخضاعها لمنطق الأولويات الواضحة. خلافا فيما لو كانت ترمي لغير الصالح العام عندما تحقق مأرب ضيقة وتافهة ومحبطة مهما كان شكلها وطبيعتها .

و قد يصبح التعديل في قواعد الدستور إجراء ضروريا يفرض نفسه على الدولة والمجتمع، وهذا يعني أن صفة الديمومة لقواعد الدستور لا وجود لها[28]. بل هي متناقضة مع منطق التطور بمنظور المستقبل وبفكر إنساني مدني، سواء كان الدستور المراد تعديله مصفا بالمرونة أم بالجمود فالأمر هاهنا سيان[29]. ومن ثم بحسب رأي البعض ينبغي الالتزام بضوابط معينة تتمثل عادة في المواد المحصنة ضد التعديل، وكذا في وجوب إتباع إجراءات محددة تختلف بحسب طبيعتها عن الإجراءات الخاصة بالقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية والتنظيمات.

وأما مواضيع التعديل وأهدافه، وكذا الأحكام (المحصنة) التي لا يجوز أن تطالها يد التعديل فإنها تعود إلى النظام السياسي الحاكم الذي يرمي بالأساس إلى [30] :

- التمكين لهيبة الدولة.

- بسط نفوذ وسلطان الدولة على رعاياها وعلى إقليمها.

- تدعيم الاستقرار والأمن على كل ربوع البلاد.

- المحافظة على إقليم الدولة وهويتها.

- العمل على تحقيق الرفاه الاقتصادي للشعب.

وأما إنشاء الدساتير فيتصل بأوضاع منطقية تعتبر أسبابا وأهدافا موضوعية تدفع حتما باتجاه بناء دستور للدولة الناشئة ومنها:

أ- حالة استقلال شعب وقيام وطن كان خاضعا للاستعمار من طرف دولة (أو أمة غازية مستعمرة..... مثل معظم الشعوب العربية التي كانت مسلوبة الإرادة والحرية ومنها الجزائر. وتونس، والمغرب ، وليبيا، ومصر، ولبنان، ومختلف الدول التي خضعت لاستعمار الأمبراطوريات القديمة.

ب- حالة انقسام دولة مستقلة ذات سيادة. مثلما وقع لجمهورية السودان سابقا بإشراف الأمم المتحدة، وبعد التقسيم نجم عنه سنة 2010 دولتان هما « دولة جنوب السودان المسيحية، ودولة شمال السودان المسلمة»..

- وحالة جزيرة القرم في استفتاء سكانها بإشراف روسيا الاتحادية سنة 2014، الذين اختاروا كأغلبية الانفصال عن جمهورية أوكرانيا والانضمام إلى روسيا الفدرالية....، إلا أن هذه الحالة برأينا لا تمثل إنشاء الأول دستور بالمعنى السياسي والفني للمصطلح، لكنها تشكل انضمام شعب القرم - الذي لا يملك دستورا خاصا به - إلى دستور روسيا الاتحادية القائم والساري المفعول. لأسباب وأهداف سياسية تاريخية نواتها الأولى تهجير سكان القرم الأصليين وتعويضهم بمستوطنين روس.

- وحالة الشعب العربي الفلسطيني الذي تم احتلاله، والجزيرة العربية. ومصر . والشام الكبير. من طرف بريطانيا، ... ثم دولة القوميين الصهاينة، التي اتبعت سياسة تهجير الفلسطينيين على الأقل منذ سنة 1948 إلى غاية الآن وتوطين اليهود في مئات وآلاف المستوطنات. فعندما كان خاضعا للانكليز كان دستور بريطانيا (غير المدون) وقوانينها هي المطبقة، وبعد تنصيب دولة إسرائيل تنفيذا لوعد بلفور المشئوم أنشأت دستورا لها (غير مدون) ، هذا الوضع في فلسطين يشكل حالة غريبة وشاذة لا تجد شبها لها فيما نعلم إلا حالة نظام بريتوريا العنصري بجمهورية جنوب إفريقيا، إلا أنه أصبح مختلفا بنضالات مانديلا ورفاقه وانتهاء الأمر إلى شعب موحد من السكان الأصليين السود والمستوطنين البيض في دولة موحدة ودستور موحد، وهذا لم يحدث بعد في فلسطين المسلوبة.

- وحالة زوال نظام سياسي وقيام نظام سياسي أخر بدله في دولة مستقلة مشكلة من شعب واحد وأمة واحدة وجغرافية واحدة، مثل: قيام النظام السياسي الإيراني الحالي المؤسس على نظرية ولاية الفقيه مكان النظام السياسي الشاهنشاهي المنتهية[31]. ومثل النظام السياسي لما بعد الثورة في ليبيا الذي لم تتحدد معالمه إلى تاريخ كتابة هذا البحث، وهو النظام المرتقب المقام عوضا عن نظام القذافي المبني على نظرية اللجان والمؤتمرات الشعبية كما كان مأمولا لديه.

هاته الحالات لا تطبق بشأنها إجراءات دستورية معروفة لعدم وجود الدستور لديها أصلا، لكنها تحتاج بحسب ما هو متعارف عليه إلى مجلس تأسيسي[32]  يتم إنشاؤه بهدف بناء ووضع دستور يمكننا تسميته: « الدستور القاعدي » في أجل معين قد يتم تمديده ثم ينحلت وجوبا عند نهاية المهمة[33].

المطلب الأول: أسباب التعديل وأهدافه .

سواء كانت المسألة متعلقة بالسياسة الخارجية أم بالسياسة الداخلية، يمكن الاكتفاء تحت هذا العنوان بما يراه بعض الفقه من أن أسباب وأهداف التعديل الأساسية قد تكون سياسية، كما قد تكون شخصية، وقد تكون ناجمة عن السببين المذكورين معا بالإضافة إلى عوامل أخرى.

أولا: أسباب وأهداف التعديل الدستوري في بعض الدول العربية.

1-من الناحية السياسية : والناحية السياسية أسبابها وأهدافها كثيرة ومتنوعة، منها ما يرمي إلى تقوية سلطات رئيس الجمهورية في مواجهة باقي السلطات الأخرى. ومنها أيضا الزيادة في صلاحيات السلطة التنفيذية، ومنها كذلك تدعيم سلطات البرلمان في مجال الرقابة، وأيضا يمكن أن يكون الدافع هو الانتقال من نظام سياسي رئاسي قائم في الدولة إلى نظام برلماني أو العكس، وربما يكون السبب هو التعديل في مبادي السياسة الخارجية إذا تعلق الأمر مثلا بانتقال قوات الدولة إلى ما وراء حدودها حتى ولو كان ذلك في إطار الأمم المتحدة أو الاتحادات الإقليمية، وقد يكون الهدف تحجيم سطوة المعارضة، ...، ومن الأمثلة الحاضرة في هذا المجال نذكر:

في الولايات المتحدة الأمريكية: في التعديل الثاني والعشرين للدستور الواقع سنة 1951 الذي نص على حظر انتخاب أي شخص رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من مرتين. وكذا التعديل الخامس والعشرين في سنة 1967 الذي عالج حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب العزل أو الوفاة أو الاستقالة، وذلك بأحكام جديدة تنص على تولي نائب الرئيس مهام الرئيس بقوة الدستور[34].

وفي فرنسا: نشير إلى التعديل الدستوري الذي يندرج ضمن مبادرة الرئيس شارل دوقول باعتماد إصلاحات سياسية من أجل إنقاذ فرنسا كما يعتقد، التي كانت تهدف إلى:

- تقوية السلطة التنفيذية داخليا.

وتحقيق الدور السياسي المستقل لفرنسا في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وذلك بجعل فرنسا قوة نووية رادعة، خلافا لسياسة معارضيه الذين يريدون الاكتفاء بالحماية المقررة تحت مضلة حلف شمال الأطلسي.

وكذلك العمل من اجل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام و الشامل،  وتحييد الطبقة السياسية التقليدية من الساحة السياسية المختلفة مع دوقول حتى في مجال رغبتها المعلنة بالتركيز على التنمية الداخلية، وليس القوة العسكرية.[35]

في مصر: حيث  وقع على دستور مصر لعام 1971 المعدل. تعديل دستوري سنة 2012 م وتم تعطيله وهو لم يكمل سنته الأولى  ، حدث ذلك بعد ثورة شعبية أو ربيع عربي مصري اشتهر باسم - ساحة رابعة العدوية - اختلطت فيها حشود شعبية غفيرة بقاصهم ودانيهم، لكن أبرزهم كان فتيان وفتيات مصر من كل الأصناف والتوجهات ... وهنا في هذا المقام لست مضطرا للبحث في تفاصيل معقدة ومتناقضة عن طبيعة الثورة ومساراتها، ودرجات جدتها، ومركزها وتفرعاته ومن هم زعماؤها ومنظروها ومحركوها، والمختبئون وراءها، والمندسون في قلبها وجيوبها والانتهازيون والمنتهزون، والأعداء من داخل مصر وخارجها، ثم في أي اتجاه تصب ؟؟ ... أقول يكفينا في هذا المقام ما أفصحت به تلك الثورة عن نفسها، أنها وقعت ضد النظام السياسي القائم ممثلا في رمزه الرئيس محمد حسني مبارك، الذي أعلن عن تنحيه عن الحكم، وأحيل إلى العدالة المصرية بتهم كثيرة لا تقدير لنا فيها، ...، الذي انتهى بعد محاكمات ماراطونية إلى تبرئة ساحته جنائيا مما نسب إليه من تهم. كان ذلك ونحن بصدد إتمام كتابة هذا البحث وقد يأتي الجديد....... إذن كانت الأسباب والأهداف سياسية بالمدلولات الواسعة للمصطلح أدت إلى صدور دستور 2012 المعطل.

أما دستور 2013 الذي حل محل الدستور المعطل. فقد كان أيضا لأسباب وأهداف سياسية بالأساس، عن طريق ثورة مضادة أو ربما كان إعادة توجيه للثورة بمنظور آخر أنهت حكم الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري المنتخب، وجاءت بحكم الفريق عبد الفتاح السيسي رئيس منتخب أيضا لجمهورية مصر العربية، وقد احتوى مشروع دستور 2013 على 247 مادة، وأهم أسباب تعديله وأهدافه نذكر منها بعض ما ورد في ديباجته وبعض أحكامه، فبعد أن استعرض مراحل تاريخ مصر قبل الإسلام وبعده، يشير إلى ثورة 25 يناير، و30 يونيو المتميزة (بكثافة المشاركة الشعبية المقدرة بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق ....... وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، ..- ويستطرد في الديباجة - نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية، نكتب دستورا نغلق به الباب أمام أي فساد أو استبداد. ... نکتب دستورا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.[36]

في تونس: بالنسبة لتونس فقد كانت السباقة في ثورتها وربيعها التي وقعت أحداثها في 17 ديسمبر سنة 2010، فكانت سلمية خالية من بذور الكراهية والحقد، بعيدة بشكل عام عن العنف والدموية، ونتمنى لها أن تبقى كذلك وأفضل من ذلك، لاسيما وقد دفعت الأمة العربية والشعوب العربية الشئ الكثير، كما هو حاصل في العراق ، وسوريا، ومصر، واليمن. والصومال. وليبيا،... وقد ضرب الجيش التونسي مثلا رائعا في الجياد وعدم الانغماس في أتون السياسة.. وبقي كما كان وفيا للشعب والوطن وتونس .

وأما ديباجة دستور 26 جانفي سنة 2014 . فقد حررها (نواب الشعب أعضاء المجلس التأسيسي)[37] الذين استكملوا بناء نصوصه المتضمنة 149 مادة، ومما جاء فيه: «التخلص من الاستبداد، وقطعا مع الظلم والحيف والفساد.... تأسيس نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي . في إطار دولة مدنية السيادة فها للشعب عبر التداول السلمي على الحكم بواسطة الانتخابات الحرة وعلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها...»

إنها إذن دوافع وأسباب وأهداف سياسية اجتماعية، عبر عنها التونسيون والتونسيات في المظاهرات التي عمت أرجاء تونس، ورمزها مقاطعة «» سيدي بوزيد»». منطلق الاحتجاجات التي كان وقودها الطبقة الفقيرة، ثم شاركت فيها المعارضة في الداخل والمقيمين منهم في الخارج لدى الدول الأوروبية، وانتهت بمغادرة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي لجوءا إلى إحدى الدول العربية في المشرق. وبعد فترة سياسية انتقالية انتخب التونسيون مجلسهم النيابي. وانتخبوا مرشحهم للرئاسيات من دورين في 23 نوفمبرثم 21 ديسمبر 2014 أيا كان الفائز فيها انتخابيا المرشح الباجي قايد السبسي بنسبة %55,68 كرئيس للجمهورية[38] والمرشح منصف المرزوقي بنسبة 44 ,%32، فالفائز الحقيقي فيها على كل العد هوشعب تونس الشقيق.

2-الدوافع الشخصية :

إذا كانت جل الأنظمة السياسية ومن ثم جلس دساتير الدول الحديثة غير الملكية لا تسمح بانتخاب رئيس الدولة لأكثر من عهدتين . أو على الأقل لأكثر من عهدتين متتاليتين ، ومبرراتها تتمثل في مبادئ الديمقراطية والتداول على السلطة، فإن نظما سياسية أخرى وبعض الدساتير الأخرى تسير في الاتجاه العكسي ، ولهذا قد تكون أسباب ودواعي وأهداف التعديل الدستوري شخصية في المقام الأول، هدفها التمكين لشخص معين سواء أكان هذا الشخص ينتمي إلى النظام السياسي الحاكم أولا ينتمي، من أجل الوصول إلى السلطة أو الاستمرار فيها خلافا لقواعد الديمقراطية التقليدية والتداول السلمي على السلطة، ومن الأمثلة على ذلك يمكننا الإشارة إلى تعديل دستور سوريا لسنة 1930 الذي لم يكن يسمح بعهدة ثانية إلا بعد انقطاع مده خمس سنوات، ونفس الشيء بالنسبة للدستور اللبناني لسنة 1926 الذي لم يكن يسمح هو الآخر بانتخاب رئيس الجمهورية لمرة ثانية، وأيضا تعديل الدستور التونسي سنة 1975 من أجل السماح بانتخاب رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة مدى الحياة[39] .

ثانيا- أسباب وأهداف التعديل الدستوري في الجزائر

تندرج التعديلات الدستورية الجزائرية خلال مسيرة الدولة الجزائرية ضمن النماذج المذكورة سابقا ولهذا  سنتتبع مسيرة التعديلات الدستورية الحاصلة في الجزائر منذ استرجاع السيادة والى الآن:

1- إنشاء دستور 1963:

الأسباب والأهداف لقد وافق الشعب الجزائري على أول دستور جزائري للدولة الوطنية المعاصرة في استفتاء 8 سبتمبر سنة 1963، حيث بات جليا أن هذا الدستور الجزائري الأول كتب وأصدر غداة حصول الجزائر على استقلالها بعد استعمار فرنسي طويل جثم على العباد والبلاد ما يناهز 132 سنة، فهو إذن أول دستور يؤسس لميلاد الدولة الجزائرية المعاصرة، رغم أننا نعتقد أو من الذين يعتقدون أن الدولة الجزائرية الحديثة إنما ولدت مع مبايعة الشعب الجزائري للأمير عبد القادر، تلك الدولة كتب لها أن تحل محل دولة البايات في عهد الأمبراطورية العثمانية، وبالمنطق فإن النتائج الباهرة لثورة التحرير المباركة تشكل استرجاعا للسيادة المسلوبة وليس قياما لدولة لم تكن موجودة قط ، على زعم قلة من المفكرين والسياسيين الجزائريين[40]. وبناء على ذلك لا يعتبر وضع دستور 1963 تعديلا دستوريا على دستور موجود فعلا. لأن الدستور المطبق على ارض الجزائر في ذلك الوقت والقوانين المطبقة له هي الفرنسية، وهذا ما لا يعترف به الشعب الجزائري أصلا ولم يشارك في صياغته وإعداده، لكنه نص دستوري جديد مكتوب بصفة كلية، تكفلت به جمعية تأسيسية منتخبة من طرف الشعب الجزائري عينت: المجلس الوطني التأسيسي، فهو يندرج ضمن الحالة الأولى ، وقد تولى المجلس الوطني التأسيسي المذكور وضع دستور الجزائر لسنة 1963م وتلك هي مهمته الأساسية، بل عادة ما تكون الوظيفة الوحيدة لأي مجلس تأسيسي المقام لمدة محددة لا تتجاوز في الغالب أشهرا معدودات. غير أن مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني[41]  نص في مادته الأولى على « أن الجمعية الوطنية المنبثقة عن اقتراع 12 أوت 1962 تتولى المهام التالية

1- تعيين حكومة مؤقتة

2- التشريع باسم الشعب الجزائري.

3- الإعداد والتصويت على دستور للجزائر .»

ونصت المادة الثانية في فقرتها الأولى على انتهاء مدة المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 12 أوت 1963م ، ونصت الفقرة الثانية من ذات المادة على تنظيم انتخابات المجلس وطني جديد بنفس الإجراءات والشروط إذا لم يصوت الشعب الجزائري على مشروع الدستور.

ونلاحظ بأن القانون المذكور بالإضافة إلى الإعداد والتصويت على دستور للجزائر ، كلف المجلس الوطني التأسيسي بتعيين حكومة مؤقتة. والتشريع باسم الشعب الجزائري. وهي مهام كبيرة يفترض أن تكون من صلاحيات سلطة تشريعية وليس تأسيسية، غير أن المبرر الذي نستسيغه هو عدم وجود سلطة تشريعية إلى ذلك التاريخ، وعدم وجود حكومة تمثل السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها ما يتصل بحق الشعب في ممارسة سيادته ، وإذن فقد انبثق الدستور المذكور عن سلطة تأسيسية منتخبة ميت في النص الدستوري ذاته: المجلس الوطني التأسيسي، الذي شددت وكالته التشريعية من تاريخ انتخابه في 20 سبتمبر 1962 إلى 20 سبتمبر 1964 م في نفس الدستور المستفتی بشأنه، وقد تم فعلا تحویل سلطات الهيئة التنفيذية المؤقتة للفترة الانتقالية حسب اتفاقيات إيفيان، ونقلت سلطاتها إلى المجلس الوطني التأسيسي بناء على جلستها المنعقدة بتاريخ 25 سبتمبر 1962 بموجب رسالة خطية موقعة من السيد عبد الرحمان فارس باعتباره رئيس الهيئة التنفيذية للجزائر المستقلة.

كما تم تحويل سلطات هيئة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في البيان الصادر عنها إلى المجلس الوطني بناء على جلستها المنعقدة بتاريخ 25 سبتمبر 1962 برئاسة الرئيس بن يوسف بن خدة الذي جاء فيه « .. لتتمكن الدولة الجزائرية بكامل هيئاتها أن تنشأ بسرعة من أجل تمكين البلاد من التكفل بالمهام الكبرى التي تنتظرها[42].

ومن الوصف والتحليل السابق يبدو بأن أسباب وأهداف وضع أول دستور جزائري سنة 1963 غداة استرجاع السيادة الوطنية للشعب الجزائري والدولة الجزائرية، لدى طرد المستدمر الفرنسي بعد استعمار استيطاني تجاوز القرن واثنتين وثلاثين 132 سنة تتمثل في:

* التأسيس لدولة جزائرية فتية مستقلة ذات سيادة، بما يمكن لها من عناصر الانتماء للمجتمع الدولي في إطار الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي.

*تأسيس نظام سياسي جمهوري.

* تحديد مجال ممارسة الحقوق والحريات العامة. ...

* تأسيس السلطات في الدولة (التنفيذية، التشريعية، القضائية، وتحديد وظائفها)

* إطلاق التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة، ...

2-تعديل دستور 1963 وميلاد دستور 1976م :

في الواقع هل يعتبر ما تعرض أول دستور وطني جزائري مجرد تعديل حتى ولو كان أساسيا في استفتاء 19 نوفمبر سنة 1976، الذي أفرز دستور 1976 المكون من (198 مادة) [43] المتميز بتوجهات جديدة ومبادئ ومقومات مختلفة تؤسس لنظام سياسي اشتراكي، تتجلى أسبابه وأهدافه من خلال استقراء مقدمة الدستور نفسه ومنها على الخصوص (... ما اعتبر فرصة أخرى للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها، وتم إستراتيجيتها على ضوء الاختيار الاشتراكي الذي لا رجعة فيه). ومما ورد فيه كذلك (من أجل إقامة مؤسسات للأمة تلد بعد الأحداث وزوال الرجال).

كما يمكننا أيضا استخلاص خلفيات وأهداف هذا التعديل ودوافعه بشكل أكثر وضوحا، بالاستناد إلى الوثائق الرسمية خاصة بيان مجلس الثورة الصادر في 19 يونيو 1965. وبلاغ الحكومة الصادر في 20 يونيو1965، ونص العريضة الموقعة من طرف النواب بمدينة الجزائر، ونص العريضة المقدمة إلى مجلس الثورة من قبل المحافظين ومراقبي الحزب، والميثاق الوطني، وديباجة دستور 1976م16. نستطيع استنباط أهم الدوافع الرامية إلى هذا التعديل أو التأسيس والأهداف المنتظرة منه وذلك في النقاط التالية[44]:

-كما عبر عنها بيان مجلس الثورة الصادر في 19 يونيو1965م حيث  تضمن البيان المشار إليه أعلاه أسماء الأعضاء الموقعين عليه بقيادة العقيد هواري بومدين وزير الدفاع أنذاك، وكبار قادة الثورة في جيش التحرير ثم الجيش الوطني الشعبي ومن أبرزهم قائد الأركان العقيد الطاهر زبيري، ...، حيث تناول أسباب التصحيح الثوري كما كان يعبر عنه في تلك الفترة، التي نعتبرها من بين أهم الدوافع التي أدت إلى ظهور دستور 1976م بالرغم من أننا نعلم أن منطلقاتها في البداية تتصل بخلع رئيس الجمهورية أحمد بن بلة من مهامه وهي[45]:

- بداية الأزمة « بين نخبة الطبقة السياسية في الجزائر» نتجت عن تناقضات عديدة وحتمية طيلة ما يناهز ثمان سنوات من الحرب التحريرية.

- احتدام الصراع بين مختلف الاتجاهات والتكتلات ...ومحاولة النيل من سمعة المجاهدين ولماضيهم المجيد.

- الإشارة إلى ممارسات الحكم المستبد الفردي بتحييد المؤسسات الجهوية والوطنية التابعة للحزب والدولة.

- التأكيد على نظرية الشرعية الثورية.

- اعتناق الأيديولوجية الاشتراكية (بتجسيدها فعليا ....).

- العمل على تحقيق الشروط اللازمة لإقامة دولة ديمقراطية جديدة سير بقوانين تحترم الأخلاق والمثل العليا، دولة لا تزول بزوال الحكومات والأفراد.

- تنظيم الاقتصاد الوطني وإخراجه من الفوضى، بانتهاج الاشتراكية طبقا لواقع وحقائق البلاد.

- التمسك بالمعتقدات والتقاليد الأصيلة.

- تدعيم الاستقرار السياسي لتشييد مجتمع اشتراكي .

وكما عبر عنها أيضا بلاغ الكومة في 20 يونيو1965م وذلك من خلال تصريح الحكومة الجزائرية عقب « التصحيح الثوري » أو « الانقلاب » الذي يبدو لنا فيه تأييدها (المحتشم) بصفة ضمنية لمجلس الثورة . حيث أبدت الحكومة تجنيدها وتحملها لواجباتها تجاه الشعب والعمل على مواصلة السير لتنفيذ مهام الدولة  وحث الشعب الجزائري على اليقظة وتحمل المسئولية

وكما عبر عنها نواب المجلس الوطني في عريضتهم  هذه العريضة تدخل في سياق أحداث 19 جوان 1965 فيما عبر عنه النواب من تأييد صريح لخلع الرئيس أحمد بن بلة، وإقامة قيادة جماعية عوضا عنه يتزعمها العقيد هواري بومدين ومما جاء فيها:

- تحويل مقاصد مؤسسات الجمهورية.

- تجاوز السلطة لخدمة أغراض شخصية.

- ومن ثم تأييدهم مجلس الثورة بإقامة دولة اشتراكية في نطاق ميثاق طرابلس.

وكما عبر عنها المحافظون الوطنيون ومراقبوالحزب في عريضتهم حيث أصدر محافظو ومراقبو الحزب عقب أحداث 19 جوان 1965م. ونظرا لدور حزب جهة التحرير الأساسي فإن ما عبروا عنه يدخل برأينا في نطاق أسباب ودوافع وأهداف دستور 1976م وهي:

- تأكيدهم لتمسكهم بمبادئ ثورة أول نوفمبر.

- مساندتهم لكل عمل من شأنه تدعيم السلطة الثورية وتشييد مجتمع اشتراكي.

- تأييدهم لبيان مجلس الثورة.

- دعوة المناضلين إلى اليقظة والتجنيد.

 وكما عبر عنها الميثاق الوطني بموجب استفتاء 27 يونيو1976م فالميثاق يعتبر المصدر الأسمى لسياسة الأمة وقوانين الدولة [46] في ذلك الوقت، ولعله يكفينا الإشارة إلى بعض ما ورد في المقدمة دعما لأفكار الموضوع كما يلي:

- التذكير بالمنجزات الكبرى بعد 19 جوان 1965 في كل المجالات.

- الميثاق الوطني يعبر عن تجربة ويغرض إستراتيجية .

- بناء القاعدة النضالية من أجل الاستمرارية الثورية .

- بناء مجتمع عصري ديمقراطي يرتكز على العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي.

- يذكر بمقاومة الأمير عبد القادر ووقوف الفئات الإقطاعية في خدمة المستعمر.

- الإشادة بالفئات الشعبية البسيطة التي تكونت منها حركة المقاومة وتعرضت لحرب الإبادة.

- القيادة الثورية لم تكتف بتحقيق الدفع الاقتصادي، وإنما أرست قواعد بناء المجتمع

الاشتراكي.

- على الدولة الاشتراكية الحفاظ على مكتسبات الثورة وتعميقها وانتقاء أفضل الإطارات الأكثر التزاما.

- التقييم المتواصل للثورات الصناعية والثقافية والزراعية.

- الاشتراكية في الجزائر حركة حتمية لا رجعة فيها.

وكما عبرت عنها ديباجة دستور 1976م فقد عبر الدستور أعلاه في ديباجته عن الدوافع التي أدت إلى ظهوره من خلال المؤسسات الثورية والشرعية الثورية، وكذا الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها وهي[47]:

- التذكير بدور جهة التحرير وجيش التحرير في الحرب التحريرية المتوجة بالاستقلال التام عن دولة الاستعمار الفرنسي.

- إبراز الميثاق الوطني المصادق عليه في استفتاء 27 يونيو 1976، الذي كان فرصة أخرى للثورة الجزائرية لتحديد مذهبها على ضوء الاختيار الاشتراكي الذي لا رجعة فيه.

- يشكل الدستور أحد الأهداف المسطرة في الميثاق الوطني.

- إقامة دولة منظمة على أساس عصري.

- الاختيار الاشتراكي لا رجعة فيه.

- ومن أجل التنمية التي تستهدف خلق القاعدة المادية للاشتراكية.

- توخي العدالة في توزيع الدخل القومي واستخدامه.

- الإشارة إلى تنظيم مؤتمر جبهة التحرير.

- المثل النبيلة التي كانت محركا لثورة الأول من نوفمبر 1945م العظيمة.

3-تعديل دستور 1976 وميلاد دستور 1989 م

بالرغم من الهالة التي كانت تزين دستور 1976، والزخم الذي ناله، والاحترام الذي حظي به، فإنه كما الدستور السالف الذكر تعرض هو الآخر إلى تعديل دستوري أساسي على الأقل من حيث إلغاء النظام السياسي الاشتراكي المطبق في الجزائر منذ الاستقلال. وإقامة نظام سياسي بتعددية حزبية بدله، وذلك في استفتاء 23 فبراير سنة 1989، حيث أورد دستور 1989 المشكل من (167 مادة) أهم الأسباب والأهداف التي سيعمل على تجسيدها فعليا ومنها إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية)، وهذا بعد مخاض عسير في أحداث أكتوبر من عام 1988، ثم تلته أحداث مأساوية أخرى كادت تودي بأمن واستقرار الجزائر.

كما أيضا من أهم أسباب ودوافع وأهداف هذا التعديل نذكر[48]:

- الأزمة الاقتصادية الخانقة وثقل المديونية في ذلك الوقت التي عانت منها الجزائر، وكان وقعها على الشعب الجزائري أشد. بحيث أدت إلى نشوب توترات وتظاهرات بمختلف أنحاء البلاد لاسيما في المدن الكبرى.

- ضغط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمؤسسات المالية الكبری کدائنين ومنهم نادي باريس، الذي انتهى إلى إعادة العمل بنظام الجدولة، حسب المعايير والشروط التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية.

- فشل سياسة إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية العمومية منذ سنة 1984 ضمن الإصلاحات الاقتصادية المتعاقبة خاصة التي أطلقها وزير التخطيط ثم رئيس الحكومة الدكتور إبراهيمي محمد.

- شح و ندرة المواد الغذائية الضرورية للناس.

- اندلاع أحداث أكتوبر 1988 العنيفة

وأما الدستور فنجده يركز في فقرات التمهيد التي عددها 12 فقرة على[49]:

- إبراز تطلع الشعب الجزائري للحرية وتصميمه الدائم بالكفاح والجهاد على البقاء دوما حرا.

- إبراز أول نوفمبر 1954م كنقطة فاصلة في تقرير المصير وتتويج الكفاح المسلح باسترجاع السيادة.

- التفاف الشعب الجزائري حول الحركة الوطنية ممثلة في جبهة التحرير الوطني من أجل تشييد مؤسساته الدستورية الشعبية الأصيلة.

- ثم التذكير مرة أخرى بدور جبهة التحرير في بناء دولة عصرية كاملة السيادة

- استعادة الثروات الوطنية وجعلها في خدمة الشعب.

- بناء مؤسسات دستورية وإشراك المواطن في تسير الشأن العام، وتحقيق العدالة والمساواة وضمان الحرية لكل فرد.

- التأكيد على سمو الدستور الضامن للحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات.

و ما كان يرمي إليه التعديل الدستوري المذكور يتمثل على الخصوص في الاتي:

- التمكين لهيبة الدولة وبسط سلطانها بعد المرحلة الأولى من دوامة العنف والظروف المتردية.

- التأكيد على الشرعية الثورية للنظام السياسي تحسبا للتغيرات التي ستنجم عن التعددية السياسية.

- تمتين قواعد الاستقرار السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي ليس فقط بالاعتماد على قطاع المحروقات.

- الدخول في مسار التعددية السياسية .

4-تعديل دستور 1989 وميلاد دستور 1996 م ( 182 مادة)

أما دستور 1989 فقد تعرض أيضا إلى التعديل في استفتاء 28 نوفمبر 1996، وكانت أسبابه متعلقة بذات الدستور بعد تجربة التعددية الحزبية السياسية الفاشلة. من كونه بمنظور السلطات العمومية لم يستوعب الطموحات والأهداف المطلوبة منه، فكانت أهدافه صوب تعزيز موقع السلطة التنفيذية وإعادة تركيزها في يد رئيس الجمهورية، وضبط ممارسة الأفراد لحرياتهم السياسية تفاديا لأي انزلاقات خطيرة محتملة.

فعلى الرغم من الأهداف التي سطرها دستور 1989م فيما أشرنا إلى ذلك أعلاه، لم يستطع احتواء الظروف الواقعة والمستجدة. ولم يتمكن من وضع قواعد لمواجهة الحالات الطارئة.

فتسارعت الأحداث ودخلت البلاد في أزمات مركبة ومعقدة ومدبرة. ووقعت الجمهورية في فراغ دستوري كلفها الكثير، وحدث إرهاب مدمر لكل شيء، فكاد ينتهي الحال إلى المجهول. ... ومن ثم نحاول الوقوف على أسباب ودوافع وأهداف التعديل الدستوري لسنة 1996م بعد المرور بمراحل صعبة وذلك كما يلي[50]:

مرسوم رئاسي رقم 91-196 مؤرخ في 4 يونيو سنة 1991 يتضمن تقرير حالة الحصار

حيث حدد أهداف حالة الحصار، وأسند إلى السلطة العسكرية صلاحيات السلطة المدنية في مجال النظام العام والشرطة..... وقد صدرت تطبيقا له مراسيم تنفيذية تتعلق بالوضع تحت الإقامة الجبرية، وتدابير المنع من الإقامة، والتفتيش، وهذا أمر حتمي في مثل حالات نظرية الظروف الاستثنائية وسلطات الحرب.

قانون رقم 91-23 مؤرخ في 6 ديسمبر سنة 1991 يتعلق بمساهمة الجيش الوطني الشعبي في مهام حماية الأمن العمومي خارج الحالات الاستثنائية). وهكذا بعد فشل السياسيين يقع الجيش الوطني الشعبي في الواجهة.

مرسوم رئاسي 44-92 مؤرخ في 9 فبراير سنة 1992 يتضمن إعلان حالة الطوارئ  مرسوم رئاسي مؤرخ في 4 جانفي 1992 يتعلق بحل المجلس الشعبي الوطني، كسابقة خطيرة. محتوى نص استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد بتاريخ 11 جانفي 1992 ومما يذكر فيها[51]:

- أنه منذ بداية انتخابه رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس الراحل هواري بومدين وهو يفكر في تمكين الشعب الجزائري من الوسيلة التي يعبر بها عن إرادته؟، ولذلك وبمجرد أن تهيأت الظروف عمل على فتح المسار الانتخابي، نقول أية ظروف؟ هل كان بالإمكان الانتقال سلميا بإرادة السلطة العمومية قبل حدوث العنف.

- يعتقد بان المبادرات المتخذة لم يكن بإمكانها ضمان السلم والوفاق بين المواطنين.

تصريح المجلس الدستوري بتاريخ 11 جانفي 1992:[52]

- يتضمن هذا التصريح إثبات حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية.

تصريح رئيس الحكومة سيد احمد غزالي يوم 11 جانفي 1992:

- أشار فيه إلى استقالة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد  ودخول البلاد في حالة لم يسبق لها أن مرت بها من قبل يؤكد على مسئولية الحكومة التي جعلت في مقدمة أولوياتها الحفاظ على أمن المواطن والمواطنين كما يشير إلى أنه طلب من الجيش الوطني الشعبي الحفاظ على الأمن العمومي وأمن المواطنين. ويبث نداءه إلى كافة أعوان الدولة والمواطنين من أجل تحملهم لمسئولياتهم ومواجهة التحدي.[53]

بيان المجلس الأعلى للأمن بتاريخ 12 جانفي 1992:

 - يلاحظ المجلس الأعلى للأمن استحالة مواصلة المسار الانتخابي، بعد أن ذكر الأسباب.

- يقرر (أي المجلس الأعلى للأمن) توليه مؤقتا الحفاظ على النظام العام وأمن الدولة.

- يعلن أنه في دورة مفتوحة تنفيذا لمهامه[54].

 

 

إعلان بتأسيس مجلس أعلى للدولة بتاريخ 14 جانفي 1992:

 - يذكر الإعلان بالمخاطر التي تمر بها البلاد، ويوضح أن استمرار الدولة يقتضي سد شغور رئاسة الجمهورية بإقامة جهاز إنابة جماعي يضطلع بمهام رئيس الجمهورية وهو المجلس الأعلى للدولة. (و هو حل مبتكر في ظل الفراغ الدستوري والتردي الأمني)

- الإعلان عن أسماء الجهاز المذكور وعددهم خمسة أعضاء برئاسة محمد بوضياف، وبعد اغتياله يلتحق بعضويته رضا مالك وينتخب على كافي رئيسا للمجلس المذكور ويستمر في وظائفه الاستثنائية وكذا إنشاء المجلس الاستشاري الوطني ليقوم بمهام السلطة التشريعية، وقد ثبتت عدم فاعليته، (يعتبر هيئة تقوم بدور المجلس الشعبي الوطني وتحل محله في وظيفته التشريعية كما حل المجلس الأعلى للدولة محل رئيس الجمهورية في القيام بمهامه) [55]

مرسوم رئاسي مؤرخ في 29 يناير سنة 1994 يتعلق بنشر الأرضية المتضمنة الوفاق الوطني حول المرحلة الانتقالية: [56]

وهذا بعد مناقشات طويلة بإشراف السلطة شارك فيها أحزاب سياسية معتمدة وشخصيات وطنية مدعوة.

- يؤكد المرسوم المذكور على التحولات الكبرى التي مرت بها الجزائر منذ الاستقلال.

- يؤكد على الأخطاء والممارسات التي صاحبت عملية التشييد وما سببته من ضرر لحق بمصداقية المؤسسات، فهذا باعتقادنا يشكل اعترافا صريحا بتفشي الفساد الحكومي كعامل حاسم في تدهور الأوضاع على كافة مستويات المؤسسات الرسمية في الدولة.

- يشير إلى الندوة الوطنية للوفاق الوطني والي الصعوبات التي لازالت قائمة وأن الوصول إلى حل دائم لازال طريقه طويلا، حيث تبدولنا عدم كفاية هذا التشخيص ما دام معزولا عن أسبابه وأهدافه الموضوعية،

- يشير إلى ضرورة المرور بمرحلة انتقالية لتهيئة الظروف الملائمة، وإصلاح الأوضاع المتدهورة .

- يؤكد على الإصلاحات التي لا تتأتى إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي جمهوري يضمنه دستور يكون مرجعا وعامل استقرار، يمكن الاحتجاج به من طرف الجميع ويسمح لكل تشكيلة أن تجد مكانتها مع باقي التشكيلات الأخرى، وهو باعتقادنا طموح مشروع يبقى مأمولا تحقيقه في المستقبل ضمانا لاستقرار وأمن الدولة.

- يؤكد على أن الدستور هو الأساس القانوني لهذا البناء.

- ويؤكد على الاسترجاع الحاسم للسلم المدني .

- الرجوع في اقرب فرصة للمسار الانتخابي.

- إعادة الاعتبار لوظيفة الدولة مع حياد الإدارة، وتعزيز الرقابة..

- الوصول إلى أنظمة قانونية جدية تتعلق بالانتخابات والأحزاب السياسية والإعلام.

- تكييف الاقتصاد الوطني مع التحولات الكبرى عالميا والانتقال المتحكم فيه إلى اقتصاد السوق.

- إعادة الهيكلة الصناعية، وتدعيم ترقية الصادرات من غير المحروقات.

- تعزيز الحالة الاجتماعية وترقية الإسكان والسكن الريفي .

- ضمان أمن الأشخاص والممتلكات.

- كما نصت أرضية الوفاق الوطني على هيئات المرحلة الانتقالية وهي: رئيس الدولة والحكومة، والمجلس الوطني الانتقالي.

إعلان المجلس الأعلى للأمن بتاريخ 30 يناير 1994

ويتعلق هذا الإعلان بتعيين الجنرال اليامين زروال رئيسا للدولة ووزيرا للدفاع الوطني. وذلك خلفا لعلي كافي بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، وخلفا للواء خالد نزار باعتباره وزيرا سابقا للدفاع الوطني، وذلك إيذانا بانتهاء هذه المرحلة، وذلك بحل الرئاسة كقيادة جماعية ممثلة في المجلس الأعلى للدواة. وتسليمها للرئاسة كما ينص عليها الدستور[57].

5-دستور 1996م :

بعد الأحداث الكبرى المتتالية الخطيرة التي مرت بها البلاد. وسلسلة الإجراءات والمبادرات المتخذة من طرف السلطات العمومية للتعامل معها، التي بررتها المواقف السالفة الذكر من خلال الوثائق المشار إليها سابقا، يصدر دستور 1996م الذي نبه هو الآخر إلى أهم الأسباب والأهداف التي أدت إلى ظهوره نذكر منها على الخصوص استنادا إلى ديباجته[58]:

- التذكير بالبعد التاريخي للشعب الجزائري على مر العصور والحقب التاريخية منذ العهد النوميدي والفتح الإسلامي إلى حرب التحرير المظفرة.

- بناء دولة ديمقراطية، وهي كما يبدو مختلفة في مبادئها عن الديمقراطيات الشعبية كنموذج سياسي.

- تحديد مبادئ ومقومات وهوية الشعب الجزائري، الإسلام، العروبة، الأمازيغية

- إبراز أول نوفمبر كنقطة فاصلة في تقرير المصير وتتويج الكفاح المسلح باسترجاع السيادة.

- تشييد وبناء مؤسسات الدولة، والمقصود هو السلطات العمومية الثلاث وبقية المؤسسات الدستورية حسب طبيعة كل واحدة منها، بما فيها المؤسسات الاستشارية.

- تأسيس « مجلس الأمة » كغرفة ثانية في تشكيل البرلمان الجزائري، وهي الميزة البارزة لهذا الدستور.

- إبراز دور جبهة التحریر کرائدة للحركة الوطنية في تحرير البلاد وتشييد الدولة الجزائرية، دولة عصرية في خدمة الشعب. تمارس سلطانها من غير ضغط خارجي.

- التذكير بمشاركة الفرد الجزائري في تسيير الشأن العام تحقيقا للعدالة والمساواة .

- التأكيد على احترام الدستور وقوانين الجمهورية

- التأكيد على أن تمسك الشعب الجزائري بالحرية والعدالة الاجتماعية تشكل أحسن ضمانة لاحترام مبادئ الدستور.

- قطع الطريق عن كل عمل حزبي سیاسي يعتمد على الدين والعرق واللغة والجنس والمهنة والجهوية، ومقومات الجمهورية، بالإضافة إلى نبذ العنف استعمالا وتأييدا بأي شكل من الأشكال والصور[59] .

كما وأن الدستور 1996، كان قد عدل سنة 2002، ويتعلق الأمر بدسترة الأمازيغية، وكذلك سنة 2008 إذ كان الدافع هذه المرة هو إطلاق العهدة الرئاسية من قيدها بالأساس، وكذلك تحديد وضع الوزير الأول في الحكومة..... وكان ينتظر تعديل الدستور الحالي قبل الانتخابات الرئاسية التي جسدت العهدة الرابعة، وذلك في إطار الإصلاحات التي أطلقها رئيس الجمهورية.

فبالنسبة للتعديل الدستوري الواقع سنة 2002 فإن دوافعه وأسبابه وأهدافه كانت سياسية.[60]

ذلك أن الوضع الأمني مازال أولوية للحكومة التي اعتبر رئيسها علي بن فليس آنذاك أن الأمازيغية تعتبر أحد المكونات الأساسية للهوية الوطنية « الإسلام العروبة الأمازيغية » وأن المشكلات الاجتماعية تستدعي معالجتها بجدية تفاديا لمن يريد استغلالها سياسيا بشكل يضر بالأمن العام، ولذلك اعتبرت الأمازيغية كلغة وطنية، وهذا ما حدا برئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة دعوة البرلمان بغرفتيه ليلتئم في شكل مؤتمر تطبيقا لأحكام الدستور، وقد تم التصويت على المادة الثالثة مكرر التي جاء نصها كالتالي: « تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني ». وقد جاء هذا التعديل كما يبدو سدا لمنع الاختفاء وراء مقاصده الواقعية، ودفعا لأي تأويلات سياسية، حماية للخمة الاجتماعية.

6-التعديل الدستوري لسنة 2008 م :

التعديل الدستوري لسنة 2008 لم يخرج عن أهم الأسباب المعبر عنها من وجهة نظر التحاليل الفقهية، أي إنما يقع التعديل الدستوري لأسباب سياسية، أو شخصية، أو هما معا، وهذا ما كان من وراء تعديل دستور 1996 كما نعتقد وهي[61]:

- بالنسبة للمادة 5  المتعلقة بالتحديد الدستوري الألوان العلم الوطني، واعتباره رمزا للثورة والجمهورية، وذلك من أجل عدم الاستئثار بها من أي أحد، ولا ينازع فيها أحد، خاصة لما كانت تظهر بعض الألوان الأخرى في المظاهرات وبعض المناسبات الخاصة.

-م 31 مكرر ، المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة. دوافعها تهميش المرأة من طرف الأحزاب السياسية، وربما يحصل ذلك حتى في الثلث الرئاسي، وبالتالي يصبح تمثيلها في المجالس المنتخبة اجباريا.

-م 62  تتعلق بكتابة التاريخ واعتباره من مهام الدولة، لأن محطات تاريخ الشعب الجزائري تتعرض إلى التشويه، وهذا سيؤثر في الأجيال المتتالية سلبا ويحدث قطيعة مع الأجيال السابقة ومنها جيل الثورة التحريرية.

- م 74  أكدت مدة العهدة الرئاسية بخمس 5 سنوات، وأطلقتها من أي قيد يمنع تكرار انتخاب رئيس الجمهورية الممارس لوظائفه من الترشح لعهدة ثالثة، ورابعة.[62]

- م 77و79و 85 و 87 و 90 تتصل بإعادة التنظيم الداخلي للسلطة التنفيذية.

- م 80 و 81 و 82 84 و 98 و99 و 129 و 135 و 136 و 137 متعلقة باعتماد هيكلة جديدة داخل السلطة،

- م 83 و 84 و 86 و 91 و 116 و 118 و 119 و 120 و 137 و 158 تتعلق باستبدال وظيفة رئيس الحكومة بوظيفة الوزير الأول .

7-الوثيقة الدستورية المقترحة سنة 2014 المتوجة بدستور 2016 :

يتعلق الأمر بتعديل دستوري مرتقب ظل يتأرجح بين مؤيد ومعارض لإجرائه، حيث كان قد عبر رئيس الجمهورية عن ذلك أكثر من مرة في مناسبات عديدة بالتلميح والتصريح كما ورد في خطاب ابريل 2011، معتبرا على رأس برنامجه الإصلاحي العميق المجسد في المنظومة القانونية الأساسية. وأشار إلى التعديل الدستوري أيضا الوزير الأول عبد المالك سلال في حملة الانتخابات الرئاسية متحدثا عن برنامج الرئيس باسم هذا الأخير[63] ، ثم انطلقت مرحلة الاستشارات التي أجراها رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي باسم رئيس الجمهورية، بحضور أحزاب سياسية معتمدة وشخصيات وطنية وخبراء في القانون.

وبذلك خرجت الوثيقة من رئاسة الجمهورية بعنوان « اقتراحات تتعلق بالتعديل الدستوري » لكنها لم تصدر في الجريدة الرسمية وهذا أمر طبيعي، كونها لم يصل السير في إجراءاتها إلى منتهاه، وهو المرسوم الرئاسي المتعلق بإصدار التعديل الدستوري طبقا للمادة 182 من دستور 1996 المعدل، ومن ثم ينفذ كقانون أساسي للدولة.

- تتضمن وثيقة التعديل 47 مادة تراوحت بين تعديل أحكام موجودة وإضافة مواد جديدة. متصلة على وجه الخصوص، بالديباجة، ثم الفصول المتعلقة بالشعب، والدولة، الحقوق والحريات، والواجبات السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، والرقابة. حيث عدلت عبارات وأضيف مقطع هدفه تكريس التداول الديمقراطي، وتبني مبادئ سياسة السلم والمصالحة الوطنية، وكذا فكرة المناصفة بين الرجل والمرأة ؟ وحرية التعبير والصحافة، وتفويض الوزير الأول والتجريد من العهدة النيابية كجزاء لمن يغير انتماؤه الحزبي أثناءها، وتمكين أعضاء مجلس الشيوخ من المبادرة بالقوانين، وهي في المجمل تعديلات عادية إذا ما تمت على حالها، لا تغير من مرامي وأهداف الدستور القائم[64]، غير أن ما يمكن التعامل معه إيجابيا بشكل مؤقت هو تمكين شيوخ مجلس الأمة من اقتراح قوانین مساواة بزملائهم في المجلس الشعبي الوطني، (على غرار الدستور الفرنسي لسنة 1958 [65]، وهذا ما كنت قد عبرت عنه بنقد بعض أحكام دستورنا المتعلقة بالسلطة التشريعية، وكذا تقييم دور مجلس الأمة الذي نعتبره منذ نشأته ضامنا لحفظ التوازنات  وصماما يمنع الدخول في فراغ المؤسسات الدستورية[66].

8-التعديل الدستوري لسنة 2016 م :

اختلف الكثير حول ان كان دستور 2016 « دستورا جديدا » على رأي البعض، أم أنه مجرد « تعديل دستوري » استجابة لأسباب سياسية   فبالإضافة إلى ما سبق حيث  نجد إرادة رئيس الجمهورية في التعديل ضمن سلسلة الإصلاحات القانونية الكبرى لهياكل الدولة وسلطاتها العمومية ومنظومتها القانونية الأساسية، فإن الدستور ذاته يحمل معاني الأسباب والأهداف السياسية المؤدية إلى التعديل . ومن ذلك ما ورد في الديباجة (التأكيد على الدور التاريخي لجبهة وجيش التحرير الوطني و التنبيه إلى المأساة الوطنية وعزم الشعب الجزائري تجنب الفتنة والعنف بالإضافة الى الحوار والمصالحة و تكريس التداول على السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة حيث  تسهر الدولة على احترافية الجيش الوطني الشعبي،  تشكل هذه الديباجة جزءا لا يتجزأ من الدستور.

كما نذكر بعض ما ورد في أحكام مواد الدستور (... القضاء على التفاوت الجهوي في مجال التنمية، الفصل بين السلطات، حماية حقوق المواطنين في الخارج ومصالحهم. حرية الاستثمار والتجارة معترف بها، الحصول على المعلومات والوثائق، التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى أحكام تتعلق برئيس الجمهورية، وبالمعارضة البرلمانية، وأوضاع النائب،وتقديم مشاريع القوانين مع بعض التفصيل،  وأحكام أخرى تتعلق بالسلطة القضائية، والرقابة ومراقبة الانتخابات ، والدفع بعدم الدستورية ، وكذا المؤسسات الاستشارية والتعديل الدستوري.

كل تلك الأحكام تعبر عن أهداف سياسية كبرى كانت الأسباب التي أدت إلى التعديل الدستوري سنة 2016، فبعضها كان تعزيزا لأحكام سابقة، وبعضها نظم مسائل دستورية لأول مرة، وبعضها الآخر إعادة تنظيم[67].



[1] سعيد بوشعير ، المجلس الدستوري في الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، 2012، ص 12.

[2] حمريط كمال، نشاة الفضاء الدستوري في الجزائر وفرنسا وتأثيره على مبدأ سمو الدستور ( دراسة مقارنة)، مجلة الأستاذ الباحث للدارسات القانونية والسياسية، المجلد 5)، العدد 01، السنة 2020، ص 166.

[3] أحمد وافی، بوكرا إدريس، النظرية العامة للدولة والنظام السياسي الجزائري في ظل دستور 1989، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر 1992، ص 320.

[4] مولود منصور، بحوث في القانون الدستورية الجزائر، موقع للتشر، 2010، ص 218 - 220.

[5] وداد فوقة، المجلس الدستوري الجزائري بين الاستقلالية والتبعية في ظل التعديل الدستوري 2016، مجلة العلوم الإنسانية، عدد 51 - جوان 2019، ص395 – 408.

[6] المادة 186 من القانون العضوي رقم 16-01 المتضمن التعديل الدستوري الجزائري، المؤرخ في 06 مارس 2016 الجريدة الرسمية رقم 14، المؤرخة في 07 مارس2016.

[7] سالمي عبد السالم - بن دراح علي إبراهيم، تطور النظام الإجرائي لإخطار المجلس الدستوري الجزائري في مجال الرقابة الدستورية، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، عدد 9، لبنان، 2016، ص 71 .

[8] ياسمين مزاری، المجلس الدستوري الجزائري على ضوء التعديل الدستوري 2016 ، مقال منشور مجلة الدراسات القانونية مخبر السيادة والعولمة كلية الحقوق جامعة المدية الجزائر المجلد الخامس/ العدد الأول/ جانفي 2018.

[9] عربي أحسن، قراءة في تشكيلة المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، مجلة العلوم القانونية والاجتماعية، جامعة زيان عاشور ، الجلفة، الجزائر، العدد الرابع، شيسمبر 2020، ص 565- 566.

[10] عبد الحليم طالبي، القوانين التنظيمية في الهندسة الدستورية المستور 2011، دراسة تحليلية قانونية سوسيو قضائية وفق التشريعات المقارنة لنماذج بعض القوانين التنظيمية، ط1، المركز الديمقراطي العربي، براين، ألمانيا، سنة 2020، ص 20.

[11] فهد أبو العثم، الفضاء الدستوري بين النظرية والتطبيق، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2016 ص 31-32.

[12] أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، ط2، دار الشروق، القاهرة، مصر 2000، ص 120.

[13] رائد صالح أحمد قنديل، الرقابة على دستورية القوانين، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 2010، م 42.

[14] المواد 191 و192 من الدستور المصري لسنة 2014.

[15] أسماء حقاص، الطاهر عجلائی، مستقبل الرقابة على دستورية القوانين، المحكمة الدستورية الجزائرية نموذجا، مجلة الحقوق والعلوم السياسية جامعة خنشلة، المجلد 8، الـ01، السنة 2021، ص214 .

[16] عمار بوضياف، دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية 2020، مراحل التعديل - المضمون - المستجد، ط 01، جسور للنشر والتوزيع، المحمدية، الجزائر، سنة 2020، ص 133.

[17] أنظر التعديل الدستوري الجزائري 2020، المواد 85 – 86.

[18] بومدين محمد، مدى التزام المجلس الدستوري الجزائري بمتطلبات الطابع القضائي للدفع بعدم الدستورية من خلال نظامه الصادر في 2019، مجلة القانون والمجتمع، العدد 01، المجلد 8، السنة 2020، ص32.

[19] المواد 18- 19 من النظام المحدد لقواعد المجلس الدستوري والمعدل بمداولة صادرة عن المجلس الدستوري المؤرخة في 17 أكتوبر 2019 التي تعدل ولتعم النظام المؤرخ في 12 ماي 2019 المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري .

[20] بومدين محمد، مرجع سابق، ص 56.

[21] بومدین محمد، مدى كفاية الدفع بعدم الدستورية لضمان سمو الدستور الجزائري، مجلة الفقه والقانون المملكة المغربية، العدد 86، ديسمبر 2019، ص83-98 .

[22] عبد العزيز محمد سالمان، رقابة دستورية القوانين، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، مصر، 1994، ص72.

[23] محمد أنس قاسم، الرقابية على دستورية القوانين - دراسة مقارنة تطبيقية - دار النهضة العربية، القاهرة، سنة  1998، ص 27.

[24] عبد العظيم عبد السلام، الرقابة على دستورية القوانين - دراسة مقارنة -، اللواء للطبع والتوزيع، شبين الكوم مصر، سنة 1991، ص 11.

[25] Marie - Joelle Redor, De L'Etat légal à L'Etat de droit, Economica, 1992, PP. 10-24.

[26] محمد أنس، مرجع سابق، ص 31.

[27] الأمر رقم 01-21 المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، الجريدة الرسمية الجزائرية عدد 17، المؤرخة في 10 مارس 2021.

[28] لمين شريط الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة دم الجامعية طبعة رابعة 2005 ص 128.

[29] Philippe ardant institutions politiques et droit constitutionnel 12e édition 2000 lg di parisp 78.

[30] يوسف حاشي، في النظرية الدستورية، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت طبعة أولى 2009 ص 161.

[31] بركات محمد، مقال بعنوان: التعديل الدستوري بين سلطات الرئيس وصلاحيات البرلمان والسيادة الشعبية، منشور في مجلة دراسات قانونية، دورة فصلية محكمة، تصدر عن مركز البصدر للبحوث والدراسات الجزائر العدد 15 أوت 2012

[32] سامي جمال الدين، القانون الدستوري والشرعية الدستورية، منشأة المعارف الإسكندرية ص 88.

[33] jean gicqul droit constitutionnel et institutions politiques 16 édition delta 1999 Liban p 165

[34] دستور الولايات المتحدة الأمريكية عن دساتير ومواثيق مسياسية من إعداد ناصرلباد، مطبعة لباد الطبعة الأولى 2007

[35] احمد العربي النقشبندي، تعديل الدستور، دار الرواق للنشر والتوزيع عمان الأردن طبعة أولى 2006 ص 40.

[36] مشروع دستور جمهورية مصر العربية لعام 2013 الموقع من طرف، عمرو موسى.

[37] دستور الجمهورية التونسية، عن موقع البوصلة، www. albawsala.com تاريخ الاطلاع: 12/05/2022.

[38] E Watan Mardi 23-12-2014, N07361, p. 11

[39] بركات محمد، مقال بعنوان: التعديل الدستوري بين سلطات الرئيس وصلاحيات البرلمان والسيادة الشعبية، منشور في مجلة دراسات قانونية، دورية فصلية محكمة تصدر عن مركز البصير للبحوث والدراسات الجزائر العدد 15 أوت 2012

[40] بوكرا إدريس ، تطور المؤسسات الدستورية في الجزائر منذ الاستقلال، الجزء الأول، د م ج طبعة ثانية 2005 ص 15

[41] بوكرا إدريس ، المرجع السابق ص 16.

[42] التعديل الدستوري في الجزائر ، دراسة في ظل التحولات العربية الراهنة،  مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية و السياسية، ص 286.

[43] بوكرا إدريس، المرجع السابق ، ص 20.

[44] الميثاق الوطني مصلحة الطباعة المعهد التربوي الوطني الجزائر 1976م.

[45] التعديل الدستوري في الجزائر ، المرجع السابق ، ص 288.

[46] بوكرا إدريس، المرجع السابق، ص 21.

[47] التعديل الدستوري في الجزائر ، المرجع السابق ، ص 289.

[48] بوكرا إدريس، المرجع السابق، ص 22.

[49] التعديل الدستوري في الجزائر ، المرجع السابق ، ص 290.

[50] التعديل الدستوري في الجزائر ، المرجع السابق ، ص 290.

[51] بركات محمد، النظام القانوني لعضو البرلمان، دراسة مقارنة، (مهام وأعمال وعلاقات عضو البرلمان الجزء الثاني، دمج الطبعة الأولى سنة 2012 ص، 30.

[52] التعديل الدستوري في الجزائر ، المرجع السابق ، ص 291

[53] المرجع نفسه، ص 292.

[54] المرجع نفسه، ص 293.

[55] المرجع نفسه، ص 293.

[56] بركات محمد، مقال بعنوان: التعديل الدستوري بين سلطات الرئيس وصلاحيات البرلمان والسيادة الشعبية منشور في مجلة دراسات قانونية، دورية فصلية محكمة، تصدر عن مركز البصير للبحوث والدراسات الجزائر العدد 15 أوت 2012.

[57] بوكرا إدريس، المرجع السابق ، ص 22.

[58] جريدة الخبر اليومي، السبت، 9 ماي 2013، عدد 7008 الصفحة الثانية. نقلا عن مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية و السياسية.

[59] المادة 42 من الدستور.

[60] مقال منشور على موقعك http://www.majliselouma.dz/ تاريخ الاطلاع: 15/05/2022.

[61] بركات محمد، مقال بعنوان: التعديل الدستوري بين سلطات الرئيس وصلاحيات البرلمان والسيادة الشعبية منشور في مجلة دراسات قانونية، دورية فصلية محكمة، تصدر عن مركز البصير للبحوث والدراسات الجزائر العدد 15 أوت 2012

[62] بوكرا إدريس ، تطور المؤسسات الدستورية في الجزائر منذ الاستقلال، الجزء الثاني، دمج طبعة ثانية 2005 ص 241.

[63] التعديل الدستوري بين سلطات الرئيس وصلاحيات البرلمان والسيادة الشعبية، منشور في مجلة دراسات قانونية مرجع سابق.

[64] اقتراحات تتعلق بالتعديل الدستوري صادرة عن رئاسة الجمهورية.

[65] المادة 39 من دستور فرنسا لسنة 1958 المعدل.

[66] بركات محمد، النظام القانوني لعضو البرلمان، دراسة مقارنة، (مهام و أعمال و علاقات عضو البرلمان)، ج 2 دم ج، ط1 ، 2012 ص 393.

[67] بركات محمد، النظام القانوني لعضو البرلمان، دراسة مقارنة، المرجع السابق، ص 397.

الاسمبريد إلكترونيرسالة