تعّد اللّسانيات من
بين الحقول المعرفية التي تهدف إلى خدمة مختلف قضايا اللغة العربية على مستوى
الصوت والصرف والدلالة والتركيب إلاّ أن المصطلح اللساني العربي وان قطع
أشواطا إلاّ أنّه لا يزال يعاني بعض الصعوبات و العراقيل التي تعود في أغلبها إلى إشكالية
ترجمته ، الأمر الذي أّدى إلى ظهور فوضى في تناوله وتوظيفه من قبل العديد من
الدارسين والمشتغلين عليه، وخلق العديد من التساؤلات حول أي المصطلحات أحق بالأخذ
والاستعمال.
و قد تمكنت
اللسانيات من إدخال تغييرات جذرية على التاريخ اللغوي القديم، واستطاع الدرس
اللساني الخروج من المعيارية إلى مجال الوصف، بفضل جهود "دي سوسير"
وإدخالها إلى عالم التكنولوجيا الحديثة، فاللسانيات فرضت وجودها على كل ميادين
المعرفة الإنسانية، وهكذا تمكنت من إعادة هيكلة ومنهجة العلوم الإنسانية الحديثة،
فقد أدرك اللسانيون العرب المحدثون أهمية هذا العلم وضرورة الإلمام بأسبابه
والإحاطة بنتائجه بغية تقويم العمل اللغوي العربي القديم، ولهذا لم يتوانوا في
التعريف به والقيام بترجمة أهم مؤلفاته ونتيجة لهذا الوضع، ظهرت حركة ترجمة حثيثة
منذ الستينيات وقد واجهت تراكما اصطلاحيا
كان المشكل الأول الذي واجه اللسانيون العرب، والذي شغل بال الباحثين في كيفية
تعريبه.
كما أن الاختلاف
والتباين في إطار ترجمة عدد يسير من المصطلحات التي تشكل العمود الفقري للسانيات،
والتي انبنت عليها جل المدارس والاتجاهات اللسانية الحديثة يعود إلى أسباب عديدة
ومتنوعة، منها ما يعود إلى المترجم نفسه الذي يفترض فيه أن يكون ملماً باللغتين
المنقول منها والمنقول إليها من جهة، وبالمحتوى العلمي الذي هو بصدد ترجمته من جهة
أخرى، أو إلى انعدام هياكل ومؤسسات نظامية تسهر على توحيد المصطلحات ونشرها في
العالم العربي، باعتبار المصطلحات مفاتيح العلوم على حد تعبير الخوارزمي، ومع
اشتداد هذه الحاجة المعرفية، أصبحت ترجمة المصطلحات اللسانية ومواكبة اشتقاقاتها
الحديثة ضرورة إنسانية ملحة في التواصل بين اللغات وتعزيز ثروتها المعرفية.
وفي
محاولة منا لرصد هذه القضايا، جاء هذا البحث موسوما بـ:" اشكالية ترجمة
المصطلح اللساني إلى العربية في ترجمة يوئيل يوسف عزيز لمحاضرات دي سوسير"
وتكمن أهمية هذا الموضوع البحثي في الفائدة الكبيرة التي تحققها المصطلحات في حقل
البحوث اللسانية و العلمية ، ولعل الذي شدنا إلى اختياره هو مادة المحاضرات الغنية
والمتنوعة بالمصطلح اللساني و العلمي وكذا الرغبة في رصد المشاكل التي قابلها
المترجم في ترجمة هذا اللون المصطلحي وقد ارتأينا أن نبادر عبر هذا الاجتهاد
البحثي إلى كشف طرق صوغ المصطلح اللساني العربي و اشكالية تقبل الدرس اللساني
الغربي في البيئة الثقافية و العلمية العربية.
وتندرج
تحت هذه الإشكالية الكبرى تساؤلات فرعية حاولنا الإجابة عنها، والمتمثلة في الآتي:
-
ما
هو المصطلح عموما و ما هو المصطلح العلمي خاصة؟
-
ما
هي طرق ترجمة المصطلح العلمي إلى العربية و كيف يصاغ و ينحت ؟
-
ما
هي التحديات التي واجهت يوسف عزيز في ترجمته إلى العربية؟
وللإجابة
عن هذه التساؤلات اعتمدنا المنهج الوصفي حسب ما تقتضيه طبيعة الموضوع، من خلال وصف
المسائل المصطلحية والوقوف عند مشكلاتها بالتحليل.
وبخصوص خطة البحث فإنها تأتت من خلال
الاستهلال بمقدمة، وتلاها الفصل الأول عنوانه "المصطلح العلمي و ترجمته
العربية" ، كان مبحثه الأول مفهوم "المطلح العلمي و كيفية صياغته و
نحته" يحوي تعريف المصطلح لغة و اصطلاحا ة تعريف المصطلح اللساني عموما بالاضافة
إلى آليات وضع المصطلح العلمي بالنحت، الاشتقاق، المجاز، التعريب، و الترجمة كما
عرجنا فيه إلى وظيفة المصطلح و أهميته.
أما
المبحث الثاني فتناول علاقة حقل المصطلحية بعلم اللسانيات.
و
الفصل الثاني عنوانه " اشكالية ترجمة المصطلح اللساني تحدثنا فيه عن ترجمة
المصطلح اللساني العلمي و مبادئ الترجمة و أساسياتها، كما لم نغفل عن صعوبات
الترجمة، و اشكالية المصطلح اللساني ، ثم ذكرنا تعدد المصطلح في الخطاب اللساني
العربي بمظاهره و أسبابه، و تعدد المصطلح في الخطاب اللساني الغربي و انعكاسه على
المصطلح اللساني العربي.
وفي
الفصل الثالث تطرقنا إلى ترجمة يوئيل يوسف عزيز لمحاضرات دي سوسير في المبحث
الأول، من خلال التعريف باللساني "فرديناند دي سوسير" و الاطار التاريخي
و الابستمولوجي لنشأة اللسانيات عنده و
ذكر الترجمات العربية لمحاضرات دي سوسير و أهم المراجعات حولها، ثم شرحنا ترجمة
يوسف عزيز لهذه المحاضرات و أهم الآليات التي اعتمادها في عمله و الصعوبات التي
اعترضته خلال الترجمة دون أن نغفل عن
اشكالية تعدد المصطلح العربي في ترجمة يوئيل.
ويحسن
القول أن فكرة الدراسة لم تولد من عدم، فقد سبقتها دراسات مشابهة غير أنها لم تعنى
بشخص يوئيل يوسف عزيز.
ولعل
من أهم المؤلفات التي جمعت في ثناياها جوانب موضوعنا نذكر:
-إشكالية
ترجمة المصطلح اللساني إلى العربية بين ضرورات التلقي و أسئلة الهوية، للدكتور عبد
القادر عواد بجامعة جيلالي اليابس، سيدي بلعباس، و هي دراسة منشورة بمجلة
"التعليمية" في العدد 13 بتاريخ
مارس 2018.
-إشكالية
ترجمة المصطلح اللساني في الدراسات العربية، للأستاذة حنان فلاح من جامعة مولود
معمري بتيزي وزو، منشورة على مجلة المقري في عددها الأول بتاريخ 2020.
-الترجمة
الأدبية من وإلى العربية، وهي مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر، من إعداد الطالبتين:
سهيلة قاسمي، و كنزة قلال من جامعة مولود معمري بتيزي وزو، سنة2020.
-ترجمات
كتاب دي سوسير في ميزان النقد، ورقة بحثية من إعداد الدكتور محمود سي أحمد، من
جامعة حسيبة بن بو علي بالشلف، منشورة في مجلة "جسور المعرفة" في المجلد
السابع، العدد 02 بتاريخ جوان 2021.
وعلى
قدر الإضاءات العلمية والمعرفية المتوصل إليها، فإن ذلك لا يمنع من مواجهتنا لبعض
الصعوبات التي كان أهمها تشتت الأفكار وتكرار الحديث عن الترجمة عموما دون التطرق
للمترجمين، مما صعب علينا الإحاطة بالموضوع وتلخيصه، كما أن ترجمة يوئيل يوسف عزيز
لم تنل القدر الكافي من الدراسة مما تطلب منا بذل الكثير من الجهد رغم ضيق الوقت.

