تمهيد:
سأتطرق في هذا الفصل كما في الفصل الثاني
إلى ثلاثة مطالب أتناول فيها المجتمع الحضري، وتشتمل هذه المطالب على عدة عناصر أعطي
من خلالها صورة واضحة حول هذا المفهوم بعرض جملة من التعاريف، إضافة إلى ذلك سأتطرق
إلى خصائص الحياة الحضرية، ثم إلى التمييز
بين الريف والحضر وصولا إلى علاقة التحضر بالتغير الاجتماعي.
1- مفهوم المجتمع الحضري
ببساطة ، المجتمع الحضري هو التنظيم الاجتماعي
الناتج عن الطريقة التي يتصرف بها الناس في المدن ويتفاعلون مع بعضهم البعض ومع
بيئتهم المادية. إنه يهتم بالتفاعلات الاجتماعية نفسها وكذلك بالتنظيم الاجتماعي الناتج عن
هذه التفاعلات.
1-1- سمات المجتمع الحضري : أهم 8 سمات للمجتمع
الحضري - شرح
·
الحجم الكبير والكثافة السكانية
العالي
·
عدم التجانس: سكان الحضر غير
متجانسين
·
عدم الكشف عن هويته
·
التنقل والعابرة
·
شكليات العلاقات
·
المسافة الاجتماعية
·
التكمين
·
تقسيم الشخصية
1-2- أهمية
المجتمع الحضري : أهم ميزة للمجتمع الحضري هي الحراك الاجتماعي. في المناطق الحضرية
، لا يتحدد الوضع الاجتماعي للفرد بالوراثة أو الولادة ولكن بجدارة وذكاء ومثابرة. يرتبط
العمران والتنقل ارتباطًا إيجابيًا [1]
2- خصائص الحياة الحضرية
2-1- الجماعات الثانوية: تختلف الجماعات
الثانوية عن الجماعات الأولية التي تتميز بها الحياة الريفية (البدوية) التي تقوم
على أساس ضبط الجماعات الأولية مثل الأسر الكبيرة لأعضائها بينما الجماعات
الثانوية يتقلص فيها دور الأسرة الكبيرة، كما أن الجيران لا يعرفون بعضهم البعض،
وتتم فيها عملية الضبط عن طريق الشرطة والمحاكم وبصفة عامة المؤسسات الرسمية[2].
2-2- الإبهام: تتسم الحياة الحضرية
بالإبهام التام للشخصية وذلك لأن التفاعل بين الناس ليس مباشراً، فالشخص الذي يخرج
من منزله لقضاء حاجاته أو العمل قد يصادف في طريقه العديد من الناس إلا أنه لا
يتعرف على أحد منهم وهذا الإبهام بلا شك يساعد على إضعاف فعالية الضبط الذي تمارسه
الجماعات الأولية في الريف أو البادية.
2-3- عدم التجانس: تتسم الحياة الحضرية
بعد التجانس وذلك لوجود العديد وجهات النظر الاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى
الانتماءات الدينية والقومية والطائفية، إضافة إلى وجود مظاهر الغنى والفقر بصورة
واضحة في المدينة.
2-4- الحراك الاجتماعي: يعتبر من أهم خصائص
الحياة الحضرية وذلك ما أكده علماء الاجتماع الحضري بصفة خاصة، بحيث نجد حراك
للأعلى والأسفل في معدلات الدخل التي ترتفع وتنخفض، إضافة إلى وجود تغير من مهنة
لأخرى وانتقالات واضحة من مكان الإقامة إلى مكان آخر.
2-5- التخصص: إن الحياة الحضرية
تعتمد على التخصص بصفة أساسية وتكشف لنا عن وجود تنظيم اجتماعي معقد متسم بالتخصص
وتقسيم العمل، ولهذا يوجد بها تخصصات متنوعة في مختلف المهن وغيرها.
2-6- الارتباط على أساس المصالح: تكشف الكتابات
الحضرية عن اتسام الحياة الحضرية بخاصية الترابط بين الناس على أساس المصالح أكثر
من الترابط على أساس المحلية التي تتسم بها الحياة الريفية أو البدوية.
2-7- توفر السلع والخدمات
والتسهيلات: تزود المجتمعات الحضرية بسلع كثيرة ومتنوعة وكذلك بتوفير خدمات وتسهيلات
مؤسسية ومن هذه التسهيلات : المسارح، المكتبات ، المستشفيات وغيرها من المؤسسات.
2-8- التفاعل الرسمي: أي أن التفاعل في
المدينة يتم عن طريق وسائل الإعلام والاتصال المتقدمة، ولا تقوم على أساس التفاعل
وجها لوجه، ولهذا فإن العلاقات تصبح علاقات فاترة تحكمها الإجراءات واللوائح
والقوانين بصورة أساسية.
2-9- اختفاء معالم البيئة
الطبيعية: لا تحكم حياة الناس
في المدن عوامل طبيعية ومظاهرها مثل الشمس والجبال والوديان والسهول وذلك لأن
الأفق يكون محدود بالمنازل والمباني الشاهقة، كما أن خطوط المواصلات المتقدمة تسهل
عملية التنقل، وبذلك نجد أن الإنسان أدخل تعديلات جوهرية في المدينة أثرت على
البيئة الطبيعية.[3]
3- التمييز بين الريف والحضر [4]
المعيار الأكثر استخداما في
المقارنة بين المجتمع الريفي والمجتمع
الحضري هو كمية السكان وفي معظم البلدان للتمييز بين الريف والحضر يؤخذ عدد سكان
المنطقة بعين الاعتبار
ويوجد معايير أخرى لتحديد ما إذا
كانت المنطقة ضمن المجتمع الريفي أو القروي، ففي العديد من البلدان فلا يتم النظر فقط في عدد السكان
الذين يعيشون في منطقة محددة، ولكن يتم أخذ معايير أخرى إضافية في الاعتبار مثل الأنشطة
التي يشارك فيها الأشخاص وتوافر الخدمات وخصائص السكان.
سكان الريف هم من يشغلون مستوطنات صغيرة ومتفرقة مثل: البلدات والمزارع
التي لديها كثافة سكانية منخفضة بشكل عام، ومن ناحية أخرى فإن المناطق
الحضرية هي مدن يمكن أن تضم الآلاف أو الملايين من السكان وتصبح الكثافة السكانية فيها عالية جدًا.
على سبيل المثال مدينة ماكاو الصينية هي المدينة ذات الكثافة السكانية
الأعلى في العالم ، حيث يبلغ
عدد سكانها أكثر من 20000 نسمة لكل كيلومتر مربع، بالإضافة إلى ذلك الأنشطة
الأساسية التي يمارسها السكان والتي يكرسوا لها حياتهم مثل: الزراعة أو الثروة الحيوانية أو صيد الأسماك أو العيش في الغابات.
3-1- العلاقة بين الريف والحضر :[5]
في المدن ينخرط الناس بشكل رئيسي في أنشطة مثل: الصناعة والتجارة وتقديم
الخدمات، وكلا النوعين من المجتمعات مهمان لأن الغذاء والمواد الخام الأخرى
المطلوبة في المناطق الحضرية يتم إنتاجها في المناطق الريفية، في حين أن
الأموال الناتجة عن بيع هذه المنتجات تشجع على تنمية الريف.
ولهذا يقال إن بين المجتمع الريفي والحضري علاقة تكمل بعضها البعض، فعلى سبيل
المثال لا تستطيع الصناعة التي تتركز في المدن من تصنيع منتجاتها دون
المواد الخام التي يتم إنتاجها من سكان الريف، والمواقع السياحية في بعض المناطق الريفية سيكون لديها عدد قليل جدًا من الزوار إذا
لم يذهب سكان المدن إلى هناك.
3-2- الفرق بين المدينة والريف
سكان الريف هم مجموعة من الناس الذين يعيشون في القرى والأراضي الزراعية
بعيدا عن المدن الكبيرة، وسكان الحضر هم الناس الذين يعيشون في المدن
الكبيرة، وفي كثير من الأحيان ينتقل الأشخاص الذين يعيشون في القرى والمناطق
الريفية بحثًا عن فرص للعمل أو الدراسة أو الأنشطة الترفيهية.
لهذا السبب تكون الكثافة السكانية أعلى في المناطق الحضرية والمساحات أقل
مقارنة بالمناطق الريفية، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والجغرافيا في المكسيك يكون السكان ريفيين عندما يكون عددهم أقل من 2500 نسمة،
ويعتبر حضريًا عندما يتكون من أكثر من 2500 شخص، وفي الجدول التالي مقارنة توضح الفرق
بين الريف والحضر [6]
الجدول رقم (05):
يبين الفرق بين الريف والحضر
|
سكان الحضر |
سكان الريف |
|
|
مجموعة من الناس الذين يعيشون في المدن الصناعية . |
مجموعة من الناس الذين يعيشون في الأراضي الزراعية. |
التعريف |
|
كثافة عالية (يمكن أن تصل إلى عدة ملايين من السكان). |
كثافة سكانية منخفضة (يختلف العدد حسب الدولة). |
البعد |
|
القطاعات الثانوية الحكومية والخاصة (الصناعة والتجارة
والخدمات). |
بشكل رئيسي من القطاع الأولي (الزراعة والثروة
الحيوانية وأشكال أخرى من إنتاج المواد الخام). |
النشاط الاقتصادي |
|
(مباني مرتفعة عمودي). |
منازل واسعة افقي) .) |
مكان الإقامة |
|
السيارات. |
في البداية جر الحيوانات حاليا لديها أيضا سيارات، بكميات أقل مقارنة بالمناطق
الحضرية. |
المواصلات |
|
لديهم بنية تحتية وخدمات معدة بشكل أفضل. هناك معدل توظيف أعلى. لديهم جميع أنواع المنتجات في متناول أيديهم. |
البيئة
لا تعاني من أضرار
جسيمة تكلفة المعيشة أقل تعاني من إجهاد أقل بفضل إيقاع الحياة الهادئ |
المزايا |
|
تلوث أكبر من جميع الجوانب تعاني من المزيد من التوتر بسبب وتيرة الحياة السريعة تكلفة المعيشة أعلى من ذلك بكثير |
لديهم موارد اقتصادية وتكنولوجية أقل. فرص عمل أقل. سوء الأوضاع التعليمية والصحية. |
العيوب |
|
مدينة طوكيو في اليابان، لديها أكبر عدد من سكان
المناطق الحضرية في العالم مع ما يقرب من 35 مليون نسمة |
الريف المصري |
أمثلة |
3-3- معايير التفرقة بين الريف والحضر [7]
وكما ذكرنا أعلاه أن معايير
التفرقة بين الريف والحضر ليس فقط عدد السكان، بل تكمن الاختلافات الموجودة بين
سكان الريف والحضر في تلك التي تشير إلى اختلاف نمط الحياة، ويعتبر أن
المناطق الحضرية تقدم مستوى معيشة أعلى من المناطق الريفية.
ويفسر ذلك من خلال فرص عمل أفضل،
وزيادة الوصول إلى الخدمات وإمكانية وجود المزيد من التكنولوجيا في المدن، بينما في
المناطق الريفية غالبًا ما يكون الوصول إلى الخدمات والتكنولوجيا محدود.
في بعض المناطق الريفية في البلدان
الفقيرة يكون الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم مقيدًا للغاية، مما يؤدي إلى مشاكل مختلفة مثل سوء تغذية الأطفال والأمية، ولكن هناك
مناطق ريفية خاصة في البلدان المتقدمة يتمتع سكان المجتمع الريفي بمستوى معيشي مرتفع.
نتيجة حصولهم على وظائف آمنة وذات
أجر جيد، والحصول على خدمات جيدة وابتكارات تكنولوجية، مثال على ذلك في فرنسا البلد الذي تتلقى
فيه المناطق الريفية دعمًا نقديًا كبيرًا من الحكومة والمؤسسات الأخرى مما يسمح
بتنمية المجتمع الريفي.
3-4- سكان الريف[8]
هم أصغر من سكان المدن ويعيشون في
مناطق بعيدة عن المدن الكبيرة، وعادة ما تكون المساحات الجغرافية التي توجد
فيها كبيرة جدًا وهي الحقول، وعادة ما يكرس سكان الريف حياتهم لإنتاج المواد الخام.
مثل الزراعة لمختلف المحاصيل
ورعاية الثروة الحيوانية وصيد الأسماك، لذلك فإنهم يقدمون مساهمة أساسية في
الإنتاج الزراعي للبلد، ويضمنون الغذاء لجميع السكان، سكان الريف لديهم موارد اقتصادية وتكنولوجية أقل من سكان الحضر، ويوجد في
الريف تراجع في الخدمات.
في الريف ظروف الخدمات الطبية
وخدمات الرعاية والتعليم والاتصالات محفوفة بالمخاطر، بشكل عام هذا هو ما يسبب
هجرة السكان إلى المناطق الحضرية.
3-5- خصائص سكان الريف
- حياة أكثر استرخاءً.
- تكلفة معيشتهم منخفضة.
- عادة ما تكون الأرياف مخصصة للنشاط
الاقتصادي الزراعي.
- ليس لديهم مجموعة متنوعة من عروض العمل
والدراسة.
- الموارد الاقتصادية والتكنولوجية
تكون شحيحة .
3-6- سكان الحضر[9]
هم الأشخاص الذين يسكنون المناطق
التي تتكون من عدد أكبر من الناس مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق
الريفية، وتتميز تلك المناطق التي يعمل بها سكان الحضر بوجود موارد أكبر للتنمية
الاقتصادية والتكنولوجية والتعليمية والمهنية.
في المناطق الحضرية يتاح أمكانية
الوصول إلى موارد أكثر من العلوم والتكنولوجيا وفرصة أكبر للتعليم والتوظيف في الأنشطة الاقتصادية في القطاعين الحكومي
والخاص.
سكان الحضر لديها بنية تحتية أفضل
في جميع الجوانب، فالمدينة محاطة على نطاق واسع بالتصنيع وإنتاج جميع أنواع المنتجات والخدمات، على الرغم من أن هذا ينطوي أيضًا على
مشاكل مثل التلوث الشديد الناتج عن
العديد من المصانع ووسائل النقل والأفراد.
بالإضافة إلى ذلك فإن وجود عدد
كبير من الأشخاص يجعلهم يشكلون عبئ سكاني يؤدي إلى تطوير مناطق الأحياء في
المناطق المهمشة، حيث يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر.
3-7- خصائص سكان المدينة [10]
- لديهم جميع أنواع المنتجات والخدمات في متناول يدهم.
- لديهم معدل توظيف مرتفع عن المجتمع الريفي.
- محاطون ببنية تحتية حديثة.
- يتعرضون لمزيد من التلوث.
- تكلفة المعيشة مرتفعة.
- غالبًا ما تعانون من الإجهاد بسبب سرعة وتيرة الحياة.
4- التحضر والتغير الاجتماعي
تسمح عمليات التغير الاجتماعي
لتشمل التحضر، فالتحضر على علاقة اجتماعية بالتغير، فعملية التحضر تواكبها تغيرات
تحدث في طباع وعادات وطرق المعيشة وأسلوب الحياة، للذين هجروا إلى المدينة
واستقروا بها.
وتعد ظاهرة التحضر من الصور التي
تدل على تطور المجتمع وتغيره، كما أن عملية التحضر تشير إلى تحول الأفراد من النمط
التقليدي إلى نمط آخر أكثر تطوراً وتعقيداً وتقدماً، ولكن بصورة تدريجية، حيث يقول
فاروق بن عطية: أن بقايا النمط المعيشي الريفي لا تزول إلا تدريجيا .....
فسيرورات التغير تبدأ ما إن يقيم النازح بالمدينة.[11]
و بالنسبة لتحديد التحضر بذلت
مجهودات كبيرة و كان الاتجاه العام الذي يجمع بينهما هو الربط بين التحضر والتغير
و التحول البنائي الوظيفي حتى أن بعضا منهم يذهب إلى أن مصطلحي التحضر و التغير
مصطلحان مترادفان، ومعنى الربط بين التحضر والتغير هو أن التحضر ظاهرة ديناميكية
فعالة تؤثر في تنظيم المدينة ونظمها، والتحضر ليس ظاهرة استقرارية استكاتيكية لكنها ظاهرة تعني التغير السريع و
العميق، والتحضر هو تغيير يشمل بناء المجتمع وهو يشير لتغير بناء التنظيم
الاجتماعي.[12]
5- تغير نظام الزواج داخل المجتمع
الحضري
5-1- عـوامل التغيــر : يمكن أن تعود
الأسباب إلى عوامل التحضر في حد ذاتها ونذكر منها :
- العامل التاريخي: ويتلخص في
الإرث القادم من الاستعمار, بأن الاستعمار جعل مـن هـذه المدن مراكز أو عواصم تسيطر على
معظم النشاط البشري فيما عـرف بالهيمنـة الحضـرية .(Urban Primacy) .
- العامل الجغرافي: ويتلخص في: أ. سهولة التنقل بين
الريف والحضر. ب. الاقتراب من الأعمال.
- العامل الاقتصادي: ويتلخص في: أ.الاقتصاديات
المتجمعة "economics Agglomerative "حيث يتـوفر فـي المدينة البنية
التحتية وفرص العمل والمشاريع والوظائف والخدمات الحكوميـة والوسائل الترفيهية والمؤسسات
المالية والتعليمية وغيرها. ب. مختلف النشاطات الاقتصادية في البلد. ج. الكفاءات التعليمية والخبرات ومدى توفرها في الدولة.
- العامل السياسي: ويتلخص في
الهدوء والاستقرار السياسي والأمن الحضري .
- العامل الإداري: ويتلخص في: أ. القرار السياسي
أو الإداري. ب. سياسة الدولة وكيفية توجيهها " على سبيل المثـال كيـف جعلـت
السـلطة الفلسطينية من مدينة رام الله مركز للمؤسسات الحكومية وأدت إلى اسـتقطاب للخدمات
والاستثمارات
6- التحضر والقيم الاجتماعية
6-1- مفهوم القيم الاجتماعية: تعددت المفاهيم حول
القيم الاجتماعية بتعدد آراء علماء الاجتماع حولها فهذا فيرتشيلد يذهب إلى
أنّ القيم الاجتماعية هي الشيء المعنوي الإنساني الذي تضعه الجماعات موضع الاعتبار
ويلاقي موافقة العامة وتكون هذه القيمة إيجابية وقد تكون سلبية.[13]
في حين يرى إبراهيم كاظم أن
القيم الاجتماعية تتبع من التفاعل الاجتماعي في المجتمع ذلك أنه عندما يوجد جمع من
الناس في مكان ما فإنهم يتعاملون بيعاً و شراءا ومصاهرة ... ويتعارفون على تقاليد
وعادات موحدة يتفاهمون على أساسها ويخضعون بتصرفاتهم لها ويهتمون بالحفاظ عليها والاستماتة
في سبيلها.[14]
أما كلاكهون فيربطها
بالأخلاق حيث يقول:أن الحياة الإنسانية في الحقيقة خلقية ولابد أن تكون حياة
اجتماعية وفي حالة الجنس البشري لا يحدث التعاون ... بصورة آلية كما هو الحال في
الحشرات، بل أن البداهة توضح لنا أن الأخلاق هي قيم تتصل بالخلق (السلوك) تتفق
الجماعة وتتواضع عليها.[15]
وأما تالكوت بارسونز فقد
وضح القيمة عن طريق الفعل الاجتماعي لأنه اعتبر الثقافة عنصرا من عناصر هذا الفعل،
وحصر مكونات بنائها في ثلاث مجموعات من الاتجاهات تشير الأولى منها إلى اتجاهات
الرمز الثقافي الذي يشتمل على أنساق الأفكار وأنساق الرمزية التعبيرية وأنساق
الاتجاهات القيمية، وتشير الثانية إلى اتجاهات مستويات اتجاه القيمة التي قسمها
إلى أداتي وتعبيري، وقد خلص بارسونز من ذلك إلى اعتبار القيمة عنصر من
النسق الرمزي يعمل كمحك أو معيار للانتقاء من بين بدائل اتجاهات القيمة الموقف
الاجتماعي.[16]
ولقد استخدم سوركين القيم
والمعايير بالتبادل كي يشير إلى فئة عامة من المعاني، فأي معيار ذو معنى أو مدلول
... بمعناه الضيق وأي قيمة تعتبر معيار للسلوك وهذا لأن التصور الذي ساد حول القيم
والمعايير في تراث علم الاجتماع كان يميل إلى الربط بين المصطلحين.[17]
وهناك من يرى أن القيم الاجتماعية
تشتق وجودها من وجود المجتمع ومن نظمه الاجتماعية السائدة وتتغير وتتطور تبعا
لتغير نظمه وأوضاعه، فالأخلاق والدين والعادات والعرف والتقاليد تعتبر قيما
اجتماعية، لأن المجتمع ينظر إليها نظرة واحدة وهي نظرة التقديس الاجتماعي، فمن
يأخذ بها يلاقي استحسانا اجتماعيا و من يخرج عنها يتعرض لسخط المجتمع واستهجانه، و
تكتسب القيم الاجتماعية قوتها في المجتمعات المترابطة القوية كالمجتمعات الريفية و
تأخذ قوتها في الضعف كلما أخذ المجتمع في
التحضر.[18]
6-2- علاقة التحضر بالقيم
الاجتماعية : يؤدي التحضر إلى ضعف و اختفاء الصور الوثيقة الصلة بنظام الأسرة الممتدة، و
تغير في القيم الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات البدوية (الريفية). كما أن
الانتقال من الأنماط الريفية أو البدوية إلى الأنماط الحضرية يعني اكتساب طرق و
قيم جديدة في الحياة، بالإضافة إلى أن
المدينة تتميز بعلاقات أقل شخصية و ارتباطا، وأكثر إبهاما زيادة على الازدهار
المادي الذي يؤدي إلى إضعاف الروابط الأسرية التقليدية و القيم الأخوية و التعاون
و الشعور بالانتماء و الاستقرار، كما أن القيم المادية تسيطر على العلاقات
الاجتماعية و تزيد من الشعور بالاغتراب والانفصام.
إن التحضر يفسح
المجال لأفكار جديدة من التنظيم الاجتماعي و السلوك و السلطة مما يدفع بعض الأفراد
إلى نبذ القيم القديمة (البدوية)، كما أن العلاقات الثانوية و تعدد الأدوار و
اتساع تقسيم العمل و دخول المرأة ميدان العمل و التعليم و زيادة المؤسسات التي
تعنى بشؤون التنشئة الاجتماعية بدلا من الأسرة
يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية الأساسية، و يساعد اللاتجانس إلى تباين
القيم و المعايير في الجماعة و إلى الصراع بين الأدوار الاجتماعية .
خلاصة:
لقد اشتمل هذا الفصل
على جملة من المطالب، حاولت من خلالها استعراض مفهوم المجتمع الحضري وأهم المواضيع
المتشابكة بهذا الموضوع من خصائص الحياة الحضرية، إلى علاقة التحضر بالتغير
الاجتماع
[2] عطاء الله النوعي: القيم
البدوية بين الثبات والتغير، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع الحضري،
إشراف: محمد بومخلوف، قسم علم الاجتماع، جامعة الجزائر، 2007/2008، ص59.
[3] فادية عمر الجولاني: المرجع
السابق، ص ص 161-162.
[4] كتاب خولود حسان ، مقارنة بين المجتمع الريفي
والحضري ،14 مارس 2022 (9:31) ، 20/09/2022
https://www.almrsal.com/post/1106828.
[5] نفس المرجع .
[6] كتاب خولود حسان ، مقارنة
بين المجتمع الريفي والحضري ،14 مارس 2022 (9:31) ، 20/09/2022 https://www.almrsal.com/post/1106828.
[7] كتاب خولود حسان ، مقارنة
بين المجتمع الريفي والحضري ،14 مارس 2022 (9:31) ، 20/09/2022 https://www.almrsal.com/post/1106828.
[8] نفس
المرجع .
[9] كتاب خولود حسان ، مقارنة
بين المجتمع الريفي والحضري ،14 مارس 2022 (9:31) ، 20/09/2022 https://www.almrsal.com/post/1106828.
[10] نفس
المرجع .
[11] عطاء الله النوعي: المرجع
السابق، ص 62.
[12] فادية عمر الجولاني: المرجع
السابق، ص 163.
[13] عبد الحميد محمود سعد: دراسات في علم الاجتماع الثقافي،
مكتبة نهضة الشروق، القاهرة، مصر، 1988، ص103.
[14] نفس المرجع، ص 103.
[15] نفس المرجع، ص 104.
[16] عطاء الله النوعي: المرجع السابق، ص 25.
[17] نفس المرجع، ص 25.
[18] عطاء الله النوعي: المرجع
السابق، ص 26.