JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

تأسيس دولة العراق الحديث

خط المقالة

 تأسيس العراق الحديث

أولا:  تأسيس الملكية في العراق:

     أثناء الانتداب البريطاني في العراق أسرعت الحكومة البريطانية إلى تشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبد الرحمن الكيلاني، وروعي في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الديني والطائفي والعشائري للبلاد، و وضع مستشار إنجليزي بجانب كل وزير وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا وتم اختيار الأمير فيصل ملكًا على العراق، وتوّج في 18 ذي الحجة 1340هـ، 23 أغسطس 1921م بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته 96% تأييدًا لفيصل.

      ومهما يكن من أمر فقد بدأ التدخل الأجنبي في الحكومة، وقد واجه فيصل وحكومته مشكلات داخلية وخارجية معًا: أما المشكلات الداخلية فكانت تتعلق بالقبائل والأقليات كالأكراد والآشوريين والانقسام الطائفي بين السُنة والشيعة. أما المشكلات الخارجية فتتعلق بموقف العراق من بريطانيا والتي أجبرته على توقيع معاهدة معها في 10 أكتوبر 1922م تضمنت أسس الانتداب، واشترطت المعاهدة تأسيس مجلس تأسيسي منتخب لتشريع الدستور وإصداره[16].

ملكية فيصل الثاني 1953-1958: توِّج فيصل الثاني ملكًا على البلاد في 4 مايو 1953م، فلم تستفد البلاد شيئًا من التغيير السياسي؛ لأن خاله الوصي عبد الإله ونوري السعيد ظلا يحرِّكان الأحداث ويوجهانها كما كانا من قبل.

    ولجأ رئيس الوزراء نوري السعيد في عام 1953م إلى التضييق على الحريات مرة أخرى تمهيدًا لعقد حلف بغداد، الذي تم التوقيع عليه عام 1955م، ووقعته كل من تركيا وباكستان وإيران وبريطانيا والعراق، بهدف حماية المصالح الغربية في منطقة الخليج. واستغل نوري السعيد هذا الحلف في القضاء على العناصر المعارضة بحجة مكافحة الشيوعية.

ثانيا: تأسيس جمهورية العراق:

     في أواخر عمر الانتداب البريطاني تولى ابن الملك غازي ، فيصل الثاني البالغ من العمر ثلاث سنوات الحكم تحت الوصاية، وكاننوري السعيد هو الذي يدير الدولة بمباركة من الحكومة البريطانية، وفي نفس السنة أعلنت العراق مقاطعتها لألمانيا. وفي 2 مايو 1941 قامت ثورة ضد الوجود البريطاني بقيادة رشيد عالي الكيلاني، وتم تشكيل حكومة جديدة بعد هروب نوري السعيد خارج العراق، ولم تستطع الثورة الاستمرار في المقاومة فاستسلمت بعد شهر من الحرب، وتم التوقيع على هدنة مكنت بريطانيا من استعادة السيطرة على العراق، وتم تشكيل حكومة موالية لبريطانيابرئاسة جميل المدفعي الذي استقال وخلفه نوري السعيد، وفي يناير 1943 أعلنت العراق الحرب على دول المحور.

     قادت القبائل الكردية ثورة في ما بين سنتي 45 و1946 قيل إنها تلقت دعمها من روسيا، وأرسلت بريطانيا قوات إلى العراق لضمان أمن البترول، وبعد انتهاء ثورة الأكراد سنة 1947 بدأ نوري السعيد التفاوض مع ملك الأردن لإنشاء اتحاد بين العراق والأردن، وتم في السنة نفسها التوقيع على معاهدة إخاء بين البلدين، ونصت المعاهدة على التعاون العسكري مما قاد سنة 1948 إلى اشتراك الجيش العراقي في الحرب مع الجيش الأردني ضد إسرائيل (بعد إعلان قيام إسرائيل). رفض العراق الهدنة التي وقعها العرب مع إسرائيل في 11 مايو 1949 وشهد العراق في الفترة ما بين 49 و1958 الكثير من الأحداث الداخلية والخارجية المهمة مثل انتفاضة عمال شركة نفط العراق سنة 1948، وانتفاضة يناير التي قضت على معاهدة بورتسوث البريطانية العراقية، وانتفاضة أكتوبر 1952 التي طالب فيها المنتفضون بإجراء انتخابات مباشرة والحد من صلاحيات الملك، وفي سنة 1955 وقع العراق مع تركيا على اتفاقية بغداد الأمنية والتي انضمت إليها بريطانيا وباكستان وإيران، كما وقع العراق و الأردن على اتحاد فدرالي في 12 فبراير 1958[17].

إعلان الجمهورية العراقية 14يوليو 1958م: برز في ثورة يوليو شخصان يمثلان تيارين مختلفين، هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. كان الأول مع بقاء العراق دولة مستقلة ذات سيادة، ويعارض وحدة العراق مع مصر. أما الثاني فكان قد أعلن عن رغبته في توحيد العراق مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم مصر وسوريا آنذاك. كان الأول منهما انعزاليًا والثاني عربيًا وحدويًا. وحاول بعض قادة العهد الجمهوري الاشتراك في دولة الوحدة بين مصر وسوريا، إلا أن عبد الكريم قاسم أبعد عبد السلام عارف من السلطة، ليحكم العراق طوال خمس سنوات حكمًا فرديًا مطلقًا. وكان مترددًا في سياسته، فأحيانًا يقرِّب إليه الشيوعيين ليضرب بهم القوميين، وأحيانًا أخرى ينقلب عليهم، كما كان مترددًا في سياسته مع الأكراد، حيث أعطاهم بعض الامتيازات ثم اصطدم بهم بعد ذلك، مما أدى إلى قيام الثورة الكردية عام 1961م.[18]

     وتميزت سياسته الخارجية بعدة أزمات مع الدول العربية خاصة، كان من أهمها الأزمة التي أثارها مع الكويت عند استقلاله في 19 يونيو 1961م، حيث طالب بضم الكويت إلى العراق، ولكن الجامعة العربية استطاعت أن تسيطر على الأزمة وتحتويها لتُحل في إطار عربي. وقد عزلت هذه الأزمة العراق عن باقي الدول العربية، خاصة بعد انسحابه من الجامعة العربية.

     أدت هذه العزلة الخارجية إلى قيام انقلاب عسكري أطاح بعبد الكريم قاسم في 28 فبراير 1963م، وتسلم الحكم من بعده عبد السلام عارف بالتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي، ولكنه ما لبث أن تخلص من البعث بعد ثمانية أشهر من الحكم، واستمر في الرئاسة حتى سقطت به الطائرة في البصرة في أبريل 1966م، فتسلم رئاسة الجمهورية شقيقه عبد الرحمن عارف الذي استمر في الحكم حتى عام 1968م حين تمكن حزب البعث من أن يقوم بانقلاب عسكري عليه في 17/7/1968م وتسلم الحزب حكم البلاد، وصارت رئاسة الجمهورية للفريق الركن أحمد حسن البكر. وفي عام 1979م تنازل البكر عن رئاسة الجمهورية لأسباب صحية وخلفه صدّام حسين[19].

الحرب العراقية الايرانية: يرجع بدايات الحرب إلى ادعاءات عراقية بان إيران قامت بقصف بلدات على الحدود العراقية في 4 سبتمبر 1980 واعتبر العراق ذلك بداية للحرب فقام الرئيس العراقي صدام حسين بالغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران في 17 سبتمبر 1980 وفي 22 سبتمبر 1980هاجم العراق اهدافا في العمق الايراني. وبدات ايران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية[20].

حرب الخليج الثانية: بعد إحتلال العراق للكويت في 1990 م، وطرد القوات العراقية من طرف قوّات التحالف الدولية، وجد العراق نفسه في عزلة عالمية وضع اقتصادي غير مستقر، حتى سنة 2003 م في 27 يونيو قامت الطائرات الأمريكية بشن هجوم بصواريخ كروز على مقر المخابرات العراقية في بغداد انتقاما من محاولة اغتيال الرئيس جورج بوش في الكويت في شهر أبريل تلك المحاولة التي اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بالتدبير والتخطيط له.

في 10 نوفمبر 1994 اعترف البرلمان العراقي والذى كان يسمى بالجمعية الوطنية العراقية بالحدود الكويتية واستقلالها. في 14 أفريل 1995 صدر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 986 التي سمح للعراق بالاستئناف الجزئي لصادرات النفط العراقية لشراء الطعام والدواء بموجب برنامج "النفط مقابل الغذاءوهو الأمر الذي لم يقبله العراق حتى شهر ماي 1996 ولم ينفذ حتى ديسمبر عام 1996.[21]

       في أوت 1995 غادر حسين كامل زوج ابنة صدام حسين وأخوه وعائلاتهما العراق و حصلوا على اللجوء في الأردن لكنه فشل في استقطاب المعارضة العراقية في خارج العراق حوله وعانى من عزلة سياسية مما ادى به للعودة إلى العراق ليقتل هناك في عملية وصفها صدام حسين بالثأر العشائري للخيانة التي قام بها حسين كامل.

       في 15 أكتوبر 1995 فاز الرئيس صدام حسين في استفتاء صوري بنسبة %99.9 ونتيجة هذا الاستفتاء شرع له بالبقاء في السلطة لسبع سنوات أخرى. في 31 أغسطس 1996 شنت القوات العراقية هجوما على منطقة حظر الطيران في الشمال احتلت محافظة أربيل بعد نداء للمساعدة من الحزب الديمقراطي الكردستاني اثناء الحرب الصراع المسلح بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني.

        في 31 أكتوبر 1998 انهى العراق تعاونه مع اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن مراقبة تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية مما حدى بالولايات المتحدة و بريطانيا بشن حملة قصف أطلق عليها اسم "عملية ثعلب الصحراء" عقب إجلاء موظفي الأمم المتحدة من أجل تدمير برامج الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية العراقية. في 17 ديسمبر تم تشكيل لجنة المراقبة والتقصي والتفتيش بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1284 لكن العراق رفض ذلك القرار. في أبريل 2002 علق العراق صادرات النفط احتجاجا على الهجمات الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية. ورغم دعوات صدام حسين إلا أن أيا من الدول العربية لم تستجب له في اتباع نهجه إلى أن تم استئناف صادرات النفط العراقية بعد 30 يوما.

      في سبتمبر 2002 وبعد عام على احداث 11 سبتمبر التي هزت السياسة الأمريكية بدأت بوادر التهيئ الأمريكي لضرب العراق حيث طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش من قادة العالم المتشككين خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة أن يواجهوا "الخطر الجسيم والمتراكم" للعراق أو أن يتنحوا جانبا لتتصرف الولايات المتحدة. وفي الشهر نفسه، نشر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ملفا عن قدرات العراق العسكرية. في نوفمبر 2002 عاد مفتشو الأسلحة التابعين للأمم المتحدة إلى العراق بموجب قرار للأمم المتحدة يهدد العراق بتحمل العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن انتهاك بنود القرار وفي مارس 2003 اصدر كبير مفتشي الأسلحة الدوليين في العراق هانز بليكس تقريرا بأن العراق زاد من تعاونه مع المفتشين ويقول إن المفتشين بحاجة إلى مزيد من الوقت للتأكد من إذعان العراق ولكن سفير بريطانيا في الأمم المتحدة صرح في 17 مارس 2003 بان السبل الدبلوماسية مع العراق قد انتهت، وتم إجلاء مفتشي الأمم المتحدة من العراق ومنح الرئيس جورج بوش ، صدام حسين مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق أو مواجهة الحرب.



غزو العراق 2003:  أرسل التحالف بقيادة الولايات المتحدة 177194 جنديا إلى العراق خلال مرحلة الغزو الأولى التي استمرت من 19مارس إلى 1 ماي 2003. وصل حوالي 130,000 من الولايات المتحدة وحدها، مع حوالي 45 ألف جندي بريطاني، و2،000 جندي أسترالي، و194 جنديا بولنديا كما شارك 36 بلدا آخر في الفترة التي أعقبته. واستعدادا للغزو، تجمع 100 ألف جندي أمريكي في الكويت بحلول 18 فيفري، كما تلقت قوات التحالف الدعم من البشمركة في إقليم كردستان. وفقا للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كان التحالف يهدف إلى نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق ووقف دعم صدام حسين للإرهاب وتحرير الشعب العراقي و يركز آخرون بشكل أكبر على تأثير هجمات 11 سبتمبر، على الدور الذي لعبه ذلك في تغيير الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، ووفقا لتوني بلير فان السبب هو فشل العراق في اغتنام " فرصة اخيرة " لنزع اسلحته النووية والكيماوية والبيولوجية المزعومة التي وصفها مسئولون أمريكيون وبريطانيون بانها تهديد مباشر لا يمكن تحمله للسلام العالمي.

       و في أبريل 2003 قامت الولايات المتحدة بوضع قائمة تضم 55 مطلوبا من نظام صدام حسين حيث تم القبض على معظم من في القائمة في فترات زمنية متفاوتة وتم تشكيل سلطة الائتلاف الموحدة برئاسة بول بريمر وقام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتصديق على قرار يدعم الإدارة التي تقودها الولايات المتحدة ويرفع العقوبات الاقتصادية عن العراقفي يوليو 2003 تم عقد اول اجتماع لمجلس الحكم في العراق الذي عينته الولايات المتحدة، وقائد القوات الأمريكية بدأ بالتصريح بان قواته تواجه حرب عصابات بسيطة، وقتل نجلي صدام حسين قصي وعدي في معركة مسلحة في محافظة نينوى .

في أكتوبر 2003 صدق مجلس الأمن على قرار يعطي الشرعية للاحتلال الأمريكي للعراق ويؤكد على نقل السلطة مبكرا للعراقيين، لكن الموقف الأمني بدأ بالتدهور وبعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأمريكي انتهاء العمليات العسكرية في العراق وبالتحديد في شهر نوفمبر كان عدد الضحايا الأمريكين في العراق قد تجاوز عدد القتلى خلال الحرب، ففي خلال شهر واحد قتل 105 جنديا من قوات التحالف.

      في 14 ديسمبر 2003 تم اعتقال صدام حسين في تكريت، و قام مجلس الحكم في العراق بالموافقة على دستور مؤقت للبلاد بعد مفاوضات مطولة وخلافات حادة حول دور الإسلام ومطالب الأكراد بحكم فدرالي،و في الأول من جوان 2004 تم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة الذي تم حلها فيما بعد وحل محلها الحكومة العراقية الانتقالية التي كانت من مهامها الرئيسية تهيئة الانتخابات العراقية لاختيار مجلس النواب العراقي الدائمي و التصديق على الدستور العراقي الدائمي.[22]

المطلب الثالث : الخصائص الجغرافية و الطبيعية والبشرية للعراق .

أولا: الخصائص الجغرافية و الطبيعية:

1-الموقع: يقع العراق جنوبي غربي قارة أسيا، وفي القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي،
اما موقعه الفلكي والذي يحدد بواسطة دوائر العرض وخطوط الطول فانه يقع ما بين دائرتي عرضº37 - º29شمالا وخطي طول º48 - º38شرقا ، وبهذا يكون ُ امتداده من الشرق إلى الغربيساوي تقريبا امتداده من الشمال إلى الجنوب.

       ويشكل سطحه العام حوضا التوائيا فسيحا يمتد من الشمال الغربي اعتبارا من المرتفعات
التركية متجها نحو الجنوب الشرقي حتى ينتهي عند الخليج العربي، وتحده الهضبة الغربية من الغرب في حين تحده السلاسل الجبلية من الشرق.

      أما الدول التي تحد العراق فمن الشمال تركيا ومن جهة الشرق إيران، أما من الغرب والجنوب فتحاذيه سوريا والأردن والسعودية والكويت.

      وعلى الرغم من وقوع العراق في منطقة تحيطها أربعة بحار (المتوسط والاسود ، والاحمر،
وقزوين) فضلا على الخليج العربي إلا أن حدوده البحرية لا تزيد على 60كيلومتر مع الخليج
العربي، في حين تبلغ حدوده البرية حوالي 3500كيلومتر.[23]

     ولموقع العراق أهمية بالغة على المستوى الاقليمي والدولي منذ أقدم الأزمان، إذ أن موقعه
عند ملتقى قارات العالم القديم (اسيا وافريقيا واوربا) من ناحية وعلى اقصر طرق اليابسة التي
تربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط من ناحية أخرى جعل منه إحدى مناطق الارتكاز في العالم.
اما بالنسبة لمساحة العراق فتقدر بحوالي (435،052) كيلومترا مربعا[24]. وهذه المساحة
تفوق مساحة الكثير من بلدان اوربا عدا روسيا وفرنسا واسبانيا، ونظرا لتباين المعطيات الطبيعية
فان ارض العراق يمكن ان تعيل عددا كبيرا من السكان وتؤمن لهم الغذاء ومقومات العيش الرغيد
وأن تدر هذه الأرض خيرات على نطاق أعظم مما كانت تدره ، وتبقي العراق مزدهرا منيعا على مر السنين إذا ما استغلت ثرواته الطبيعية والبشرية استغلالا علميا مبرمجا.

     لشكل خارطة العراق مزايا عديدة إذ أن شكله الذي تقع العاصمة بغداد وسطه ، يعد قريبا من
الشكل المثالي للدولة، فلمثل هذا الشكل المتلاحم افضليته ومزاياه من النواحي السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والحضارية والوحدة الوطنية ، فهي تقلل من صعوبات السفر الى حدها
الادنى وتختزل تباين البيئات الطبيعية.

2-التضاريس:  ان في تضاريس العراق مظاهر متعددة فالجبال المرتفعة تنتشر في شماله الشرقي، وتمتد
المناطق المتموجة الى الجنوب والغرب من تلك الجبال، اما في وسطه وجنوبه فتنبسط الارض
وتصبح سهلية يطلق عليها السهل الرسوبي.

        أما أجزاء العراق الغربية والجنوبية الغربية فتتكون من هضبة واسعة هي امتداد لهضبة شبه
الجزيرة العربية وهضبة بادية الشام، و هذا التنوع في اشكال سطح العراق يعد مصدر قوة من
ناحية التكامل الاقتصادي على مستوى العراق فالتنوع في أشكال السطح والأحوال المناخية
الجغرافية أدى إلى تنوع المنتجات بين جهات العراق المختلفة، فنشط التبادل التجاري بينها
وازداد اتساعا خصوصا وان جهات العراق مفتوحة بعضها على البعض الأخر ولا تقوم بينها أية
حواجز أو عوائق لتمنع ذلك. فالجبال تنحدر أراضيها ومياهها وطرقها بصورة طبيعية إلى جهات
العراق الأخرى المجاورة، ولا تقوم في أية جهة من الهضبة حافة حادة تعرقل هذا الاتصال، بل على العكس اذ تتقدم ارض الهضبة بانحدار بطيء وتدريجي نحو جهات البلاد الأخرى.
كل ذلك ساعد منذ القدم على سهولة الانتقال بين جهاته المختلفة فتوسعت الصلات بين
الناس وتوثقت مع الزمن مما أكد وحدة وطننا العراق وتماسك أجزائه. ولتوضيح ظواهر السطح هذه يمكن تقسيمها إلى[25]:

- 1المنطقة الجبلية.

- 2المنطقة المتموجة.

- 3السهل الرسوبي.

- 4الهضبة الغربية

و في الخريطة التالية نوضح توزيع مناطق السطح  العراقية :

ورة (01): الصورة (01): خريطة التضاريس في العراق[26]

3-المناخ: لقد اشرنا عند تطرقنا لتضاريس دولة  العراق بأن السطح يتباين من جهة لأخرى ، وأن هذا التباين في أقسام السطح هو احد العوامل المؤثرة في الخصائص المناخية للعراق .
فالصفة الغالبة على مناخ العراق التطرف الكبير في درجات الحرارة ، أي وجود فرق كبير
بين درجات الحرارة في الليل والنهار ودرجات الحرارة في الصيف والشتاء ، وقلة الأمطار ، مع
شدة الإشعاع الشمسي.

       حيث ان التباين في ظواهر السطح بين المنطقة الشمالية والجنوبية له تأثير كبيــــــــــــــــــر على
درجات الحرارة وكمية المطــــــــــــــــر واتجاه الرياح، ففي المنطقة الشمالية تنخفض درجات
الحرارة وتزداد كمية الامطار بينما تأخذ الحرارة بالارتفاع وكمية الامطار بالانخفاض كلما
تقدمنا جنوبا، كما تعمل التضاريس على صد الرياح الشمالية الشرقية الباردة وتغيير اتجاه الرياح
الغربية مع امتداد السلاسل الجبلية فتصبح شمالية غربية[27].

ثانيا السكان:  يقدر تعداد سكان العراق لعام 2022 بنحو 42,515,105 نسمة[28] وذلك بنسبة 0.535% من إجمالي عدد سكان العالم، ويقدر معدل النمو السنوي للسكان بحوالي ٪3,1وبهذا فان العراق يعد من أكثر البلدان تزايدا في سكانه، تشاركه في ذلك مجموعة كبيرة من دول آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.

توزيع السكان: يتضح من دراسة خريطة توزيع السكان ان تركز السكان يزداد في الأقسام الوسطى والجنوبية من العراق، حول مجرى نهري دجلة والفرات والجداول المتفرعة منهما، ويأخذ التوزيع السكاني
نمطا خطيا مع امتداد هذه الأنهار والجداول،  ويعد عامل المناخ الذي يسود في هذه المناطق في مقدمة العوامل التي أدت إلى هذا النمط من التوزيع فمن المعروف أن السكان في المناطق الجافة يتجمعون في سهول الأنهار حيث تتوفر إمكانية الزراعة المعتمدة على الري[29].

      ونلاحظ في الأقسام الشمالية والشمالية الشرقية من العراق انتشار السكان في كافة جهات
المنطقة. ويمكن القول أن عامل المناخ وبكلمة أدق عامل المطر إضافة إلى طبيعة التركيب
الجيولوجي وعلاقته بالمياه الجوفية هو المسؤول عن نمط التوزيع المنتشر للسكان في هذه
المنطقة .

      أما الأقسام الغربية والجنوبية الغربية من العراق ذات المناخ الصحراوي الجاف، نجد أن توزيع السكان يكون مبعثرا حيث تتوافر مصادر الماء للاستعمالات البشرية و الحيوانات وسقي المساحات الزراعية الصغيرة والتي تشمل الواحات المنتشرة في المنطقة ، أو بعض الآبار التي حفرها الإنسان والتي اخذ عددها يزداد باستمرار وعلى العموم فان المنطقة تكاد تخلو من السكان[30].

الصورة (02): خريطة التوزيع السكاني في العراق حسب الكثافة[31].

المبحث الثاني : التركيبة الاثنوغرافية للمجتمع العراقي

      يعتبر المجتمع العراقي مجتمعا فسيفسائيا بامتياز بفعل تكويناته الدينية والإثنية والقبلية، حيث يضم مجموعة من الطوائف أهمها السنة والشيعة والأكراد، ورغم انفجار الطائفية بعد 2003 مع الاحتلال الأمريكي ومآسيها، إذ عاش العراق العديد من الأزمات وأعمال العنف الطائفي، إلا أن الطائفية كانت موجودة قبل هذا التاريخ لكن بطريقة صامتة، حيث ظلت التضامنات الطائفية العامل المهيمن في صيرورة بناء الدولة العراقية.

    وإذا كان التعدد الطائفي في المجتمع العراقي أمر واقع لا مفر منه، فإن ضمان الوحدة الوطنية العراقية يتوقف على كيفية تعاطي النظام السياسي مع هذا الواقع التعددي، وفي هذا الإطار تم الاعتماد على الديمقراطية التوافقية كإستراتيجية مناسبة لإدارة هذا التعدد وتحويله إلى عنصر داعم لبناء الدولة والحيلولة دون تحوله إلى عنصر هدم ومن ثم تفكك الدولة.

المطلب الأول : المكون القومي

      يتميز المجتمع العراقي بتباين في التكوين القومي وينقسم إلى:

1-العرب: يشكلون 80% من مجموع السكان، وانتقلوا من شبه الجزيرة العربية إلى العراق عبر مجموعة من الهجرات، کپچرة العموريين حوالي 2000 سنة قبل الميلاد والتي أسست دولة بابل، ثم الهجرة الثانية في عهد الخليفة أبو بكر الصديق، ثم الهجرة الثالثة كانت في القرن التاسع عشر حين شجع العثمانيين نزوح القبائل العربية إلى العراق لاتخاذها كحاجز في الصحراء لمواجهة الحركات الوهابية[32].

2- الأكراد: يشكلون القومية الثانية في العراق، وقد اختلف الباحثون في أصلهم إلا أن هناك من يرجعه إلى القبائل الهندوآرية التي استوطنت المنطقة منذ أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، ويتمركزون في محافظات الموصل وأربيل و كركوك، والسليمانية وديالي،  يتكلمون اللغة الكردية التي تتفرع إلى عدة لهجات والغالبية منهم يدينون بالإسلام ( 75% سنة و15% شيعة) والبقية يتبعون ديانات قديمة مختلفة[33].

ويعاني الأكراد من تنامي العامل العشائري الذي أدى إلى اشتداد التنافس بين الحزبين الكبيرين، وانقسام المنطقة إلى قسمين متمایزین اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

ورغم عوامل الضعف التي يعاني منها الأكراد إلا أن ذلك لا يؤثر على القضية الكردية باعتبار أن الخلافات بين الحزبين لا تمس الموضوع الأساس وهو علاقة كردستان بالحكومة المركزية.

3- التركمان: يشكلون القومية الثالثة من الناحية العددية، وهم شعب اسيوي ترجع أصوله إلى قوم الأغوز، ويختلف في تاريخ استقرارهم في العراق فهناك من يرجعه إلى العصر الأموي وهناك من يرجعه إلى العصر العباسي، والبعض الآخر يرجعه إلى الحاميات العسكرية العثمانية، ويقطنون في كركوك وخانقين ومندلي، يتكلمون باللغة التركية ويدينون بالإسلام، ويشكلون نسبة 10% من عدد السكان[34].

4-الآشوريين: تطلق التسمية عليهم نسبة إلى إلههم أشور، وهي طائفة من النساطرة المسيحيين استوطنوا في القسم الشمالي من العراق في الموصل وأربيل وكركوك وبغداد منذ الألف الثالث قبل الميلاد، يتكلمون اللغة الآرامية وتطلق عليهم عدة تسميات منها السريان الكلدان والنساطرة... تبعا لانقساماتهم المذهبية،  وحاليا تطلق على الأقلية المسيحية في إقليم كردستان العراق والذين نزحوا من کردستان تركيا تفاديا للقتال الروسي العثماني إبان الحرب العالمية الثانية[35].

5- الأرمن: طائفة هاجرت من أرمينيا عقب المذابح الجماعية التي تعرضت لها اثر مواقفها المعادية للأتراك في القرن العشرين، ويدينون بالمسيحية، ويتمركزون في الموصل وبغداد والبصرة ويشتغلون بالتجارة والصناعة[36].

6- الشبك: أقلية تقطن في الموصل ونينوي تدين بالإسلام ولها لغتها وعاداتها الخاصة التي حافظت عليها رغم محاولات طمسها من الأنظمة العراقية المتعاقبة، ويختلف في أصلها حيث هناك من يرجعه إلى الأكراد على الرغم من كونها تظم عرب وتركمان في وعائها[37].

الصورة (03): خريطة التوزيع القومي في العراق.[38]

المطلب الثاني: المكون الديني

تشير الخريطة الدينية للسكان في العراق إلى أن المسلمون يشكلون أغلبية السكان ب 95% من إجمالي عدد السكان، مع وجود الديانات اليهودية والمسيحية والمندائية واليزيدية والكاكائية والصابئة والشبك[39].

أ-المسلمون:  وينقسمون إلى:

-السنة:  يتمركزون في الموصل وصلاح الدين والسليمانية وبغداد، يتوزعون بين العرب والأكراد والتركمان، وتربطهم علاقات حسن الجوار مع باقي القوميات عبر التاريخ، ويعترض السنة مجموعة من التحديات لعل أبرزها غياب الثقافة الطائفية لدى السنة العرب بسبب عدم تعرضهم إلى تحدي طائفي على مدى العصور، كونهم يتكئون إلى أنظمة سياسية لم تتعرض إلى ثوابتهم الدينية، وعدم امتلاكهم للمرجعية الدينية والسياسية وتشتت قياداتهم،  كما تزايدت عملية تهميشهم سياسيا بعد 2003 باعتماد إستراتيجية المحاصصة الطائفية،واقتصاديا من خلال استيلاء الشيعة على نفط الجنوب والأكراد على نفط الشمال باعتماد الترتيبات الفدرالية، علاوة على تعدد الولاءات والاختراق من قبل الأنظمة الخارجية[40].

-الشيعة:  يمثل الشيعة أغلبية السكان في العراق يتمركزون في المناطق الجنوبية والوسطى من العراق، مع تواجدهم في بغداد وفي المنطقة السنية خاصة في سامراء والدجيل،  وعلى الرغم من أن العراق يعد منشأ الإسلام الشيعي ذلك أن أكثر الأحداث المكونة للتاريخ الشيعي وقعت هناك، إلا أنه تشيع في عهد حديث لاسيما في القرن 19،  وساعدت مدن العتبات المقدسة بوصفها مرکز جذب للمؤمنين الشيعة إلى زيادة الهجرة إليها من الفرس والهنود[41].

     وشهد العهد الجمهوري الانبعاث الشيعي بظهور الطبقة الوسطى ذات التوجهات المعتدلة، واعتمادهم على فكرة المظلومية، وازدياد الوعي السياسي لديهم حيث تأسس حزب الدعوة الإسلامي 1959 الذي قام بانتفاضتي 1974 و1977 في النجف وكربلاء والتي رد عليها النظام في 1980 بإعدام آية الله الصدر وقتل الكثير وتهجير أكثر من ثلاثين ألف شيعي عراقي إلى إيران،  علاوة على إغلاق المدارس الدينية ومنع الاحتفال بأعيادهم الدينية ومنع الإيرانيين من الحج للمناطق المقدسة لمدة 29 عاما.

ويملك الشيعة مجموعة من عوامل القدرة التي تسمح لهم بالتأثير في المعادلة العراقية وذلك بالنظر إلى أغلبيتهم العددية حيث تتراوح نسبتهم بين 52 إلى 60% من مجموع السكان، وتكوينهم للائتلاف الشيعي الموحد لأبناء الطائفة والذي يحظى بدعم من المرجع السيستاني للدفاع عن حقوقهم التاريخية، واستفادتهم من الدعم الإيراني،  وتحالفاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث حصل الشيعة على حصة الأسد في تركيبة الحكم تتلاءم ومكانتهم العددية[42] ،  علاوة على التفاعل الديني والمالي بين عالم الدين والأتباع غير أن هذه القدرة تصطدم بحجم الخلافات الشيعية - الشيعية التي تفكك التحالف بسبب العامل العشائري وتعدد المرجعيات ونظرتها العلاقة الدين بالدولة والعلاقة مع إيران وموضوع الفدرالية وكركوك، وذلك بين السيستاني وتيار الصدر، بالإضافة إلى موضوع إدارة الأموال الشرعية الشيعية حيث هناك من يطالب بإشراك المرجعيات الأخرى في تسييره وكسر احتکار المرجعية التقليدية، للقضاء على البنية الطبقية للشيعة بين فقر أنصار التيار الصدري وغني أنصار المجلس الأعلى[43].

الصورة (04): خريطة توزيع السنة و الشيعة في العراق[44].

ب: الأديان الكتابية:  وتتمثل في ما يلي:

المسيحية: انتشرت في العراق مذاهب مسيحية كانت تضطهدها الكنيسة الرومانية كالنساطرة واليعاقبة والسريان والكلدان والآشوريين، كما نشأت دولة المناذرة المسيحية في الحيرة التي استمرت إلى القرن السابع الميلادي، وأهم الطوائف المسيحية المتمركزة في العراق هي الكلدان الكاثوليك، والآشوريين النساطرة، والسريان الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس، والأرمن  وهم الذين اضطرتهم ظروف الحرب العالمية الأولى إلى الالتجاء إلى العراق من إيران وتركيا والروم الكاثوليك، هناك هجرة كبيرة وغير مسبوقة للمسيحيين العراقيين ويفسرها برنار كوشنار بالاضطهاد الديني، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، غير أن أسباب الهجرة الحقيقية تعود إلى شدة آثار الحصار الاقتصادي على العراق، ومحاولات صدام حسين فرض التعريب القسري على الكلدو آشوريين[45].

اليهودية: يعود وجودهم إلى 2700 سنة عاشوا في وئام مع الشعب العراقي، يتمركزون في بغداد والبصرة  ويشكلون نسبة قليلة من إجمالي عدد السكان، ويمتهنون الصيرفة والتجارة، وفي 1950 هاجر الكثير منهم إلى إسرائيل،  ولهم مجلس روحاني يتولى مهمة إعداد الروحانيين ويشرف على المقررات الدينية، ومجالس جسمانية تتولى ادارة المؤسسات والمدارس والتركات والمسقفات الموقوفة الأغراض خيرية وتوزيعها على شؤون الطائفة، تتمتع باستقلال ذاتي في الإشراف على أمورهم الدينية والتعليمية، والدستور العراقي ضمن حقوقها فلهم عضو في مجلس الأعيان وأربعة أعضاء في مجلس النواب بمقتضی دستور 1924 وارتفع إلى 6 نواب في 1946 ليتم إلغاء تمثيلها في1952 .[46]

ج- أديان أخرى:  وتتمثل في ما يلي:

اليزيدية: طائفة دينية كانت تؤمن بالديانة المانوية التي كانت سائدة في عهد الفرس إلى جانب الزرادشتية ومعظمهم من الأكراد ويستقرون في مناطق سنجار وتلعفر في شمال العراق، وهناك اختلاف في أصلهم العرقي فهناك من يرى أنهم أكراد وهناك من يرى أنهم عرب، كما تأثرت اليزيدية بالصوفية، حيث يعتبر المتصوف عدي بن مسافر وهو مسلم شافعي الذي عاش في القرن الثاني عشر ميلادي أهم مرجعية لديهم[47].

الصابئة: يسمون كذلك بالماندين وتعود أصول ديانتهم إلى الأديان العراقية القديمة في عهد النبي يحيي (يوحنا) المعروف لديهم بهية بهانا، ويتكلمون اللغة الأرامية ويتمركزون في جنوبي العراق خاصة في مدينة العمارة ويشكلون حوالي 2% من إجمالي السكان، وينقسمون إلى الصابئة المندائيون والصابئة الحرانية[48].

      هناك من يضخم في خصوصيات الطوائف العراقية، حيث أن الأكراد يشعرون بأنهم ليسوا عربا وأنه يجب الاعتراف بخصوصياتهم الثقافية واللغوية، والشيعة لا يعتبرون أنفسهم عربا كذلك ويصرون على أن اللغة الإيرانية لغة رسمية ثالثة بعد العربية والكردية،  وعليه فالسنة وحدهم هم العرب، وبهذا الطرح يصبحون أقلية لا تأثير لها وهو الهدف من هذا الاتجاه المغالي في الخصوصية.

المطلب الثالث: أسباب الطائفية في العراق

    يعد العراق من البلدان المتعددة الأعراق والأجناس فهو كان مهد الحضارات والأديان المختلفة، من جهة وانه يحتل موقع جيوستراتيجي هام بحيث يتموقع وسط مجموعة الدول العربية والتي لعلاقات متعددة معها هذا ما جعله محل أطماع وتنافس الأطراف التي تتدخل فيه، بالتالي ظهور النزاعات والحروب بالعراق التي كان نتاجها تأزم الهوية الطائفية، والتي تعددت وتعقدت الأسباب الفعلية لها كالأسباب الداخلية، والأسباب الإقليمية وأخيرا الأسباب الخارجية [49].

أولا: الأسباب المحلية

 1- من المعروف أن العناصر الاجتماعية مثلما يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في بناء الدولة يمكنها أيضا إعاقة عملية البناء حينما تلغي دور العقل في التصرف، والواقع العراقي الحديث والمعاصر قد افرز جماعات مختلفة اختلفت في الروي وعلى الرغم من إن الاختلاف مظهر طبيعي إلا أن الجماعات المختلفة المكونة للكيان الاجتماعي قد يؤدي بها التعدد إلى اختلاف حاد في قضايا المهمة.. فلقد خطت الكثير من الجماعات في الساحة العراقية للتطرف الفكري والعنف الثقافي وللإقصاء من منهجا[50].

      كل هذا لغياب التنشئة السياسية والاجتماعية وذلك لإهمال بعض الفئات ومنعها من المشاركة السياسية ووضع القوانين في غير محلها وعدم اختيار الحكام بطريقة نزيهة وإرادية هذا من ناحية إما من ناحية التنشئة الاجتماعية نجد عدم تنشئة الأفراد خاصة المتمدرسين بنظام تعليمي قائم على تقبل الأخر واحترام حقوقه وحرياته ، لذلك نجد الصراع بين الشيعة والسنة في العراق كان ولا يزال مسالة مؤثرة بشكل كبير في الأزمة الطائفية فلقد أدى الصراع بينهما إلى عدة خسائر في سقوط النظام صدام حسين في 2003 وفي الحرب الأهلية 2006-2008.[51]

2-قضية الكرد وتأثيرها في الأوضاع الطائفية فهي تشكل المحور الأساسي لكافة الأكراد بالدول المجاورة فمند تولي صدام حسين الحكم سنة 1979 ولغاية الاحتلال الأمريكي في 2003 والشغل الذي يشغل العراق هو الأقلية الكردية التي لا تنفك عن إثارة اضطرابات والعبث في الدولة إلى غاية الوقت الراهن.

3- تحميل تراكمات النظام السابق السلوكية الواقع العراقي الجديد في بناء الدولة، من حيث تعيين مفاهیم حقيقة الانتماء وفق حقوق المواطنة و أبرز سلوكيات استندت بالدرجة الأولى على أسس طائفية لتحرم العديد من قطاعات المجتمع العراقي من حقوقهم التاريخية في شراكة الوطن الواحد[52].

الأمر الذي ولد هذه القطاعات شعورا بالضعف والاغتراب الوطني من ثم العودة إلى الذات المذهبية.

4-لقد تجسدت الطائفة السياسية بعد سقوط النظام في 2003 بشكل أكثر وضوحا من خلال وجود جماعات سياسية متواجدة ضمن إطار الدولة ما زالت تنطبع بطابع طائفي وعشائري وقومي .

5-التعددية السياسية والفساد السياسي وهما عاملان أنتجا هذا الوضع بالعراق المعاصر بحيث يضم الدولة العراقية العديد من المنظمات والأحزاب فمنها الشيعة والأحزاب السنية والأحزاب الكردية ذات التوجهات القومية التي تشارك في الفساد السياسي والتحالف الخارجي لها مع قوى ضد النظام العراقي ومنها تحالف الحزب الكردستاني مع تركيا في 2005، كذلك نجد دعم الأحزاب الشيعية للقوات الإيرانية في العراق.

ثانيا: الأسباب الإقليمية.

       لقد كان لدول الجوار إسهاما كبير في أزمة الطائفية في العراق، والتي لعبت دورا سلبيا عقد الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث عملت على تحقيق مصالحها وتقوية نفودها في المنطقة ومن بين هذه الأطراف الإقليمية نجد:

النفوذ الإيراني: في البداية كانت الحرب العراقية الإيرانية ( 1980-1988 ) من نتائج سياسة تصدير الثورة ، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون إنسان، وكان مبدأ تصدير الثورة التي أطلقها الخميني احد أسبابها الرئيسية فما إن سقط حكم البعث في العراق حتى تحول إلى ساحة خلفية لطهران أوصلت الموالين لسياستها إلى الحكم، وأنشأت ودعمت الميلشيات الشيعية المسلحة كعصائب أهل الحق ،وجيش المهدي، وفيلق البدر وأكثر من أربعة عشر فصيلا مسلحا ، فانتشرت التفجيرات والقتل على الهوية والتهجير على الطائفة حتى تحولت مدن العراق إلى كانتونات[53] مسلحة من حيث سعيها لدعم القوى الشيعية في العراق في إطار تأسيس إقليم شيعي يتمتع بحكم ذاتي وتصاعد قوة النفوذ الكردي داخل النظام وتثبيت أوضاع الحكم الذاتي بإقليم كردستان[54].

    و للعلم فقد قامت الثروة الإيرانية عام 1979 بهدف تغيير النظام من ملكي إلى جمهوري، أي من حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلى الجمهورية الإسلامية بقيادة جماعات إسلامية دينية ذات إيديولوجيات مختلفة، فتعمدت تصدير ثروتها إلى دول الجوار ومنها العراق فاهتزت المرجعيات الشيعية في المنطقة ثم التفجيرات الحدود العراقية بدلك تردي الأوضاع بين البلدين وتهيج الطائفية بهما.

    ومع سقوط بغداد عام 2003، شهدت السياسة الإيرانية تجاه العراق تطور غير مسبوق، حيث بدأت مرحلة جديدة من التأثر الإيراني داخل العراق، ليس فقط داخل مؤسسات نظام الحكم الجديد أو التنظيمات السياسية التي هيمنت على الحياة السياسية، ولكن أيضا بالتعامل مع القطاعات التبعية والمراجع المذهبية الشيعية بما يضمن لطهران البقاء على طاولة التأثير في الشأن العراقي الداخلي[55] .

   فإيران دورها في الحرب ضد الدولة الإسلامية العراقية كونها تدافع عن موطن الأضرحة الشيعية المقدسة خاصة ضريح الإمام الحسين والإمام علي الأول في كربلاء والثاني بالنجف لدا نجدها عندما تدخلت لدعم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في جويلية 2014 بحجة الدفاع عن قادسية المذهب الشيعي الذي نتج عنه العديد من القتلى الإيرانيين بالعراق.

التدخل التركي في العراق :بالمقارنة بإيران التي تربط بينها وبين أكثر الطوائف عددا في العراق الشيعية علاقة طويلة، لا تستطيع تركيا أن تدعي أن لها نفوذ على أي من طوائف في البلد باستثناء شطر من التركمان وبالتحديد الجبهة التركمانية العراقية ،أن علاقاتها بالجماعات الكردية تتميز بتعاون محدود مغلق بالشكوك المتبادلة، وفي سنوات حكم صدام حسين كانت سوريا من الأماكن المفضلة بالنسبة للعراقيين المنفيين والمغتربين وهكذا استطاعت إقامة روابط قوية مع طائفة من منظمات معارضة العراقية .

سعت تركيا إلى تجنب تكون إقليم حكم ذاتي کردي يتحول إلى دولة مستقلة مستقبلا في شمال العراق، وما سلط على تحركات تركيا في الشمال العراقي هذا المفاوضات التركية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سنة 2005، ولقد حققت نوعا من النجاح في تحقيق بعض أهدافها ومنه يظهر دلك نجد تعاون القيادات الكردية مع الحكومة التركية العسكرية في ضرب حزب العمال الكردستاني لعدم تقبله التدخل التركي للقضية الكردية حيث توالت المفاوضات والمحاولات لحل الأزمة من بينها اوسلو التي استمرت إلى 2011 و مفاوضات ايمريلي عام 2013 ودلك لهدف الوصول إلى اتفاق لبناء الثقة بين الجانبين حيث تم في نفس السنة إفراج الحكومة التركية عن مجموعة من الرؤساء السابقين الأكراد وانسحاب حزب العمال الكردستاني.

ومن المفارقات إن تأثير تركيا في العرق يتعاظم بدرجة كبيرة إذا تحالفت مع الجماعات الكردية في شمال العراق فعلى الرغم من توجسها من الأكراد العراقيين قد يسهم دعم أنقرة لحكم ذاتي کردي حقيقي وقوي في العراق بصورة كبيرة في ترجيح كفة أولئك الأكراد المستعدين لتجربة عقد اتفاق فيدرالي والبقاء ضمن العراق الموحد وهناك في الوقت الحاضر عاملان يغذيان حركة الاستقلال الكردية أما العامل الأول فهو وجود میل متزايد نحو الاستقلال يجبر زعماء أمثال طالباني والبرزاني على استخدام ورقة القومية، ولا سيما فيما يتعلق بالتسوية النهائية في كركوك[56].

      أما العامل الثاني فيتمثل في أن الدفع من أجل الاستقلال ينبع من القلق إزاء مستقبل غير مؤكد والخشية من أن يحل في بغداد نظام الحكم ديني أصولي أو حتى انتقامي ومما يضيف إلى أحزان الأكراد أن هناك جدل متزايدا في واشنطن حول المسار المستقبلي للسياسة تجاه العراق ودعوات فك ارتباط مبكر[57].

تأثير الأزمة السورية : لقد عمق الصراع السوري التوترات الطائفية في العراق وعزز التضامن الطائفي العابر للحدود الوطنية ، فقد انظم الكثير من المقاتلين العراقيين، السنة والشيعة على حد سواء إلى صفوف ميلشيات تقاتل في سوريا لصالح أو ضد نظام بشار الأسد.

     وانتقل بعض الجاهدين السلفيين العراقيين الذي قاتلوا في العراق في السابق إلى سوريا ،مثل مدينة الرقة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من السيطرة على أجزاء من السورية ، مثل مدينة الرقة، وأعلن أن هدفه هو إقامة دولة إسلامية في العراق والشام .

     شكلت الميلشيات الشيعية نسختها الجهادية الخاصة، كتائب أبو الفضل العباس التي انضمت إلى الجماعات شبه العسكرية الموالية للأسد والتي شملت مقاتلين سوريين ولبنانيين وإيرانيين ويقول هؤلاء المتشددون إن من واجبهم الدفاع عن ضريح زينب في دمشق و هو مكان مقدس لدى الشيعة واختلفت جماعة شيعية عراقية واحدة على الأقل، عصائب أهل الحق علنا بدورها في الدفاع عن الضريح، وتم تنظیم جنازات علنية للشهداء في الصراع السوري في بعض الأحياء الشيعية[58].

ثالثا: الأسباب الدولية.

     نحن نمسك صلب الحقيقة إذا قلنا أن السياسة لعبت ومازالت دورا كبيرا في إفراز الطائفية بالمجتمع، لاسيما إن وجد من له الإمكانات القصوى لتحريك دلك من مركز القوة، انطلاقا من ذلك لا يمكن فصل الأزمة العراقية الراهنة عن السياسات الأجنبية المتبعة فيه، والتي أثرت بشكل طبيعي على مقومات التعايش الوطني سواء من خلال انتهاجها نظام المحاصصة طائفيا وعرقيا ألغي معه كل مقومات المشترك الوطني أو من خلال استخدامها بعض الجماعات والطوائف ضد البعض الأخر بحجج متعددة[59].

فالاحتلال له أهداف معينة وأهداف خفية منها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والثقافية فأمريكا لم تترك أي هدف ولجأت إلى تحقيقه مهما كان نوعه خاصة الهدف الإيديولوجي باستغلالها أوضاع التفرقة بين الطوائف وتحريض طائفة على أخرى وهذا ما شده تاريخ العراق الحديث والمعاصر .

     والعراق مند تأسيسه عام 1920 الاحتلال وسقوط بغداد في 2003 لم يسبق أن تدخلت أية هيئة دينية فيه شيعية أو سنية أو مسيحية أو غيرها، في تشكيل وزارة أو تعيين وزراء، ولم تتدخل في السياسة ، هذه نغمة جديدة جاء بها الاحتلال لتعريف العراقيين ولم يعد يتكلم عن شعب عراقي، بل عن شيعة وسنة وأكراد وعرب وتركمان[60] .

      أي كان يبني السياسات العامة على الأسس الطائفية ويعمل على تقوية النزعة القومية لدى الهوايات الاشتعال الفتن والنزاعات الدولة، بل تركت إمام الأمور وشؤون الدولية للولايات المتحدة الأمريكية فلقد كانت تعتمد سياسة التمييز والعنصرية .

     فلقد عملت على ضرب كل الحركات التحريرية المعتمدة للإستراتيجية القومية والإيديولوجية الإسلامية وتشويه صورتها إمام الشعب العربي والشعوب الإسلامية وإبراز وتضخيم عوامل فشلها وعدم صلاحيتها لتطبيق أمام شعوبها حتى تعالت بعض الأصوات الضعيفة أو الدخيلة اليوم بعدم جدوى التمسك بالإيديولوجية القومية والإسلامية من أفواه عملية مسموعة عنصرية مأجورة[61].

خلاصة الفصل:

     من خلال دراستنا لتاريخ العراق، أي من بلاد الرافدين القديمة إلى غاية الجمهورية العراقية الحديثة ، نجد أنه ليس من الغريب أن تتواجد فيه هذه الفسيفساء البشرية، وهذا راجع لكون العراق جمع بين العراقة التاريخية و الموقع الهام الذي جعل منه ملتقى الحضارات و مجمع الشعوب من كل الأجناس ، و موقع العراق الاستراتيجي جعل منه محط أطماع العالم منذ القدم، كما أن ثرواته الطبيعية  السطحية و الباطنية جعلته أرضا لعديد الصراعات المحلية و الإقليمية و الدولية.

الاسمبريد إلكترونيرسالة