مفهوم
النظام الرئاسي و أسسه
المطلب الأول: مفهوم النظام
الرئاسي
إن النظام الرئاسي هو ذلك
النظام الذي يقوم على مبدأ فردية السلطة التنفيذية ، كما يعتمد على الفصل الجامد
بين السلطات فتتولى كل سلطة الوظيفة المسندة إليها إستقلالا وعلى قدم المساواة.
أي أن النظام الرئاسي يقوم على أساس
الفصل التام من الناحية النظرية بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ، فتما رس كل
منهما الوظيفة المسندة إليها إستقلالا عن الأخرى .
و يعتبر النظام الأمريكي من أبرز و أهم الأنظمة
السياسية التي تعتمد النظام الرئاسي و هو يطبق نظاما للفصل الجامد بين السلطات ، و
يتميز بوحدة الجهاز التنفيذي ، فالنظام الرئاسي لا يكرس سيطرة رئيس الجمهورية على
باقي السلطات كما يعتقد البعض ، ذلك أن
واضعي الدستور الأمريكي تأثروا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي وضعه مونتيسكيو و
بمبدأ التوازن الذي عرفه النظام البرلماني في بريطانيا خلال القرن 18م.
المطلب الثاني : أسس النظام
الرئاسي
يقوم النظام الرئاسي أصلا
على مبدأ فصل السلطات ، وذلك بتوزيع السلطة على هيئات متعددة ، إلا أن النظام
الرئاسي و إن اعتنق نظام مبد فصل السلطات ، فإنه يتميز باستقلال كل هيئة عن الأخرى
إلى أقصى درجة ممكنة[1]
.
يقوم النظام الرئاسي على
أساس الفصل التام بين السلطات العامة في الدولة التشريعية ، التنفيذية والقضائية،
بحيث تكون كل منها مستقلة استقلالا كاملا عن بقية السلطات في ممارستها لوظيفتها
المحددة لها في الدستور.
كما يقوم النظام الرئاسي من
ناحية أخرى على أساس جمع رئيس الجمهورية لرئاسة الدولة ورئاسة الحكومة ، لكي يمارس
جميع مظاهر السلطة التنفيذية بنفسه أو عن طريق ما يختارهم من وزراء لكي يساعدونه
في ذلك[2].
الفرع الأول : أحادية الجهاز
التنفيذي
إن أول ما يميز النظام
الرئاسي عن غيره من الأنظمة السياسية هو أن رئيس الدولة يصل إلى مركزه عن طريق
الإنتخاب ، ويجمع بيده زمام الأمور في السلطة التنفيذية[3].
حيث أن:
1- الرئيس منتخب من الشعب.
في النظام الرئاسي يحتل
الرئيس منصبه عن طريق الانتخاب ، ويبدو أن اشتراط الانتخاب الشعبي للرئيس، مباشرا
كان هذا الانتخاب أم غير مباشر ، قصد به وضع الرئيس في مركز مساو للبرلمان الذي
ينتخب أعضاؤه من قبل الشعب فهو مثلهم إذن يتلقى ولاية شعبية ، بل إن ذلك الانتخاب
يضعه من الناحية الواقعية على الأقل في مركز متميز عن البرلمان فهو منتخب من الشعب
في مجموعه وحائز لثقة غالبية أفراده في حين أن أعضاء البرلمان لم يحوزوا إلا على
ثقة أغلبية الناخبين في دائرة معينة . فالانتخاب الشعبي للرئيس يلعب دورا جوهريا
في تمييز النظام الرئاسي عن غيره من الأنظمة[4].
2- تركيز السلطة التنفيذية
بيد الرئيس
و دليل قوة رئيس الجمهورية
في النظام الرئاسي أن الرئيس يجمع في يده بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة في نفس
الوقت. فرئيس الجمهورية هو الذي يعين الوزراء و يعفيهم من مناصبهم و هم مسؤولون
سياسيا أمام الرئيس فقط.
فرئيس الجمهورية إذن في
النظام الرئاسي هو صاحب السلطة التنفيذية و يمارسها فعلا و لوحده. بمعنى هو وحده
المسؤول عن وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات و هو الذي يحدد دور كل
وزیر و نطاق البرنامج الملتزم بتنفيذه[5].
فنجد أن رئيس الدولة هو الذي
يمارس اختصاصات السلطة التنفيذية ، الأمر الذي يفسر لنا مثلا قيامه بتمثيل الدولة
في المؤتمرات الدولية و كونه صاحب الحق في وضع سياستها العامة التي تطبق في الداخل
و في علاقتها الدولية .
و بصفة عامة ، لرئيس الدولة
في النظام الرئاسي ، إختصاص عام في مجال تنفيذ القوانين و إدارة شؤون الحكم.
الفرع الثاني : الفصل الجامد
بين السلطات .
لقد دأب الفقه الدستوري و
النظم السياسية على استعمال اصطلاح "الفصل الجامد بين السلطات " للتأكيد على اعتبار أن الفصل البين بين السلطات
هو المعيار الهام في تمييز النظام الرئاسي عن النظام البرلماني[6].
وسوف نستعرض مظاهر الفصل
الجامد بين السلطات كالآتي:
أولا : السلطة التشريعية.
السلطة التشريعية تستقل
بممارسة وظيفتها كما حددها الدستور ، و ذلك دون أدنى مشاركة لها من السلطة
التنفيذية ، حيث لا يجوز لرئيس الدولة فض اجتماعات البرلمان أو تأجيل أدوار
انعقاده أو وضع حد لوجوده القانوني ، أي حله قبل حلول الأجل المحدد قانونا ،
لإجراء انتخابات جديدة.
كما لا يجوز للسلطة
التنفيذية اقتراح القوانين لأن هذا الحق محصور في السلطة التشريعية دون غيرها
.
فالسلطة التشريعية هي
بكاملها من نصيب البرلمان دون أن يكون للسلطة التنفيذية أدنى علاقة بهذا الخصوص[7].
ثانيا : السلطة التنفيذية .
-إن السلطة التنفيذية تستقل
في مباشرة وظيفتها تمام الاستقلال عن السلطة التشريعية فرئيس الدولة يعتبر على قدم
المساواة مع البرلمان ، لأنه يستمد قوته و نفوذه من الشعب الذي قام بانتخابه و ليس
من البرلمان.
-تستقل السلطة التنفيذية
التي يرأسها رئيس الجمهورية عن البرلمان عضويا و وظيفيا .
-تستقل السلطة التنفيذية في
مباشرتها لوظيفتها ، إذ يقوم رئيس الجمهورية بتعيين وزراء و إعفائهم من مناصبهم
دون تدخل من البرلمان.
-كما لا يجوز محاسبة الوزراء
عن أعمالهم أمام البرلمان عن طريق توجيه الأسئلة و الاستجوابات أو سحب الثقة كما
هو الشأن في النظام البرلماني لأنهم مسؤولون أمام رئيس الجمهورية وحده.[8]
ومن مظاهر هذا الفصل التام
بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
-
لا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية
البرلمان
-
لا يجوز للوزراء دخول
البرلمان لشرح سياسة الرئيس او الدفاع عنها أو حتى لمناقشتهم من جانب البرلمان.
-
ليس من حق رئيس الجمهورية
أقترح القوانين على البرلمان .
-
ليس من حق السلطة التنفيذية
إعداد مشروع الميزانية ، فالبرلمان هو الذي يعد الميزانية العامة للدولة عن طريق
لجانه الفنية ويقوم بمناقشتها وإقرارها، وكل ما يسمح به من جانب السلطة التنفيذية
هو تقديم تقرير سنوي يبين الحالة المالية للدولة ومصروفات الحكومة في السنة
المنقضية و احتياجاتها للسنة الجديدة.
-
لا توجد رقابة من جانب البرلمان على رئيس
الجمهورية والوزراء، فرئيس الجمهورية غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان ،وكذلك لا
يجوز للبرلمان أن يوجه أسئلة أو استجوابات للوزراء ،كما لا يجوز له مساءلتهم
سياسيا وطرح الثقة بهم للتصويت وإقالتهم. فالوزراء ليسوا مسؤولين سياسيا سوى أمام
الرئيس وحده الذي قام بتعيينهم وله وحده حق عزلهم.
أما من الناحية الجنائية
فقط، فرئيس الجمهورية والوزراء يمكن أن يكونوا موضع اتهام ومحاكمة أمام البرلمان
عن الجرائم التي يرتكبونها.
-
كذلك ليس للسلطة التنفيذية
أي رقابة على البرلمان.فلا يجوز لرئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان لاجتماعاته
السنوية العادية.
-
كذلك لا يجوز للرئيس حل البرلمان، ونحن نعرف أن
حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان يتحقق في النظام البرلماني كسلاح يقابل ويوازن
حق البرلمان في تحريك المسؤولية السياسية للوزراء، ولكن في النظام الرئاسي لا يحق
لرئيس الجمهورية حل البرلمان ومن ناحية المقابلة لا يحق للبرلمان مساءلة الرئيس أو
وزرائه من الناحية السياسية.
المطلب الثاني : تطبيقات
النظام الرئاسي (النظام الأمريكي كنموذج ) .
إن الولايات المتحدة
الأمريكية هي البلد النموذجي للنظام الرئاسي ، حيث نشأ فيها بمقتضى دستور 1787
المطبق حتى الآن مع التعديلات المتلاحقة التي طرأت عليه نتيجة تطور المجتمع
الأمريكي[9].
الفرع الأول : تنظيم
السلطات.
يخضع تنظيم السلطات في
النظام الرئاسي طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات إلى قواعد دستورية وأخرى سياسية،
تهدف إلى تقييد سلطة الرئيس و حماية الحريات. و قد حصر الدستور الأمريكي لكل سلطة
صلاحيات خاصة بها ،تمارسها بكل حرية وإستقلال عن باقي السلطات.[10]
أولا : السلطة التنفيذية في
أمريكا .
يتميز النظام الرئاسي
بوحدانية السلطة التنفيذية ، فالرئيس يجمع صفة رئيس الدولة ورئيس الحكومة في آن
واحد، وهو يتمتع بمركز قوي كونه منتخب من قبل الشعب ، فهو الذي يقوم بإختيار
مساعديه يطلق عليهم " كتاب الدولة " وهم مسؤولون أمامه ، ولا تثار في
هذا النظام مسؤولية الحكومة أمام البرلمان (الكونغرس)، ويترتب عن ذلك عدم خضوع
الحكومة لضغط وتأثير البرلمان.
1- انتخاب
رئيس الوم أ: يتم إنتخاب الرئيس الأمريكي عن طريق الإنتخاب غير المباشر
على درجتين وان كان الواقع العملي للإنتخاب الرئاسي ، يوحي بأن الرئيس يتم إنتخابه
مباشرة من طرف الشعب.
و يتم إنتخاب الرئيس وفق
مراحل ثلاث[11]
:
- مرحلة تعيين مرشحي الأحزاب
بقيام كل من الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري بتسمية تسمية مرشحي الأحزاب
للرئاسة يتم عن طريق المندوبين ، و تختلف طريقة اختيار هؤلاء المندوبين باختلاف
الدويلات الأعضاء في الاتحاد، ففي غالبيتها يتم اختيارهم عن طريق مؤتمر عام يعقده
كل حزب من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري ، و في بقية الولايات يتم اختيارهم عن
طريق لجان الحزب.
و يجتمع بعد ذلك المندوبون
لكل حزب في مؤتمر عام و تسمية مرشح الرئاسة
من أعضاء الحزب الأوفر حظا
بالنجاح .
هذه العملية تتضمن إذن عملية
مركبة ، الأولى اختيار المندوبين الحزبيين و الثانية قيام المندوبين بتمسية المرشح
للرئاسة في كل حزب.
- تعيين الناخبين الرئاسيين
: يتم تنظيم انتخابات لتعيين الناخبين الرئاسيين الذين يعهد لهم أمر إختيار الرئيس
الأمريكي. فيتم إختيار هؤلاء الناخبين الرئاسيين كل أربع سنوات في الإثنين الثاني
من شهر نوفمبر عن طريق الإنتخاب بالأكثرية بالقائمة في كل ولاية. ويبلغ عدد هؤلاء
الناخبين نفس عدد أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ولا يحق لهؤلاء أن يكونوا أعضاء
في كل من المجلسين. وللإشارة فإن نتيجة إنتخاب
هؤلاء الناخبين تشير في الواقع إلى الرئيس الأمريكي الجديد ونائبه .
- إنتخاب الرئيس : يقوم
أعضاء الهيئة الإنتخابية الرئاسية يوم الإثنين الثاني من شهر ديسمبر بإنتخاب
الرئيس الأمريكي ونائبه وتعتبر هذه المرحلة شكلية لأن نتيجة الإنتخاب تتحدد
بمناسبة انتخاب الناخبين الرئاسيين التي يتم التعرف خلالها على الرئيس . ويتم
إنتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين.
النواب.
2- مدة الرئاسة وتنظيم خلافة الرئيس :
وفقا للتعديل العشرين في
الدستور لسنة 1951 فإن الرئيس و نائبه يشرعان في ممارسة وظائفهما في 20 جانفي
الموالي لانتخابهما طيلة أربعة سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
و إذا حدث أن توفي الرئيس أو
عجز عن أداء مهامه ، فإن نائب الرئيس هو الذي يحل محله ، و في حالة ظهور مانع يحل
محله رئيس مجلس النواب ثم رئيس مجلس الشيوخ المؤقت ثم أعضاء الحكومة (الكتاب) حسب
الأقدمية و ذلك وفقا لتعديل 25 أكتوبر 1967.[12]
3- صلاحيات الرئيس :
يمارس الرئيس الأمريكي
صلاحيات واسعة ، وزاد من اتساع هذه الصلاحيات وأهميتها كون الرئيس هو رئيس أكبر
دولة في العالم وهو يمارس
الصلاحيات التالية:
في تنفيذ القوانين : المادة الثانية من الدستور
الأمريكي تؤكد واجب رئيس الجمهورية في تنفيذ القوانين التي يضعها الكونغرس تنفيدا
كاملا وهذا هو جوهر إختصاص أية سلطة تنفيذية ، فكلمة تنفيذية مشتقة من هذا الدور
الجوهري وهو تنفيذ القوانين.
فالرئيس ينفذ قوانين
البرلمان بنفسه وبواسطة معاونيه من الوزراء وبواسطة القوات المسلحة إذا اقتضى
الأمر ويدخل في تغيير تنفيذ القوانين حفظ النظام العام في الإتحاد الأمريكي[13].
في السياسة الخارجية : يملك الرئيس صلاحيات واسعة
في ميدان السياسة الخارجية فالرئيس يستطيع فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية تعيين من
يرغب لقيادة المفاوضات لكنه يسعى في معظم الأحيان لكسب تأييد الكونغرس لسياسته
الخارجية .
و اختصاصات الرئيس في ميدان
العلاقات الدولية يتضمن إجراء المباحثات الدبلوماسية و تعيين السفراء و التوقيع
على المعاهدات التي تخضع لرقابة مجلس الشيوخ، كما أن العرف الدستوري جرى على إطلاع
المجلس على القضايا الهامة التي تتعلق بالسياسة الخارجية .
في تعيين الموظفين : يرشح ثم يعين بعد موافقة
مجلس الشيوخ طائفة كبار الموظفين مثل الوزراء والسفراء و القناصلة و قضاة المحكمة
العليا و غيرهم من كبار الموظفين الذين لا يقرر الكونغرس تعيينهم بطريقة أخرى .
على الرئيس أن يراعي ما تشترطه القوانين أحيانا عند عزل بعض كبار الموظفين مثل
قضاة المحكمة الاتحادية العليا فلا يجوز عزلهم إلا بعد محاكمة جنائية أمام مجلس
الشيوخ.
في الصلاحيات العسكرية : يعتبر الرئيس هو القائد
الأعلى للقوات المسلحة ، و هو المسؤول عن صناعة الأسلحة الحديثة و وضعها موضع
الاستعمال عند الحاجة إلى ذلك ، و بهذه الصفة له إصدار الأمر للقوات الأمريكية
بالدخول في عمليات عسكرية إذا ما قرر أن في ذلك حماية لمصالح الدولة دون إعلان
الحرب الرسمية الذي يختص به الكونغرس .
في الصلاحيات القضائية: يملك
الرئيس حق الغاء العقوبات أو تخفيضها أو ايقاف تنفيذها أو العفو عن الجرائم .
في حق النقض (الفيتو): له حق
الاعتراض على القانون الذي يقره الكونغرس في حال اختلف مجلسه .
4- الأجهزة
المعاونة للرئيس الأمريكي:
-
المكتب الرئاسي: المكون من
كتاب الدولة ككاتب الدولة المكلف بالشؤون الخارجية
-
الديوان التنفيذي للرئيس: و
هو مكتب الرئيس الذي يديره السكرتير العام للبيت الأبيض.
ثانيا : السلطة التشريعية
يعتمد النظام الدستوري في
الولايات المتحدة الأمريكية على ثنائية السلطة التشريعية ، إذ يتألف البرلمان و
الذي يسمى بالكونغرس" من مجلس النواب و مجلس الشيوخ .
1-مجلس النواب : يتكون من 435 عضوا ، يتم
انتخابهم بواسطة الاقتراع العام المباشر لمدة سنتين ويتم انتخابهم حسب عدد السكان
في الولاية على أساس نائب عن 500 ألف مواطن على مستوى الولاية .
2- مجلس الشيوخ :
يتكون المجلس من 100 عضو
ويمثل كل ولاية نائبين مهما كان عدد سكانها ويتم انتخابهم لمدة ستة سنوات
بالاقتراع العام المباشر . ويشترط في المترشح بلوغ سن الثلاثين سنة على الأقل
ويتمتع بالجنسية الأمريكية لمدة لا تقل عن تسع سنوات ، وللإشارة فإن رئيس مجلس
الشيوخ هو نائب الرئيس الأمريكي .
صلاحيات الكونغرس :
يمارس الكونغرس مجموعة من
الصلاحيات بعضها تكون مشتركة بين المجلسين بينما ينفرد مجلس الشيوخ بممارسة
صلاحيات أخرى .
والأصل العام أن المجلسين
يشتركان معا في ممارسة السلطة ، فالقانون لابد من إقراره في المجلسين معا
بالأغلبية المطلقة .ولكن مع ذلك يتميز مجلس الشيوخ ببعض الاختصاصات دون مجلس
النواب ،فمجلس الشيوخ كما سبق أن ذكرنا تجب موافقته عند تعيين رئيس الجمهورية
لكبار الموظفين، كذلك يجب موفقته على المعاهدات بأغلبية ثلثي أعضائه حتى تكون
نافذة. يضاف إلى ذلك أن مجلس الشيوخ يكتسب أهمية خاصة نظرا لأنه المجلس الممثل
للولايات ولأنه محدود في عدد أعضائه بالنظر لمجلس النواب ،وكذلك مدة نيابته أطول
من مدة نيابة مجلس النواب.وليس لمجلس النواب تلك الاختصاصات ،كل ذلك يجعل لمجلس
الشيوخ ولأعضائه مكانة خاصة وعليا قي الحياة السياسية الأمريكية. يضاف إلى ذلك أن
الكونغرس بمجلسيه يملك وسيلة أخرى هامة للتأثير على سياسة الرئيس داخليا وخارجيا
هذه الوسيلة هي ضرورة موافقة الكونغرس على ميزانية الاتحاد وعلى الاعتمادات
الإضافية التي يطلبها الرئيس وإدارته،يملك الكونغرس وسيلة رقابية فعالة عن طريق
اقرار الميزانية والاعتمادات المالية.
وأخيرا يجب أن نذكر أن
الحياة العملية قد فرضت هي الأخرى وسائل للتعاون وأحيانا للرقابة المتبادلة بين
السلطتين التنفيذية والتشريعية وهذا التعاون راجع إلى حالة انتماءهم إلى نفس الحزب
السياسي.
ثالثا السلطة القضائية:
يبدو واضحا أن واضعي الدستور
الأمريكي لعام 1787 قد تأثروا بصيغة مانتيسكو، التي أكد من خلالها بأن النظام
الإنجليزي يتضمن سلطة قضائية مستقلة، وهذه الصيغة قد لعبت دورا هاما في إرساء
ضرورة إقامة مؤسسة قضائية مستقلة، في أذهان واضعي الدستور الاتحادي. وقد ترجمت هذه
الرغبة في النص على إنشاء المحكمة العليا التي يعد العمود الثالث للدستور
الأمريكي، الذي اعتنق النظام الفيدرالي، الذي يتطلب بدوره وجود هيئة قضائية تتولى
الفصل في النزاعات المحتملة بين الدول الأعضاء الداخلة في الاتحاد. وكانت فكرة
إنشاء المحكمة العليا استجابة لهذا المطلب الضروري.
هذا وتمتاز تشكيلة المحكمة العليا
باستقرار عدد أعضائها حيث تتكون من 9 قضاة منذ 1869 ويتم انتخابهم من طرف الشعب
هذا ما ينص عليه الدستور الأمريكي. ويعينون من طرف رئيس الجمهورية بموافقة مجلس
الشيوخ ،وهناك اعتبارات تتعلق بالتوازن بين مختلف مكونات الأمة الأمريكية ،تدخل في
توجيه اختيار الرئيس لأعضاء المحكمة العليا.و بالتالي هم مستقلون في وظيفتهم عن
السلطات الأخرى، هذا وقد يعود شعور القضاة بهذا الاستقلال إلى كونهم معينين لمدى
الحياة ، الأمر الذي ينمي في نفوسهم الإحساس بأنهم يمثلون المجتمع الأمريكي،من جهة
ويجسدون فكرة استمرارية الدولة،من جهة ثانية كل هذه المؤشرات تبين أن هناك
استقلالية بين السلطات.
وهناك نظام قضائي على مستوى الولايات ينظر في
النزاعات المحلية التي تثور داخل حدود الولاية.
الفرع الثاني: الإستثناءات في الفصل التام بين السلطات
في الوم أ:
في الواقع أن الو م أ تأخذ بالفصل التام بين
السلطات، لكن عمليا نجد أنه لا يوجد تطبيق لمبدأ الفصل التام، فقد ظهرت معطيات
جديدة ممكن أن نعتبرها أنها جاءت بفعل الدستور، أو أن الظروف فرضتها.
أولا: الاستثناءات القانونية
التي رسخها الدستور.
1- حق
الاعتراض التوفيقي: للرئيس حق الاعتراض على أي قانون أصدره البرلمان خلال مدة
10أيام من تبليغه، وعند الاعتراض من طرف الرئيس يعاد القانون من جديد إلى
الكونغرس،مع بيان أوجه أسباب الاعتراض.
و إذا وافق المجلسان
التشريعيان على ذات القانون بأغلبية ثلثي أعضائهما، فإن الاعتراض يسقط ويلتزم
الرئيس وإدارته بتنفيذ القانون.
2- أعطى
الدستور الحق للرئيس دعوة الكونغرس لانعقاد في الحالات الاستثنائية.
3- الدستور
يخول للرئيس الحق في إخطار الكونغرس من وقت لآخر بأحوال الاتحاد ويقدم توصياته
بالإجراءات التشريعية التي يراها ضرورية من وجهة نظره.
4-لمجلس
الشيوخ أيضا دور رقابي على السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية، فقد اشترط
الدستور ضرورة موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي أعضائه على المعاهدات الدولية التي
يعقدها الرئيس.
5-أعطى
الدستور لمجلس الشيوخ الحق في تعيين بعض كبار الموظفين في الدولة.
6-الدستور
أعطى لمجلس النواب(الغرفة الأولى) حق في توجيه الاتهام لأعضاء السلطة التنفيذية
بما فيهم رئيس الجمهورية على أن يتولى مجلس الشيوخ محاكمتهم وهذا في حالة ارتكابهم
لجنايات أو جنح مثل الخيانة العظمى. وهنا لا نتكلم عن الأخطاء السياسية ففي هذه
الحالة يصدر المجلس حكمه بأغلبية ثلثي أعضائه يتضمن عقوبة واحدة وهي العزل من
الوظيفة.
ثانيا: الاستثناءات التي
فرضتها الظروف السياسية.
1-وجود
نظام الثنائية الحزبية خاصة إذا كان الرئيس الجمهورية ينضم إلى حزب معين وكانت
الأغلبية في صفه .
2-اللجان
البرلمانية كان لها أثر في تقوية الصلة بين السلطتين(عن طريق هذه اللجان تلعب
الجماعة الضاغطة دورها).
3-الكونغرس
اعتمد على إنشاء لجان قضائية للتحقيق في بعض الاتهامات التي تنسب لأعضاء السلطة
التنفيذية.
مبدأ الفصل بين السلطات في
الو م أ قد تخلى عن صورة الفصل التام والمطلق في الحياة العملية وإن لم إلى درجة
التعاون ،رغم هذا التطور لم يمنع إلى استقرار النظام السياسي في الو م أ.
خاتمة
تطرقنا في هذا البحث إلى " مبدأ الفصل بين السلطات في ظل النظام
الرئاسي " فخلصنا أنه يقوم على أحادية الجهاز التنفيذي أي رئيس الدولة الذي
يتم انتخابه من طرف الشعب الذي هو نفسه رئيس الحكومة و هو الذي يتولى ممارسة
السلطة التنفيذية . و لكن ما يجدر الإشارة إليه أن انتخاب الرئيس من قبل الشعب
مباشرة و تمركز السلطة بيده ليس هو الأساس الوحيد الذي يضفي على النظام طابعه
الرئاسي ، بل هناك أساس ثان يسمح لنا بتمييز النظام الرئاسي عن غيره من الأنظمة
ألا و هو الفصل الجامد بين السلطات واستقلالها إلى الحد الذي يجعل من كل سلطة
معزولة عن الأخرى .
فالسلطة التنفيذية تباشر
الأعمال التنفيذية ويتولاها الرئيس ، بينما السلطة التشريعية تمارس الوظيفة
التشريعية و هي محصورة بالبرلمان.
كما تناولنا في هذا البحث أحد أهم الأنظمة التي تطبق الفصل التام بين
السلطات فكان النظام الأمريكي أحسن نموذج
فتطرقنا إلى تنظيم السلطات فيه ، حيث السلطة التشريعية "البرلمان" و
الذي يسمى بالكونغرس يضم هذا الأخير مجلسين ، مجلس النواب و مجلس الشيوخ و تناولنا
أيضا صلاحيات الكونغرس و التي تتمثل في التشريع و التصويت على الميزانية ... إلخ .
أما عن السلطة التنفيذية
الرئيس الذي يتمتع بمركز قوي كونه منتخب من قبل الشعب و هو يجمع بين صفة رئيس
الدولة و رئيس الحكومة و خلصنا إلى العلاقة الموجودة بين هاتين السلطتين التشريعية
و التنفيذية و التي تكمن في الفصل الجامد بينهما في مباشرة اختصاصاتهما.
قائمة المصادر و المراجع:
أولا: المصادر:
-
دستور الولايات النتحدة
الأمريكية لسنة 1787.
-
التعديل الدستوري الجزائري
2020.
ثانيا المراجع:
الكتب:
-ابراهيم
عبد العزيز شيحا، النظم السياسية و القانون الدستوري، دار الفتح للطباعة، مصر،
2001.
-بوكرا إدريس، الوجيز في
القانون الدستوري و النظم السياسية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2016.
-حسين عثمان، النظم
السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2003.
-سعيد بوالشعير، القانون
الدستوري و النظم السياسية المقارنة، ج2، ديوان المطبوعات الجامعية، 2009.
-محمد رفعت عبد الوهاب،
الأنظمة السياسية، الحلبي للنشر، لبنان، 2007.
-نزيه رعد، القانون الدستوري
العام، ط1، بيروت لبنان، 2011.
-نعمان الخطيب، الوسيط في
النظم السياسية، دار الثقافة للنشرو التوزيع، ط1، الأردن 2006.
الرسائل الجامعية:
-محمد
خيري، سفيان بوفلجة،مبدأ الفصل بين السلطات بين النظام الرئاسي و البرلماني، مذكرة
مكملة لنيل شهادة الماستر، تخصص قانون اداري، المركز الجامعي النعامة 2020/2021.
-براهمية رفيق، مبدأ الفصل
بين السلطات في الدستور الجزائري، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر، جامعة 08 ماي
1945.
المواقع الالكترونية:
[1] محمد نصر مهنا،
في نظرية الدولة و النظم السياسية ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر ، 2001،
ص
270.
[2] عبد الغني
بسيوني عبد الله ، دراسة للنظرية الدولة والحكومة والحقوق والحريات العامة في
الفكر الإسلامي والفكر الأوربي ، منشأة المعارف، ط4 ، 2002، ص 274
[3] حسین عثمان
محمد عثمان ، النظم السياسية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان ، سنة 2009، ص
244.
[4] حسين عثمان
محمد عثمان، المرجع نفسه، ص ص 247-248 .
[5] محمد رفعت عبد
الوهاب ، الأنظمة السياسية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان 2007، ص 342
[6] نعمان احمد الخطيب
، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، ط1،
الأردن سنة 2006 من 369.
[7] نزيه رعد،
القانون الدستوري العام المرجع السابق ، ص 142 .
[8] عبد الغني
بسيوني عبد الله ، النظم السياسية دراسة لنظرية الدولة و الحكومة و الحريات العامة
في الفكر الإسلامي والفكر الأوربي ،، ص 276
[9] محمد رفعت عبد
الوهاب ، المرجع السابق ، ص349.
[10] بوكرا إدريس ،
الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية . السابق ، ص 213
[11] بوكرا إدريس ،
المرجع السابق ، ص214
[12] سعيد بوالشعير
، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ، ط5 ، 2003 ، ص216
[13] محمد رفعت عبد
الوهاب ، المرجع السابق ، ص354.