مقدمة:
لم يكن التدخل العثماني في المغرب
العربي امراً متوقعاً ، ولم يكن يدور في أروقة الدولة العثمانية نفسها ذلك
الأمر فضلاً عن أن التدخل لم يكن نتيجة وتصميم عثمانيين ، بل
حكمت الأمر الظروف السائدة في المغرب العربي بعد غزوات الأسبان المتكررة على
سواحلها، وظهور عروج للدفاع عنها ، وإنقاذ المسلمين من سيطرتهم حتى وفاته ، وتسلم
أخوه خير الدين السلطة من بعده، وطلب من السلطان العثماني سليم الأول الانضواء تحت
حكمه نتيجة مبادرة اشترك فيها أهل الجزائر ، كرد فعل منهما على التدخل الاسباني،
وبعد استتاب الأمر وتوحيد الجزائر تحت مسمى واحد أصبحت الجزائر تحكم كدولة كبرى
شأنها شأن أية دولة أخرى واخذ حكامها على امتداد مراحل الحكم حتى عهد الدايات
يطورون عمل أجهزتها الإدارية ، والمؤسساتية ، واستكمال متطلبات الدولة الاقتصادية
. والاجتماعية وتنظيمهما حسب الشريعة الإسلامية دون التدخل بالنسيج الاجتماعي أو اللحمة المغاربية ، بل
فضل العثمانيون الاهتمام بأنفسهم والحفاظ على مكانتهم في المجتمع الجزائري، من
خلال قمع الثورات التي كانت تحصل من قبل أبنائهم الكوغول ، وكذلك المشاكل التي
تحدث بين رياس البحر والانكشارية للسيطرة على الحكم، أما علاقتهم بالدولة
العثمانية التي باتت محدودة بعد فقد الأخيرة عدداً من أراضيها لروسيا والنمسا وأصبح الرابط الديني هو الذي يربط بين
الاثنين، بعد ان فضلوا إرسال الهدايا والأموال وجلب الانكشارية لمساعدتهم على
إدارة دفة الحكم دون تدخل الدولة العثمانية مباشرة في حكم الجزائر ، إذ ان
الاتفاقات الرسمية بين الجزائر والدول الأوربية كانت تجري باسم الحكام الجزائريين
وليس باسم السلطان العثماني وهو ما ولد وضعاً دولياً خطيراً كانت نتائجه سلبية على
الجزائر ، ولاسيما بينها وبين فرنسا التي انتهت باحتلال الأخيرة عام 1830 وفرض معاهدة مع الداي حسين لتسليم
وإنقاذ نفسه ومعيته . و الاشكالية المطروحة هي كيف كانت أوضاع الجزائر
العثمانية خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر؟
اولاً - الأوضاع السياسية.
أعطى الحكم العثماني للجزائر اسمها
الحديث الذي بدأت تعرف به منذ ذلك التاريخ ، بعدما كان مقتصراً فقط على المدينة
التي أصبحت مركز الحكومة العثمانية، وادخل العثمانيون مفهوم الحدود السياسية إلى
المغرب العربي الحديث ، بعد القضاء على الفوضى الداخلية التي كانت سائدة في اغلب
مناطق الجزائر ، وتوحيد القوى لمواجهة الخطر الأوربي المحيط بهم.
أعلنت تبعية الجزائر رسمياً للدولة
العثمانية بمنح خير الدين لقب (بیگلربيك) أو بايلر باي بمعنى (أمير الأمراء) ونائب
السلطان والعامل باسم الباديشاه ، وبذلك تكونت إيالة (ولاية) الجزائر، ودعي
للسلطان العثماني على المنابر وضربت السكة باسمه ، وخضعت إدارة الجزائر لإدارة
خاصة ضمن منظومة أوجاقات الغرب ، وبذلك نظم خير الدين الجزائر بعد إن أصبحت إيالة
عثمانية تنظيماً عسكرياً ، لم يطرأ عليها تغيير كبير حتى الاحتلال الفرنسي لها سنة
1830م ، وتألفت من المشاة فقط لان الفرسان كانوا يؤخذون من بين قدامى الأغوات أو أبناء
البلاد الأصليين للحفاظ على السلطة فيها اعتمدت الإدارة العثمانية في الجزائر خلال
عهد البگلربيگية ما بين سنوات 1518-1587 على طائفة رياس
البحر الذين تولى عدد منهم مناصب عليا في
الدولة[1].
قسمت إيالة الجزائر خلال الحكم
العثماني إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي:
- إقليم
قسنطينة في الشرق .
- إقليم
وهران في الغرب وعاصمته معسكر ثم وهران .
- إقليم
التيطري وعاصمته مدية التي تقع في وسط الإقليم
وكانت تلك الأقاليم مستقلة في ميزاني
اتها ولكل إقليم عملة خاصة به وله مجلسان استشاريان إلى جانب الحاكم (مجلس الشورى
والديوان) .
لذلك قسم عهد حكم العثمانيين في
الجزائر إلى أربعة عهود هي [2]:
- عهد
البگلربية 1518-1587 .
- عهد
الباشوات 1587-1659.
- عهد
الأغوات 1659-1671 .
- عهد
الدايات 1671-1830 .
يعد العهد الأول من أزهى عهود الحكم
العثماني في الجزائر ، إذ تميز بكثرة الإعمال العمرانية والإدارة السليمة وتنظيم
البحرية أيام حكم السلاطين العثمانيين الأقوياء ، وكانت السلطة في البلاد بيد رياس
البحر وفئة اليولداش [3]
، ومن ابرز آثاره توحيد الجزائر سياسياً .
أما عهد الباشوات ، فقد كان على رأس
الدولة وال تعينه الحكومة العثمانية لمدة (3) سنوات يمنح لقب (الباشا) ، وتميز
بازدهار القوة البحرية الجزائرية ، وسمحت الحكومة العثمانية بدخول الامتيازات
الأجنبية إلى الأراضي الجزائرية [4]
.
وبرز في عهد الأغوات أن استأثر
اليولداش فيه بالحكم ، وكانوا ينتخبون من بينهم آغا لمدة شهرين ثم يستبدل بغيره ،
وتميز ذلك العهد
بالمحاولات المستمرة لفصل الجزائر عن
الحكم العثماني وتمثل عهد الدايات بعودة رياس البحر الذين تغلبوا على اليولداش
وأقاموا حكماً جديداً هو نظام الدايات ، وذلك بانتخاب داي للحكم يحكم البلاد من
قبل المجلس على أن يستمر بالعمل مدى الحياة لحين سقوط الجزائر بيد فرنسا سنة 1830م[5].
أما الموظفون الذين كانوا يديرون
إعمال الايالة فهم على طبقتين :
الطبقة الأولى تضم الداي والموظفين
وهم:
1- الخزناجي : وهو المختص بالإشراف على الخزينة
وإيداع مصادر دخل الدولة بشكل نقود ومقتنيات ثمينة ، يساعده كاتب الدولة وأمين
السكة ، فضلا عن أجير ي من اليهود احدهما يدعى العيار للتحقق من النقود المشكوك
فيها ، والثاني الوزان لوزن أنواع النقود التي يتسلمها .
2- بيت المالجي : وهو المشرف على مصلحة الأملاك
وصيانة المقابر والثروات التي تؤول إلى الدولة بعد موت أصحابها أو استبعادهم أو
فقدانهم أو في حالة عدم وجود ورثة شرعيين لهم ، يعاونه في تلك المهمة قاض يعرف
باسم الوكيل وكاتبلن يعرفان باسم العدول[6].
3- خوجة الخيل : وهو الموظف الذي يدير أملاك البايلك
ويشرف على مواشي الدولة التي يقدمها الأهالي كضرائب عينية تفرض عليهم ، كذلك يقوم
بالإشراف على تجنيد الفرسان (المخزن) المتعاونين مع السلطة
المركزية .
4- وكيل الحرج : الموظف المسؤول عن مراقبة النشاط
البحري وإعمال الترسانة وتوزيع الغنائم.
5- آغا العرب : قائد فرقة الانكشارية وفرسان
المخزن الصبائحية المعسكرين خارج مدينة الجزائر ، وهو من يقوم بمراقبة دار السلطان
وملحقاته ، وكذلك السهول المعروفة بوفرة إنتاجها الزراعي والحيواني الذي تعتمد
عليه الجزائر.
أما الطبقة الثانية من الموظفين ، فقد
شملت المساعدين مثل : كتاب الدولة وموظفي الخدمات الاقتصادية والاجتماعية ورجال
حفظ الأمن والإشراف على تطبيق القوانين والإحكام المعمول بها ، وممن يقومون
بالإشراف على الديوان المحلي لكل من بايلك (الأقاليم) الشرق والغرب والتيطري.
ثانياً - الأوضاع الاقتصادية
كان اقتصاد الجزائر في العهد العثماني
يتراوح بين الانتعاش في بداية القرن السادس عشر حتى القرن السابع عشر ، بسبب قدوم
المهاجرين الأندلسيين الذين أدوا ادواراً مهمة في زيادة إنتاج الأراضي الزراعية
والصناعة والتجارة ، ومن ثم التقهقر الذي أصاب الاقتصاد الجزائري بعد النصف الثاني
من القرن السابع عشر حتى الاحتلال الفرنسي الذي كان سببه الأوبئة والطاعون وسنوات
القحط التي تعرضت إليها البلاد ، وتأخر طرق وأساليب الزراعة والصناعة التي لم تعرف
كيفية تحويل المواد الزراعية إلى صناعية وركود التجارة التي انعكست على جميع نواحي
الحياة الاقتصادية[7].
تتراوح نسبة سكان الجبال والأرياف ما
بين ( 90-95% ) من إجمالي سكان الجزائر البالغ عددهم نحو (3-2) ملايين نسمة خلال
المدة المبحوثة ، وهذا ما يؤشر لنا ان النشاط الزراعي بمختلف فروعه هو السائد ، إذ
كانت الطرق التقليدية التي عرفتها الجزائر منذ ألاف السنين هي المستعملة في
الزراعة ( المحراث والمنجل ) ، أما نظام الإرواء الزراعي فكان يعتمد على مياه
الإمطار لعدم توفر الخزانات والقنوات الإروائية ، فضلاً عن أن معظم الأنهار موسمية
الجريان ، ولذلك دأبت القبائل على حرث جزء من أراضيها ، بينما تترك الباقي بوراً
وفقاً لطريقة المناوبة[8].
أما تربية الماشية ، فكان يجري الاهتمام
بها بشكل كبير ، ولاسيما الأغنام ، إذ كانت تعد الإنتاج الأساسي للبلد ، وتدر على
الفلاح والبلد ثروة كبيرة ، تقدر بنحو ( 7-8) ملايين رأس ، مع توفر الماعز والأبقار والجمال
والخيل
اعتمدت الجزائر في تحصيل مواردها
الداخلية على الزكاة التي تفرض على الماشية بالنسبة للمسلمين والضرائب بالنسبة
لغير المسلمين ، وهي بنسبة (11%) كما فرضت الضرائب على الجلود والعسل والغنائم
التي يكسبها البحارة، وكانت نسبتها بين 5-8 ، كذلك فرضت رسوم على الأموال المتروكة
بدون وريث وعلى الميناء وأماكن الترف واللهو، وهناك رسوم طوابع وغرامات مالية لم
تخضع لنظام ثابت ومحدد ، بل كانت تختلف من مرحلة إلى أخرى ، وما عرف عن الحكر وهو
الإيجار الذي يدفعه الفلاحون نتيجة استثمارهم الأراضي التي تملكها الدولة فضلاً عن
ضريبة الخراج التي يدفعها أهل الذمة .[9]
وجدت فرقة خاصة تعرف بـ ( (المحلة أو
التحصيلات المحلية ، وهي المكلفة بجباية أموال الزكاة وغيرها من أنواع الضرائب ،
فتبدأ عملها بين شهري أيار / مايو وتشرين الأول / أكتوبر وتتنقل بين القرى
والقبائل تجمع الضرائب المفروضة ويتحمل الأهالي نفقات إطعامها ومصاريفها
.[10]
أما الواردات الخارجية للدولة ، فكانت
تأتي عن طريق الغنائم التي يحصل عليها البحارة عبر المعارك البحرية التي يخوضونها
، والهدايا تضاف إليها المساعدات والحمولات والجزية التي كان يدفعها
الأوربيون العثمانية ، فضلاً عن الموارد التي تحصل عليها الدولة عبر التجارة من
خلال الموانئ الجزائرية عند تصدير المنتجات الجزائرية إلى خارج البلاد ، وكذلك عن
بيع العبيد وفداء الأسرى [11]
.
كانت الجزائر تشكو من نقص في الطرق
والمرافق الضرورية لإيواء المسافرين الأمر الذي يمثل عائقاً في تنظيم التبادل
التجاري على المستوى الخارجي ، كما ان عدم تنويعها يجعل من غير المفيد نقل السلع لمسافات
بعيدة وبيعها بالأسعار السائدة آنذاك ، وأن لا يتحمل التجار عناء نقلها واعتمدت
التجارة على أساس المقايضة في اغلب الأحيان[12].
كانت الجزائر تسك النقود بثلاثة أنواع
هي:
·
العملات الذهبية : السلطاني ، ونصفه
وربعه والمحبوب ونصفه وربعه.
·
العملات الفضية : الدورو الجزائري،
وريال بوجو وريال درهم ونصف ريال درهم وثمن بوجو والموزونة.
·
العملات النحاسية : الصائمة وريال
بسيطة وبعض قطع أخرى اقل منها .
إن أهم ما ميز العملة الجزائرية في
العهد العثماني ، عدم استقرارها وصعوبة تحديد قيمتها بسبب تذبذب الأحوال
الاقتصادية والسياسية في البلاد ، مما ساعد على ندرة المعادن الثمينة ، وتسبب في
تدني القدرة الشرائية على الرغم من تدني أسعار الغلة، وزاد من ذلك رواج أعمال تزوير
العملة ، ولاسيما في بلاد القبائل ، على الرغم من وجود عقوبة الإعدام حرقا التي
كانت تطول المزورين ، والعقوبات الجماعية ضد القبيلة التي يثبت تورط أحد أبنائها
في عمليات التزوير بعدما يكون محل بحث ولم تستطع الدولة الوصول إليه .[13]
يبدو إن عدم الاهتمام في الجانب
الاقتصادي من قبل الحكام العثمانيين باعتماد الوسائل الحديثة في الزراعة ، قد سبب
عدد من المشكلات التي طالت الفلاحين والتي بدورها أثرت سلباً على الإنتاج الزراعي
والواقع التجاري بالوقت نفسه ، لارتباط الزراعة بالتجارة المحلية والخارجية، وبذلك
كانت هناك إخفاقات اقتصادية امتدت طوال العهد
العثماني.
ثالثاً - الأوضاع الاجتماعية
يعكس التركيب الاجتماعي للجزائر
التنوع العرقي من حيث الأصول للمجتمع الجزائري وبوجود الأتراك مما زادها لحمة مهمة
للامتزاج الثقافي الموجود فيها من قبل ، وقد تكونت عدة فئات اجتماعية عدة خلالها، وهي:
1-
الفئة الحاكمة :
وتشمل الأتراك من قوات الانكشارية وموظفين وقادة
( رياس البحر ) وعلى الرغم من قلة تلك الفئة التي لم يتجاوز عددها حتى سنة 1830م
أكثر من (20) إلف نسمة، إلا أنها كانت تسيطر على سدة الحكم ولها نفوذ واسع بحكم
تسلمها المناصب الحكومية المهمة في الدولة ، وإبعاد أهل البلاد عن تلك المناصب ،
والعمل على إبقا يهم بعيدين عن منافستهم ، فضلاً عن استقدام أبناء جلدتهم من
الأناضول في حالة وجود نقص في إدارة البلاد ، وبسبب ذلك ساد العداء بين أهل البلاد
والفئة الحاكمة من الأتراك.
2-
الكراغلة :
تكونت تلك الشريحة نتيجة زواج إفراد
من الجيش الانكشاري بالنساء الجزائريات وظهرت تلك الطبقة للمرة الأولى في المدن
التي تمركزت بها الحاميات العثمانية ، وقد ساءت العلاقة بين الأبناء
والإباء بسبب ارتياب الإباء منهم بعد تزايد إعدادهم، مما دفع الحكام العثمانيين في
الجزائر إلى إبعادهم عن المناصب الحكومية المهمة في الجيش والإدارة ، كما عملت
السلطات على منعهم من دخول الديوان أو في الأوجاق ، فأصبح المجال الوحيد الذي يعملون فيه
هو النشاط البحري ، كون تلك المهمات بعيدة عن التأثير في تغيير
السلطة التي كان يتمتع بها الأتراك .
3-
المهاجرون من الأندلسيين :
ويطلق عليهم اسم ( المورسيكيون): وهم الذين
وفدوا إلى الجزائر في عهد خير الدين وخلفائه ، وبعد استقرارهم أسهموا في دور فعال
في تطو ي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية من خلال توسيع وبناء المدن في
الجزائر ، وإنشاء مدن جديدة ، إذ لم يكن بإمكانهم الالتحاق بالجيش أو الوظائف
العليا، لذلك اتجهوا إلى ممارسة عدد من الصناعات المحلية منها صناعة البارود
والخزف وغيرها بفضل الأموال التي جلبوها الأندلس. من معهم .
4-
العبيد :
الفئة المسحوقة التي تشمل نسبة كبيرة
من الشعب الجزائري . ولاسيما منهم الذين تعود جذورهم وأصولهم إلى السودان ، إذ كان
التجار ( الطوارق) يحصلون عليهم بالمقايضة مقابل البضائع التي يبيعونها
إليهم وتصل إعدادهم إلى مابين (
150-500) عبد سنوياً ، وكانت الفئات الحاكمة ، وغير الحاكمة تمتلك العبيد كنوع من
التباهي بالثراء[14].
5-
اليهود :
كانوا عنصراً اجتماعياً لا يمكن
تجاهله في الجزائر ، وهم موجودين منذ أزمان بعيدة، وعرفت الجزائر زيادة في عددهم
بهجرات من مناطق أوربية مختلفة ، لكن أهم الهجرات كانت من الأندلس وجزر البليار الاسبانية
، وارتفع شانهم الاقتصادي من خلال بيع وشراء الغنائم البحرية وكذلك السمسرة
والوساطة التجارية التي كانوا يمارسونها ، وهم ذوو السمعة السيئة في المجتمع
الجزائري لكسبهم الفاحش غير المشروع وتسلطهم على أبناء البلد ، وكانت إعدادهم
تتزايد حتى نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر المربح. بسبب تقربهم من حكام الجزائر وعملهم[15].
كان من الأخطاء التي ارتكبها الأتراك
عدم محاولتهم ربط المجتمع في الجزائر بحكمهم، واستمرت علاقاتهم بالمجتمع الجزائري
تتسم بالسوء وبطابع نفعي بحت ، دون أية محاولة للتوحيد السياسي وهذا ما يفسر العدد
الكبير للكيانات المستقلة أو شبه المستقلة داخل الجزائر ، فضلاً عن ارتباط
المجموعات الجزائرية مع قادتها المحليين ، في إطار الطرق الدينية أكثر مما كانت
تتفاعل مع الأتراك ، وهذا ما يظهر بشكل واضح في تاريخ الثورات التي حدثت فيها ضد
أي حكم أو حاكم .
ولتسليط الضوء على الأوضاع الاجتماعية
في الجزائر يمكن تقسيمها إلى:
أ - النظام القضائي:
كان النظام القضائي في الجزائر خلال
الحكم العثماني متصلاً بالحاكم ، إذ يعد مصدر السلطة السياسية والقضائية ، ويمكن
تفويض السلطات إلى البايات والقضاة ، لكن إذا كانت الأحكام التي يصدرها القضاة لا
تحظى بالموافقة من قبل الحاكم فبإمكانه أن يسحب التفويض من القاضي أو الباي ، وبما
إن الحاكم العثماني كان من المعتنقين للمذهب الحنفي ، وسكان الجزائر يتبعون المذهب
المالكي فقد جرت العادة على تعيين المفتي
الحنفي من قبل السلطان العثماني ، ويقوم حاكم الجزائر بتعيين المفتي المالكي ،
لذلك كانت هناك محكمة لكل مذهب ومن لا يقبل
بحكم المفتي فبإمكانه مراجعة المجلس
الكبير الذي يضم علماء المذهبين والمنسوبين إليهما وهم يجتمعون كل يوم خميس في
الجامع الكبير لتدقيق كل الأحكام الصادرة قبيل تلاوتها ، وأعضاء المجلس يستمعون
إلى حكم الحاكم فإذا كان القرار غير مطابق للشريعة ينقض ولا يعمل به ، أما إذا كان
المتخاصم ون من غير المسلمين فان القضاة يخرجون إلى ساحة الجامع لكي يستمعوا
للخصومة ، ولم يكن القضاة يحصلون على المرتبات ، إنما كانوا يستحصلونها من الرسوم
والمبالغ المالية عن كل عقد يسجلونه ويضعون عليه ختماً [16]
، كما إن هناك محاكم خاصة بالأسرى ال نصارى ومحاكم خاصة باليهود وفي حالة حدوث
خصومة بين النصارى والمسلمين فان الحاكم هو الذي يفصل فيها توخياً لعدم حصول مشاكل
اجتماعية داخل المجتمع الجزائري[17].
أما بشأن الجرائم الجنائية مثل (
القتل والسرقة والخيانة والتآمر) فقد كانت من اختصاص الحاكم في دار السلطان أو
عاصمة داي الجزائر ويقوم رجال الأمن المتكونون من (11) شاوشاً بتنفيذ إحكام
الإعدام في المسلمين غير الأتراك ، وكذلك
العبيد والنصارى الموقفين في السجن ، أما إعدام اليهود فكان يتم حرقاً ، وإذا ما
ارتكبت جريمة قتل لأحد الأتراك فان عقوبة القاتل يكون برميه من المرتفعات إلى
البحر ، وإذا لم يتم التعرف على القاتل فان سكان الحي يتعرضون إلى العقوبة
الجماعية ، أما أذا ارتكب احد الأتراك جرماً فيعاقب ويعاقبون سراً في دار آغا
الانكشارية حتى لا تهان كرامتهم ، أما عن ارتكاب جريمة قطع الطرق أو السطو المسلح
، فقد كان الحكم على الفاعل بالصلب على كلاليب من حديد ، وفي حالة الزنا يصار إلى
رجم المرأة الزانية بالحجارة حتى الموت حسب الشريعة الإسلامية ، وإذا كانت الزانية
مسلمة والزاني نصراني أو يهودي فتوضع الزانية في كيس يخاط عليها ثم ترمى في البحر [18]
.
ب-الأوقاف ( الأحباس)
تعد الأوقاف من المظاهر الحضارية
الإسلامية ، فهي تعبر عن إدارة الخير في الإنسان المسلم ، وعن
إحساسه العميق بالتضامن مع المجتمع ، وقد تطورت إدارة الأوقاف في العهد العثماني ،
كنتيجة سياسية واقتصادية ، وتقوم فكرة الأوقاف على مبدأ شرعي وعلى أسس قضائية ملزمة
ترتكز عليها إدارة الأوقاف ، وتلك الأسس تكون ملزمة من الأهالي . ويلتزم باحترامها
الواقف والمستفيدون منه ، ولكن تلك الأسس لم تكن محل احترام دائم، فقد يسيء الوكيل
التصرف في الوقف ، وقد تتدخل الدولة فتحول فوائد الوقف إليها، لذلك كان إهمال
الأوقاف أو سوء إدارتها محل شكوى من المسلمين ، ولاسيما علماء الدين[19].
كانت الأوقاف الجزائرية تدار من قبل
موظفين يدعون بالوكلاء أو (النظار) تعينهم السلطات العمومية ممثلة في الباشا أو
السلطة القضائية ممثلة بالمفتي ، ويتم اختيارهم حسب سمعة الشخص الاجتماعية من جهة
تقواه أو نسبه ، وهذا التعيين ليس دائمياً ، إذ يمكن نقضه حينما يظهر ما يخل
بالوظيفة من سوء إدارة أو إهمال ، ويختلف الوكلاء في مسؤولياتهم حسب أهمية المؤسسة
الوقفية المسندة إليهم من حيث عدد العقارات المحبسة ، وكانت وظيفتهم تشمل إصلاح
وصيانة المرفق المحبس ودفع أجور العمال وجمع مداخيل المرافق من إيجار واستغلال.
والأوقاف نوعان عامة وخاصة ، فالعامة
: هي أوقاف بيت المال والطرقات والعيون والأندلسيين والإشراف ، أما الخاصة كأوقاف
الجامع الكبير والمساجد والزوايا والقباب ، وهناك أنواع خاصة بالأوقاف للمؤسسات الدينية
منها.
- مؤسسة أوقاف الحرمين الشريفين : وهي أوقاف
مدينتي مكة والمدينة وتعد من أهم المؤسسات من حيث عدد أوقافها ، والموارد التي
توفرها.
- مؤسسة أوقاف أهل الأندلس : وهي
تتجاوز (101) وقف تعود فائدتها إلى الأسر المنحدرة من أصل أندلسي ، وقد نشأت سنة
1572 من قبل أغنياء الجالية الأندلسية الذين كانوا يوقفون الأملاك لإخوانهم
اللاجئين الفارين من الأندلس.
- مؤسسة سبل الخيرات تضم جميع المساجد
الحنفية وعددها 14 مسجدا.
-مؤسسة أوقاف الأشراف : تحتوي على عدد
من المراكز الوقفية ، وتضم جماعة الأشراف بمدينة الجزائر نحو (300) أسرة ، تشرف
على سير تلك المؤسسات الخيرية، إذ أنها لا
تحظى إلا بتأييد الرجال الطيبين ،
والمشرعين في جميع البلدان وكان هدفها
أنساني أ يرمي إلى التخفيف من المشاكل التي يعانيها المجتمع الجزائري وتعمل على
إسعاد المجتمع ، وتهدف إلى التخفيف من الجنوح الاجتماعي ، كذلك كانت تلك المؤسسات
الخيرية مسؤولة عن دفن الفقراء المسلمين وتوزيع الصدقات بينهم ، إذ تقوم بتوزيع الإعانات بين أكثر من (200)
فقير كل يوم خميس [20]
.
يبدو إن أهمية مؤسسة الأوقاف في
الحياة الاجتماعية للجزائر العثمانية كانت خدمة للدين الإسلامي، والتعليم كما كانت
عنوانا للتضامن الاجتماعي والتقارب الأسري بين إفراد المجتمع وانتشال المعوزين
والفقراء من بؤسهم ، وهي حالة من التعايش المذهبي التي دعا إليها أئمة المذهبي الحنفي
والمالكي .
ج- الأوضاع الصحية .
كان عدم الاهتمام بالشؤون الصحية من
قبل العثمانيين سبب في عدم بناء المستشفيات لذلك، بقي الجزائريون يعتمدون على
الزوايا التي كانت تأوي العجزة والمرضى
وتداويهم حسب ما كتبه ابن سينا في العلاج بالإعشاب المعروفة بين الناس ، ولم تكن
هناك مهنة للأطباء ، إنما الذين يقومون بالعلاج هم غالباً يداوون مرضاهم مستخدمين
الجن والأرواح ، وليس بالعلم، وأما أعمال الجراحة فيقوم بها الحلاقون الذين يستعملون
الكي ، وكان في مدينة الجزائر مستشفى اسباني خاص بالنصارى ، ولم يكن للسلطة
العثمانية إي تدخل بمهنة الطب ما عدا تعيين (جراح باشي) من قوات الانكشارية الذي
يصحب الجيش في الحملات العسكرية للعناية بالجرحى.[21]
وجراء الإهمال المتعمد لمهنة الطب ،
أصاب وباء الطاعون مدينة الجزائر مرات عدة وفي سنوات مختلفة ، ولقي عدد كبير من
السكان حتفهم في المدن والأرياف ، وهلكت الماشية والرعاة بعد ان لاقوا المصير نفسه
، وكان المرض ينتقل من السفن التي ترسو في موانئ المدن التي تجلب معها المرض أو من
ملامسة الحيوانات ، وتطور المرض ليتحول إلى حمى عفنة تظهر بعد ذلك الدبيلات
(الدملة) ، وتوفي عدد كبير من السكان بعد شرائهم الأمتعة والملابس القديمة التي
ينتشر فيها المرض ، أما السلطة الحاكمة فقد كانت تستفيد من خبرة الأطباء الأجانب
الذين يؤخذون أسرى ، واستمر ذلك الإهمال حتى سقوط الجزائر بيد فرنسا سنة 1830.[22]
4- الأوضاع الثقافية :
أ - دور العلم:
شكل اختلاط العناصر الاجتماعية في المجتمع
الجزائري بداية تمازج بين الموروث الثقافي مع الثقافات الوافدة من خارج البلاد ،
نتج عن ذلك ظهور عدد من المدارس الدينية والفقهية ، التي انتشرت في إنحاء الجزائر
لتكون مراكز للثقافة العربية وقاعدتها المسجد والزوايا ، إذ عمل فيها عدد من علماء الفكر والعلم من المسلمين
المشتغلين بعلوم الفلسفة والفقه والأدب وباقي العلوم الأخرى ، وكان لبناء الزوايا
دور ثقافي واضح في النشاط الديني والعلمي ، إذ شاركت في تخريج عدد من الطلبة ،
فضلاً. عن دور المساجد التي كانت تدرس العلوم المختلفة ، وكان المسجد ومدرسة
للتعليم ودار للقضاء وماؤى للطلبة وعابري السبيل[23].
أما الكتاب فهو عبارة عن حجرة أو
حجرتين مجاورة للمسجد أو حتى بعيدة عنه أو غرفة في منزل ، وقد خصصت لتعليم القرآن
والقراءة والكتابة ، والكتاتيب التي تعلم القرآن لا تخلط مع تحفيظه شيئا من العلوم
الأخرى ، وبلغ عددها في الجزائر نحو (10) الآف كتاب يضم الواحد منها ما بين 30-20 تلميذاً
، وهي منتشرة انتشاراً واسعاً في الجزائر ، إذ لا يخلو منها حي من الأحياء في
المدن ولا في القرى والأرياف .
إن الولاة العثمانيين كان لهم تكوين
ثقافي بسيط مع وجود العاطفة الدينية التي تتأجج في نفوسهم ، لذلك يلاحظ على العهد
العثماني الجزائر قلة الإنتاج الثقافي ، لعدم اهتمامهم بذلك الجانب الحيوي
والثقافي، إلا في عدد من المدن الجزائرية التي حافظت على التراث الفكري الذي ورثته
ونبغ فيه علماء وشعراء واتسع أفق أبنا بها في مجالات أدبية ولغوية وعقلية مختلفة .[24]
حمل المجتمع الجزائري على عاتقه نشر
التعليم متاثراً بعوامل خارجية في مقدمتها هجرة الأندلسيين الذين
طوروا ميدان التعليم من قواعد اللغة والأدب والعلوم والموسيقى ، وذلك من خلال ا
حتكاكهم بالأوربيين في عصر النهضة بعد فتح الجامعات في أوربا ، وبقيت اللغة
العربية لغة الأكثرية من الجزائريين ، مع اتخاذ الدولة اللغة التركية كلغة رسمية ،
رافق ذلك المناخ استعمال اللغة الخليط لغة الفرانكا عند التبادل التجاري مع الدول
الأوربية التي تتعامل مع الموانئ الجزائرية ، لذلك ازدهرت الثقافة واشتهر عدد من
العلماء في القرنين الثامن والتاسع عشر .
ونستدل من ذلك على إن العثمانيين في
الجزائر لم يهتموا بالجانب الثقافي بقدر اهتمامهم بجوانب الحياة الأخرى ، وان مشعل
العلم قد تكفل به الجزائريون رغبة منهم في الازدهار الثقافي وللمحافظة على ما
توارثوه من علوم ومعارف عبر الأجيال كجزء من التراث العربي الإسلامي . كانت دور
العلم والمدارس تمول من واردات الأملاك الموقوفة التي أوقفها أصحابها اتراكاً
وعرباً في إعمال الخير والإصلاح والإنفاق على شؤون تلك المدارس ، وت نسيب العلماء
للتدريس فيها ومنحهم مستحقاتهم المالية ، وكان تلامذة العلم يلازمون شيوخهم لشهور
أو لسنوات عدة على
وفق
انقياد تام لتلقي علوم الدين والفقه ، ويجرى احتفال كبير بعد كل عملية ختم للقرآن
الكريم حين يكمل التلميذ الدراسة ويمنح الإجازة التي تؤهله حق التدريس [25]
.
حرص عدد من التلاميذ الجزائريون من
ميسوري الحال على التزود بالعلم من مصادر خارجية ، فهاجروا إلى مراكش وتونس ومصر
والحجاز ، والتقوا بعلمائها وتحصلوا العلوم على أيديهم ، وكانوا ينالون حظوة كبيرة
حين عودتهم إلى بلدهم ، إذ يقومون بمهمة التدريس ونشر ما حصلوا عليه من معارف
جديدة ، وغالباً ما يجمع إلى وظيفة المدرس وظائف أخرى كالقضاء أو الإفتاء[26].
ب – المكتبات:
وجد عدد كبير من المكتبات في الجزائر
قبل مجئ العثمانيين إليها و قد حافظ عليها أبنائها في إثناء العهد العثماني ايضاً
، وكانت الكتب في الجزائر تكتب محليا عن طريق التأليف أو النسخ أو تجلب من الخارج
، ولاسيما من بلاد الأندلس ومصر واستانبول والحجاز ، كما جلب الجزائريون المخطوطات
من الدولة العثمانية وبلاد المغرب ، فضلا عن أن معظم الكتب قد وردت إلى الجزائر عن
طريق عدد من العمال العثمانيين في الجزائر ، إذ كان القضاة والدراويش والعلماء قد
اصطحبوا معهم مكتباتهم وأوراقهم ووثائقهم، ومن أهم ما جاءوا به كتب الفقه الحنفي
ونسخ من صحيح البخاري ، وكتب الأدعية والأذكار التي تصدر عن الطرق الصوفية ، وكان النسخ بالخط
الأندلسي ، الذي سبق الخطوط الأخرى في المغرب العربي ، فضلاً عن الخط العثماني
الذي جيء به إلى الجزائر، وان اهتمام العمال، كان بسبب التلاقح العلمي، ولم تكن
للسلطة الحاكمة يد فيه ، بل هو عمل إسلامي فردي .[27]
مع سيادة العلوم الدينية في العهد
العثماني كان محتوى المكتبات ، كتب التفاسير والأحاديث الدينية والفقه والأصول
والتوحيد والعلوم اللغوية والعقلية ، إذ اشتهرت مدارس العلم (بزواوة) بالأدب
والنحو والصرف واللغة والبلاغة والعروض ، أما التاريخ والجغرافيا والفلسفة ، وكتب
الحساب والطب والفلك فكانت قليلة[28].
كثرت المخطوطات في العهد العثماني ،
وقد وضعت في مكتباتها التي كانت منقسمة إلى مكتبات عامة وخاصة ، وهي تضرم مختلف
المخطوطات في شتى الفنون ، ويلجأ إليها الطلبة والأساتذة من جميع النواحي للمطالعة
فيها ، فللمكتبات العامة كانت وقفا على المساجد والزوايا والمدارس ، بينما كانت
المكتبات الخاصة تنتشر في البلاد بين العائلات ال مشهورة بالعلم والأعيان الذين
لديهم اهتمام بالكتب ونسخها[29].
كانت المكتبات موزعة بين إنحاء
الجزائر ، من حيث الثقافة والاعتناء بتدريس العلوم ، وحسب أهمية المدن كالجزائر
العاصمة وقسنطينة وتلمسان ، فكان أهل قسنطينة مولعين باقتناء الكتب والبحث عن
المخطوطات كان مصير المخطوطات غير أمن ، إذ ضاع عدد منها نتيجة الإهمال ، بسبب
وجود العلماء والأدباء المتعلمين والمثقفين فيها.
والنهب والتهريب والحروب التي وقعت
بين الجزائريين والعثمانيين أو الحروب التي حصلت مع الأوربيين ، وقد سُمح للعلماء
بأخذ الكتب إلى بيوتهم وبيع بعضها خارج الجزائر وما يقال عن المكتبات الأخرى يقال
عن المكتبات الريفية ، إذ كانت لها أهمية كبيرة ، كمكتبة ميزاب في بني يزقن ، التي
حافظ عليها أصحابها كمركز مهم لحركة الكتاب في الجزائر الغربية والجنوبية، وكما هو
الحال في المكتبات الموجودة في مدن زواوة وورقلة وبجاية والخنقة ، وهذا كله يدل
على وفرة الكتب في الجزائر حتى في المناطق النائية ، كما أن المواطن الجزائري حافظ
على تلك المكتبات لما تشكله من وسيلة لنشر التعليم ، وشحن أذهان العلماء والمدرسين[30].
يبدو إن عدم اهتمام الحكام العثمانيين
بالأوضاع الثقافية في الجزائر لم يمنع الجزائريين من استكمال ما بدأوه من العلوم
الإسلامية والإنسانية، والاهتمام بالمكتبات وثرائها بالكتب والمخطوطات والحفاظ
عليها من التلف
بحملها إلى أماكن آمنه ، وبالتعاون مع
العاملين في الجزائر لرفد المدارس والزوايا والجوامع بتلك الكتب المختلفة، والقيام
بنسخها يدوياً للنهوض بالواقع السيئ الذي فرض عليهم.
الخاتمة:
كانت الظروف القائمة في الجزائر تنذر
بالسوء جراء الاعتداءات المتكررة من قبل الدول الأوربية الطامعة في مقدراتها مع
فورة الاستعمار والاستحواذ على المناطق العربية بعد انهيار الحكم الإسلامي في
الأندلس. لذلك عمل القادة الأتراك على تامين وصول المسلمين إلى المغرب العربي ،
ومن ثم الدفاع عنها ضد هجمات الأسبان المتكررة ، وبالتحالف مع الدولة العثمانية
للوصول إلى مبتغاها وتامين ثغورها من تلك الهجمات والملاحظ على تلك السنوات التي
عاشتها الجزائر تحت الحكم الاسمي للدولة العثمانية ، أنها قد أرست قواعد الدولة
وجعلتها في مصاف الدول الكبرى من خلال سيطرتها على البحر المتوسط وقيام رياس البحر
في فرض الضريبة البحرية على كل السفن المارة خلاله ، وتنظيم القوانين الشرعية
والأحكام اللازمة لذلك في المجالات كافة ، استمرت على مدى قرون بسطت خلالها الأمن والاستقرار مع عدم التدخل في بلاد
القبائل أو في المشاكل القبلية التي لا تجد لها حلاً ، وكذلك سيطرة الحكام على
أمور الدولة الفتية ، وترسيخ أسسها من خلال تنظيم الموازنة العامة بين المداخيل من
الإيرادات وبين المصروفات العامة ، وتوسيع خزينة الدولة إلى حد قامت بمساعدة الدول
المتضررة مثل فرنسا بعد ثورتها سنة 1789 ، إلا ان الملاحظ على أعمال الحكام
وتصرفاتهم أنها كانت سلطوية نفعية باتجاه السيطرة على الجزائر وأبنائها ، لذلك
سقطت في أول هجوم بري عبر مداخلها الغربية .
[1] ضمير عودة عبد علي
زويد، الجزائر في الصراع الاسباني العثماني، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة
البصرة، 2006، ص 129.
[2] شوقي عطا الله
الجمل، المغرب العربي الكبير في العصر الحديث، المكتبة الانجلو المصرية، القاهرة،
1977، ص 132
[3] هم فرقة أنشاىا
خير الدين في بداية حكمو من العثمانيين المسممين والنصارى الذين اعتنقوا الإسلام ، وكانت العضوية والانخراط فييا
تمكن صاحبيا من الحصول عمى امتيازات عدد منيا الإعفاء من = الضرائب والعقوبات ، وىم يتصفون
بالشجاعة والإقدام ، وكانوا يرقون بالرتب والمرتبات ، أما الجزائريين أو الكراغمة
المولودين من آب تركي وأم جزائرية فلم يحصلوا على الرتب العسكرية ، بل مسموح لم الانتماء.
[4] احمد اسماعيل
راشد، تاريخ أقطار المغرب العربي السياسي الحديث، بيروت، 2004، ص 132.
[5] عمار بوحوش،
التاريخ السياسي الجزائري، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1997، ص 57.
[6] محمود احسان
الهندي، الحوليات الجزائرية و تاريخ المؤسسات الجزائرية، دار العربي للنشر و
التوزيع، دمشق، 1977، ص 51.
[7] ناصر الدين
سعيدوني، موظفوا الدولة الجزائرية في القرن 19، منشورات وزارة الثقافة و السياحة،
1987، ص 30.
[8] اسماعيل العربي،
المقاومة الجزائرية، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، ط2، 1980، ص 24.
[9] مبارك محمد
الهلالي الميلي، المرجع السابق، ص 128.
[10] عزيز سامح التر،
المرجع السابق، ص 140.
[11] محمود احسان
الهندي، المرجع السابق، ص 69.
[12] اسماعيل العربي،
المرجع السابق، ص 25.
[13] قبايلي الهواري،
العملة الجزائرية في العهد العثماني، مجلة المختبر، العدد 12، ص 38.
[14] عائشة غطاس، الحرف
و الحرفيون بمدينة الجزائر، مقاربة اجتماعية اقتصادية، 2007، ص 36.
[15] كمال صحراوي،
الدور الدبلوماسي ليهود الجزائر في عهد الدايات، مجلة العلوم الاجتماعية و
الانسانية، الجزائر، ص 26-29.
[16] عزيز سامح التر،
المرجع السابق، ص 140.
[17] فارس كعوان،
المرجع السابق، ص 81.
[18] المرجع نفسه، ص
82.
[19] مبارك بن محمد
الهلالي الميلي، المرجع السابق، ص 318.
[20] خديجة بقطاش،
الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر، 1977، ص 24.
[21] ابو القاسم سعد
الله، محاضرات في تاريخ الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، ط3، ص 168.
[22] حمادي الساحلي،
المغرب العربي قبل احتلال الجزائر ، مطبعة سراس، تونس، 1994، ص 128.
[23] ضمير عودة عبد علي
زويد، المرجع السابق، ص 164.
[24] يحي بوعزيز،
المرجع السابق، ص 157.
[25] ابو القاسم سعد
الله، مرجع سابق، ص 165.
[26] ضمير عودة عبد علي
زويد، المرجع السابق، ص163.
[27] نوال سقاي،
الاوضاع الاجتماعية و الثقافية في الجزائر آواخر العهد العثماني، رسالة ماجستير،
جامعة بوزريعة، 2008، ص 44.
[28] ابو القاسم سعد
اللهن مرجع سابق، ص 166.
[29] نوال سقاي، المصدر
السابق، ص 45.
[30] ابو القاسم سعد
اللهن مرجع سابق، ص 166.
