القضاء هو حصن الحريات وملاذ المتقاضيين
في اقتضاء حقوقهم، يفترض فيه أن يمد اختصاصه ليكفل تنفيذ الأحكام التي
يصدرها، وإن كان هذا بغض النظر عن القضاء بصفة عامة، فإن القضاء الإداري في أشد
الحاجة إلى لمثل ذلك لمواجهة امتيازات الإدارة لتحقيق دولة القانون.
وإذا
كانت دولة القانون تقوم على أساس اعلاء مبدأ الخضوع الدولة للقانون سيادة لمبدأ
المشروعية، فإن هذا القول يفقد أي قيمة له مالم تحترم الدولة الأحكام والقرارات
القضائية وتعمل على تنفيذها، فما جدوى أن تنص الدساتير والقوانين على استقلال
القضاء وكفالة حق التقاضي وأن يمارس القضاء اختصاصه وأن يبسط الرقابة القضائية اذا
كانت احكامه لا تنفذ.
و
يفرض مبدأ قوة الشيء المقضي فيه ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية من طرف
الجميع، سواء كانت صادرة من طرف القضاء العادي أو من القضاء الإداري.
ولتفعيل
هذا الهدف نصت كل الدساتير الجزائرية المتعاقبة على ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات
القضائية بموجب مواد دستورية تتميز بالصياغة ذاتها " على كل أجهزة الدولة
المختصة أن تقوم، في كل وقت، وفي كل مكان، في جميع الظروف بتنفيذ أحكام
القضاء"[1].
ومن
خلال هذه الصياغة نلاحظ أن المؤسس الدستوري ألزم كل مؤسسات الدولة دون استثناء ،
والأشخاص الذين يعيشون على إقليمها بالسهر على القيام بكل التدابير القانونية التي
تقضي باحترام الأحكام القضائية بصفة كاملة وشاملة.
وعلى
الرغم من أهمية آلية تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية في تكريس مبدأ الشرعية
وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، إلا أن التجربة الفعلية أثبتت أن أعوان السلطات
الإدارية تناسوا التزامهم بتطبيق الأحكام القضائية ، وعدم الاستجابة لقوة الشيء
المقضي فيه بحجة تمتع الإدارة بامتيازات السلطة العامة فضلا على أنها المسؤولة
داخل الدولة على عملية تنفيذ الأحكام القضائية خاصة منها الإدارية مما ترتب على
ذلك معوقات في تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية
والإشكالية التي يمكن طرحها في هذا المقام ما هي الصعوبات التي تعترض تنفيذ
الأحكام القضائية الإدارية في مواجهة الإدارة ؟ إن تحديد إشكالات تنفيذ الأحكام
القضائية الإدارية يقتضي تقسيم الدراسة إلى مبحثين المبحث الأول يعالج مفهوم
الأحكام القضائية الإدارية من خلال دراسة تعريفها وتمييزها عن ما يشابهها بالإضافة
إلى معرفة أنواعها ، والمبحث الثاني يشرح أهم الإشكالات التي تواجه تنفيذ الأحكام
القضائية الإدارية.
و باعتبار تنفيذ القرارات القضائية
الادارية هاجسا للمتقاضي، الذي لا يجد بديلا سوى الانتظار حتى ترضخ تلك الادارة و
تنفذ ما عليها من قرارات قضائية ، مما دفع المشرع من وضع وسائل عديدة للحد من هيمنة الادارة و تعنتها ، و عليه و من
خلال ما سبق فان الاشكالية الرئيسية هي: فيما تتمثل الوسائل التي ضبطها التشريع
الجزائري لاجبار الادارة على تنفيذ
القرارات القضائية الادارية؟.
و لمعالجة هذا الموضوع قمنا في
دراستنا هذه باتباع المنهج الوصفي، وقد استعملنا هذا المنهج لوصف ما يقتضيه
الموضوع عند إبراز عناصره ككل، و ذلك بدراسة المواد و القوانين و كذا ابراز ما
توصل إليه الاجتهاد القضائي في هذا المجال و دراسة الجوانب الفقهية بما جادت به
قرائح الفقهاء.
ولهذا الموضوع من أهمية كبرى، حيث أنه
موضوع تنفيذ القرارات الادارية يعتبر من المسائل الجوهرية التي تبرز مدى تحكم
المشرع لهذه المسألة و كيفية معالجتها، كما تتجلى أهمية هذه الدراسة في تعامل
المشرع الجزائري مع هذا الموضوع و البحث عن طرق لحماية مصالح الأفراد، خاصة مع
امكانية تعسف الادارة، و تسليط الضوء على القضاء خاصة كون المتخاصمين أمامه من مراكز
مختلفة و غير متكافئة، بالإضافة إلى أهمية هذا الموضوع في التعرف على عملية
تنفيذ القرارات القضائية في مواجهة الادارة، و البحث عن الوسائل التي تؤدي إلى
ضمان تنفيذها، فهذه المسألة تشغل بال الكثير من الفقهاء منذ زمن بعيد، لا سيما في
ظل تطور القيم و المبادئ الديمقراطية في دولة القانون.
و يعود سبب اختيارنا لهذا الموضوع إلى
أسباب ذاتية و أخرى موضوعية، فمن الأسباب الذاتية الفضول لمعرفة الضوابط التي استحدثها المشرع
الجزائري في مجال تنفيذ القرارات القضائية
الادارية و مدى فعاليتها لا سيما بعد صدور قانون الاجراءات المدنية و الادارية
الجديد و مقارنته بالقانون الملغى، و الكشف عن المستجدات التي تضمنها في تنفيذ
الأحكام و القرارات القضائية في المنازعات الادارية، بالإضافة إلى محاولتنا لا ضافة
لبنة جديدة في مجال البحث العلمي، و اثراء المكتبة الجامعية و استكمالا للمسار
الذي سبق للباحثين التطرق له.
و قد تنوعت
الدراسات و الأبحاث في مجال تنفيذ القرارات القضائية الإدارية في الجزائر حيث نذكر
منها :
v
كتاب
الباحث عبد القادر عدو، بعنوان ضمانات تنفيذ الأحكام الإدارية ضد الإدارة العامة
الصادر عن دار هومة سنة 2010، حيث يطرح موضوع التزام الإدارة بتنفيذ الأحكام
الإدارية الصادرة ضدها في مسألتين:
الأولى
تتعلق بمقومات هذا الالتزام أو شرائطه والثانية مضمون هذا الالتزام، أي كيفية
تنفيذ الأحكام الادارية سواء كانت أحكام الغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، أو
أحكام الإدانة المالية.
و
من النتائج التي توصل إليها وبالنظر إلى
ما تضمنه قانون الاجراءات المدنية والإدارية من مبادئ جديدة أهمها سلطة الامر
وسلطة استخدام التهديد المالي، فإنه يعد ثورة في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية.
v
المؤلفة
الباحثة آمال يعيش، تمام سلطات القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة، رسالة
دكتوراه، جامعة خيضر ، بسكرة 2012.
اشكالية
دراستها هي ما مدى امكانية توفيق القاضي الإداري بين مقتضيات تطبيق مبدأ
المشروعية، والذي يستلزم توجيه الأوامر للإدارة لإخضاعها لحكم القانون، والزامها
بتنفيذ أحكام وقرارات القضاء من جهة، وبين متطلبات الفصل بين السلطات التي يحضر
على القاضي الإداري التدخل في اختصاصات الإدارة أو الحلول محلها من جهة أخرى.
و
من النتائج المتوصل اليها في هذا البحث تأثر القضاء الإداري بمبدأ حظر توجيه
الأوامر من القاضي الإداري للإدارة وهذا ما انعكس على القضايا التي يفصل فيها، رغم
أنه غير معني بالخلفية التاريخية التي عرفها القضاء الإداري الفرنسي في نشأته، ولم
يخضع لنفس الظروف التي خضع لها هذا القضاء والتي دفعت إلى إيجاد هذا الحظر.
[1] المادة 178 من المرسوم الرئاسي رقم 20-442 المؤرخ في 15 جمادى
الأول 1442 هـ الموافق لـ 30 ديسمبر 2020، المتعلق باصدار التعديل الدستوري
المصادق عليه في استفتاء الفاتح من نوفمبر 2020، الجريدة الرسمية الجزائرية، العدد
82.