JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

ضوابط تنفيذ القرارات القضائية في مواجهة الإدارة

خط المقالة

 

مقدمة:

         القضاء هو حصن الحريات وملاذ المتقاضيين في اقتضاء حقوقهم، يفترض فيه أن يمد اختصاصه ليكفل تنفيذ الأحكام التي يصدرها، وإن كان هذا بغض النظر عن القضاء بصفة عامة، فإن القضاء الإداري في أشد الحاجة إلى لمثل ذلك لمواجهة امتيازات الإدارة لتحقيق دولة القانون.

وإذا كانت دولة القانون تقوم على أساس اعلاء مبدأ الخضوع الدولة للقانون سيادة لمبدأ المشروعية، فإن هذا القول يفقد أي قيمة له مالم تحترم الدولة الأحكام والقرارات القضائية وتعمل على تنفيذها، فما جدوى أن تنص الدساتير والقوانين على استقلال القضاء وكفالة حق التقاضي وأن يمارس القضاء اختصاصه وأن يبسط الرقابة القضائية اذا كانت احكامه لا تنفذ.

و يفرض مبدأ قوة الشيء المقضي فيه ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية من طرف الجميع، سواء كانت صادرة من طرف القضاء العادي أو من القضاء الإداري.

ولتفعيل هذا الهدف نصت كل الدساتير الجزائرية المتعاقبة على ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية بموجب مواد دستورية تتميز بالصياغة ذاتها " على كل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم، في كل وقت، وفي كل مكان، في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء"[1].


ومن خلال هذه الصياغة نلاحظ أن المؤسس الدستوري ألزم كل مؤسسات الدولة دون استثناء ، والأشخاص الذين يعيشون على إقليمها بالسهر على القيام بكل التدابير القانونية التي تقضي باحترام الأحكام القضائية بصفة كاملة وشاملة.

ولتجسيد الديمقراطية و إرساء دولة القانون بكل أبعادها نص المؤسس الدستوري بموجب التعديل الدستوري للسنة 2020 فضلا على الصياغة السابقة فقرة جديدة بموجب المادة 178 على معاقبة كل من يعرقل تنفيذ حكم قضائي، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على حرص المؤسس الدستوري على إلزامية تنفيذ أحكام القضاء من طرف الجميع، باعتبار أن القضاء سلطة ثالثة في الدولة تتمتع بالاستقلالية بموجب نصوص دستورية ورئيس الجمهورية ضامن لاستقلالها.

وعلى الرغم من أهمية آلية تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية في تكريس مبدأ الشرعية وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، إلا أن التجربة الفعلية أثبتت أن أعوان السلطات الإدارية تناسوا التزامهم بتطبيق الأحكام القضائية ، وعدم الاستجابة لقوة الشيء المقضي فيه بحجة تمتع الإدارة بامتيازات السلطة العامة فضلا على أنها المسؤولة داخل الدولة على عملية تنفيذ الأحكام القضائية خاصة منها الإدارية مما ترتب على ذلك معوقات في تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية  والإشكالية التي يمكن طرحها في هذا المقام ما هي الصعوبات التي تعترض تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية في مواجهة الإدارة ؟ إن تحديد إشكالات تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية يقتضي تقسيم الدراسة إلى مبحثين المبحث الأول يعالج مفهوم الأحكام القضائية الإدارية من خلال دراسة تعريفها وتمييزها عن ما يشابهها بالإضافة إلى معرفة أنواعها ، والمبحث الثاني يشرح أهم الإشكالات التي تواجه تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية.

و باعتبار تنفيذ القرارات القضائية الادارية هاجسا للمتقاضي، الذي لا يجد بديلا سوى الانتظار حتى ترضخ تلك الادارة و تنفذ ما عليها من قرارات قضائية ، مما دفع المشرع من وضع وسائل عديدة  للحد من هيمنة الادارة و تعنتها ، و عليه و من خلال ما سبق فان الاشكالية الرئيسية هي: فيما تتمثل الوسائل التي ضبطها التشريع الجزائري  لاجبار الادارة على تنفيذ القرارات القضائية الادارية؟.

وللإجابة على الاشكالية المطروحة و التساؤلات الفرعية ارتأينا تقسيم دراستنا إلى فصلين، الأول آليات تنفيذ القرارات والأحكام القضائية من قبل الإدارة الذي احتوى على مبحثين هما: ماهية تنفيذ للقرار أو الحكم القضائي  و المبحث الثاني صعوبات تنفيذ الإدارة للقرارات والأحكام القضائية، أما الفصل الثاني الذي كان بعنوان: الوسائل القانونية لإجبار الإدارة على تنفيذ القرارات والأحكام القضائية  فقسمناه إلى مبحثين كذلك الأول مسؤولية الإدارة عن امتناعها عن تنفيذ القرارات  القضائية و الثاني  أساليب إجبار الإدارة على تنفيذ القرار القضائي،  و سنختم دراستنا هذه بخاتمة بها أهم النتائج التي توصلنا إليها  بالإضافة إلى بعض التوصيات.

و لمعالجة هذا الموضوع قمنا في دراستنا هذه باتباع المنهج الوصفي، وقد استعملنا هذا المنهج لوصف ما يقتضيه الموضوع عند إبراز عناصره ككل، و ذلك بدراسة المواد و القوانين و كذا ابراز ما توصل إليه الاجتهاد القضائي في هذا المجال و دراسة الجوانب الفقهية بما جادت به قرائح الفقهاء.

ولهذا الموضوع من أهمية كبرى، حيث أنه موضوع تنفيذ القرارات الادارية يعتبر من المسائل الجوهرية التي تبرز مدى تحكم المشرع لهذه المسألة و كيفية معالجتها، كما تتجلى أهمية هذه الدراسة في تعامل المشرع الجزائري مع هذا الموضوع و البحث عن طرق لحماية مصالح الأفراد، خاصة مع امكانية تعسف الادارة، و تسليط الضوء على القضاء خاصة كون المتخاصمين أمامه من مراكز مختلفة و غير متكافئة، بالإضافة إلى أهمية هذا الموضوع في التعرف على عملية تنفيذ القرارات القضائية في مواجهة الادارة، و البحث عن الوسائل التي تؤدي إلى ضمان تنفيذها، فهذه المسألة تشغل بال الكثير من الفقهاء منذ زمن بعيد، لا سيما في ظل تطور القيم و المبادئ الديمقراطية في دولة القانون.

و يعود سبب اختيارنا لهذا الموضوع إلى أسباب ذاتية و أخرى موضوعية، فمن الأسباب الذاتية  الفضول لمعرفة الضوابط التي استحدثها المشرع الجزائري في مجال تنفيذ  القرارات القضائية الادارية و مدى فعاليتها لا سيما بعد صدور قانون الاجراءات المدنية و الادارية الجديد و مقارنته بالقانون الملغى، و الكشف عن المستجدات التي تضمنها في تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية في المنازعات الادارية، بالإضافة إلى محاولتنا لا ضافة لبنة جديدة في مجال البحث العلمي، و اثراء المكتبة الجامعية و استكمالا للمسار الذي سبق للباحثين التطرق له.

أما الأسباب الموضوعية التي دعتنا لاختيار هذا الموضوع فهي تسليط الضوء على أحد أبرز مواضيع القانون الاداري، لمعرفة مختلف جوانبه، مع محاولة الاحاطة بالضمانات التي تبناها المشرع الجزائري من أجل ضمان حماية حقوق الأفراد من تعسف الادارة، و اظهار المساس الخطير بحقوق المواطن بتعنت الادارة في عدم تنفيذ القرارات القضائية الادارية الصادرة ضدها  و منه البحث و التعرف على الوسائل التي تجبرها على تنفيذ هذه القرارات.

 و قد تنوعت الدراسات و الأبحاث في مجال تنفيذ القرارات القضائية الإدارية في الجزائر حيث نذكر منها :

v   كتاب الباحث عبد القادر عدو، بعنوان ضمانات تنفيذ الأحكام الإدارية ضد الإدارة العامة الصادر عن دار هومة سنة 2010، حيث يطرح موضوع التزام الإدارة بتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها في مسألتين:

الأولى تتعلق بمقومات هذا الالتزام أو شرائطه والثانية مضمون هذا الالتزام، أي كيفية تنفيذ الأحكام الادارية سواء كانت أحكام الغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، أو أحكام الإدانة المالية.

و من النتائج  التي توصل إليها وبالنظر إلى ما تضمنه قانون الاجراءات المدنية والإدارية من مبادئ جديدة أهمها سلطة الامر وسلطة استخدام التهديد المالي، فإنه يعد ثورة في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية.

ويمكن القول أن القضاء أصبح بهذه المبادئ الجديدة قضاء تنفيذيا تمتزج فيه منازعات الالغاء بمنازعات التنفيذ، وبالنتيجة سيتم التقليل من ظاهرة تسلسل الطعون القضائية، وهذا ما يصب في مصلحة المحكوم له، وفي مصلحة القضاء.

v   المؤلفة الباحثة آمال يعيش، تمام سلطات القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة، رسالة دكتوراه، جامعة خيضر ، بسكرة 2012.

اشكالية دراستها هي ما مدى امكانية توفيق القاضي الإداري بين مقتضيات تطبيق مبدأ المشروعية، والذي يستلزم توجيه الأوامر للإدارة لإخضاعها لحكم القانون، والزامها بتنفيذ أحكام وقرارات القضاء من جهة، وبين متطلبات الفصل بين السلطات التي يحضر على القاضي الإداري التدخل في اختصاصات الإدارة أو الحلول محلها من جهة أخرى.

و من النتائج المتوصل اليها في هذا البحث تأثر القضاء الإداري بمبدأ حظر توجيه الأوامر من القاضي الإداري للإدارة وهذا ما انعكس على القضايا التي يفصل فيها، رغم أنه غير معني بالخلفية التاريخية التي عرفها القضاء الإداري الفرنسي في نشأته، ولم يخضع لنفس الظروف التي خضع لها هذا القضاء والتي دفعت إلى إيجاد هذا الحظر.

و قد واجهتنا في دراسة موضوعنا عدة تحديات في سبيل تحقيق أهدافها، وشملت هذه الصعوبات: قلة القرارات القضائية الصادرة عن القضاء الاداري و بالأخص القرارات القضائية الغير منشورة التي تعالج موضوع دراستنا لا سيما بعد صدور قانون الاجراءات المدنية و الادارية الجديد و محدودية توفر المراجع، و خاصة في مكتبة العلوم القانونية و الادارية بالجامعة كما أن صعوبة التنقل من وإلى الجامعة من العقبات الكبيرة في إجراء البحث لهذه الدراسة، دون أن ننسى ضيق الوقت، حيث أن هذا الموضوع من الصعب استيفاءه في مدة ستة أشهر و صعوبة الإلمام الكافي بالموضوع لتشعب الرؤى حوله وكونه مسألة مهمة جدا.




[1] المادة 178 من المرسوم الرئاسي رقم 20-442 المؤرخ في 15 جمادى الأول 1442 هـ الموافق لـ 30 ديسمبر 2020، المتعلق باصدار التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء الفاتح من نوفمبر 2020، الجريدة الرسمية الجزائرية، العدد 82.

الاسمبريد إلكترونيرسالة