مقدمة:
تعد
الفترة العثمانية من تاريخ الجزائر فترة مليئة بالأحداث لما شهدته من تطورات خاصة
على الصعيدين السياسي والعسكري ، حيث أن جل
الكتابات كانت لدراسات التاريخ السياسي والعسكري للعثمانيين
في الجزائر ،أما الجانب الثقافي خلال هذه الفترة لم تكن هناك دراسات كافية رغم الثراء
الثقافي الذي عرفته الجزائر آنذاك ، فعندما نقول حياة ثقافية في أيالة الجزائر
فإننا بالضرورة نقصد المؤسسات الدينية و
التعليمية المتمثلة في المساجد و الزوايا و المدارس و الكتاتيب
بالإضافة إلى العلوم خاصة النقلية منها- العلوم الشرعية – إلى جانب بعض العلوم العقلية
كالحساب و الفلك و الطب وان قل الإهتمام و الحديث عنها مقارنة بالعلوم الشرعية التي
حظيت باهتمام العلماء خاصة الفقه و الأدب و الشعر و التصوف ، إلى جانب مؤسسة الأوقاف
التي كان المورد الأساسي للإنفاق على هذه المؤسسات الثقافية خاصة وأن التعليم
في الجزائر كان ذاتيا
لم يلق رعاية أو اهتماما من السلطة الحاكمة العثمانية التي لم تتدخل فيه
وفي الوقت نفسه لم تقف ضده
.
كما لعبت مؤسسة
الأوقاف دورا كبيرا على الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي حيث تعددت وتنوعت
مؤسساتها العامة و الخاصة ، كما برز الدور الكبير للمساجد و الزوايا خاصة في المجال
التعليمي والتي كانت قاعدة هامة لتخرج العديد من الطلاب والذين بدورهم تحولوا إلى علماء
وفقهاء طبعوا بصمتهم في تاريخ الجزائر الثقافي.
ولهذا
فان الاشكالية المطروحة هي: ماهي أهم العلوم التي سادت في الجزائر في العهد
العثماني؟
المبحث
الأول: العلماء و المدن العلمية في الجزائر في العهد العثماني
المطلب
الأول: العلماء في العهد العثماني
إن
ظهور العلماء كفئة متميزة ليس وليد العهد العثماني لا في الجزائر ولا في غيرها من
العالم الاسلامي فقد بدأ ذلك منذ أن استولى على
شؤون المسلمين حكام جهلة ليس لهم صلة بالحضارة
الاسلامية و اللغة العربية ولا بأمور الدين ، إذن فجهل الحكام مهد لظهور العلماء كفئة
متميزة ليسد الفراغ كمستشارين و مشرعين و مفسرين وأصبح شعار العلماء هو أنهم حماة الدين
و مصابيح الظلام ، بينما لم يكن الأمر كذلك حين كان الحكام علماء و العلماء حكاما ،
وبالنسبة للجزائر فإننا نعرف أن الدولة الزيانية قد اتخدت من العلماء مستشارين ومن
المثقفين كتابا ومداحين ولكنها لم تفتح وظيفة
باسم شيخ الاسلام والشئ نفسه يقال عن قسنطينة تحت حكم
الحفصيين ومدينة الجزائر قبل أن يجعلها العثمانيون عاصمة للقطر كله.[1]
لقد
كان التنافس بين علماء الجزائر في العهد العثماني في أغلبه هداما وأخد شكلا فرديا
وآخر عائليا ولعل التنافس الأول أقل ضررا من
الثاني لأنه كان ينتهي بانتهاء المكنافسين بالعزل أو الموت
، أما التنافس العائلي فهو طويل المدى وقد يستغرق أجيالا وقد أدى إلى التنافر
الشديد و النتائج السيئة مثل تنافس أسرة ابن
عبد المؤمن مع أسرة الفكون في قسنطينة وانتهى الأمر بتنغليب
العثمانيين الثانية على الأولى
.
ويبدو
أن هذا الإلحاح في التنافس يعود إلى تدني أخلاق العلماء بصفة عامة فقد شاعت بينهم الرشوة
و الطمع و الجهل والتساهل في أمور الدين ومنج الإجازات بسهولة والتعدي على الأوقاف
وغير ذلك ، كما شاع بين العلماء كذلك التبذير و الطمع وهذا أحمد ابن الحسن العربي
كان يخدم الولاة في قسنطينة ويعظمهم ويعطيهم الرشاوي ومن أجل ذلك ولوه وظيفة صغيرة
وهي نيابة القضاء [2].
كان العلماء يمثلون
الرأي العام في الجزائر خلال العهد العثماني ، فهم رغم توقعهم الطبقي كانوا
على صلة بالناس في الدروس و مجالس الفتوى و القضاء والزوايا وخطب الجمعة ، كان الناس
يثقون في رجال الدين أكثر مما يثقون في رجال السياسة و الحرب لهذا كان العثمانيون يقدرونهم ويخشونهم ويتقربون منهم
ويمنحونهم الهدايا ، كما أن العلماء كانوا في حاجة إلى البشاوات
و البايات طمعا في مال أو وظيفة أو تأييد ضد منافس ، كما كانت هناك حدود للعلاقة
بين الطرفين قائمة على الاحترام المتبادل و اعتراف كل طرف بسيادة الآخر في مجاله.
المطلب
الثاني: أهم الحواضر العلمية في الجزائر في العهد العثماني
كانت
حركة الثقافة و التعليم في الجزائر – في العهد العثماني – تتركز على ثلاث حواضر رئيسية
هي : تلمسان في الغرب الجزائري و مدينتي بجاية و قسنطينة في الشرق الجزائري ، وكانت
هذه الحواضر تعد بحق مراكز للتعليم و الثقافة و الاشعاع الفكري ، فقد ازدهرت فيها العلوم
و الآداب و الفنون لعدة قرون ، كما اشتهرت بها أسر علمية توارثت العلم و المعرفة وتقلد
أفرادها مناصب التدريس و الافتاء و القضاء و الامامة نذكر منها أسرة ابن مرزوق و المقري
و العقباني في تلمسان و ابن باديس وابن القنفذ و لفكون في قسنطينة و أسرة المشتالي و
الغبريني في بجاية[3] .
أولا:
قسنطينة
كانت
لمدينة قسنطينة عدة تسميات عبر تاريخها الطويل منها سيرتا ، قرطة ، الحصن الافريقي
، بلد الهواء والهوى وقبلة العشاق و الرحالين.[4]
نهضت
قسنطينة نهضة علمية وثقافية في عهد بني حفص لم تشهد لها من قبل مثيلا، فقد
انتشر بها التعليم بواسطة الكتاتيب والمدارس والجوامع والزوايا. كما التف نوب
قسنطينة كغيرهم من أبناء حواضر المغرب، حول جامع
الزيتونة وبيت الحكمة، ومعهد القيروان لمتباعة
دروسهم، والاستفادة من شيوخها وعلمائها والتعليم في المدارس النحوية واللغوية والفقهية
والعلمية التي عرفتها الديار التونسية، وقراءة الكتب التي أنتجها ذلك العصر كتفسير "محمد
بن السلام" ومدونة سحنون، وآداب المعلمين لمحمد سحنون وكتب الطب لابن الجزار وغيرهم.[5]
وبذلك
أصبحت قسنطينة تضاهي مدينتي تونس وتلمسان، وأصبحت تشغل مكانة ثقافية
هامة جعلتها مركز إشعاع حضاري طيلة قرون عديدة، وبالتالي ظهرت فيها أسر
حملت مشعل العلم والمعرفة منها أسرة "الحسن بن الفكون ." كذلك اشتهرت
أسرة أخرى بالعلم في مدينة قسنطينة هي أسرة "أحمد بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني
،" التي تقلدت وظائف سامية مختلفة خاصة في القضاء أما أسرة ابن باديس فقد
ذاع صيتها في العهد
الحفصي بحيث كانوا أصحاب علم ومناصب وكان على رأس هذه الأسرة
حسن بن باديس الذي عاش في القرن 8هـ /14م.
ثانيا:
تلمسان
اشتهرت
تلمسان عبر تاريخها "بـ عاصمة الدولة الزيانية" التي حكمت الجزائر
وجزءاً من المغرب العربي مدة 3 قرون كاملة من 1235إلى
1554ميلادي، وشهدت تلك الفترة تشييد عدد كبير
من المدارس والمساجد والزوايا.
وفي
سنة 1555ميلادي، تمكن العثمانيون من دخول
المدينة بقيادة بابا عروج، بعد حرب طاحنة
مع الإسبان، واستمر حكمهم لها إلى غاية سنة 1844تاريخ
دخول الاستعمار الفرنسي إلى تلمسان، والتي لم يخرج منها إلا سنة
1962.
لقد
عرفت الدولة الزيانية فترة ازدهار كبير وتطور محسوس في المجال العلمي والأدبي ،
حيث
سعى الأمراء و العلماء
و الأدباء و الشعراء إلى تنشيط الحركة العلمية والأدبية وظهر العديد من هؤلاء خاصة
في مجال العلوم الشرعية كالونشريسي ومحمد بن يوسف السنوسي ، عبد الكريم
لفكون و العلامة عبد الرحمان الثعالبي.
المبحث الثاني: أنواع
العلوم في العهد العثماني
يقول بن خلدون: " العلوم
صنفان صنف طبيعي للانسان يهتدي اليه بفكره و صنف نقلي يأخذه عمن وضعه، و الأول
يشمل العلوم الحكمية الفلسفية و هي التي يمكن أن يقف عليها الانسان بطبيعة فكره و
يهتدي بمداركه البشرية الى موضوعاتها و مسائلها و انحاء براهينها و وجوه تعليمها
حتى يقفه نظره و بحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو انسان ذو فكر. و الثاني
يشمل العلوم النقلية الوضعية و هي كلها مستندة الى الخبر عن الواضع الشرعي و لا
مجال فيها للعقل الا في الحاق الفروع الى مسائلها بالأصول و أصل هذه العلوم
النقلية كلها هي الشرعيات"[6].
المطلب الأول: العلوم النقلية
العلوم النقلية هي العلوم المستندة
إلى النقل كالفقه و أصوله و الحديث و التفسير و علم الكلام و العلوم اللسانية و
غيرها.
أولا: العلوم الشرعية
1- علم الكلام
(التوحيد)
يعتبر من أهم العلوم الاسلامية و
أقدمها تاريخيا و أشدها حساسية وهو علم يبحث فيه التعريف بذات الله تعالى و صفاته
الالهية و أحوال الممكنات من المبدأ و المعاد على قانون الاسلام[7]، و
يهتم علم التوحيد بـ:
-
دراسة
العقائد الاسلامية الحقة و الدفاع عنها مقابل آراء أهل البدع و الشبهات.
-
استخدام
أسلوب المحاججة الكلامية التي تعتمد على الأدلة و البراهين العقلية و النقلية لأجل
الكشف عن الواقع و اثباته.
وزيادة
على هذا فقد عرفه كذلك الشيخ الرماصي بقوله: "علم الكلام أوثق العلوم دليلا،
وأوضحها سبيلا، وأشرفها فوائد وأنجحها ،مقاصد، إذ بها تعرف ذات الحق ، وصفاته،
ويصرف ذات الحق وصفاته، ويصرف عنه ما لا يليق به ولا تقبله ذاته، وقد شرف كل علم
بحسب معلومه، وقد صنف في ذلك ما لا يحصى من كثرة الدواوين والمختصرات[8].
ومن
المرجح أن علماء الجزائر كانوا يتهربون من التعمق في علم الكلام لأنه يؤدي إلى
الكفر والخروج عن الدين لأن العقائد اصطبغت بالطابع الصوفي الصرف - حسب زعمهم-
لذلك كل من خالف روح العصر يحكم عليه بالكفر والزندقة.
و
من علماء الجزائر الذين خاضوا في علم الكلام نجد :
-عبد
القادر الراشيدي مفتي قسنطينة في القرن الثاني عشر الهجري (12) عندما اتهمه علماء
بلده بالكفر والإلحاد لقوله بالتجسيم، .
-العالم
محمد البوزيدي أحد علماء قسنطينة خلال القرن 11 الحادي عشر الهجري ( 17م ) فقد
قال: أن المقلد غير مؤمن وأن العامة مختلف في إيمانها"، ويبدو أن الشيخ
البوزيدي لم يكن وحده في هذا التفسير، و لا ندري من أين جاء هذا المذهب إلى أهل المغرب
لأن العقائد السائدة بين الجزائريين هي عقائد الأشعري، وهناك محمد بن عبد الرحمن
الحوضي وله أرجوزة في التوحيد معروفة بواسطة السلوك وفيها نظم جميع مسائل التوحيد
المتعارف عليها وجعلها سهلة مفهومة التعبير قريبة المعنى يقرأها الصبيان في
المكاتب، وتؤدي إلى إدراك قضايا التوحيد حتى يخرج قارئها من التقليد الأعمى في
معرفة الله.
ويعد القرن التاسع الهجري مرحلة فاصلة في
تاريخ علم التوحيد بفضل التراكم الكبير في المؤلفات العقدية ويمكن تسميتها
بالمرحلة السنوسية نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني والذي
هيمنت كتبه في العقيدة وشروحها على الساحة الفكرية، وشهدت إقبالا منقطع النظير من
قبل طلبة العلم والحفاظ و الشراح والمعلقين والفقهاء، حتى أصبحت تشكل ظاهرة وكأن
الفكر الفلسفي والديني قد تجمد عندها فلم يعد قادرا على الخوض في مسائل التوحيد
إلا من خلال عمل السنوسي[9].
-احمد
بن سعيد بدر الدين أبو العباس الشماخي المتوفي سنة 928 هـ و له رسالة في صفات الله
تعالى باسم:"مقدمة النوصية" و "نظم التحقيق في عقود التعليق".
-عبد
الرحمان بن محمد الصغير بن محمد عامر الأخضري المتوفي سنة 983هـ وله رسالة في
التحذير من البدع ذكرت بالمنظومة القدسية، كما له في المكتبة الوطنية "
الغراء في التوحيد" محفوظة تحت رقم 590.
-أحمد
بن محمد بن يحي بن عبد الرحمان بن أبي العيش أبو العباس المقري، و له "افادة
المغرم المغرى بن كمبل في شرح الصغرى، و حاشية على أم البراهين، و نفح الطيب من
غصن الأندلس الرطيب. و فتح المتعال في وصف نعال النبي (ص).
2-
علم تفسير القرآن الكريم.
انعكس
التخلف الثقافي على العلوم الشرعية عامة و تفسير القرآن بشكل خاص، لأنه يحتاج إلى
ثقافة دينية وتاريخية ولغوية واسعة وعميقة بالإضافة إلى استقلال عقلي كبير وهذا لم
يتوفر لعلماء الجزائر خلال العهد العثماني، فعلماء الجزائر خلال بداية الحكم
العثماني كانوا يرتدون أقوال المتقدمين و يحفظونها حفظا سطحيا لا عقل فيه و لا
تفكير، و يسردون المسائل كما هي في الكتب لا كما تقبلها أو ترفضها عقولهم[10].
كما أن طبيعة التكوين العلمي التقليدي لهؤلاء
العلماء وشخصيتهم المحافظة، جعلهم يعطون عناية عظيمة لكل ما يتعلق بالقرآن الكريم
وشرح وتفسير الآيات القرآنية وتقريبها وإزالة الغموض فهمها، ولكن رغم هذه الجهود
الجبارة من بعض العلماء بقيت هذه الأعمال ضحلة وقليلة لا ترقى إلى تفسير يشبه
الجواهر الحسان للثعالبي.
جرت
العادة أن دروس تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية تعقد مجالسها في حضرة الباي
وفي مواسم معينة كشهر رمضان حيث يحضر هذه المجالس العلماء والأعيان، يتبعها عادة
مناقشة ومناظرة بين العلماء والعامة يكرر فيها هؤلاء أقوال المفسرين المتقدمين
بطريقة جافة، قلما يخرجون عليها برأي جديد يتلاءم مع العصر، و من أبرز العلماء
الذين اشتهروا بعلم التفسير نذكر محمد بن علي أبهلول، عبد القادر الراشيدي، أبوراس
الناصري الشيخ بن حوا، والشيخ أبي حامد العربي المشرفي وكانت هذه الحلقات
التفسيرية تقام في المساجد، و من أبرز علماء الجزائر الذين خاضوا في هذا العلم
نذكر منهم:
-محمد بن عبد الكريم محمد أبو عبد الله المغيلي
التلمساني. ت. 909ه/1503/، وله:
ü
البدر المنير في علوم التفسير، وتوجد نسخة في
المكتبة الوطنية الجزائرية تخت رقم : 253
ü
مصباح الأرواح في أصول الفلاح في كراسين أرسله
للسنوسي وابن غازي فقرظاه.
ü
شرح مختصر خليل في فروع الفقه المالكي
ü
شرح الجمل في المنطق.
-شقرون
بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي : ت . 929هـ/1523م، وله:
ü
الجيش الكمين في الكر على من يكفر عوام
المسلمين .
ü
تقييد على مورد الظمآن مخطوط بالخزانة
التيمورية تحت رقم: 2213
-سعيد
بن أحمد أبو عثمان المقري. توفى1012ه/1603م. له:
ü
تأليف: "إعراب القرآن، وتوجد نسخة منه
بالمكتبة الوطنية الفرنسية.
-أحمد بن علي يوسف
بن تقي الدين أبو العباس البوني. توفي: 1726م، له:
ü
إتحاف الأقران ببعض مسائل القرآن.
ü
تحفة الأريب باشرف غريب أختصر فيه غريب القرآن
للعزيزي.
ü
إرشاد الزمر لمعنى قوله تعالى: " لا الشمس
يبغي لها أن تدرك القمر".
ü
الفتح القدسي تفسير آية الكرسي، نظم غريب
القرآن لأبن عباس.
ü
التسيير في إسنادنا في كتب جمع من التفسير.
-يوسف بن محمد أبو
يعقوب. توفي 1773/1187م، وله:
ü
حاشية على الجلالين.
3- علم القراءات والانصاص القرآنية
تنقسم
القراءات القرآنية التي وصلت إلينا إلى أقسام عدة من حيث القبول و الرد إلى قسمين:
أ- قراءة مقبولة.
ب قراءة مردودة.
-
القراءة المقبولة هي كل قراءة صح سندها، ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانية و لو
احتمالا ووافقت أحد أوجه العربية ومن خلال ضوابط القراءة المقبولة المتمثلة في
ضابط السند، ضابط الرسم، ضابط العربية".
-القراءة
المردودة، هي كل قراءة اختل فيها أحد ضوابط القراءة المقبولة التي سبق الحديث
عنها، واختلت ضوابطها المتمثلة في ضابط السند، ضابط المتن.
بناءا على ما سبق، اشتهر علماء الجزائر
بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها، و ظهرت عدة مراكز اشتهرت بعلم
القراءات نذكر منها منطقة زواوة التي كانت مقصد علماء الجزائر وحتى من المغرب
وتونس و من أشهر مشايخ وعلماء علم القراءات نذكر: الجليل الشيخ محمد بن صولة، و
الشيخ محمد بن زيان التواتي المغربي الذي ورد على قسنطينة من المغرب و الذي عرف
بتبحره في الفقه و النحو، و كذلك الشيخ الفكون أواخر القرن 11ه بداية القرن 12ه،
محمد بن شقرون المغراوي (الوهراني)، محمد بن توزينت العبادي التلمساني، الشيخ محمد
الحاج المناوي، الشيخ محمد بن ناجي الذي كان له درس عظيم ومشاركة في علم القراءات
حسب ما ذكر الشيخ الفكون.
4-
علم الحديث .
إن اهتمام علماء الجزائر العثمانية
بعلوم الحديث تتمثل أساسا في محاولة معرفة وفهم أكثر عن تلك الجوانب المختلفة
للنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة حتى تتجلى الصورة المشرقة للإسلام كما
عاشها وفهمها النبي الأعظم وبقية الرعيل الأول من الصحابة الكرام، فراح كل عالم
يستعين بعلم الظاهر والباطن والعناية بتراث علم الحديث، وهذا يعتبر عاملا مهما في
تعلقهم بهذا التراث[11].
ولعل
ما يبيّن اهتمام علماء الجزائر بعلم الحديث و ولوعهم بسنة النبي صلى الله عليه
وسلم، واعتبار الحديث الشريف ثاني مصدر بعد القرآن الكريم مع ضرورة الحفاظ عليه من
أي زيادة أو نقصان أو تحريف، هذا بالإضافة إلى تشجيع بعض الدايات وبايات بايليك
الغرب بعلم الحديث ولا سيما صحيح البخاري.
ويعتبر
الباي مصطفي بوشلاغم والباي محمد بن عثمان الكبير من أبرز بايات بايليك الغرب
الذين اهتموا بنشر المعارف وإنشاء المعاهد الدينية وعقد مجالس علمية يحضرها كبار
العلماء والأدباء الأفذاذ بقصر الباي، وسرعان ما اتخذت هذه المجالس الصبغة الرسمية
خاصة خلال شهر رمضان المعظم فيستدعى إليها العلماء من فاس ومراكش ويشاركهم الباي
بحديثه، حتى أضحى هؤلاء من أوائل المصنفين لدواوين وكتب الحديث والآثار ، وأحد
الروافد الغنية لمصنفات المشارقة، وفاقت عناية علماء الجزائر بصحيح البخاري"
كل عناية حتى وصلت إلى مرتبة القداسة، فتداولوه للبركة و الحفظ في المناسبات
الدينية و غير الدينية في جو من البهجة و البركة برش ماء الورد في نهاية ختم
البخاري.
5-علم
السيرة النبوية المطهرة.
السيرة
النبوية ويقصد بها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو العلم المختص بجميع ما ورد
من وقائع حياة نبي الإسلام محمد أزكى الصلاة والتسليم، وصفاته الخلقية والخلقية،
مضيفا إليها غزواته وسراياه.
و
من أبرز علماء الجزائر في هذا الميدان نذكر:
-محمد
بن علي بن أبي الشريف أبو عبد الله التلمساني. ت/921هـ/1515م، وله: المنهل
الأصفى في شرح ما تمس الحاجة إليه من ألفاظ الشفاء و هي مخطوط في مجلدين.
-احمد
بن محمد بن يحي بن عبد الرحمن بن أبي العيش أبو العباس المقري. ت. 1064ه/1613م، وله:
-
أزهار الكمامة في شرف العمامة. عبارة عن منظومة
ذكر فيها نبذة من ملابس المخصوص بالإسراء والإمامة.
-
الدر الأمين في أسماء الهادي الأمين صلى الله
عليه وسلم.
-
فتح المتعال في مدح النعال مخطوط بالمكتبة
الوطنية .
-
النفحات العنبرية في مدح فعال خير البرية صلى
الله عليه وسلم مخطوط بالمكتبة السليمانية.
7-
علم الفقه:
قامت السلطة العثمانية منذ أيامها الأولى
لوضع المذهب الحنفي في الصدارة، و فتحت للمذهبان المالكي و الإباضي حق الإشراف على
شؤون الرعايا المحلية، وأنشأت لهذا الغرض مؤسسات قضائية مستقلة لكل مذهب وأخرى
مشتركة تقوم على المناظرة و الإجماع مثلما هو الحال المجلس العلمي مما أدى إلى نوع
من التعايش بين المذهبين الذي ارتكز على تقاسم المهام عموما، و هذا التعايش ظهر
بين الحكام العثمانيين الأوائل و شيوخ البلد و علمائه منذ أول نزول لهم في المنطقة[12] .
ذكر
ابن المفتي: أن والده حسين بن راجب شاوش و هو كرغلي كان أول من تولى منصب الإفتاء
الحنفي في الجزائر سنة 1102ه/1691م، وكان بمدينة الجزائر قاضيان حنفي وآخر مالكي، و
المجلس الشرعي يتألف من القاضيين و المفتيين الحنفي والمالكي وهذا المجلس ترفع
لديه النوازل و المشاكل العويصة والمنازعات الصعبة و مقر انعقادها الجامع الكبير ،
و يحضر فيه صاحب الجزائر لنفسه في بعض الأحيان.
و من أبرز العلماء الذين خاضوا في
هذا العلم نذكر:
-أحمد بن أبي جمعة المغراوي
الوهراني و له:
· جامع الاختصار و التبيان.
· الجيش الكمين لقتال من كفر عامة
المسلمين.
-عبد الرحمان بن محمد الصغير بن محمد عامر
الأخضري وله:
· مختصر في فقه العبادات.
-أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد المقري، و
له:
· فتاوى في الحضانة.
-أحمد بن قاسم بن محمد بن ساسي أبو العباس
البوني وله:
· فتح الشيك عن مسألة لبيك
الغوثية باحكام بعض المسائل
اللوثية.
· اعلام القوم بفضائل الصوم.
-عبد الرحمان بن ادريس بن محمد بن
أحمد أبو زيد المنجري التلمساني وله:
· شرح كتاب البيوع
· حاشية علي الجعبري
-محمد مصطفى بن زرفة الدحاوي وله
· الاكتفاء في حكم جواز الأمراء و
الخلفاء.
· حقوق البايات في مسائل الضرائب و
الهدايا و التجارة و أوضاع أملاك المدينين.
-صالح بن احمد بن موسى بن أبي
القاسم السمغوني الجزائري وله
· اختلاف المذاهب
· منظومة في الفقه المالكي.
ثانيا: العلوم الاجتماعية
الى جانب العلوم الشرعية التي
انتشرت في الجزائر بشكل واسع و شملت جميع مناحي الحياة اهتم الجزائر بالعلوم التي
يمكن ان نسميها بالعلوم الاجتماعية و أهمها:
1-
علم التاريخ .
عرف
ابن خلدون التاريخ أنه : فن عزيز المذهب جم ،الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا
على أحوال الماضي من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم
وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا،
وكثيرا ما وقع للمؤرخين و المفسرين، وأئمة النقل، المغالط في الحكايات والوقائع،
لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها
بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر
والبصيرة في الأخبار .
الواقع
التاريخي والحضاري أثبت أن التاريخ لم يرق إلى مستوى علم له ضوابطه العلمية
والمنهجية مثلما هو عليه الحال اليوم ، وكان الأقدمون ينظرون إليه نظرتهم إلى
ديوان أخبار ولم يعدوه علما له قواعده وأصوله وأسسه ومناهجه.
وعموما
فعلماء الجزائر أرخوا للأحداث البارزة التي عرفتها الجزائر العثمانية كفتح وهران
الاول و الثاني حيث نوه العديد منهم لهذين الفتحين كمحمد بن ميمون الجزائري في
التحفة المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية و الذي ترجم فيه
للباشا القاتح.
و
في عهد الباي محمد بن عثمان الكبير الذي يعد من أشهر البايات، الذين شجعوا هذا
العمل الثقافي، إذ كان يأمر باختصار الكتب المطولة، ونسخ المخطوطات
النادرة النفيسة، وبتدوين غارات النصارى على مدينة الجزائر في عهد الأتراك".
و دفعت
الأوضاع الداخلية ببايليك الغرب أثناء الاحتلال الإسباني لمدينة وهران ببعض
المؤرخين إلى تناولها في كتاباتهم، ونخص بالذكر عبد القادر المشرفي، ، ومسلم بن
عبد القادر الوهراني، وأحمد بن سحنون الراشيدي في كتابه الثغر الجماني في ابتسام
الثغر الوهراني"، وعالم الراشيدية أبو رأس الناصري في كتابه : عجائب الأسفار
ولطائف الأخبار، وأن هؤلاء عالجوا قضايا سياسية، واجتماعية وثقافية واقتصادية
متعددة نظرا لطبيعة الأحداث المصيرية التي هزت الجزائر العثمانية.
و
من أهم المؤرخين الجزائريين آنذاك:
1 /
مسلم بن عبد القادر الوهراني. توفى سنة 1248ه/1832م، وله:
تاریخ
بايات وهران المتأخر أو خاتمة أنيس الغريب والمسافر ، مع العلم أن الكتاب قد ضاع
من صاحبه ولم يبق منه إلا الخاتمة.
2/
عبد القادر بن عبد الله بن محمد بن الشيخ أحمد بوجلال المشرفي.
توفي يوم 10 رمضان 1192ه / اکتوبر 1778م ودفن بقرية الكرط بضواحي معسكر ، وله:
بهجة
الناظر في أخبار الداخلين تحت ولاية الأسبانيين بوهران من أعراب كبني عامر
3 /أبوراس
الناصر المعسكري، وله
زهرة
الشماريخ في علم التاريخ.
4/
أبو العباس الحاج أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن هطال التلمساني:
وفاته، أستشهد
في
معركة: "فرطاسة في ربيع الأول1804/1219م وله:
رحلة
محمد الكبير باي الغرب الجزائري الى الجنوب الصحراوي الجزائري.
5/
محمد بن ميمون الجزائري : وله:
التحفة
المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية تحقيق و تقديم الدكتور محمد
بن عبد الكريم، ترجم فيه للباشا محمد بكداش 1119هـ / 1708م.
6 /محمد
بن يوسف الزياني البرجي . ت1309ه/1891م، وله:
دليل
الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران .
2-علم
الأنساب
إن
موضوع النسب من المواضيع الحساسة والشائكة في الجزائر العثمانية نظرا لتركيبة
السكان واهتمام العام والخاص به فالأشراف كانوا و ما زالوا يتمتعون برصيد روحي
ومعنوي كبيرين بالمنطقة خضعت لفترة زمنية بعيدة هيمن فيها الأشراف تقريبا على
السلطة والتعليم والقضاء واستشارة
الحكام لهم في غالب الأحيان، و بما أن الشرف له أهمية بالغة في الجميع بلدان
العالم الإسلامي ظهرت العديد من النوازل بخصوص الشرف من الأم و الجدة و شرف العلم،
وظهر خلاف حاد بين العلماء في خصوص هذه النقطة.
ومن
اهم المؤلفات الجزائرية في علم الأنساب:
-
روضة الأزهار في التعريف بآل محمد المختار لمحمد بن علي الشريف التلمساني.
-
سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول لعبد الله بن محمد بن الشارف ابن سيد علي الحشلاف.
-
إثماد الأبصار في الاختصاص بالأشراف الأخيار
-
السلسلة الوافية والياقوتة الصافية فيه من الأنوار الزاهرة والسلسلة الطاهرة في
الأشراف و الكتب والظروف للشيخ أحمد بن محمد العشماوي المكي.
3-
علم التصوف
يعد
جزءا أساسيا من التراث الإسلامي حيث تبوأ مكانة هامة في الفكر العربي الإسلامي،
والاهتمام بالتصوف قديم ألف فيه الفلاسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون، وتجادل
فيه الفقهاء وعلماء الكلام، ولم يتفق هؤلاء على رأي واحد سواء تعلق الأمر بحدوده
أو أصوله، فالتصوف ليس ظاهرة إسلامية خاصة، بل أن جذوره وعروقه تمتد في أي فكر
ديني عموما، حتى أن كثيرا من الدارسين ربطه بأصول غير إسلامية كالمسيحية والهندية
والفارسية والفلسفة اليونانية[13].
و
لعل أبرز علماء الجزائر العثمانية الذين ألفوا في هذا العلم نذكر:
1/احمد
بن ثابت الحسني البجائي، وله:
-التفكير
و الاعتنبارفي فضل الصلاة على النبي المختار.
2/عبد
الرحمان بن يوسف بن عبد الرحمان أو القاسم البجائي، وله:
-تبصرة
القلوب.
-شمس
القلوب.
-محجة
السعادة.
-قطب
العارفين و مقامات الأبرار و الصديقين.
3/الحسن
بن محمد بن السعيد الورتلاني، وله:
شرح
القدسية المعروفة بالكواكب العرفانية و شوارق الأنسية في شرح الالفاظ القدسية.
المطلب الثاني: العلوم
العقلية
1-الحساب
و علم الفلك
إذا
عدنا إلى دراسة الإنتاج العلمي خلال العهد العثماني وجدنا منه كمية ضئيلة بالقياس
مع ما عرفه القرن التاسع (15م)، فبالنسبة للحساب رغم كونه علم يعتمد على الذكاء و
الموهبة الفطرية، و يخضع لمبادئ جوهرية و فرضيات قابلة للتغيير عند التوصل إلى
نتائج جديدة."
إلا
أننا نجد أن هذا العلم يكاد يختفي من الساحة الفكرية لولا بعض أعمال عبد الرحمن
الأخضري" الذي يعتبر من أبرز المؤلفين في هذا العلم ، فقد نظم خمسمائة بيت في
هذا المعنى سماها ( الدرة البيضاء) و قسمها إلى ثلاثة أقسام الأول خاص بالحساب،
والثاني خاص بقواعد الفرائض و الثالث خاص بالقسمة العملية للتركات ، و قد وضع
الأخضري نفسه شرحا على الدرة البيضاء و لكنه لم يكمله لأنه ضاع منه ليواصل شرحه
عليه بعد ان عثر عليه ، و قد ذكر عبد الكريم الفكون" أن "عبد اللطيف
المسبح القسنطيني" أكمل شرح القسم الأقل و القسم الثالث منه و تعتبر الدرة
البيضاء من أهم الأعمال التي قدمها الأخضري لعلم الحساب [14].
2-
الهندسة:
لم
نعثر على وثائق تؤكد اشتغال الجزائريين خلال هذه الفترة بهذا العلم الا ما ورد في
رحلة "ابن حمادوش" عندما أشار أن له تأليف في المساحة و الهندسة بقوله:
"و في يوم الخميس موفي عشرين من صفر ألفت فتح المجيب في علم التكعيب، و سببه
أني كنت أطالع من تأليف النصارى فوقعت على مسألة من علم التكعيب فأعملت فكري حتى
أخرجتها ثم بدا لي أن أؤلف فيها .
3-علم
الفلك :
من
بين دلائل اهتمام الجزائريين في العهد العثماني بالفلك، حفظ ودراسة ارجوزة
"علي ابن ابي الرجال القيرواني " ( ت 432هـ) ، وشرح ابن قنفد عليها (ت
810هـ ) اذ يقول[15]:
"و
خير ما تحكم به في الحكم أن تعلم المبتز أي نجم يعني اول ما نبدا به قبل النظر في
الحكم ، أن تعلم المبتز أي نجم من الكواكب السبعة السيارة ، و اعلم أن استخراج
المبتز هو أصل كبير في الأحكام النجومية ..." ، حيث كانت هذه القاعدة الفلكية
تدرس في حلقات العلم ، إلى جانب منظومة "الحباك" " بغية الطلاب في
علم الأسطرلاب "، التي شرحها تلميذه "محمد بن يوسف السنوسي"، ضف
الى هذا فقد ظهرت حركة نسبية نوعا ما في التأليف في علم الفلك أو النجوم في هذا
العهد ، حيث نظم أحد الجزائريين أرجوزة سماها تعديل الكواكب لعرض بلد الجزائر
" يقول فيها :
إن أردت أن تعدلن لأي وقت شئت فاحصين
عن شهورك مع الأعوام و عدة الساعات و الأيام
غير
أنه لم يترك إسمه على المخطوط سوى إشارة الجزائري لا غير كما وضع عبد الرحمن
الأخضري" نظما سماه "السراج في علم الفلك" أنتهى . منه سنة 939 هـ
إذ يقول فيه " ... يقول شيخنا أبي عبد الله . بن التواتي أن ندع اختيار الأمر
بحركات الفلك ولا نسأل الله عن فعله فمن خاض لجة بحر هلك هذا بما يتعلق بحركة
اجرام المشتري
4-علم
الطب :
يقول
ابن خلدون " إن الطب صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض و يصح فيحاول
صاحبها على حفظ الصحة و برء المرض بالأدوية و الأغذية بعد أن يبين المرض الذي يخص
كل عضو من أعضاء البدن، و أسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها و ما لكل مرض من
الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية و قواها ، و على العلامات المؤدية لنضجه و
قبوله الدواء ، محاذين بذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالة الصحة و المرض[16].
غير
أن هذا العلم الجامع لم يلق العناية اللائقة به خلال العهد العثماني ربما لانصراف
بعض العلماء عنه إلى دراسة العلوم النقلية الأخرى ، أو لسيطرة فكرة القضاء والقدر
في هذا الميدان على عقول الناس بصفة عامة، واتجاه البعض الآخر إلى الإلتجاء و
التداوي بالأعشاب الطبيعية للمحافظة على الصحة .اما أولئك الذين يؤمنون بالحديث
المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم " العلم علمان ، علم الأديان و
علم الأبدان بالمبالغين إذا قلنا أن جل علماء الجزائر كانوا مطلعين على علم الطب و
المعالجة و كيفية أستعمال الأعشاب الشافية عند نزول بعض الأمراض بهم أو بأقاربهم ،
و أنهم كانوا عارفين بمسالك الوقاية و سبل الحذر و قد ألفوا في هذا الفن وفروعه
الكتب و الرسائل و الأراجيز[17].
كما
ظهر بعض المتطببة أيضا و مع ذلك فقد اختلطت الخرافة بالطب في معظم الأحيان و هذا
ما عبر عنه وليام شالير "... أن علم الطب لا يوجد من يدعيه ، و هذا إذا ما
استثنينا المشعوذين و كتاب الحروز "، و لعل حكمه هذا استشفه من خلال ملاحظاته
عن حياة العامة خلال ذلك ذلك العصر فالنساء مثلا كن يؤمن ببعض الاسباب للبرء من
العقم و حفظ الولاء مع أزواجهن و نحو ذلك.[18]
5-الكيمياء
(السيمياء):
تعتبر
الكيمياء من أهم العلوم العقلية التجريبية نظرا لارتباطها بالطب والصيدلة، لذلك
أولاها المسلمون عناية خاصة عصر إزدهار الحضارة العربية الإسلامية ولكن بحلول
العهد العثماني لم يعد هذا العلم يتمتع بخاصيته الأولى بين العلوم.
فقد
أصبح علم الكيمياء عملا يهرب منه العلماء ولعل هذا يرجع إلى عدة أسباب من بينها:
- إنصراف
الطلبة والعلماء إلى دراسة علوم الأدب والتصوف.
- عدم
وجود اساتذة اخصاء ، في هذا المجال وحتى من اشتغل به فهو مجرد هواية له.
وقد
ذكر شاو ذلك في نبرة من السخرية قائلا "... إن علم الكيمياء لم يعد في
الجزائر سوى صناعة ماء الورد، بعد أن كان محببا عند العلماء المسلمين
الأوائل..."[19].
وأضاف
الورتيلاني في رحلته .... أنه تعجب حين وجد نقيب كسوة الكعبة في مصر يتعاطى علم
الكيمياء، كما أن النقيب قد تعجب من أن الورتيلاني لا يستعمل هذا العلم ..."[20]،
وهذا دليل على أنه كان مهجورا من قبل العلماء. وأثناء عملية بحثنا لم نعثر على
وثيقة واحدة تدل على وجود هذا العلم في العهد العثماني، اللهم إذا كانت قد ضاعت في
فوضى الإحتلال الفرنسي.
6-المنطق
:
إذا
حكمنا على إنتاج الجزائريين في علم المنطق نجده أنه لم تكن هناك مساهمة فعالة في
هذا المجال، حيث لا يظهر إلا إنتاج ضئيل لبعض علماء القرن 15م، أمثال "محمد
بن يوسف" و "محمد بن عبد الكريم المغيلي"، ويعود ذلك إلى صعوبة هذا
العلم الذي يحتاج إلى الإطلاع الواسع على كتابات الأولين، وطغيان علم التصوف على
دراسات معظم الجزائريين حيث ركزوا إهتمامهم على علوم الباطن واعتبار علم المنطق من
علوم الظاهر التي قد تؤدي إلى الكفر والإلحاد والزندقة وظلت قيمة علم المنطق
مجهولة مقارنة بالعلوم الأخرى رغم ما ادعاه بعض العلماء من تفوق في علم المنطق ومن
بين من درس المنطق واشتغل به سعيد" "قدورة وابن حمادوش"، لكن قيمته
ظلت معدومة إلى جانب قيم العلوم الأخرى[21].
فقد
ذكر "الفكون" أن بعض العلماء قد تغلب عليهم المنطق لكن هذا يخالف
طبيعتهم العلمية كالشيخ "علي الغربي" في القرن 16م. غير أنه من أبرز
علماء المنطق عبد الرحمن الأخضري" الذي لم تقتصر شهرته على التأليف نظما
وشرحا، بل فيما جذبه إليه من اهتمام العلماء الآخرين لشرح ودراسة ما جاء به في علم
المنطق. فالأخضري قد حذق في المنطق ونجح في اختصار قواعده وتوضيحها في متنه
المعروف "السلم المرونق" .[22]
الخاتمة:
عرفت
الجزائر خلال العهد العثماني انتشار ظاهرة التصوف والتقليد والدروشة مما أدى إلى
ضعف التعليم وانحطاط العلوم ، وأن منتوج علماء الجزائر غلب عليه طابع التقليد من
حيث التفكير، سواء لعلماء المغرب الأقصى أو لعلماء تونس، أو علماء المشرق العربي.
تبيّنا
من خلال هذه الدراسة أن الحياة العلمية العقلية كانت بعيدة عن كل إبداع أو تجديد
وأن غاية المتعلمين كسب المعارف التي خلفها السلف دون الاجتهاد مما أدى إلى تعطيل
العقول.
وخلصنا
إلى إن الفضل في بروز علماء أجلاء في علوم عصرهم يعود إلى عصاميتهم وانقطاعهم
للعلم حيث احتلوا مكانة مرموقة بين كبار العلماء.
و
العهد العثماني في الجزائر كان فقيرا من ناحية العلوم النقلية و فقيرا جدا في
العلوم العقلية فقد عرف عناية العلماء
بالعلوم الشرعية و الأدب و التواريخ المحلية ولكن عنايتهم بالطب و الحساب و الفلك
قليلة لم يكن يخرج عن تقليد السابقين و لم
يكن ممارسوه يتمتعون بالاستقلال العقلي و روح الابتكار، ولو عدنا إلى دراسة
الانتاج العلمي في هذا العهد لوجدنا كمية ضئيلة منه ولولا بعض الأعمال لخلا هذا
العهد أو كاد يخلو من التأليف في العلوم العقلية و كأن العقول في ذلك الزمن تحجرت
فلم تعد تنتج و انما تستوحي من الأعمال السابقة ما تحتاج إليه فقط. .
[1] محمد بن عمر بازمول، مكانة العلم و العلماء، كلية الدعوة و أصول
الدين، ص 150.
[2] أبو
القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، ص 403.
[3] مسعود العيد، حركة التعليم
في الجزائر خلال العهد العثماني، مجلة سيرتا، ع3، مطبعة البعث، قسنطينة، 1980، ص
58.
[4] عبد الحفيظ بورايو، مدينة
قسنطينة في أدب الرحلات، ط2، مداد يونيفارسيتي براس للنشر و التوزيع، قسنطينة،
2013، ص 27.
[5] محمد طمار، الروابط
الثقافية بين الجزائر و الخارج، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر، 1983، ص
90.
[6] بن خلدون، المقدمة، ص 779.
[7] الجرجاني علي بن محمد، التعريفات،
دار القلم، بيروت، لبنان، 1984، ص 485.
[8] الرماصي، حاشية على أم
البراهين المسماة بصغرى السنوسي مخطوط بخزانة البشير محمودي، معسكر.
[9] هو
أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، أسمه محمد وكنيته أبو عبد
الله، ولقبه وشهرته السنوسي وأشتهر بهذا اللقب نسبة إلى بني سنوس قرية بضواحي
تلمسان. توفي يوم الأحد 18 جمادى الثانية سنة 1489/895م، بعد أن عاش ثلاث وستين
سنة، ودفن بالعباد السفلي مدفن سيدي أبي مدين الغوث بتلمسان.
[10] ابو القاسم سعد الله،
المرجع السابق، ص 10.
[11] ابو القاسم سعد الله،
المرجع السابق، ص 217.
-
[12] بن
حموش المدينة و السلطة في الإسلام، نموذج الجزائر في العهد العثماني، دار البشائر،
دمشق، 1999، ص81.
[13] عبد الحكيم عبد الغني قاسم،
المذاهب الصوفية و مدارسها، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1989، ص 21.
[14] ابو القاسم سعد الله ، المرجع السابق، الجزء 2،
ص 423.
[15] محمد بن عبد الكريم ، حمدان بن عثمان خوجة
ومذكراته بيروت : دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، مطبعة الغريب، 1972، ص
101.
[16] عبد الرحمن ابن خلدون ، المصدر السابق ، الجزء
3، ص 100.
[17] محمد بن عبد الكريم ، الصدر نفسه، ص 101
[18] ابو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي،
الجزء 2
[19] وليام شالر، مذكرات قنصل أمريكا في الجزائر ،
ترجمة : إسماعيل العربي، الجزائر : الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1982 ، ص 81
[20] حسين الورتيلاني، المصدر
السابق، ص 261.
[21] ابو القاسم سعد الله،
المرجع السابق، ص 158.
[22] عبد الكريم الفكون، المصدر
السابق، ص 29.
