JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

آليات تنفيذ القرارات و الأحكام القضائية من قبل الإدارة

خط المقالة


 

تمهيد:         

        يترتب على اتساع نشاط الادارة لتحقيق الأهداف المنوطة بها استعمال امتيازات السلطة العامة  مما يؤدي إلى المساس بحقوق و حريات المواطنين في بعض الأحيان، مما يجعل من التوفيق بين متطلبات السلطة و ضمان الحريات مشكلة مطروحة، لذا وجب خلق نوع من التوازن بينهما من طرف القضاء، و هو الغاية التي تسعى إليها دولة القانون، فهي تباشر أعمالها في اطار ما تحدده النصوص القانونية و تأتي الادارة في المقام الأول كأول شخص يلتزم بتنفيذ القوانين و تنفيذ أحكام القضاء، وهنا يظهر جليا دور ومهمة القضاء في تهيئته وجعله قابلا للتنفيذ خصوصا اذا كان هذا القرار الاداري موجها ضد الادارة و عليه سوف نتطرق في هذا الفصل إلى ماهية تنفيذ القرار أو الحكم القضائي الاداري في المبحث الأول ثم صعوبات تنفيذ الإدارة للقرارات والأحكام القضائية في المبحث الثاني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول ماهية تنفيذ القرار أو الحكم القضائي

           يتمتع القاضي الاداري بالسلطة في اصدار القرارات و الأحكام الادارية التي تفصل في مواضيع النزاع الاداري و تعتبر كل الأحكام و القرارات و الأوامر و التي تسمى بالقرار القضائي الاداري التي يصدرها ملزمة، لذا وجب علينا التطرق الى ماهية هذه القرارات القضائية من طرق وشروط تنفيذها وكذا ما يميزها عن مختلف الاعمال الاخرى.

المطلب الأول: تعريف القرار القضائي وتمييزه عن ما يشابهه

يتطلب تنفيذ القرارات القضائية الادارية في مواجهة الادارة أن نتعرف على ماهيتها و تمييزها عن ما يشابهها من أعمال قانونية أخرى تقوم بها الجهات القضائية .

الفرع الأول: تعريف القرار أو الحكم القضائي

في هذه الفرع سنقوم بالتركيز على القرارات القضائية الصادرة من جهة القضاء الإداري دون تلك الصادرة من جهة القضاء العادي، و إن كانت تتشابه في كونها تتضمّن نفس الأركان.

أولا: التعريف اللغوي للقرار القضائي الإداري

ما قُرِّر وثبَت عليه الرَّأْي، أو ما صمَّم عليه الإِنسان بعد التَّفكير ومضَى فيه بثَبات[1].

و القرار هو الفصل أو الحكم في مسألة ما أو قضية.

كما عرف القرار على أنه" ...يعني اختيار الطريق أو المسلك أو المنهج، أو الحل الأفضل(الأحسن) من بين عدة طرق أو مسالك أو مناهج أو حلول متكافئة.[2]

المقرر« مفرد » جمعه مقرَّرات و هو اسم مفعول من الفعل  قرَّرَ[3].

و المقرر من فعل قرَّرَ يقرِّر ، تقريرًا ، فهو مقرّر ، والمفعول مَقَرَّر ، وأَمْرٌ مُقَرَّرٌ : ثَابِتٌ مُعْتَرَفٌ بِهِ وَقَرَارٌ فِي حُكْمِ الْمُقَرَّر: قَائِمٌ ، ثَابِتٌ، و المُقَرَّرُ : أَمْرٌ أَمضَاهُ مَن يَمْلِك إمضاءه.[4]

ثانيا : التعريف الفقهي للقرار القضائي الإداري

القرار القضائي الإداري هو حكم إذا توافرت فيه أركان الأحكام، فهو يصدر في خصومة تتميز دائما بأن الإدارة تعتبر أحد طرفيها و يصدر عن محكمة مختصة قانونا بالمنازعات الإدارية، و يكون مكتوبا، و في شكل لا يختلف في ظاهره عن الأحكام المدنية،[5] ، وهناك بعض الفقهاء يعرفون القرار القضائي الإداري بأنه "الحل الذي ينتهي إليه القاضي الإداري بالاعتماد على أسباب وأسانيد قانونية يراها صحيحة في النزاع المطروح أمامه وفق القانون المنظم لذلك"[6].

ثالثا: التعريف التشريعي للمقرر القضائي الإداري

القرار الإداري يصدر عن القضاء الإداري الفاصل في النزاع الإداري الذي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات ذات الطابع الإداري طرفا فيه وفقا لأحكام المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تنص على "الأحكام الإدارية هي جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية تختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات ذات الطابع الإداري طرفا فيها". كما أن المشرع الجزائري أسند بعض النزاعات التي تكون الإدارة طرفا فيها للقضاء العادي و منها لنزاعات الجمركية بنص المادة 273 من قانون الجمارك الصادر بموجب القانون 79-7-0 المؤرّخ في 1979/07/21 "تنظر الجهة القضائية المختصة بالبت في القضايا المدنية في الاعتراضات المتعلقة بدفع الحقوق و الرسوم أو استردادها و معارضات الإكراه و غيرها من القضايا الجمركية الأخرى التي لا تدخل في اختصاص القضاء الجزائي"، و كذلك الأمر رقم 03/03 المرّخ في 19 يوليو 2003 و المتلق بالمنافسة. و الملاحظ أن الحكم الصادر عن جهة القضاء الإداري أو العادي يختلفان من حيث الجهة المصدرة و تشكيلة المحكمة و الإجراءات المتبعة أمامها و حتما هذا الاختلاف سيكون له أثر عند التنفيذ رغم وحدة البيانات الواجب توافرها في الحكم لما أحالت المادة 888 إلى المواد من 270 إلى 298 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المتعلقة بإصدار الأحكام، كذلك يعتبر الحكم القضائي بأنّه حكم قضائي إذا توفّرت فيه أركان الأحكام فيصدر في خصومة يكون أحد طرفيها جهة إدارية و تصدر عن محكمة مختصة بالمنازعات الإدارية المحاكم الإدارية و مجلس الدولة[7]. الذي و الملاحظ أن هناك تماثلا بين الأحكام والقرارات القضائية من حيث إجراءات إصدارها غير أنّ النظام القانوني تخضع له يختلف باختلاف القضاء الذي يحكمها[8]، و قد تناول الباب الثاني من الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الإجراءات المتبعة أمام مجلس الدولة، بصفته جهة استئناف للأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، و بصفته جهة نقض للقرارات الصادرة عن مجلس المحاسبة.[9]

الفرع الثاني: تمييز القرار أو الحكم القضائي عن ما يشابهه 

يتميز القرار القضائي الإداري عن العديد من الأنظمة المشابهة له في الكثير من النقاط سوف نبينها انطلاقا من تحديد طبيعة هذه الأنظمة والتمييز بينها وبين القرار القضائي الإداري.

 

أولا: التميز بين القرار القضائي الإداري والأعمال الولائية للقضاة

إن أعمال القضاة ليست لها طبيعة واحدة بل نجد بعضها له طبيعة قضائية بحتة، وتلك هي الأعمال الأساسية والأصيلة للقضاة[10] ، وذلك لحسم النزاعات بالكشف عن الحق وإسناده لصاحبه وتوفير الحماية له بتوقيع الجزاء القانوني على من اعتدى عليه، وأقر بارتكابه هذا الفعل بقاعدة قانونية[11]، وهي تصدر في صورة مقررات قضائية ، أما العمل الولائي فيدخل في إطار الوظيفة القضائية، ويصدر من القاضي الذي يصدر الحكم الصادر في نزاع وهذه الأعمال لا تفصل في النزاع بين الأطراف وإنما هي إجراءات تهدف إلى تحقيق السير الحسن للمرفق للقضاء[12] ، والفرق بين القرار للقضائي والعمل الولائي يكمن في أن القرار القضائي يكون إذا سبقه حضور الخصوم والإدلاء بحججهم، بالإضافة إلى أنه يحوز حجية الشيء المقضي فيه، ويكون مسببا ومبينا للمواد المسند عليها، أما العمل الولائي يتم عبر مواجهة الأطراف ودون إجراءات اللازمة، ولا يحوز على حجية الشيء المقضي فيه ولذلك فإن طالب الأعمال الولائية يستطيع إعادة تقديم نفس طلب الذي سبق رفضه.

ثانيا: التمييز بين القرار القضائي الإداري وما ينتج عن الصلح و التحكيم

1- التمييز بين القرار القضائي الإداري ومحضر الصلح

يعرف الصلح بأنه الطريقة الودية لتسوية خلاف قائم بين طرفين أو أكثر[13] ، ولقد نظم قانون الإجراءات المدنية والإدارية الصلح من المادة 970 الى974 ويقتصر ويختلف القرار القضائي الإداري عن محضر الصلح إن هذا الأخير بمجرد وقوعه لا يقبل أي طعن وهذا ما أشارت له المادة 973 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .

2- التمييز بين القرار القضائي الإداري وحكم التحكيم

التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم[14]، أي اتفاق أصحاب الشأن على عرض نزاع معين قائم بينهما على فرد أو الأفراد أو هيئة للفصل فيه بعيدا عن المحكمة المتخصصة[15]  ، وحكم المحكم هو مجرد أثر من أثار التعاقد ومن العسير اعتباره مقررا وإنما هو عمل قضائي ذو طبيعة خاصة لأنه لا يصدر عن سلطة قضائية ولا يتبع بصدده الإجراءات القضائية المتبعة أمام القضاء ولا يصدر في ذات الصيغ والأشكال المعتمدة للمقررات القضائية الإدارية[16] ، كما يختلف عن القرار القضائي الإداري من حيث الطعن فيه بحيث لا يكون قابل للمعارضة بينما يجوز فيه اعتراض الغير الخارج عن الخصومة[17]  والاستئناف[18]  والطعن بالنقض[19] ، وكذلك مدة الفصل في النزاع بواسطة التحكيم محددة بمدة 04 أشهر تبدأ من تاريخ تعيين المحكمين أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم ويجوز تمديدها بشرط موافقة الأطراف على ذلك[20]  . أما القرار القضائي الإداري فتختلف مدة الطعن فيه بحسب نوعه ودرجته .

المطلب الثاني: طرق و شروط تنفيذ القرار أو الحكم القضائي الإداري

يعتبر تنفيذ القرارات القضائية الإدارية في مواجهة الإدارة من أهم المشاكل التي تواجهها الإدارة في مرحلة التنفيذ ومن أجل الإلمام بموضوع الدراسة ينبغي معرفة شروط وطرق تنفيذها.

 الفرع الاول: شروط تنفيذ القرار القضائي الإداري

من أجل تنفيذ القرار القضائي الإداري يجب توفر مجموعة من البيانات، و الشروط حيث تضمنت أحكام المواد من 275 إلى 278 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية مجموعة من البيانات أهمها:

ما نصت عليه المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية انه يجب أن يشمل الحكم تحت طائلة البطلان العبارة الآتية:

-       الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

-       باسم الشعب الجزائري

كما تطرقت المادة 276 من ذات القانون إلي بيانات أخرى يجب أن يتضمنها الحكم وهي:

- الجهة القضائية التي أصدرته.

- أسماء وألقاب وصفات والقضاة الذين تداولوا في القضية.

- تاريخ النطق به.

- اسم ولقب ممثل النيابة العامة عن الاقتضاء

- اسم ولقب أمين الضبط الذي حضر تشكيلة الحكم.

- أسماء وألقاب الخصوم ومواطن كل منهم، وفي حالة شخص معنوي نذكر طبيعته.  وتسميته ومقره الاجتماعي وصفة ممثله القانوني أو الاتفاقي.

- أسماء وألقاب المحامين أو أي شخص قام بتمثيل أو مساعدة الخصوم.

- الإشارة إلى عبارة النطق بالحكم في جلسة علنية.

ولا يجوز النطق بالحكم إلا بعد تسبيبه، ويجب أن يسبب الحكم من حيث الوقائع والقانون وأن يشار إلى نصوص المطبقة.

- يجب أن يتعرض بإيجاز إلى وقائع القضية وطلبات وادعاءات الخصوم ووسائل دفاعهم.

- يجب أن يرد على كل الطلبات والأوجه المثارة، ويتضمن ما قضى به في شكل منطوق.

بالإضافة إلى هذه البيانات العامة الواجب توفرها في كل الأحكام القضائية ، أكد المشرع الجزائري على ضرورة توفر شروط أخرى لتنفيذ القرار ات القضائية الإدارية أهمها :

1- أن يتضمن منطوق الحكم إلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام به:  يكتسي هذا الأخير أهمية بالغة لتحديد موضوع السند التنفيذي، والذي من أجل تنفيذه يجب أن يتضمن إلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل معين كإلغاء قرار إداري أو عدم القيام بعمل، كعدم التعدي على ملكية طالب التنفيذ، وقد استقر الفقه والقضاء على أن الأحكام لا تكون قابلة للتنفيذ الجبري إلا إذا تضمنت التزام أطراف الخصومة[21].

وبالنسبة للأحكام الصادرة ضد الإدارة فإن منطوقها يختلف بالنظر إلى طبيعة الدعوى المرفوعة، فإذا تعلق الأمر بدعوى الإلغاء فإن القاضي الإداري يصدر القرار القضائي الإداري بصفة إلغاء أو إبطال القرار الإداري الصادر ضد المدعى عليها، أما إذا كان موضوع الدعوى يتعلق بإحدى دعوى القضاء الكامل فإن منطوق الحكم يأتي بصفة إلزام المدعي بالوفاء بالتزامها التعاقدي، وإذا تعلق الأمر بنزاع خاص بصفقة عمومية أو عقد إداري وقد يأتي منطوق الحكم بإلزام المدعى عليها (الإدارة) بدفع مبالغ معينة إذا تعلق الأمر بدعوى التعويض[22].

2- أن يتم امهار السند التنفيذي بالصيغة التنفيذية : و يقصد بالسند التنفيذي تلك النسخة التنفيذية والمتمثلة في القرار  القضائي الإداري الذي يمكن تنفذه عن طريق امهار بالصيغة التنفيذية وحسب نص المادة 281 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن النسخة التنفيذية" هي النسخة الممهورة بالصيغة التنفيذية توقع وتسلم من طرف أمين ضبط المحكمة إلى المستفيد من الحكم الذي يرغب في متابعة تنفيذه. وتحمل النسخة التنفيذية العبارة التالية نسخة مطابقة للأصل مسلمة للتنفيذ وكذا ختم الجهة القضائية [23] ، وتتجلى أهمية النسخة التنفيذية في كونها أداة قانونية تفتح المجال للمستفيد من السند أن يلجأ إلى التنفيذ الجبري من أجل استيفاء حقه[24].

أما الصيغة التنفيذية فهي الوسيلة التي بمقتضاها يتمكن حامل السند من وضعه في موضع التنفيذ لاستيفاء حقه من قبل المدين[25].

3-أن يتم تبليغ السند التنفيذي : ويقصد بإعلان السند التنفيذي تبليغه إلى المنفذ ضده، وهذا التبليغ هو إجراء ضروري قبل التنفيذ الجبري، ولا يجوز إجراء التنفيذ بدونه وهذا طبقا إلى نص المادة 612 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص على "يجب أن يسبق التنفيذ الجبري التبليغ الرسمي للسند التنفيذي وتكليف المحكوم عليه بالوفاء بما تضمنه السند التنفيذي في أجل 15 يوم، ويقصد بالتبليغ الرسمي، التبليغ الذي يتم بموجبه محضر يعده المحضر القضائي، ويكون ذلك بناء على طلب الشخص المعني أو ممثله القانوني أو الاتفاقي، يحرر في شأنه محضر في عدد النسخ مساو لعدد الأشخاص الذين يتم تبليغهم رسميا وهذا وفقا للمادة 406 من قانون الإجراءات المدنية و الادارية.

كما يقوم المحضر القضائي بتحرير محضر التكليف بالوفاء الذي يقوم بتبليغه السند التنفيذي الممهور بالصيغة التنفيذية والعلة من اشتراطه التكليف بالوفاء من أجل التزام المحكوم ضده على الوفاء بالتزامه ومنحه الوقت الكافي لتنفيذ منطوق السند وديا، ومن ثم تأكيد حق المحكوم له في الحماية النقدية كون أن المحكوم عليه لا يصير مخلا بالتزامه أو متأخرا عن الوفاء به وفقا للقواعد العامة إلا بعد إنذاره ومنحه أجال ويمكن لرئيس المحكمة وبصفة استثنائية أن يأمر بتبليغ القرار  القضائي إلى الخصوم عن طريق أمانة ضبط، وذلك بواسطة رسالة مضمنة مع طلب الإشعار بالاستلام وهذا ما نصت عليه 895 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وقد يتم التبليغ بمكتب أمين الضبط أو بالجلسة أين يقوم أمين الضبط بتبليغ الأطراف بالحكم أو الأمر مقابل تحرير محضر تبليغ[26].

4- أن يكون القرار  القضائي حائز علي قوة الشيء المقضي به: يكون القرار  القضائي الإداري قابلا للتنفيذ عندما يكون نهائيا أي غير قابل لطعن فيه بالطرق العادية وهي المعارضة والاستئناف، ويصطلح علي هذه القرار ات حيازتها لقوة الشيء المقضي به ، ويقصد بهذه القوة أن القرار  غير قابل للطعن بالطرق العادية مع جواز الطعن فيه بطرق الطعن غير عادية ، وكثيرا ما يثور الخلط بين قوة الشيء المقضي به وحجية الشيء المقضي فيه وتعني هذه الأخيرة أن للمقرر حجية فيما بين الخصوم و بالنسبة لذات الحق محلا وسببا فيكون للمقرر حجة في هذه الحدود أي عدم إثارة النزاع مرة ثانية أمام القضاء الذي فصل في القرار  إلا بطرق الطعن القرار ة قانونا سواء كانت عادية أو غير عادية ، وعليه حجية الشيء فيه تثبت للمقرر بمجرد صدوره ابتدائيا أم نهائيا، بينما قوة الشيء المقضي به لا يتمتع بها القرار  القضائي إلا إذا كان نهائي ، ولقد اعتبر الفقهاء على الدوام حجية القرار ات القضائية مبدأ قانوني أوجده القانون لنشر الطمأنينة وتحقيق المصلحة الاجتماعية كي لا يظل الأطراف تحت تهديد مستمر يقلق حياتهم وينشر فيهم الذعر والهلع بصورة دائمة[27].

5- أن لا يتم وقف تنفيذ القرار  القضائي الإداري: إن القرار ات القضائية الصادرة عن مختلف الجهات القضائية الإدارية تتمتع بالقوة التنفيذية مباشرة بعد صدورها وتوقيعها من طرف القاضي القرار  ، وبعد استخراج النسخة التنفيذية وتبليغها لمسؤولي الإدارة المعنية يكون هذا السند في مواجهة المنفذ ضده ، وحتى ولو قامت الإدارة المعنية المنفذ ضدها بإجراء الاستئناف القرار  القضائي أمام مجلس الدولة فإن ذلك لا يوقف تنفيذ الحكم[28]، وهذا ما نصت عليه المادة 908 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية[29].

غير أنه توجد حالات لا يمكن فيها تنفيذ القرار  القضائي بالرغم من كون الطعن لا يوقف التنفيذ حيث جاء في المادة 912 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على "أنه في حالة ما إذا تبين لقاضي الاستئناف أن تنفيذ الحكم يؤدي لا محالة إلى أوضاع يكون من العسر ،إصلاحها، أو أن الوثائق والمستندات المقدمة في الطعن تحمل من الجدية ما يؤدي بالضرورة إلى إلغاء القرار  القضائي المعلق فيجور له إيقاف تنفيذه إلى غاية صدور قرار محكمة الاستئناف".

كما يجوز حسب ما نصت عليه المادة 913 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لمجلس الدولة أن يأمر بوقف تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية، إذا كان تنفيذه من شأنه أن يعرض المستأنف لخسارة مالية مؤكدة لا يمكن تداركها، وعندما تبدوا الأوجه المثارة في الاستئناف من شأنها تبرير إلغاء القرار المستأنف، وعليه نستنتج من تعيير المادة 913 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه يمكن الأمر بوقف التنفيذ المخولة لمجلس الدولة ويعتبر كإجراء تحفظي ومؤقت ووسيلة وقائية عن طريق الاستئناف[30].

الفرع الثالث: طرق تنفيذ القرار أو الحكم القضائي الاداري

يمكن تمييز نوعين من طرق تنفيذ القرار أو الحكم القضائي الاداري ، الأول و هو القاضي بالإلغاء، و الثاني القاضي بالتعويض.

أولا: تنفيذ القرار القضائي الاداري القاضي بالإلغاء

تجد دعوى الإلغاء مصدرها في المادة 143 من دستور 1996 التي تنص" ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية كما نصت عليها المادتين 801 و 901 من قانون الإجراءات الإدارية والمدنية، والمادة 09 من قانون مجلس الدولة.

والمقصود بدعوى الإلغاء في هذه المواد هي تجاوز السلطة الموجهة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية في الدولة سواء كانت مركزية أولا مركزية، إقليمية او مصلحية أو هيئات عدم التركيز الإداري    ( المصالح الخارجية للوزارات) من اجل إلغائها من قبل القاضي الإداري المختص لعدم مشروعيتها كونها مشوبة بأحد عيوب (حالات) تجاوز السلطة، وهي أصلا دعوى موضوعية ومن النظام العام هدفها البعيد فضلا عن حماية المركز القانوني للمدعي الذي سنه القرار المخاصم بصفة سلبية، هو حماية مبدأ المشروعية[31].

وعلى هذا الأساس سنتطرق الى نقطتين وهما: أثار القرار الإلغاء والتزامات الإدارة في تنفيذ قرار الإلغاء.

1- آثار قرار الإلغاء:

ان إبطال القرار الإداري من طرف القاضي الإداري له أمرين الأثر الرجعي والأثر المطلق لقرار الإلغاء.

1-1- الأثر الرجعي لقرار الإلغاء:

يقول الأستاذ "دي لوبادير"[32] عندما ينطق قاضي تجاوز السلطة بإبطال القرار الإداري المنتقد يكون الإبطال بطبيعته رجعيا ويعتبر القرار وكأنه لم يوجد ابدأ، ويجب ان يقضي على كل اثر قانوني تولد عنه وتلك هي النتائج البديهية لنظرية البطلان .

أ-المبدأ: للإبطال اثر رجعي أي ان القرار محل الأبطال يعتبر كأنه لم يوجد، ويجب أن تختفي كل النتائج المنبثقة عنه، على الخصوص القرارات الإدارية الثانوية ولقد اتضح هذا الرأي في قرار مجلس الدولة بتاريخ 26 ديسمبر 1925 بخصوص قضية "روديار": بقوله: "إذا كان المبدأ يقتضي بان تنظيمات وقرارات السلطة الإدارية، باستثناء تلك المتخذة تنفيذا لقانون له اثر رجعي ، لا يمكن ان تفصل الا بالنسبة للحاضر فان هذه القاعدة يرد عليها استثناء عندما تتخذ تلك القرارات تنفيذا لقرار صادر عن مجلس الدولة والذي بواسطة الابطالات التي يصرح بها تنتج بالضرورة بعض الآثار في الماضي سبب ان القرارات محل الأبطال لتجاوز السلطة تعد كأنها لم تصدر أبدا".

ب- الاستثناءات الواردة على المبدأ:

- إبطال قرار تعيين موظف بديهيا يعتبر الموظف الذي أبطل قرار تعيينه او ترقيته بأنه لم يشغل ابدأ ذلك المنصب إذا طبق هذا المبدأ بقسوة، فان الكثير من الوضعيات القانونية سوف تكون محل نظر بدون سبب، وعلى ذلك قرر قاضي تجاوز السلطة بأن التصرفات والأعمال التي قام بها هذا الموظف في ذلك المنصب صحيحة وان سنوات الخدمة المنجزة من طرف المعني في ذلك المنصب توضع بعين الاعتبار لحساب منحة التقاعد والاقدمية[33].

- إبطال قرار عزل موظف بمقتضى الأثر الرجعي للحكم، يعتبر الموظف وكأنه لم يترك منصبه وكان له مسارا مهنيا عاديا، ونتيجة لذلك يجب ان يحصل على المقابل المالي الذي كان اللزوم أن يتلقاه إن لم يتم عزله، وكأن هذا موقف القضاء لغاية صدور قرار مجلس الدولة في 07 أفريل 1933 في قضية دبرلس والذي غلب قاعدة الخدمة المؤداة ( الخدمة الفعلية)، على مبدأ رجعية البطلان.

-عند إبطال قرار عزل الموظف بناءً على تأثير الحكم الرجعي، يجب عدم اعتبار الموظف قد تمت إزالته من منصبه، ويجب دفع المبالغ المالية التي كان يستحقها الموظف إذا لم يتم عزله، ويتم التمسك بموقف القضاء في قضية دبرلس حتى إصدار قرار من مجلس الدولة في 7 أبريل 1933، الذي يؤكد أن مبدأ الخدمة الفعلية يجب أن يسود على مبدأ البطلان الرجعي

- إبطال غير مشروع: ينمحي واجب الرجعية أمام واجب الطاعة الرئاسية للموظفين إذ يجب على العون الذي نقل الالتحاق بمنصبه، حتى ولو أبطل النقل بعد ذلك، فإن أحجم فأنه يرتكب خطا يقع تحت طائلة العقوبات التأديبية[34].

         على الرغم من أن الموظف ملزم بطاعة الأمر الصادر بنقله إلى مكان آخر حتى وإن كان غير مشروع، إلا أنه يحق له رفع دعوى تجاوز السلطة ضده والحصول على الأبطال. وعلى الرغم من أن حكم القاضي يكون صادرًا في الماضي، فإن الفترة التي عمل فيها الموظف بناءً على أمر النقل تعتبر قائمة فعليًا وتحتسب له أثناء النظر في اقدميته واستحقاقه للترقية، وذلك لضمان حسن سير الموقف العام.

1-2- الأثر المطلق لقرار الإلغاء :

يحوز قرار الإلغاء على القوة المطلقة للشيء المقضي فيه ، ويعد بمثابة إعدام القرار الإداري وغير المعقول ان تكون آثاره قائمة بالنسبة للبعض ومعدوما للبعض الأخر. فلم يشرع الإلغاء القضائي الا لتصويب القرارات الإدارية وضمان مطابقتها لمبدأ المشروعية[35].

أ- الأثر المطلق في مواجهة القرارات الإدارية:

يُشترط وجود شرطين لإلغاء القرارات الإدارية التي اتخذت بناءً على القرار القضائي الملغي، وهما:

-وجود ترابط قانوني بين القرار الإداري المعلق والقرارات الناتجة عنه.

-وجود مخاصمة هذه القرارات أثناء الآجال القانونية بمعية القرار الملغي[36].

وبالتالي كقاعدة عامة يجب توافر الشرطان المذكورين أعلاه ليقوم القاضي الإداري بالنطق بالبطلان دون البحث عما اذا كان القرار الثاني مشوبا ببطلان خاص به ومثال على ذلك: إبطال مخطط مفصل للعمران يرتب إبطال التصريح بالمنفعة العامة[37].

ب- الأثر المطلق في مواجهة الإدارة:

عند صدور الحكم بالإلغاء كأنه يقع على عاتق الإدارة الالتزام بتنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء، وفي حال مخالفتها توقع عليها عقوبات معينة ومع ذلك فإن تنفيذ حكم الإلغاء لا يكون سهلا وميسورا في جميع الأحوال إذ كثيرا ما يقابل صعوبات ومشاكل من الناحية العملية[38].

- التزام الإدارة بتنفيذ حكم الإلغاء:

يجب على الإدارة ان تقوم بتنفيذ حكم الإلغاء تنفيذا كاملا غير منقوص وبدون أي تعمد إلى التراخي أو الإبطاء والتحايل على التزامها بالتنفيذ[39].

لأن الإدارة دوما تنتظر ما سيسفر عنه الاستئناف لتنفيذ القرار القضائي بالرغم من ان القرار يكون فورا بمجرد صدوره وبالتالي الإدارة نادرا ما تحترم هذه القاعدة، وقد تكون بصدد قرار مخالف للتنظيم إذ يجب على السلطة الإدارية المادة انجاز جداول الترقيات التي وقع إبطالها وإعادة بناء المسار الوظيفي وكذا إعادة إدماج الموظف المعزول بطريقة غير شرعية في منصبه[40].

أي ان الموظف الذي أبعد بغير حق عن الوظيفة العمومية، يتعين إعادة إدماجه في سلك وظيفته بشرط إن تتوفر فيه اللياقة البدنية فإجراء إعادة الإدماج يتم بأثر رجعي أي من تاريخ قرار الإبعاد الملغى من طرف القاضي، فالنزاع الناجم عن إبعاد الموظفين هو أرضية لاختيار سلطات الأمر المعترف بها غالب للقاضي الإداري وفي الواقع فان إلغاء مثل هذا القرار يرتب إلزاما على عاتق السلطة الإدارية يتمثل

في إلزامها بإعادة إدماج الموظف دون تماطل في منصبه[41].

-النتائج المترتبة عن عدم التنفيذ:

إذا صدر الحكم قضائي بإلغاء القرار الإداري فإن اثر الحكم هو إعدام القرار بأثر رجعي وكأنه لم يصدر ويعد تنفيذها للقرار الملغى عملا من أعمال العنف ويثير مسؤوليتها.

كما أنها إذا بدأت بتنفيذ القرار وصدر حكم القضاء بإلغاء هذا القرار فان عليها ان تتوقف عن التنفيذ، كما لو صدر قرار إداري بهدم عدة مباني، ونفذت الإدارة على بعضها فقط فإنها يجب ان تكف فورا عن الاستمرار بالتنفيذ عند صدور الحكم، يعد عدم تنفيذ الإدارة لحكم الإلغاء مخالفة لقوة الشيء المقضي فيه وهي مخالفة قانونية لمبدأ أساسي وأصل من الأصول العامة الواجبة الاحترام كما انه ينطوي على قرار إداري سلبي خاطئ باعتباره قرار إداري الامتناع عن تنفيذ حكم.

وهذه المخالفة القانونية فضلا عن إمكان الطعن فيها استقلالا بالإلغاء، تمثل خطا يستوجب مساءلة الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي يمكن ان يكون قد تعرض لها المستفيد من الحكم[42].

2- التزامات الإدارة في تنفيذ قرار الإلغاء :

يترتب عن دعوى الإلغاء المقامة ضد القرار الإداري إلى إعدام القرار الإداري وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه أي يمتد بأثر رجعي إلى تاريخ صدوره، وهنا تلتزم الإدارة بإزالة اثر هذا القرار وإعادة تصحيح الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدروه[43].

ويتمثل واجب الإدارة في تنفيذ حكم الإلغاء في التزامين أساسيين هما:

2-1- الواجب الايجابي:

يتمثل الواجب الايجابي في التزام الإدارة بتنفيذ القرار القضائي على أساس افتراض عدم صدور القرار الملغى من بادئ الأمر وتسوية الحالة على هذا الوضع وذلك نزولا عند سيادة القانون.

فقد تقوم الإدارة بإصدار قرار إداري جديد بإلغاء القرار الإداري الذي كان محل دعوى الإلغاء، أو تقوم بإصدار قرار إداري تهدف من خلاله سحب القرار الملغى[44].

2-2- الواجب السلبي:

إذا صدر حكم قضائي بالغاء القرار الإداري فان اثر الحكم هو إعدام القرار بأثر رجعي أي كأنه لم يصدر، ويعد تنفيذ الإدارة للقرار الملغى عملا غير مشروع يحدث مسؤوليتها. لكن يوجد استثناءا على هذا، وهو أن الإدارة تتحرر من الاعتداء المادي ما يشكل هذا الالتزام السلبي، إذا كان يترتب على تنفيذ قرار الإلغاء حدوث اضطرابات تمس النظام العام[45].

كما ان الإدارة ليست ملزمة في جميع الأحوال بالامتناع عن إصدار القرار بعد إلغائه، ذلك أن إلغاء القرار لعيب من العيوب التي تمس المشروعية الخارجية للقرار لا يمنع الإدارة من مباشرة إجراءات جديدة تصحح فيها العيوب الشائعة غير ان إلغاء القرارات لمخالفة القانون او الانحراف بالسلطة يمنع الإدارة من العودة إلى إصدار نفس القرار، وبنفس المعطيات، التي ألغي على أساسها القرار الأول الا في حالة تغيير الأسانيد القانونية أو المادية. والغالب ان يكون منطوق القرار واضحا وتنفيذه ميسورا كالقرار بإلغاء الذي يفصل موظفا، أو يرفض ترخيصا ، فهنا لا يوجد صعوبة إلا إذا خرقته الإدارة بتعنتها وسوء نيتها[46].

فلا يسوغ إنكار الإدارة العامة وتجاهلها لقاعدة قانونية تلزمها بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، لأنها تمس بصفة مباشرة عدالة الدولة وتنكر حقوق أقرها قضاؤها فذلك يخول للقاضي الإداري إلغاء قرار الامتناع، كما قد يشكل امتناعها نوعا من أعمال التعدي بما يستدعي ترتيب مسؤولية الإدارة[47].

ثانيا: تنفيذ القرار القضائي الإداري القاضي بالتعويض :

تعرف المسؤولية بأنها الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة ومؤسساتها والهيئات العامة الإدارية نهائيا بدفع التعويض عن الضرر او الأضرار التي تسببت فيها للغير بفعل أعمالها الإدارية الضارة سواء كانت هذه الأعمال الإدارية الضارة مشروعة او غير مشروعة[48].

1- أساس الحكم او القرار القضائي الصادر بالتعويض :

عندما يصدر الحكم او القرار بالتعويض ضد الإدارة اما بناء على مسؤوليتها العقدية أو التقصيرية أو حتى ولو لم ترتكب الإدارة خطأ ،إداري، وقد يصدر بناء على امتناع الإدارة عن قرارات الإلغاء أولا تتخذ الإجراءات الضرورية لتنفيذه إذ أنه إلى جانب حق المحكوم له في طلب إلغاء القرار الإداري له حق المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من القرار الإداري.

والتعويض بصفة عامة اما يكون عينيا وهذا هو الأصل في الالتزامات التعاقدية إما الالتزامات التقصيرية فان الأصل هو التعويض بمقابل، سواء كان هذا المقابل نقدا او غير نقد وهذا طبقا لنص المادة 132 من القانون المدني حيث تنص على: "يقدر التعويض بالنقد، على أنه يجوز للقاضي، تبعا للظروف وبناء على طلب المضرور، ان يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، أو أن يحكم وذلك على سبيل التعويض، بأداء بعض الإعانات تتصل بالفعل غير المشروع".

 

2- القواعد المطبقة لتنفيذ أحكام وقرارات التعويض الصادرة ضد الإدارة:

نص المشرع الجزائري في القانون 22/13 الصادر في تعديل 2022  الذي يتضمن تنفيذ القرارات القضائية الإدارية، و الذي يميز  عملية التنفيذ في المادة الإدارية بوجود الإدارة طرفا في تلك العملية مما يبرر محاولة المشرع إيجاد أنماط خاصة للتنفيذ في هذه المادة، لاسيما عندما يتعلق موضوع السند التنفيذي بدفع مبالغ مالية، أين لا يمكن ممارسة القواعد العامة في مجال الحجز على أموال المدين لأنها أموال عمومية غير قابلة للحجز 16، الأمر الذي يُصعب تنفيذ هكذا سندات.

بالعودة إلى التعديل الجديد لقانون الإجراءات المدنية والإدارية نلاحظ أن المشرع لم يأتي بأحكام جديدة فيما يخص عملية التنفيذ وهذا يعتبر من النقائص التي احتوها هذا التعديل لاسيما مع كثرة إشكالات تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية وصعوبة مواجهة الإدارة بهذه سندات إنّ التمعن في مختلف الإجراءات الواردة في نفس المادة يفيد أن المحضر القضائي يتبع تقريبا نفس الإجراءات التي كان ينص عليها القانون رقم 91-02 الملغى بموجب المادة 14 فقرة 2 من القانون رقم 22-13، وتتمثل إجراءات التنفيذ فيما يلي:

- يجب على المحضر القضائي أن يقوم بتبليغ السند التنفيذي مع محضر التكليف بالوفاء ويمنح للإدارة مهلة شهرين  للتنفيذ.

- في حالة عدم التنفيذ يقوم المحضر القضائي بتحرير محضر عدم التنفيذ ويطلب تحصيل مبلغ الدين ومختلف المصاريف من أمين الخزينة لجهة المحكوم عليه، ويرفق العريضة بالمحاضر الثبوتية مع رقم الحساب الجاري للدائن. من خلال إجراء مقارنة بين ما ورد في نص المادة 986 والقانون رقم 91-02، نلاحظ أن المشرع ميّز بين إجراءات التحصيل بالنسبة لأشخاص القانون الخاص وأشخاص القانون العام بمعنى أنه في حالة كون الدين خاص فإنّ المحضر القضائي هو من يباشر الإجراءات ويقدم الطلب في شكل عريضة أمام أمين الخزينة، لكن إذا تعلق الأمر بدين بين شخصين من أشخاص القانون العام، فإنّ الشخص العام لا يتبع نفس الإجراءات وليس المحضر القضائي من يسعى أمام أمين الخزينة، وإنما الإدارة المستفيدة من التحصيل هي التي تقدم العريضة مع الوثائق الثبوتية.

يطرح نفس الإشكال بالنسبة للدائن الشخص الخاص أين حدد المشرع مدة شهرين للإدارة للتنفيذ الودي ولا يحق للمحضر القضائي تحرير محضر امتناع إلا بعد مرور هذه المدة، وبعد تقديم الطلب للتحصيل أمام أمين الخزينة فقد منحت لهذا الأخيرة مهلة ثلاثة أشهر لتحويل المبلغ لحساب الدائن، بمعني أن تنفيذ السند القضائي قد يستغرق خمسة أشهر، مما يؤثر سلبا على حقوق الدائن لاسيما الشخص الطبيعي الذي يكون بحاجة ماسة لتلك المبالغ وقد يفوت عليه هذا التعطيل القيام بمشاريعه .

- استعمال المشرع لعبارة "يمكن ..." تفيد غياب الصرامة في عملية التنفيذ الجبري عن طريق أمين الخزينة وتفيد السلطة التقديرية لهذا الأخير لمباشرة عملية الاقتطاع أو عدم القيام بذلك، مما ينقص من فعالية السندات القضائية التي تصدر باسم الدولة، ومع ذلك يبقى السند التنفيذي حبيس رغبة أمين الخزينة، وكأنّ هذا الأخير هو المقرر النهائي لمصير السندات القضائية في المادة الإدارية.

وأخطر من ذلك فإنّ المشرع لم يجد حلا بديلا لحالة رفض أمين الخزينة تحويل المبلغ، فلماذا لم يقرر إمكانية الطعن في موقف أمين الخزينة عند الرفض أمام الجهة الإدارية الأعلى أو على الأقل السماح للقاضي الإداري أن يتدخل لأمره بالتحويل تكملة لعملية التنفيذ بأتم معنى الكلمة.

المبحث الثاني: صعوبات تنفيذ الادارة للقرارات و الأحكام القضائية

يرتبط تنفيذ القرارات القضائية الإدارية في البداية والنهاية بالإدارة التي يفترض عليها أن تنصاغ تلقائيا لحكم القانون، حيث يجب عليها احترام مبدأ إلزامية تنفيذ القرارات القضائية الإدارية التي تصدر باسم الشعب. إلا أن هذا المبدأ يعرف مساسا من طرف الإدارة في بعض الحالات، إن لم يكن في أغلبها، ويعد هذا انتهاكا خطيرا للقوة الملزمة للقرارات القضائية الإدارية، وتحد صارخ للرقابة القضائية على أعمال الإدارة، وهدراً لحقوق من صدر القرار القضائي الإداري لصالحه[49].

تعترض الإدارة في تنفيذها للقرارات القضائية الإدارية عقبات، قد تكون راجعة للإدارة أي يكون مصدرها الإدارة ، كما يمكن أن تواجهها عقبات خارجة عن إرادتها .

المطلب الأول:  صعوبات التنفيذ المرتبطة بالإدارة

تتمثل صعوبات تنفيذ الادارة للقرارات و الأحكام القضائية المرتبطة بالإدارة في امتناع هذه الأخيرة عن تنفيذ القرار أو الحكم القضائي الاداري أو تنفيذه تنفيذا معيبا .

الفرع الأول  :الامتناع عن تنفيذ القرار القضائي الإداري:

لا يعني الامتناع الإرادي عن التنفيذ مجرد رفض الإدارة تنفيذ الحكم، وإنما هو يعكس إصرارا وتصميما على عدم تنفيذه  فلا يحق لها التذرع بأنها قد استهدفت بالامتناع المقصود تحقيق المصلحة العامة[50]، وقد يكون هذا الإمتناع ضمني بتحايل الإدارة من أجل عدم التنفيذ، أو يكون صريح وذلك بالامتناع العمدي عن التنفيذ.

و امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة لصالح الأفراد العديد من الصور يجمعها قاسم مشترك ألا وهو سوء النية والرغبة في عدم تنفيذ الحكم على النحو الذي قصدته المحكمة لتحقيق غاية المدعي من دعواه[51]، وتتراوح هذه الصور فيما يلي:

 

 

1 - الامتناع الصريح:

تتعمد الإدارة عدم تنفيذ القرار القضائي، ويكون ذلك بصدور قرار إداري صريح يفهم منه رفض الإدارة القاطع لتنفيذ القرار القضائي الإداري الذي لا يدع مجالاً للشك في مخالفتها لحجية الشيء المقضي به وخروجها على أحكام القانون[52].

تستهزأ الإدارة في هذه الحالة بما يرتبه موقفها من آثار، وتكون بذلك مهدرة لقيمة قوة القوانين ولحجية الأحكام، وهيبة الدولة والقضاء، وهدم لمبدأ المشروعية، ولنظام الرقابة القضائية من أساسها وتجريدها من أي قيمة أو فعالية[53].

تظهر هذه الحالة في عدة قرارات صادرة عن مجلس الدولة، حيث أن المدعي في الخصومة القائمة تقدم بطلب للغرفة المحلية أو الجهوية يلتمس منها الحكم على خصمه (إدارة) بتنفيذه القرار القضائي النهائي الصادر منها لصالحه تحت طائلة غرامة تهديدية، وإذ كان مجلس الدولة رفض هذا الطلب على أساس عدم جواز الحكم على الإدارة بالتنفيذ تحت طائلة غرامة تهديدية ومع ذلك ثابت من وقائع النزاع أن المدعي لجأ لرفعه دعواه بعدما انتظر أكثر من ثلاث سنوات ولم تنفذ الإدارة القرار الصادر ضدها[54].

ومثال ذلك نجد القرار رقم 207547 الصادر بتاريخ 2000/06/27، والقرار رقم 207548 الصادر بتاريخ 2000/07/24، والقرار رقم 204326 الصادر بتاريخ 2000/09/25 حيث إنتظر المدعون الأصليون سنة 2000 لرفعهم دعوى الغرامة التهديدية لجبر المدعى عليها ولاية عين تموشنت بتنفيذها القرار الصادر لصالحهم في 1997.[55]

والقرار رقم 5710 الصادر بتاريخ 2002/11/05 والقرار رقم 12411 الصادر بتاريخ 2004/04/06 حيث انتظر المدعيان فيهما سنة 2000 و 2002 لرفعهما دعوى الغرامة التهديدية لجبر المدعى عليهما وعلى التوالي بلدية "الجزائر" وبلدية "بن سرور" بتنفيذهما القرار الصادر لصالحهما في 2000 و 2004 إذ ثابت من حيثيات هذه القرارات أن الإدارة لم تقدم أي دليل أو سبب على امتناعها وأكد المحضر في محاضر الإمتناع عن التنفيذ هذا الرفض الصريح دون أي عذر[56].

2 - الإمتناع الضمني:

تواجه الإدارة تنفيذ الحكم بالصمت، وهذه الصورة هي الأكثر شيوعاً في تجسيد رفض الإدارة لتنفيذ الأحكام القضائية، فهي تلجأ إلى هذه الوسيلة دون حاجة إلى إصدار قرار صريح بالرفض، بل يكفي أن تسكت عن إتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ، فهي لا تسلك موقفا إيجابيا أو سلبيا، إذ أنها لا تتصرف ولا تتخذ موقفا معبرا عن رغبتها أو نيتها [57].

يمكننا الإشارة إلى الأمثلة التطبيقية عن ذلك في الجزائر، نجد القرار الصادر بتاريخ 2/2007/02/28 تحت رقم 31408 إذ جاء من بين أسبابه...حيث أن أصل النزاع يدور حول مطالبة المستأنف عليها المستثمرة الفلاحية الجماعية رقم 02 بإلغاء القرار الولائي 97/845 الذي خصص المستأنف عليه قطعة أرض تابعة لوعائها العقاري...حيث ثابت أن والي بومرداس كان قد اتخذ قرارا في 1997/07/21 تضمن إفادة المستأنف بجزء من وعاء المستثمرة وألغي هذا القرار من طرف الغرفة الإدارية الجهوية في 1998/12/01 وأيده مجلس الدولة بموجب القرار الصادر في ... 2001/03/12 حيث ثابت إذا أن والي ولاية بومرداس باتخاذه القرار موضوع الإلغاء قد تجاوز سلطته حين تعدى القرارات التي قضت ببطلان تصرفاته على القطعة نفسها واتخذ طريقا ملتويا للمساس بالقطعة عن طريق قرار آخر[58] .

يؤدي هذا الإمتناع المتكرر، سواء كان صريحًا أو ضمنيًا من الإدارة بالمتقاضي إلى اللجوء إلى القاضي الإداري باعتباره حام للحقوق والحريات العامة لإلغاء القرار الإداري أو الإكتفاء بالتعويض، مع الإشارة إلى أنّ إمتناع الإدارة ليس دائما ظاهرا لأنه يعتبر "... أسلوبا مكشوفا لا يتناسب مع إدارة متحضرة هدفها تحقيق المصلحة العامة...[59]، بل هي في أحيان كثيرة تتذرع بدواعي النظام العام، وأحياناً تلجأ إلى الانحراف بالإجراءات بما يسمح لها بإصدار قرارات إدارية تراعي فيها الشكليات القانونية لكنها تهدف لنتيجة واحدة، وهي عرقلة تنفيذ القرارات القضائية الإدارية[60].

ثانيا : التنفيذ المعيب للقرار القضائي الإداري:

تختلف هذه الحالة عن سابقتها في أن الإدارة لا تمتنع عن التنفيذ ولا تتنكر منه، وإنّما على العكس تتولى اتخاذ إجراءات وضع الحكم موضع التطبيق العملي، غير أنها وهي تفعل ذلك، يكون فعلها معيبا ولا يتفق وما ينبغي أن يكون عليه التنفيذ المقضي قانونا.

فإذا كان هذا الأخير يتوجب أن يتم كاملا، فإنّها تخالف ذلك وتؤديه جزئياً أو متأخرا[61].

1 - التنفيذ الجزئي للقرار:

يستند صدور الحكم أسباب جوهرية، ومن ثم وجب على الإدارة والأشخاص المعنوية العامة أن تحترم قوة الشيء المقضي فيه، وهذا ما يعتبر أفضل بكثير من عدم إحترامه، إلا أن الملاحظ قد تلجأ الإدارة رغبة منها في إعاقة تنفيذ الحكم الصادر ضدها مما يجعلها تنفيذ الحكم تنفيذاً ناقصا مبتورا، بحيث لا تتحقق معه غاية إصدار الحكم وغرض المحكمة من إصداره[62].

يكون تعسف الإدارة تجاه من صدر لصالحه الحكم في هذه الحالة واضحا في أجل صورة، وسوء نيتها مبينا لما في ذلك من إهدار لقيمة الحكم وإستحقاق بما يحوزه من حجية توفر له الإحترام الواجب[63].

يجب أن يكون تنفيذ الحكم كاملا غير منقوص في أساسه خاصة في النطاق الذي حدده قضاؤه، حيث تتعدد مظاهر التنفيذ الناقص للحكم، فمثلا يشمل على إعادة الموظف المفصول بقرار غير مشروع في وظيفة أقل درجة من التي كان يشغلها قبل أن يصدر في حقه قرار الإلغاء، إلا أنّه يلتزم بأن يعاد إلى الوظيفة نفسها المشغولة من طرفه حتي ولو تم صدور قرار ترتب من خلاله تعين من خلفه في وظيفته، وهذا ما أيدته المحكمة الإدارية العليا حينما قضت "بأن مقتضى الحكم الحائز لقوة الأمر المقضي الذي قضى بإلغاء القرار المطعون فيه هو إعدام هذا القرار ومحو آثاره من وقت صدوره في الخصوص و بالمدى الذي حدده الحكم ومن ثمّ فلا يكفي أن يقتصر تنفيذ الحكم على مجرد إعادة الموظف إلى الخدمة، ولكن في مرتبة أدنى ودرجة أقل، وإلا لكان مؤدي ذلك أن الحكم لم ينفذ في حقه تنفيذا كاملا، بل نفذ تنفيذا مبتورا منقوصا، ولكن هذا بمثابة تنزيل له في مرتبة الوظيفة وفي درجتها، وهو جزاء مقنع[64].

       تتمثل المظاهر الأخرى للتنفيذ الناقص للحكم عدم إدراج مدة الفصل في مدة العمل أو عدم صرف التعويضات التي تكون لازمة للموظف عن فترة الفصل، أو تخفيض درجته، وعدم ترقيته، مثل الموظفين الأخرين الذين تم ترقيتهم أثناء فترة الفصل، وما على المتضرر إلا اللجوء للقضاء لأنه من الواجب أنّ الإدارة هي التي تنفذ القرارات القضائية الملزمة لها، وإن لم تنفذ وجب الرجوع للقاضي قصد المطالبة بالتعويض[65].

2 - التنفيذ المتأخر للقرار:

تختار الإدارة الوقت المناسب لتنفيذ الحكم في ضوء الظروف والتعقيدات الإدارية إلا أن تراخي الإدارة في التنفيذ يرتب عليها مسؤولية في حالة تجاوز تأخرها المدة المعقولة التى بمضيها يفقد الحكم قيمته[66]، حيث أن رفض التنفيذ من طرف المحكوم عليه، وإنقضاء ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم يكون مبررا لطلب الغرامة التهديدية لتنفيذه، إلا أنّه فيما يخص الأوامر الإستعجالية لم يحدد لها أجل معين، إلا أنه يمكن القول أنه لا مسؤولية للإدارة عند تنفيذ الحكم ولا يعتبر سلوكها تراخيا إذا كان هناك ما يبرر تأخرها، أو أدت إليه ظروف طارئة ينتفي معها سوء نيتها[67].

إرتبط التراخي في التنفيذ سابقا بالمدة التي يتم فيها التنفيذ، حيث نجد أن هذه المدة لم يحددها المشرع ولا القاضي الذي يتمتع بسلطة إصدار الحكم ويرجع ذلك إلى سببين:

أولهما أن تنفيذ الأحكام الإدارية تثار من خلاله مشاكل وصعوبات، تتعلق بشكل خاص بإلغاء القرارات الإدارية وثانيها أن عدم تحديد المدة التنفيذية للحكم الإداري الصادر ضد الإدارة هو جواز التنفيذ الجبري ضدها، حيث أن المدة تختلف بإختلاف نوعية الحكم[68].

يجب على هذا الأساس على الإدارة تنفيذ الحكم في الوقت المتطلب للتنفيذ وإلا تم إعتبار ذلك قرارا سلبيا بعدم التنفيذ و المشرع الجزائري حدد المدة القصوى لتنفيذ الحكم المتضمن إدانة مالية ضد الإدارة حيث ألزم أمين الخزينة بالتنفيذ في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر[69].

تنص المادة 987 من ق. إ. م. إ على أنه: "لا يجوز تقديم طلب إلى المحكمة الإدارية من أجل الأمر باتخاذ التدابير الضرورية لتنفيذ حكمها النهائي وطلب الغرامة التهديدية لتنفيذه، عند الاقتضاء، إلا بعد رفض التنفيذ من طرف المحكوم عليه، وانقضاء ثلاثة أشهر، يبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم، غير أنه فيما يخص الأوامر الإستعجالية، يجوز تقديم الطلب بشأنها بدون أجل"[70] .

المطلب الثاني: صعوبات التنفيذ التي تواجه الادارة

تثار عن عدم تنفيذ القرارات القضائية الإدارية صعوبات تتحجج بها الإدارة من أجل عدم التنفيذ، والمتمثل في الصعوبات القانونية ، والصعوبات المادية .

الفرع الأول : الصعوبات القانونية للتنفيذ :

يستحيل تنفيذ الحكم أو القرار القضائي الإداري بسبب إستحالة ترجع إلى نص قانوني أو إستحالة تستقر على مبدأ من المبادئ القانونية، وتظهر الصعوبات القانونية لتنفيذ القرارات القضائية الإدارية في ثلاثة أمور هي:

1 - التصديق التشريعي:

يراد بالتنظيم التشريعي أن يقوم المشرع بإصدار تشريع أو تقوم الإدارة بإصدار قرار تنظيمي أو لائحي يتم بموجبه تصحيح آثار تترتب على حكم الإلغاء، وهذه الحالة يراد منها تصحيح القرار الإداري الملغى، وتجد الإدارة بهذه الحالة نوعا من التحرر إزاء إلتزاماتها بالتنفيذ، لكن يثار الإشكال حول التنظيم التشريعي، ومدى التوافق بينه وبين حجية القرار القضائي الإداري[71]، وهنا يتم التميز بين الحالتين:

أ - إن التصحيح لا يشمل إلا الأثار المترتبة على القرار الملغى ولا يتعدى إلى المضمون، فهنا الإدارة تعفى من التزامها بتنفيذه بالنسبة للمرحلة الأولى غير أنها تظل ملزمة بتنفيذ مقتضيات القرار القضائي التالية لصدوره.

ب - أن المشرع لا يستطيع القيام بإجراء التصحيح لدافع شخصي، بل تكون غاية التصحيح تحقيق الصالح العام[72].

2 - وقف تنفيذ القرار القضائي الإداري:

نص المشرع الجزائري على وقف تنفيذ القرار القضائي وجعله من اختصاص مجلس الدولة[73]، فإن الإدارة تمتنع عن التنفيذ لسبب خارج عن إرادتها وسلطاتها ومفادها إستحالة قانونية، ومن الجدير بالإشارة أن إستحالة التنفيذ وفقا لهذه الحالة لا تقع على الفترة التي سبقت صدور الحكم أو القرار المطعون فيه فحسب، وإنما تمتد إلى تلك اللاحقة له، وذلك لأنّها حالة عارضة غير دائمة، إذ تضل قائمة طيلة مدة قابلية الحكم أو القرار للطعن، وتتحدد نهايتها بأحد الأمرين : إما نفاذ مدة الطعن التي بفواتها دون إجرائه يصبح الحكم نهائيا ويكون واجب التنفيذ، وإما بصدور حكم نهائي من مجلس الدولة بالإلغاء الحكم أو القرار المطعون فيه، حينئذ تتحلل الإدارة كلية من تنفيذه أو بتأكيد الحكم، وهنا تعود للحكم قوته التنفيذية ويصير واجب التنفيذ[74].

3 - إلغاء القرار القضائي الإداري من طرف مجلس الدولة:

يصدر من مجلس الدولة في هذه الحالة قراراً قضائيًا يقضي بإلغاء القرار القضائي محل التنفيذ فيصير بذلك محل التنفيذ منعدما وفي هذه الحالة تتحرر الإدارة من إلتزاماتها بالتنفيذ[75]، ومن تطبيقات ذلك ما صدر في القضاء المصري من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2202 لسنة 1993 جلسة 1993/07/27 مما جاء فيه "... ومن حيث أنه من المعلوم أن يترتب على صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم صادر من محكمة القضاء الإداري أن يزول لكل ما كان للحكم الملغي من آثار بحيث يعود الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم المذكور"[76].

الفرع الثاني : الصعوبات المادية للتنفيذ

يرجع إمتناع الإدارة عن تنفيذ التزاماتها إلى واقعة خارجة عن نطاق القرار القضائي، بحيث يعتري تنفيذ القرار عارضا يستحيل معه التنفيذ، ومراد هذه الإستحالة لا يخرج عن صورتين:

1 - الإستحالة الشخصية:

يستحيل في هذه الحالة تنفيذ القرار القضائي الإداري والسبب يرجع إلى الشخص المحكوم له، بحيث تطرأ ظروف تؤدي إلى إستحالة التنفيذ، ومثال ذلك هو بلوغ الموظف المحكوم بإلغاء فصله من التقاعد، فتنفيذ هذا الحكم بعد إجراء مستحيلا[77].

بالنسبة للجزائر، فإنّه في حالة صدور قرار قضائي إداري بإلغاء قرار فصل موظف بلغ سن التقاعد، فإنه يتعين على الإدارة أن تصدر قرارين إداريين يقضي الأول منهما بإعادة الموظف المفصول تنفيذا للقرار القضائي، أما الثاني فيقضي بإحالته على التقاعد وذلك من أجل احتساب وتقدير معاش التقاعد، فالتنفيذ هنا يكون صوريا[78].

2 - الإستحالة الظرفية:

تتمثل هذه الإستحالة في الظروف الخارجية التي قد تحيط بتنفيذ الحكم القضائي، فتؤدي إلى عدم إمكانية تنفيذه، أو أن يكون مرجعيًا سبب أجنبي لم تستطيع الإدارة دفعه، ومن ثمة حال بينه وبين تنفيذه، وإن كان عدم التنفيذ هنا راجع لظروف خارجية، فإنّ الإدارة تكون ملزمة بالتعويض لصالح المحكوم على أساس المخاطر، بإعتبارها لم ترتكب خطأ وإنّما كان بسبب أجنبي عنها، كما لو كانت مطالبة بتنفيذ قرار يقض بتسليم وثائق معينة، غير أن تلك الوثائق قد تلفت نتيجة حريق نشب بمصالحها، أو فقدت رغم ثبوت إتخاذها كافة الإحتياطات الممكنة للحفاظ عليها[79]، كما هو الحال عند عدم توفر المناصب الوظيفية المالية لتعيين وإدماج الموظف العام فيها فتمتنع الإدارة عن تنفيذه، ففي هذه الحالة للإدارة الحق في عدم إستجابتها للأمر بالتنفيذ، وبالتالي لا يرتب عليها أي جريمة[80].



[1] معجم المعاني، على موقع: https://www.almaany.com/ ، تاريخ الاطلاع: 01/04/2023، على الساعة: 21:36.

[2] عبد الكريم عبد الكريم، اتخاذ القرار، كلية الادارة و الاقتصاد، بابل، العراق، ص 01.

[3] أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، المجلد 3، مكتبة لسان العرب، 2008، ص 448.

[4] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990، ص 98.

[5] صلاح عبد الحميد السيد الحكم الإداري و الحكم المدني، مجلة مجلس الدولة، مصر، 10/09/08 ص 216.

[6] صبرين غول ، تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية في دعوى الإلغاء، مذكرة ضمن متطلبات نيل شهادة الماستر حقوق، تخصص دول ومؤسسات كلية الحقوق جامعة الجلفة 2016/2015، ص 7.

[7] حسينة شرون، المسؤولية بسبب امتناع الادارة عن تنفيذ القرارات القضائية الإدارية والجزاءات المترتبة عنها، مجلة المفكر، العدد الرابع جامعة محمد خيضر بسكرة، 2009، ص 03.

[8] صلاح عبد الحميد السيد، المرجع نفسه، ص 216

[9] عبد السلام ذيب قانون الإجراءات المدنية الإدارية الجديد ترجمة للمحاكمة العادلة، موقم للنشر، الجزائر، سنة 2009، ص 404.

[10] محمود السيد عمر التحيوي، نطاق سلطة القاضي في إطار الأمر القضائي وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 1999، ص 11.

[11] نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الخصومة التنفيذ التحكيم، دار الهدى للنشر، الجزائر، 2008، ص 296.

[12] حسين فريجة، مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة الجزائر، 1990، ص 122.

[13] خلوفي رشید قانون المنازعات الإدارية شروط الدعوى، الطبعة الثانية ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2006، ص 152.

[14] انظر المادة 1011 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .

[15] تنص المادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها.

[16] تنص المادة 977 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على تطبق المقتضيات الواردة في هذا القانون المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم وطرق الطعن فيها على أحكام التحكيم الصادرة في المادة الإدارية "

[17] تنص المادة 1032 من نفس القانون على : أحكام التحكيم غير قابلة للمعارضة ويجوز الطعن فيها عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة أمام المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم.

[18] أما المادة 1033 من ذات القانون فتنص على : يرفع الاستئناف في أحكام التحكيم في اجل شهر واحد من تاريخ النطق بها أمام المجلس القضائي الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم ما لم يتنازل الأطراف عن كل حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم .

[19] و تنص المادة 1034 من نفس القانون على : تكون القرارات الفاصلة في الاستئناف وحدها قابلة للطعن بالنقض.

[20] نبيل صقر ، المرجع السابق، ص ص: 547- 561.

[21] بربارة عبد الرحمان، طرق الإثبات في الإجراءات المدنية والجزائية وفق التشريع الجزائري لاسيما قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قانون رقم 09/08 منشورات بغدادي، الجزائر، 2009، ص 65.

[22] بن عائشة نبيلة المرجع السابق، ص 46.

[23] انظر المادة 281 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

[24] بربارة عبد الرحمان، المرجع السابق، ص: 141.

[25] رمضان فريد، تنفيذ القرارات القضائية الإدارية وإشكالاته في مواجهة الإدارة، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية، تخصص قانون إداري وإدارة عامة كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2014، ص33.

[26] أنظر نص المادة 895 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .

[27] حسن سعد عبد الواحد، تنفيذ الأحكام الإدارية مجموعة، رسائل دكتوراه مطابع مجلس الدفاع الوطني  ، مصر، 1984، ص 15.

[28] بشر محند، الطعن بالاستئناف ضد الأحكام الإدارية في الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991، ص 109.

[29] تنص المادة 908 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على : الاستئناف أمام مجلس الدولة ليس له أثر موقف.

[30] بوعلي سعيد، المنازعات الإدارية في ظل القانون الجزائري، دار بلقيس للنشر، الجزائر 2014، ص 207.

[31] لحسن بن شيخ اث ملويا، دروس في المنازعات الإدارية، ط2، دار هومة، 2006، ص451.

[32] فقيه فرنسي متخصص في القانون الاداري، (24/09/1910-17/10/1981 بباريس).

[33] لحسن بن الشيخ أث ملويا نفس المرجع السابق، ص 453.

[34] المرجع السابق، ص ص 454 457.

[35] سليمان محمد اطماوي القضاء الاداري الكتاب الأول، (قضاء الإلغاء)، دار الفكر العربي، سنة 1986، ص 1057.

[36] عبد القادر عدو، المرجع السابق، ص 46.

[37] حاحة عبد العالي، محاضرات ألقيت على طلبة الكفاءة المهنية للمحاماة ، جامعة بسكرة، (2009- 2010)، ص 35.

[38] خميسي نور الدين، فيلالي خالد، المرجع السابق، ص 5.

[39] عبد الغني بسيولي عبد الله القضاء الإداري منشأة المعارف، الإسكندرية، 1996، ص 703.

[40] محمد خميسي فيلالي ،خالد، مرجع سابق، ص 6.

[41] سعيد مقدم، الوظيفة العمومية بين التطور والتحول من منظور تسيير الموارد البشرية وأخلاقيات المهنة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010، ص 338.

[42] قاسمي بدرة، أثار دعوى الإلغاء على حقوق أطرافها، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في الحقوق، تخصص قانون إداري، جامعة محمد خيضر بسكرة، (2010/2011)، ص ص  52 53.

[43] حمدي ياسين عكاشة، الأحكام الإدارية في قضاء مجلس الدولة الإسكندرية، 1996، ص 306.

[44] عمار عوابدي، نظرية القرارات الإدارية بين علم الإدارة والقانون الإداري، دار هومة، الجزائر، 1999، ص 170.

[45] مغاوري محمد شاهين، القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفعالية والضمان، المكتبة الأنجلو مصرية، 1986، ص 73.

[46] خميسي نور الدين، فيلالي خالد، المرجع السابق، ص7.

[47] حسينة شرون، المرجع السابق، ص 182.

[48] عمار عوابدي، نظرية المسؤولية الإدارية ( نظرية تأصيلية تحليلية ومقارنة) ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ص 24.

[49] بلماحي زين العابدين الوسائل القانونية لضمان تنفيذ القرارات القضائية الإدارية، رسالة ماجستير في القانون العام، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان 2008، ص 62.

[50] محمد باهي أبو يونس الغرامة التهديدية، الطبعة الثالثة، دار الجامعية الجديدة، الإسكندرية، 2012، ص 149.

[51] عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص 30.

[52] بلماحي زين العابدين، المرجع السابق، ص 63.

[53] أمال يعيش تمام، المرجع السابق، ص 97.

[54] بن صاولة شفيقة، المرجع السابق، ص 328

[55] بن صاولة شفيقة، المرجع نفسه، ص 328.

[56] بن صاولة شفيقة المرجع نفسه، ص 328.

[57] بوهالي مولود المرجع السابق، ص 27.

[58] بن صاولة شفيقة، المرجع السابق، ص 329 .

[59] بلماحي زين العابدين، المرجع السابق، ص 64.

[60] بلماحي زين العابدين المرجع السابق، ص ص 64 - 65.

[61] محمد باهي أبو يونس، المرجع السابق، ص 158.

[62] إبراهيمي فايزة، الأثر المالي لعدم تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، د ط دار الهدى الجزائر، 2013، ص ص 188-189.

[63] عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص 31.

[64] عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص 32

[65] إبراهيمي فايزة المرجع السابق، ص ص 190 191 .

[66] عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص 30.

[67] إبراهيمي فايزة المرجع السابق، ص ص 193 - 194.

[68] إبراهيمي فايزة، المرجع نفسه، ص 194.

[69] المادة 08 من القانون رقم 02/91 تنص على أن: " يسدد أمين الخزينة للطالب أو الطالبين مبلغ الحكم القضائي النهائي وذلك على أساس هذا الملف وفي أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر".

[70] إبراهيمي فايزة المرجع السابق، ص ص 195 – 196.

[71] أحمد محيو، المنازعات الإدارية، ترجمة فائز أنجق وبيوض خالد د ط، ديوان المطبوعات الجامعية، 1994، ص201.

[72] إبراهيم حسونات، الأثر المالى لعدم تنفيذ القرارات القضائية الإدارية، رسالة ماستر في الحقوق، تخصص قانون إداري، جامعة محمد خيضر ، بسكرة ، ،2014، ص ص 13-14.

[73] إبراهيم حسونات، المرجع السابق، ص 14.

[74] رمضاني فريد، المرجع السابق، ص 109

[75] إبراهيم حسونات، المرجع السابق، ص14.

[76] بوهالي مولود، المرجع السابق، ص 42.

[77] رمضاني فريد المرجع السابق، ص 110

[78] بلماحي زين العابدين، المرجع السابق، ص 51.

[79] بوهالي مولود، المرجع السابق، ص 45

[80] مراد عبد الفتاح، جرائم الإمتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الإمتناع، دار الكتاب والوثائق، مصر، ص 133.

NameE-MailNachricht