الرؤية الفكرية العامة
لسلامة موسى
المطلب الأول: لماذا
سلامة موسى؟
عانى سلامه موسى كثيرا من
الاضطهاد بسبب افكاره الانتقادية والتحررية وسعيه الدؤوب إلى تحرير الذهنية
العربية وإنهاض الأمة من غفوتها وسباتها وبؤسها وساهم في تقريب الثقافة الانسانية
والتقدمية العالمية إلى قلوب وعقول الناس وآمن بقدرة العقل البشري في مواجهة العجز
الفردي والاجتماعي والفكري والتخلص من الفساد والاستبداد والظلم وإصلاح المجتمع،
وتمرس في بدايات حياته الفكرية على الكتابة وكان على صلة بالمقتطف والهلال ورئيس
تحرير مجلة "المستقبل" و" الهلال"، ومن خلال صلاته وعلاقاته
بيعقوب صروف وفارس نمر وجرجي زيدان اكتسب الخبرة والتجربة الكتابية واتجه إلى تبسيط
المعلومات وإخراجها بأسلوب شفاف وبسيط وواضح المعاني وسهل الفهم ومليء بالشحنات
العاطفية، وتعتبر كتبه "التثقيف الذاتي" و "طريق المجد
للشباب" و"الأدب للشعب" و"أحاديث إلى الشباب" و "فن
الحب والحياة" "وهؤلاء علموني" و "مقالات ممنوعة" من
أكثر الكتب انتشارا بين قطاعات الشباب والقراء في العالم العربي.
وانصب اهتمام سلامة موسى
على التعريف بأهمية النهضة الادبية الاوروبية ورأى في الأدب العربي الذي انتشر في
أوروبا من خلال الأندلس الفضل الكبير في انبثاق الثورة الرومانسية في الأدب
الأوروبي، كما انه يرى ان اللغة العربية التي عرفها عند تفتحه الذهني ترسف في
أغلال قديمة ولهذا اتخذ منها موقفا معاديا ووقف بحزم ضد أصحاب العقلية السلفية
الذين كانوا برأيه عقبة كأداء في سبيل تطوير اللغة العربية، ونعى كل من حاول تقليد
ومحاكاة أسلوب الجاحظ على ما فيه من رشاقة وجمال، وخاض المساجلات العنيفة مع مصطفى
صادق الرافعي ورشيد رضا واتهماه بالكفر والزندقة والخروج على المألوف من الأعراف،
وهذه التهم كانت تجد من يصدقها بسبب الجمود العقائدي الذي ساد مصر قبل اليقظة
والوثبة الفكرية، واتخذ لغة عصرية وجديدة تتفق مع ثقافة الكواكبي التي غزت العالم
العربي آنذاك ودعا إلى استخدام الكلمات المجازية التي تتلاءم مع روح المجتمع
العلمي واشتق الكثير من التعابير اللغوية العلمية واستخدمها في كتاباته.[1]
وكان سلامة موسى داعية
للأدب الشعبي الملتزم بقضية التغيير ومؤمنا بدوره العظيم ووظيفته الاجتماعية في
خدمة الشعب والحياة والمجتمع والتقدم والثورة الوطنية والاجتماعية وسخر من مقولتي
"الأدب للأدب " و "الفن للفن" لان غاية الثقافة التفاعل مع
الحياة وسيرورتها وغاية المثقف تحويل همومه الذاتية إلى هموم انسانية وعالمية،
وواجبه تسخير قلمه وفكره في المعارك الشعبية والجماهيرية ضد القهر والفقر والظلم
والاضطهاد القومي والطبقي.
وينتصر سلامة للعقل
وينطلق في نتاجه الفكري والاجتماعي والثقافي والنقدي من منظور علمي والتزام صريح
وواع بقضايا الواقع الاجتماعي، وانتقد بجرأة وشدة مساوئ السلطتين السياسية
والدينية وحارب مظاهر التخلف وطالب بتحرير المرأة التي كانت تعيش في ظلمات كثيفة
من الجهل والعبودية ومساواتها بالرجل وضرورة إشراكها في الحياة السياسية
والاجتماعية.[2]
وصفوة القول ان سلامة
موسى من الشخصيات الهامة والغنية في الحياة الفكرية والثقافية العربية الحديثة وهو
انسان مثقف وعميق ومفكر شفاف أدهش الناس بحلمه الجميل واصالته الملتزمة بالإنسان
وجمع بين النبرة الفلسفية وسطوع الفكرة وعفوية التناول وشغلته الهموم الشعبية المختلفة
واهتم بالطبقات الشعبية الفقيرة والبائسة ولم يغمض عينيه عن القضايا الاجتماعية
وحارب المفاهيم السلبية في المجتمع ودعا إلى بناء العلاقات الانسانية على قواعد
وأسس سليمة خالية من المسلكيات الخاطئة وحض على الحب والمودة والتكاتف والتكافل
الاجتماعي وتحطيم قيود القهر والظلم، وعالج مختلف القضايا والموضوعات الاجتماعية
والأدبية والفكرية ملتزما بمنطلقات الفكر العلمي ووضوح رؤياه.
المطلب الثاني: حياته و
تطوره الفكري:
يمكن أن نقسم حياة المفكر سلامة موسى إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى هي مرحلة
النشأة والتلمذة، ثم التغرب و أخيرا العودة إلى الديار.
أولا: مرحلة النشأة
والتلمذة
كان سلامة موسى أصغر
إخوته الخمسة وهناك رواية أخرى أن حيث كان له أربع أخوات بنات وأخ واحد. وقد تلقى
تعليمه بداية في إحدى المدارس القبطية ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية
بالزقازيق حتى حصل على الشهادة الابتدائية. ويروي سلامة موسى أن مدرسي المدرسة كان
من بينهم المصريون والإنجليز، وبينما كانت معاملة المدرسين المصريين للتلاميذ
جيدة، كانت معاملة الإنجليز لهم فيها غطرسة وعقاب شديدان. وقد تركت هذه الفترة
بصمات عديدة في فكر سلامة موسى حيث الطبيعة الريفية الخلابة بما فيها ركوب الحمير
والخيل ونزول الترع وسهر الليالي القمرية وخاصة في الصيف، وقد انتقل بعد ذلك إلى
القاهرة حيث واصل دراسته الثانوية في المدرسة التوفيقية ثم الخديوية وكان ناظر
المدرسة يدعى شارمان، والطريف أنه هو الآخر كان يتلذذ بتعذيب التلاميذ المصريين هو
ورفاقه من المدرسين الإنجليز. ولم تكن الحياة في القاهرة في تلك الأيام تختلف
كثيرا عن حياة الريف باستثناء وجود السيارات إلى جانب الحمير والبغال. وقد عاصر سلامة
موسى في هذه الفترة كيف كان المصريون بقيادة الحزب الوطني يقاومون المحتل بزعامة
مصطفى كامل وأحمد لطفي السيد ومحمد فريد. وفي الوقت ذاته ازدهرت
حركة تحرير المرأة على يد قاسم أمين، لكنه أصيب بإحباط كبير بعد حادثة دنشواي
لدرجة أنه امتنع عن الطعام يوما كاملا وأحس بكره شديد ناحية الإنجليز. ومع ذلك فقد
تسببت هذه الحادثة في تأجيج الوحدة الوطنية حيث اتحد الشعب بمسلميه ومسيحييه ضد الإنجليز.[3]
وقد تعرف سلامة موسى على
الجو الثقافي في القاهرة من خلال مجلة المقتطف التي كان يصدرها يعقوب صنوع ومجلة
الجامعة التي كانت نافذته على الأدب والفكر الغربي. وقد انتهت هذه المرحلة بحصوله
على شهادة البكالوريا الثانوية عام 1903م
ثانيا: مرحلة التغرب
سافر سلامة إلى أوربا عام
1906م وكان آنذاك في عمر التاسعة عشرة. وقد توجه في البداية إلى فرنسا حيث قضى
هناك ثلاث سنوات ثم انتقل إلى انجلترا قاصدا دراسة الحقوق لكنه قضى فيها أربع
سنوات دون أن يستكمل هذه الدراسة حيث انصرف عنها إلى القراءة الحرة وانضم إلى
جمعية العقليين والجمعية الفابية. وقد كتب هناك تحت التأثير المباشر لهاتين
الجمعيتين كتابه الأول « مقدمة السوبرمان» وذلك عام 1909م وقد نشره جورجي زيدان
بدار الهلال عام 1910م. ولم يقتصر تأثير هذه الفترة في فكره على إخراج هذا الكتاب
فقط، بل أثرت لقاءاته بالمفكر الايرلندي الشهير والكاتب المسرحي القدير برناردشو،
وكذلك اهتمامه بقراءة مؤلفاته تشارلز داروين حول نظرية النشوء والارتقاء، أثرت فيه
تأثيرا بالغا حيث بدا ذلك التأثير في معظم كتاباته بعد ذلك حيث انطبع فكره بعلمية الاتجاه
وإيمانه بنظرية التطور.[4]
وقد لفت د. كمال عبداللطيف في دراسته عن سلامة
موسى الانتباه إلى أن الحدث الرئيسي في حياة سلامة موسى بعد سفره إلى أوروبا هو
انخراطه في الجمعية الفابية حيث التقى بمفكرين سيتأثر بهما طيلة حياته هما برنارد
شو وويلز، وقد قال سلامة موسى نفسه عنهما "ولقد كان من سعادتي أني جاريت
هذين الاثنين من السنين العشر الأولى من هذا القرن -يقصد القرن العشرين- إلى يوم
وفاتهما ولم أكن أهمل حرفا مما كتباه و اليهما
أعزو نشأتي العلمية واتجاهي الاشتراكي الإنساني "ويجدر التنويه هنا
أن سلامة موسى قد تعرف من خلال انضمامه
لهذه الجمعية على داروين وسبنسر وبنتام وشوبنهاور ونيتشه وهم أبرز فالسفة العالم
آنذاك، وهم على ما بينهم من اختلافات فكرية قد أثروا بشكل أو بآخر في سلامة موسى. ولم
يكن سلامة موسى ممن يتوقفون عن التأثر باتجاه فكري معين أو بفيلسوف معين، فبعد ذلك
بفترة وفي حوالي العشرينات من القرن نفسه تعرف على ماركس وفرويد وسارتر على ما
بينهم أيضا من اختلافات فكرية، في الوقت الذي تعرف فيه على فكر غاندي الزعيم
الهندي الكبير وتجربته في التحرر الوطني وهو ما جعله ينشر كتابا عام 1934م تحت
عنوان :غاندي والحركة الهندية.
ثالثا: مرحلة العودة إلى
الديار
ومع كل هذا الكم الفكري الذي عايشه سلامة موسى في أوروبا، فقد عاد إلى مصر محملا بهذه الأفكار
والاتجاهات الفكرية الأوربية والشرقية معا، وإن كان تأثره بالفابية والاشتراكية
كان الأقوى حيث بمجرد عودته أصدر أول كتاب عن الاشتراكية في العالم العربي عام
1912م، وأصدر هو وشبلي شميل صحيفة أسبوعية تعتني بهذا الفكر اسمها المستقبل عام 1914م وإن كانت للأسف لم تستمر طويلا
حيث أغلقت بعد ستة عشر عددا فقط، وأسس هو والمؤرخ محمد عبد الله عنان حزبا جديدا أطلق عليه اسم "الحزب الاشتراكي
المصري" عام 1921 و الغريب أنه قد انسحب منه رافضا الخضوع لأي قيود تنظيمية؛
وذلك على إثر خلافات كانت قد أثارتها انتقاداته لثورة أكتوبر[5]. واكتفى بعد ذلك بالنشاط
الفكري حيث رأس مجلة الهلال عام 1923م واستمر في ذلك حتى عام 1929م، وأسس بعد ذلك وفي العام نفسه «المجلة
الجديدة»، وأسس المجمع المصري للثقافة العلمية عام 1930م، وكان يهدف من خلالهما
إلى نشر الثقافة العلمية وتغليب الاتجاهات العلمية على الثقافة العربية. وربما لم
يجد ذلك هوى من الحكومة المصرية آنذاك حيث أغلقت حكومة صدقي باشا هذا المجمع، فرد سلامة
موسى على ذلك فيما يبدو بتكوين جمعية «المصري للمصري» وهي ذات طابع سياسي حيث نادت
هذه الجمعية بمقاطعة البضائع الإنجليزية مستلهمة تجربة المهاتما غاندي في الهند.
لكن هذه الجمعية حوربت هي الأخرى من قبل الحكومة، وقد رد سلامة موسى على ذلك أيضا بأن
كتب كتابا عن غاندي والحركة الوطنية الهندية. وقد نشط سلامة موسى في
مجال التأليف الفلسفي لينشر أفكاره التنويرية وليحمس المصريين للثورة على الاحتلال
مذكرا بثورة عرابي؛ فكتب « مصر أصل الحضارة»، وترجم كتاب بلنت التاريخ السري للاحتلال
البريطاني». وألف أيضا كتبا عن «حرية الفكر وتاريخ أبطالها» و«حرية العقل في مصر»
إلى جانب استمراره في كتابة مؤلفاته ومقالته التنويرية.
واصل سالمة موسى كفاحه ضد الحكم الملكي وضد الاحتلال
والدعوة إلى مصر للمصريين، وقد ترتب على ذلك اعتقاله في 12 يوليو 1946م في سجن
الأوزبكية ووضع في زنزانة مظلمة مع المجرمين وقطاع الطرق بتهمة أنه يروج للشيوعية
والحكم الجمهوري، وتم القبض عليه واعتقاله مرة أخرى في مايو 1947م وهو في حوالي
الستين من عمره بتهمة رمي قنبلة على مبنى سينما في القاهرة.
وبالطبع لم يكن كل ذلك استثناء في ظل فساد
الحكومات والملكية في السنوات القليلة التي سبقت قيام ثورة يوليو 1952م؛ حيث كان
فساد الحكم قبيل خلع الملك فاروق قد بلغ أقصاه وكانت السراي تستخدم كل من شاءت من
الموظفين وخاصة الجواسيس لتعقب جميع الذين تشتبه في سلوكهم نحوها كما كتب سلامة
موسى نفسه. وكم كانت سعادته بقيام هذه الثورة التي رحب بها واعتبر أن يوم خلع
فاروق كان يوم التهاني« الذي شارك فيه وتلقى فيه المهنئين سواء بالمصافحة في
الطرقات أو باستقبالهم في بيته حيث كانوا يقدمون الشربات[6].
لقد ظل سلامة موسى مرحبا بهذه الثورة
وبإنجازاتها حتى مماته حيث يكتب قائلا: "ها أنا ذا في سنة 1957م أجد الجمهورية التي
اتهمت بالدعوة إليها وحبست من أجل ذلك في 1946م، وأجد تجلي دعوتي للصناعة وهي دعوة
أمضيت فيها أكثر من 30 سنة، وأجد دعوتي للعلم كما أجد الإيمان بنظرية التطور، وأخيرا
أجد تهمتي بأني أحب دولة الاتحاد السوفيتي، هذه التهمة قد أصبحت فخرا بعد أن عرفنا
وعايشنا موقفهم نحونا في هجوم فرنسا وبريطانيا وإسرائيل علينا في 1956 م وأجد
مصريا صحيحا على رأس حكومتنا هو جمال عبدالناصر."
إذن لقد رأى سلامة موسى في
قيام ثورة 23 يوليو 1952م تحقيقا لكل أفكاره في عودة مصر للمصريين وانحيازها
لتطبيق الاشتراكية وتقربها من الاتحاد السوفيتي الذي كان يتزعم المعسكر الاشتراكي
في العالم آنذاك. وقد وافته المنية في عام 1958م ولا تزال جذوة الثورة الاشتراكية
تفعل فعلها في نقل مصر من حال إلى حال وكانت سنوات العزة والفخار بالإنجازات
الثورية تثير فيه الرضا حيث أن جل أفكاره قد أخذت طريقها إلى التطبيق. وبالطبع فلم
يقدر له بالطبع أن يشهد ما ستؤول إليه أمور الثورة المصرية بعد ذلك من هزائم
وانكسارات بعدما حققت النقلة الاجتماعية والسياسية والنهضة العلمية والصناعية التي
كان يحلم بها وأصبحت واقعا شاهده قبل مماته كما قلنا عام 1958م؛ وقد كانت وفاته في
الرابع من أوت عن عمر ناهز الواحد و السبعين عاما.
المبحث الثاني: الرؤية
الفكرية العامة لسلامة موسى:
اتسم فكر سلامة موسى منذ بداياته بعدة سمات لعل أهمها
أولا: النزعة العقلية
العلمانية: لقد كان سلامة موسى
مقتنعا اقتناعا كاملا ّ لم يتزعزع، بأن
تحقيق أي نهضة في مجتمعنا العربي يستوجب بالضرورة تمثل الحضارة الغربية وقد قال في
ذلك بوضوح «فلنول وجهنا شطر أوربا ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها [7]«
وهذا يعني من وجهة نظره
اتخاذ العقلانية منهجا ثابتا لتناول أي
مشكلة، و في هذا الاطار رفض العديد من المقولات
الدينية التي رأى فيها فكرا غيبيا.
يقول سلامة موسى: "ليس
للإنسان في هذا الكون ما يعتمد عليه سوى عقله وأن يأخذ مصيره بيده ويتسلط على
القدر بدال من أن يخضع له"[8] . ومن هنا اعتبر مصدر الدين
بشريا وليس إلهيا وجاء لمنفعة الانسان وأن الإنسان صنع ظاهرة الدين منذ القبائل
البدائية، بل ذهب إلى القول بأن الفلاسفة والأدباء يؤدون وظيفة النبي نفسها؛ فهم
يطورون الفضائل في المجتمع، ويوجدون قيما
بديلة للقيم الدينية تكون غايتها المجتمع وترقيه البشر إلى عصر جديد. ولقد مال في
فكره إلى التبشير بدين جديد يرفض الغيبيات ويقوم على التوحيد الطبيعي بين المادة
والقوة، بين الله والكون، بين العقل والجسم في وحدة واحدة. وبالطبع فقد فرق بين
العلم والدين واعتبر أنه يمكن للعلم أن يحل محل الدين في حياة الانســــــــــــــــــان
".[9]
وبالطبع فقد لاقى سلامة موسى جراء هذه الآراء
العلمانية التي تقلل من شأن الغيبيات والعقائد الدينية ، فقد اتهمه الأديب مصطفى
صادق الرافعي بأنه معاد للإسلام و وشن عليه عباس محمود العقاد انتقادات واسعة، فقد
اتهمه بأنه غير عربي. واعتبره آخرون للأسباب نفسها صفحة يجب أن تطوى من تاريخنا
الثقافي و كأنهم يريدون أن يمحوا اسمه من
تاريخ الفكر المصري والعربي الحديث محوا
تاما.
ثانيا: النزعة المصرية
الفرعونية:
إن القارئ لإنتاج سلامة موسى يلاحظ مدى صدقه وإخلاصه لقضايا المجتمع
المصري بدءا من مقالاته ذات النزعة الفرعونية في بعض مراحل حياته وانتهاء
بمناداته أن يأخذ المصريون في لغتهم بالأحرف اللاتينية للاقتراب من
اللغات الأوربية الحية. ونادى في الاتجاه نفسه في فترة من حياته بالأخذ باللغة
العامية بدلا من اللغة الفصحى لإنهاء الازدواج في اللغة
عند المصريين.
والحقيقة أن هذه الدعوات المتطرفة إلى الأخذ بالعامية وكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية إنّ ّ ما
كانت تعبر عن حماسته تجاه مصر باعتبار أن الفرعونية هي أساس انتماء
المصريين، وربما لأن لغتهم العامية بها الكثير من الأصول الهيروغليفية التي تعود إلى الحقبة الفرعونية من تاريخ مصر.
و
عموما فإن هذه الدعاوى لم تكن إلا دعاوى مؤقتة في مسيرته الفكرية، وتمثل لحظات اندفاع تعكس هموم (وقلق) مثقف ينتمي إلى أقلية
في المجتمع وإلى وسط اجتماعي
محافظ ومغال في تمسكه بتقاليده. وعلى كل حال فإن سلامة موسى قد «تخلى
عن هذه الدعاوى في فترات لاحقة من حياته[10] والثابت لدى سلامة موسى
كما ذكرنا في البداية أنّه كان شديد
الإخلاص والقلق على مصر ويريد أن يدفعها دفعا نحو مستقبل أفضل
متأسيا بنهضة الأوربيين و عقلانيتهم وعلمانيتهم، ولقد ظل سلامة موسى طيلة حياته
يحمل رسالة تدعو إلى تقدم المجتمع المصري وتطوره معتبرا إياها أثمن وأغلى رسالة.
ثالثا: الدعوة إلى
الاشتراكية المتدرجة:
لقد تأثر سلامة موسى بلا شك بالفكر الاشتراكي الماركسي خاصة أنّه
انتمى في فترة من حياته إلى الجمعية الفابية البريطانية[11] التي كانت تدعو إلى تحقيق
الاشتراكية بالتدرج ودون عنف أو ثورة. وقد تأثر في ذلك بالطبع بكتابات
الفيلسوف المؤسس لهذا الاتجاه كارل ماركس حيث اعتبره أكثر من تأثر بهم في حياته، كما تأثر بأفكار شبلي شميل وآرائه وهو أحد رواد الفكر
الاشتراكي في العالم العربي. وعموما فلم يكن تشبثه بالفكر
العلماني والدعوة إلى الاشتراكية بهذا التدرج والاعتدال إلا وسائل تساعد من وجهة
نظره على تحقيق مجتمع تتقلص فيه الفوارق بين الطبقات
وتزول فيه العوائق الاجتماعية الناشئة بسبب التناقضات الاجتماعية والسياسية
والدينية. إن الهوية الواحدة للمجتمع لا تتحقق من وجهة نظره إلا في مجتمع لا يعطي أي اعتبار للعامل الديني حيث يصبح الجذر البشري هو الموحد الأول
والأخير ويقصد بالجذر البشري هنا وحدة الطموح المدني العقلاني.[12]
المبحث الثالث: أسس النهضة عند سلامة موسى:
1-
تعريف النهضة عند سلامة
موسى:
يعرف سلامة موسى
النهضة قائلا: "إن النهضة ثراء وقوة وثقافة وصحة وشباب،
ولكن قد يكون الثراء مؤلفا من نقود زائفة كما قد تكون القوة والثقافة والصحة والشباب
خداعا وليس حقيقة"[13].
وما دامت النهضة «ثراء وقوة وثقافة وصحة وشباب» فهي لا يمكن أن تبنى
على العودة إلى الوراء حيث لا يمكن أن تبنى حضارة جديدة بإحياء مظاهر
حضارة قديمة؛ وقد ضرب سلامة موسى على ذلك مثلا بما حاوله الملك المصري
القديم أبسماتيك الذي حكم مصر فيما بين عامي 712و 666 ق.م وأسس الأسرة السادسة والعشرين، حيث أنّه بعد أن تغلب على الأعداء وأسس أسرته
الجديدة للحكم فكر في كيفية العودة بمصر إلى مجدها القديم، وهداه تفكيره إلى أن ذلك
لن يكون إلا بالرجوع إلى تراث هؤلاء الأسلاف العظام وتقاليدهم، فما كانت نتيجة
تلك العودة إلى تلك المظاهر القديمة للحضارة المصرية القديمة في عصرها الأول إلا إفلاسا حضاريا حيث كانت الظروف غير
الظروف ولم يكن ممكنا العودة بمصر والمصريين نحو 2500 سنة إلى الوراء، لقد كانت
نتيجة ذلك الإفلاس والإصرار إلى العودة إلى الوراء نجاح الأعداء من الآشوريين والفرس في اغتيال مصر واحتلالها[14]،
ومن ثم ضاعت الحضارة المصرية وكانت أسرة أبسماتيك هي التي دقت المسمار الأخير في نعش استقلال مصر الحضاري ومجدها الذي استمر
لآلاف السنوات قبله.
2-التجديد و نبذ
القديم :
إن سلامة موسى يمقت عبارة «العودة إلى القديم » فالنهضة
تبدأ في رأيه من أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا[15].
ولقد برهن على ذلك بسرد
الكثير من حكايات النهضة الأوربية الحديثة وكيف كانت ثورة على القديم وخروجا عن كل
مألوف ألفه الأوربيون في قديم حياتهم طوال العصور الوسطى.
إن النهضة تبدأ إذن من هجر القديم هجرا والتطلع إلى آفاق جديدة تواكب
التطورات العلمية الحديثة، ولا يمكن للأمم أن تنهض إلا إذا تمتع أهلها
بالحرية، ومن هنا فقد دافع سلامة موسى عن الحرية بمفهومها المعتدل الذي يربط بين
الحرية والمنفعة؛ انظر إليه يقول «لا يبرر الحرية الفكرية إلا منفعتها، ولا
يبرر تدخل الحكومة ومنعها
للناس من حرية التفكير سوى حقها في الدفاع عن النفس وحماية الجمهور من أذى مباشر»[16]
وقد ربط سلامة موسى بين دفاعه المعتدل عن حرية التفكير وبين ضرورة أن
يتجنب الناس التعصب وذلك حتى يسود بينهم التسامح ويستشهد على ذلك بقول
فولتير «يجب على الناس أن يتجنبوا التعصب حتى يستحقوا التسامح[17]».
ومن هنا دعا سلامة موسى إلى
التسامح بين أصحاب الديانات وبين أتباع الديانة الواحدة، وبرهن على ذلك
بقوله: «وقد تسألني الآن: هل يجب علي أن اعتبر التركي أو الصيني أو اليهودي أخا لي؟! أقول: أجل. ألسنا كلنا أبناء أب واحد وخلائق رب واحد ؟ !» [18]
إذن فإن ّ التسامح ونبذ التعصب من عوامل نهضة الأمم حيث أن من شأنها
أن توحد الكل لتحقيق هدف النهوض، فلا يتنازعون ولا يتعصب أحدهم لدينه أو
لطائفته. ومن عجب أن يشغل سلامة نفسه بدراسة أسباب التعصب حتى يدفعنا
إلى التخلص منه، وقد رد هذه الأسباب إلى أربعة أسباب رئيسية هي[19]:
أ- أن الناس مطبوعون على الكسل و الاستنامة إلى ما ألفوه من العادات
الفكرية والعملية.
ب- أن المصلحة المالية والمعاشية كثيرا ما تكون متعلقة بالعادات
المعروفة فتبديلها يضيع على بعض الطبقات هذه المصلحة.
ج- الجهل: فالجاهل الذي يجهل نظرية
التطور ويؤمن بأن أبا البشر آدم وأمهم حواء يكره كل من يقول بهذه النظرة الملعونة
(حسبه)، ومن يجهل باللغات الأخرى من شيوخنا يكره كل من لا يقول بأن اللغة العربية
أفصح اللغات وأشرفها ولا يمنعه من الاضطهاد إلا عجزه.
د-الخوف: فالعجوز قد تؤمن بالأولياء والقديسين وتتشفع
بهم. ولا يمكن وهي في هذا الحال أن تطالبها بحرية المناقشة في ما
يعزى إلى هؤلاء الأشخاص من الكرامات لأن خوفها يمنعها من أن تطلق لذهنها هذه الحرية.
وبالطبع فإن تخلص الناس من هذه الأسباب للتعصب سيجعلهم يتخلصون أيضا
من الخوف والجهل، وهو ما يجعلهم يشعرون أكثر فأكثر بحريتهم. وقد كان
أكثر ما دعا إليه سلامة موسى من الحريات حرية التفكير وحرية الاعتقاد.
ومن هنا فقد مدح مناخ الحرية الذي عاصره في مصر في عصره حينما اعتبر مصر قد قدمت الحرية الفكرية في الشرق بمطبوعاتها وصحفها وبما نبغ فيها من كتاب يدعون إلى حرية البحث في الدين
والعلم والأدب و اعتبر أن أبعدهم أثرا منذ بدء النهضة إلى عصره شبلي شميل وفرح أنطون، حيث كان الأول يجاهر بكفره ويسطو على رجال الدين مسلحا
بنظرية التطور، وكان الثاني أديبا كتب عن نيتشه وعن الثورة الفرنسية وعن المسيح
باعتباره رجلا وعن الاضطهاد الديني وكان في تجديده للأدب العربي
جريئا مقداما يشق الميادين الجديدة.[20]
ولعل سائلا يسأل هنا: ألا تتعارض دعوات سلامة موسى هنا لنبذ التعصب
وضرورة التسامح والتمتع بالريادة مع دعوته للاشتراكية العلمية التي تناهض الدين
وتقمع الحريات؟!
والحقيقة أنّه لا تناقض هنا عند سلامة موسى لأنه يعتبر الدين مسألة
مهمة جدا لاستقرار الإنسان ويعد من عوامل دافعيته الحضارية، انظر إليه يقول: «ليس
إنسان يستطيع أن يعيش بلا دين ما لم يكن أبله أو مغفلا ّ لأن الدين ليس في
الحقيقة سوى استقرار الفرد على علاقة ما بينه وبين الكون أصله وغايته وما فيه من ناس وحيـــــــــــــــــوان [21]( .
وبالطبع فإن المقصود بالدين هنا هو الدين الطبيعي وليس فقط الأديان
السماوية الثلاثة.
والغريب أن سلامة موسى الذي يمتدح أحلام الاشتراكية في القرنين
التاسع عشر والعشرين يقول «إنّها كلها أحلام الآلات
والعمال، وكلها تتجه بالطبع وجهة اشتراكية شأن جميع الأحلام الماضية ولكنها تمتاز عنها بالعناية بالعمال
وبجعل الآلات أساسا للهيئة الاجتماعية»[22] .
وهو نفسه الذي يقول مفضلا الأديان على أحلام الفلاسفة والمفكرين؛ أن الدين قبل أن يعد بطوبى العالم الآخر
كان يطلب من الفرد أن يغير بالإيمان قلبه وأن تتبدل نفسه نفسا أخرى هي نفس المؤمن
المرتاح إلى إيمانه الراضي به بدلا من نفسه السابقة، نفس الكافر الذي توسوس إليها
الشكوك. وكان هذا الإيمان وحده كافيا لأن ييسر على المؤمن كل تغيير يراه في طرق المعاش والاجتماع والزواج ونظام الحكومة وغير ذلك .
إن الدين كان يحاول تغيير المجتمع بعد أن يبلغ قلب الفرد فيغيره،
بل يخلقه من جديد. وكان لذلك ينجح في تحقيق غرضه لأن تحقيق هذا الغرض هو الفرد فإذا لم يكن هو قد تغير فكيف تطلب منه أن يغير طرق مجتمعه.[23]
وأكد أن ّ الفرق بين الأديان وبين أحلام الفلاسفة؛ أن الأديان جعلت
تبديل الوسط رهناً بتبديل الفرد فاستطاعت أن توجد هيئته الاجتماعية مسلمة أو
مسيحية أو يهودية. ولكن طوبيات الفلاسفة وخاصة في القرن التاسع
عشر لم تبال بالفرد أقل مبالاة وإنّما عنيت بالوسط.[24]
و الغريب أن يدرك سلامة موسى
هذا الفرق بين الدعوة الدينية للتغيير من خلال الفرد وبين الدعوات الفلسفية الحالمة بالتغيير عن طريق تغيير الوسط الاجتماعي غير
معتمدين أو بادئين من الفرد.
والأكثر غرابة أنّه وهو
الداعي إلى الاشتراكية العلمية يفضل طريقة الدين في التغيير ويفضلها على طرق الفلاسفة الحالمين! وربما يكون ذلك نظرا لأنّ ّ ه يرى أن طوبى
الأديان طوبيان؛ واحدة في العالم الآخر وهي ترمي إلى تغيير نفس المؤمن بوعده بالمكافأة؛
فإذا تغيرت النفوس وقبلت الإيمان لم تعارض في الطوبى الأرضية التي
يرسمها الدين لنظام الحياة على الأرض.[25]
3-حرية المرأة و مساواتها بالرجل:
يعتقد موسى بضرورة أن
تعطى كافة الحقوق للمرأة، وأن لا يقلل من قيمتها فبناء المجتمع يرتبط ارتباطاً
وثيقا بتعليم المرأة، وعلى المرأة المتعلم أن تعمل خارج البيت وتؤدي خدمة اجتماعية
لوطنها، ويجب عليها أن تستغل معارفها ومهاراتها في عمل اجتماعي آخر إلى جانب
الزواج والأمومة، وهذا العمل الاجتماعي هو الذي يصل بينها وبين المجتمع ويكسبها
العقل الاجتماعي ويربي شخصيتها ويدرب ذكاءها ويؤكد استقلالها، وعلى المرأة أن تحيا
لنفسها أولاً ثم لمجتمعها وزوجها وابناءها، كما على الرجل أن يحيا حياته لنفسه
أولاً ثم لمجتمعه وزوجته وابناءه، وأن حياة الرجل والمرأة يجب ألا تتخصص للزواج،
ذلك لأن حياة الرجال والنساء أعلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص.[26]
يدعو موسى المرأة إلى أن تكون
متعلمة وتربي ذكاءها من خلال العمل والاختلاط بالمجتمع، ولا تكون لعبة بيد الرجال،
أو خادمة له، فالرجال يتهمون المرأة بأنها غير ذكية وغير شجاعة وغير سخية وغير
بصيرة، وكل هذه التهم صحيحة، لأن المرأة تمضي حياتها محبوسة بين أربعة جدران في
البيت، ولو قدر للرجل أن يحبس داخل البيت لكان على هذا الحال التي تتهم به المرأة،
فالبقاء في المنزل وممارستها فقط الطبخ والأمومة والغسل والاعتناء بالمنزل، لا
يعطي لها القدرة على الفهم، ولذلك يكون الرجل أكثر قدرة على الذكاء والانفتاح
والتعامل بحكمه مع الأمور، وذلك لاحتكاكه مع المجتمع، لأن المجتمع يوسع من أفاقه،
لذلك المرأة معطلة الذهن[27]، لأنها لا تهدف إلى
الاهداف الاجتماعية العظيمة التي يهدف إليها الرجل، ونتيجة ذلك أنه يدرب ذهنه
فيكون ذكياً بل عبقرياً، فالذكاء والعبقرية تتربى في بالاشتباكات الاجتماعية
ومصادمة المشكلات في المجتمع ومحاولة حلها، وعلى المرأة أن تزامل الرجل في العمل،
بل يجب أن تبدأ الزمالة من الطفولة، ثم تزاملي الرجل في المكتب والعمل والمتجر
والمصنع، فالعبقرية ليست شيئاً موهوباً مقصوراً على الرجال، إنما هي ثمرة
الاهتمامات والأعمال التي تربطنا بالمجتمع، فإذا اشتبكت المرأة في المجتمع فأنها
ستذكى وقد ترتفع إلى العبقرية. ويرى موسى على المرأة أن تتعلم حرفة أو صناعة، حتى
لا يقودها عجزها من أن تعول نفسها والارتماء والرضا بأي زوج، وهنا لا تستطيع أن
تختار زوجاً صالحاً وجدير بالأبوة، وإنما تختار عائلاً يعيلها ولربما يكون دميماً،
فتنتقل الدمامة إلى أولادها، وقد يكون مغفلاً، فتنتقل الغفلة إلى أولادها[28].
يعتقد موسى أن الإنسان
البدائي الذي كان يعتمد على الصيد، وعدم قدرة المرأة للخروج إلى الصيد، وذلك لأنها
أما حامل أو مرضعة للأطفال أو ترعى الصغار، فعدم قدرتها على الصيد اصبح الرجل هو
من يتكفل برزق العائلة واصبحت المرأة مطيعة للرجل وتلبي رغابته خاصة الجنسية، ومن
هنا نشأت سلطة الرجل على المرأة. أما فكرة الحجاب فيعتقد موسى أن فكرة الحجاب نشأت
من الحيض عند المرأة، فلما كانت تزورها العادة الشهرية وتنزف دماً ويبقى بضعة
أيام، فأنها اصبحت إنساناً نجساً، ويجب على جماعة الصائدين من الرجال أن يتجنبوها
قبل الصيد ببضعة أيام، بل يجب ألا يروها بتاتاً قبل الصيد ببضعة أيام حتى يخرجوا
وهم غير متلبسين بشؤم الدم، ولهذا السبب كانت المرأة تخفي نفسها عن الرجال حتى لا
يتشاءموا، ولا يعرف الرجال بأن المرأة عليها العادة أو لا، لذلك بدأت المرأة بعدم
الظهور أمام الرجال وكان هذا أول ظهور للحجاب. وبعد عصر الصيد جاء عصر الزراعة
والذي جعل المرأة زميلة للرجل في الأرض الزراعية، لكن مع ذلك لم تلغى عادة الحجاب،
ثم جاء عصر الغزو، وهو كان العصر الجائر بحق النساء، لأنه زاد من احتقارها والهبوط
بها إلى ما دون الإنسانية، ذلك أن القبيلة التي كانت تغزو قبيلة وتتغلب عليها،
كانت تقتل الرجال ثم تسبي النساء ويبيعن في الأسواق، والرجل الذي يؤدي ثمنها
يستطيع أن يفعل بها ما يشاء، وكانت الجارية المسبية تذل لسيدها وتلبي كل شهواته،
مما أضطر الزوجة الحرة إلى أن تباريها في كل ذلك، فتبرجت هي أيضاً حتى لا تتفوق
عليها الجارية، ومن هنا بدأت المرأة لعبة بيد الرجل[29].( عصر الرق لم ينتهي ألا
بعد الحرب الأمريكية الأهلية عام 1860، وأن كانت بعض الدول تحررت المرأة ليس
بالشكل الكامل على يد الإسلام، وعلى الرغم من تطور العلوم، لكن تبقى حقوق الإنسان
راكدة أو فقط شعارات، يتناولها الساسة وغيرهم، فمثلاً إلى يومنا هذا الكثير من
الدول لا تعرف سوى منطق العنف والمؤامرات الخبيثة والتسابق في صنع أحدث الأسلحة
لقتل الإنسان، وكأن لم نغادر مرحلة الصيد والغزو، بالإضافة إلى أن اصحاب الرأي لا
يستطيعون الكتابة والتعبير خوفاً من الاغتيال أو السجن في كثير من الدول).[30]
يعتقد موسى أن المجتمع
الانفصالي الذي مازلنا نعيش فيه إلى حد بعيد، يحرمنا السعادة ويفسد الزواج، بل
يحرض على الغش في اختيار الزواج، أنه جناية حية على كل شاب وفتاة، ويشجع موسى على
التعارف والتلاقي قبل الزواج وانفتاح المرأة على المجتمع، وذلك يكثر من نجاح
العلاقات الزوجية، وأن عدم الاختلاط والتمسك بالحجاب، سيؤدي إلى الشذوذ الجنسي،
وربما ينتهي في يوماً ما إلى حمل صاحبه إلى السجن( وهنا يقصد موسى بالحجاب وهو
حرمان المرأة من الدراسة والعمل وممارسة حقوقها الإنسانية، وعم الاختلاط بالمجتمع)
ويرى موسى بضرورة عمل المرأة والاحتكاك بالمجتمع، ويجب أن تواجه أخطار العمل
والكوارث التي تتعرض لها اثناء خروجها من المنزل، فما دامت الكوارث لا تقتلنا
فإنها تعلمنا، هي تجربة تزداد بها خبرة وحكمة، فالذكاء اجتماعي وينشأ من الاختلاط
بالمجتمع والعمل، وأنه لكي تبقى المرأة على مستوى من الذكاء والمعرفة وفي توسع
وتجدد، يجب أن تحيا في المجتمع وأن يكون لها نشاط اجتماعي وثقافي وتساهم في تطور
الأمة وحتى تتكون شخصيتها وتنضج مثل الرجل، فالمرأة أذا أنتجت أحست بالكرامة، وإذا
عطلت عن العمل، أحست بكل ما يحس به الرجل المعطل وأضرت المجتمع بكل ما يضر به
الرجل المعطل، والمرأة تعطلها أسوأ من فراغ الرجل، لأنه هو يستطيع أن يشغله في
نشاط اجتماعي، أما المرأة فهي تجتر خواطرها ولا يمكن أن يؤدي هذا الاجترار إلى سوء
في الصحة، فالمرأة عندما تعمل تجد الكرامة وتجد الاستقلال وتجد الأمل والثقة، فهي
لا تقلق على مستقبلها ولا تخشى أن يفوتها زواج، وهي تعرف أن كرامتها وعيشها
وسعادتها لا تتوقف على محاسنها الجسدية فقط، إذ لها محاسن أخرى هي ذكاؤها
ومهاراتها التي تنمو بالعمل، هذا العمل الذي يربيها وينضجها ويجعلها تكبر وتحيا
الحياة.[31]
الزوج ليس رئيساً لزوجته،
وإنما هو زميل لها يتعاون معها، إنسان مع إنسان، رجل مع امرأة، كلاهما على مستوى
واحد، ليس أحدهما رئيساً والآخر مرؤوساً، وإنما هما زميلان، ومعنا الرياسة التي
موجودة في الوطن العربي، والذي يتمتع بها الزوج، يجب أن تلغى، إذ يجب أن تكون
العائلة ديمقراطية يتساوى فيها الزوج بزوجته، فلا رئيس ولا مرؤوس، هو يأمر وهي
تطيع، ولابد من مكافحة فكرة السيادة للرجل على المرأة ومحوها وأقام بدلها فكرة
المساواة والزمالة، إذ زمالة المرأة للرجل قوة كبيرة، إذ هي تتربى بهذه الزمالة،
وتعرف الدنيا الواسعة التي كانت إلى وقت قريب محرمة عليها، أي تعرف الانتاج والكتب
وتتخذ أخلاق الرجال في الجد والعمل والدرس والطموح، بل أن الرجل يتربى أيضاً بهذه
الزمالة، فلا يؤمن بأنه رئيس زوجته، لأنه حين يتعود الزمالة في المدرسة ثم في
المصنع أو المكتب، ينقل هذا الاحساس إلى البيت، فيتعود الزمالة مع الزوجة، والزواج
على أساس الزمالة والمساواة يقوم الحب من الزوجة مقام الاحترام لزوجها، والحب أبر
وادعم للعائلة من الاحترام، الزوجة التي تحب زوجها خير من الزوجة التي تحترمه، ولن
يسود الحب في البيت ألا إذا كانت الزمالة تأخذ مكان الرياسة. ويقر موسى بأن العرب
لديهم الإرادة في تحرير المرأة واعطائها كل الحقوق، ومن الخطأ الضن بأن الاستعمار
لم يكن يتدخل في شؤون المرأة العربية، فأننا نعرف أن مدة الاحتلال الإنجليزي أقفلت
مدارس البنات عقب استيلائهم على الدولة، وأقفلوا جميع المدارس سوى مدرسة واحدة
للبنات وللمرحلة الابتدائية ومديرة المدرسة إنجليزية.[32]
4-دور الثقافة و الفنون في النهضة عند سلامة موسى:
وكما اهتم سلامة موسى بالتأكيد على دور القيم في نهضة الأمة، اهتم
كذلك ببيان دور الثقافة والفنون. والحقيقة أن له وجهة نظر خاصة في التمييز بداية
بين الثقافة والحضارة، فالثقافة لديه هي ما نتكون به، بينما الحضارة هي ما نعمل
به؛ إذ «أن الثقافة علوم وفنون وفلسفات وعادات وتقاليد واتجاهات تكسبنا مزاجا معينا نتجه به في سيرتنا
ومعاشنا ونؤسس بها مجتمعا يتفق ومبادئ هذه المعارف ولا يتنافر معها. أما الحضارة فهي ما نعمل به من أدوات سواء أكانت هذه الأدوات حسية مثل
آنية الطبخ أو مواد بناء أو آلات ومصنوعات أم كانت معنوية مثل المؤسسات الاجتماعية
المختلفة كالحكومة والمجلس النيابي والمجلس البلدي ونظام الإدارة
وجباية الضرائب ونحو ذلك».[33]
وقد اعتبر سلامة موسى «أن الثقافة تسبق الحضارة وتؤدي إليها فإنّها
هي بمثابة الفكرة والحضارة بمثابة المادة»
ومع اختلاف سلامة موسى مع
أغلب المفكرين في النظر إلى
الحضارة هذه النظرة المادية لأنّها في اعتقادهم أقرب إلى الثقافة، إذ أن الكل يعبر عنهما المصطلح الإنجليزي .cultureبينما الجانب المادي من
الحضارة هو ما ندعوه «مدنية» وهو يتمثل في تلك المظاهر المدنية المختلفة التي يبدو
فيها بوضوح الجانب التقني من إبداعات الإنسان المادية.
نقول مع اختلاف الأغلبية معه
في ذلك، فإن الثقافة بالفعل تمثل مرآة تحضر أي أمة ويقاس بها درجة تقدمها، بل هي كما قال تماما التي تسبق الحضارة وتؤدي إليها لأن الثقافة تمثل
الفكرة التي إن صلحت وصادفت لحظتها التاريخية المناسبة فإنّها تقود أصحابها إلى
الانتقال من حال التخلف والجمود إلى حال التحضر والتقدم.
وعلى أي حال فقد اعتبر سلامة موسى الفنون مكونا رئيسيا من مكونات الثقافة، وربما هذا ما قاده
إلى الاهتمام بالفن وتاريخه لدرجة أن يؤلف كتابا عن
«تاريخ الفنون» ويضمنه صورا لمجموعة من الصور والرسوم المشهورة في
أوربا والعالم. وهو يعترف في بدايته بأنّه قد اقتبسه عن كتاب السير وليم أوربن «خلاصة
الفن،» و اعتبر أنه إنما قدم ملخصا لهذا
الكتاب.[34]
يرى سلامى موسى «أن غاية الفنون الجميلة (الموسيقى، الشعر، النثر،
البناء، الرسم، النحت، الغناء، الرقص والتمثيل) هو الجمال، والجمال ليس شيئا موضوعيا
له حقيقة أصيلة في الكائنات التي حولنا من حي وجماد و إنما هو ذاتي في
أذهاننا؛ فالعالم أو الكون نفسه ليس جميلا ً أو قبيحا وإنّما الجمال والقبح
اعتباران ذهنيان أي قائمان في أذهاننا فقط.[35] » ولعل ذلك هو ما يجعل الإنسان يقبل على ممارسة
الفنون الجميلة إذ أنّنا لا نجد في الطبيعة ما يرضينا ولا نجد في
مواد الصناعة ما تشتهيه نفوسنا من الجمال»؛ «فلو كنا نأكل أو نشرب في صحاف من ذهب
لما احتجنا إلى زخرفتها، ولكن المواد التي نصنع بها أدوات الطعام والشراب ليست جميلة فنحن نجملها بالفنون. ولو كانت الأحجار التي نبني بها
منازلنا حسنة تمتع العين برؤيتها لما احتجنا أن نكسوها بالطلاء ونجملها بالرسوم ... ولو
كان في حفيف الشجر وحفيف الرياح وتغريد الطيور ما يقنعنا ويستهوي
أفئدتنا لما احتجنا إلى فن الموسيقى ... الخ«[36]
وبالطبع فهذا التبرير لأهمية الفنون الجميلة التي أبدعها الإنسان لا
يعني أن الإنسان لم يتعلم من الطبيعة ولا يعترف بجمالها؛ فكل ما هنالك أن ّ مفكرنا أراد
أن يعبر عن أن «رجل الفن لا يقتصر على محاكاة الطبيعة» إذ أنّه «يتجاوز
حقيقتها إلى خياله ويتسامى بها إلى أرفع ما تلهمه إليه بصيرته«.
إن الجمال - من وجهة نظر مفكرنا - في أشكاله المختلفة لا يختلف فيه
الناس إلا بمقدار تربيتهم الفنية التي تزيد البصيرة الطبيعية نورا وتورثهم هذا
الذوق الذي نراه على أكمل وجه لدى الفنان. ومن هنا فإن الأمم تتفاوت في النزعة
التي تنزعها نحو الجمال؛ فقد كانت النزعة السائدة عند المصريين القدماء هي الدين فكان التمثال إذا نحت تمثالا قصد فيه إلى معنى الخلود والهدوء
الديني، وكان الإغريق القدماء ينزعون إلى الجمال الذي عبدوه في أشخاص آلهتهم وأبطالهم
وفي رياضتهم وألعابهم.[37]
وقد ارتبطت النزعات الجمالية عند الشعوب والأمم بصور معينة للسعادة
في حياتهم فيما يرى سلامة موسى ويدلل على ذلك ببيان أنك
لو سألت إغريقيا مثل أرسطو: ما أسعد الناس؟ لأجابنا بأن الرجل السعيد يجب أن يكون
جميلا وذلك لأنّه وهم (أي الإغريق القدامى) قد انغمسوا في الفنون ولابسوها في
معيشتهم ورياضتهم حتى صاروا يعتقدون باستحالة السعادة إذا لم تقرن
بالجمال. وإنّك إن سألت السؤال نفسه للمصري القديم لأجابك أن الرجل السعيد
هو الذي ترضى عنه الآلهة، بينما الروماني يرى السعادة في كثرة العبيد ووفرة المساكن، أما نحن الآن فنكاد لا نتخيل السعادة إلا مقرونة بالثروة.[38]
5- نظرية التطور:
المفكر المصري سلامة موسى، هو الوارث
المباشر للتنويريين الذين دافعوا عن فكرة التطور و الذين اختاروا القاهرة والإسكندرية منبراً لهم في
أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ويمكن القول إن سلامة موسى كان أول
المصريين المتأثرين بالثورة الفرنسية".[39]
و لعب سلامة موسى دوراً أساسياً في تقديم
الأفكار والنظريات الحديثة إلى الشباب بأسلوب شيق مختصر، إذ لم يكن يستهدف في
مؤلفاته النخبة المثقفة بل عامة الشعب ، ويقدم المعارف الفكرية والعلمية ملخصة
لعامة القراء.
بدأ
سلامة موسى ومن على شاكلته حملتهم بالهجوم على الدين عن طريق الهجوم على الغيب أو
ما يسمونه الميتافيزيقيا، ودعوتهم إلى العقلية العلمية، والإيمان بالعلم الحديث،
وعدم الإيمان بما لم يثبته العلم الحديث، واستخدموا نظرية دارون في الدعوة إلى
الإلحاد ويستعرض سلامة موسى فكرة التطور ونشأة الحياة الأولى، ثم تطور
الحيوان والإنسان وظهور المجتمع لينتهي بالحديث عن "إنسان المستقبل"،
وعن سبب التطور يقول إنه اختلاف الصفات والإمكانات في الكائنات فإذا كانت الصفة والميزة مفيدة ومناسبة أورث
صفاته أبناءه وإذا أضرته مات أو انقرضت سلالته. فقد مات عدد كبير من الأسود وانقرض
لخور في نفسه أو ضعف في سيقانه أو بطء في وثوبه أو لأن جلده كان ظاهراً فصارت
الفريسة تراه على بعد وتحذره.. ومات كذلك من الغزلان جميع تلك الأفراد التي كانت
ثقيلة الحركة غير متيقظة للعدو، أو كانت حوافرها لا توافق تربة الصحراء أو كان لون
جلدها ظاهراً. فالأحياء تولد مختلفة، وكل اختلاف إما أنه يفيدها فيكثر نسلها، وإما
أن يضرها فتبيد.. ويشرح سلامة موسى تطور بعض أعضاء جسم الإنسان كالثدي فيقول إن في
جلود الأسماك غدداً تفرز نوعاً من الدهن، وأكثر الضفادع وبعض الأسماك تفرز مادة
زيتية كريهة على جلودها حتى لا يفترسها مفترس، وهذا هو السبب في أن الكلب أو القط
أو الثعلب يكره الضفادع ولا يأكلها مع كثرتها أمامها، وللزواحف والطيور غدد تفرز
مواد كريهة أحياناً لتكرّه أعداءها فيها حتى لا تفترسها، على أن الحيوان اللبون
"ذا الثدي" يمتاز على كل الحيوانات الأخرى بثلاثة أنواع من الغدد وهي
غدد اللبن أي الأثداء، وغدد العرق، وغدد الشعر أي الغدد الدهنية.[40] واللبن في تركيبه قريب من
المادة التي تفرزها غدد الشعر وتشتد مشابهته لمفرزات الغدد الدهنية هذه كلما نزلنا
في سلم التطور إلى الحيوان اللبون القريب من الزواحف، وعدد حلمات الأثداء والضروع
تكون عادة مناسبة لعدد ما يلده الحيوان في الدفعة الواحدة. ولذلك هي كثيرة في
الفأر والخنزير، قليلة في الإنسان والقرد. ويظهر في جنين الإنسان خمسة أزواج من
الحلمات ثم تضمر وتزول مما يدل على أن الإنسان قضى حيناً من الزمن، وهو مثل
الخنزير والفأر يلد عدداً من الأولاد في الولدة الواحدة. ويعرض بعض آراء داروين
حول القوى العقلية في الإنسان والحيوان وتشابه الغرائز بين الاثنين، كحب الذكر
للأنثى وحب الأم لأولادها. وقد شوهد أن إناث القرد تموت جزعاً عند فقدان أطفالها،
وأن الكلب يلحس يد صاحبه وهو يقتله مما يدل على أن عواطف الحب والأمانة شديدة في
الحيوانات، وإناث القردة تتبنى اليتامى من نوعها وترضعها وتربيها. وقد ميز البعض
الإنسان من الحيوان بأنه يستطيع الترقي والتقدم وأنه يستعمل النار ويستأنس
الحيوانات وأنه قادر على التفكير المجرد وأنه يستعمل لغة ما ويستعين بالآلات ويقدر
الجمال إلخ. ونحن نرى بعض مراحل هذه الميزات في عالم الحيوان، ففي مجال الانتفاع
من التجارب لوحظ أن الحيوانات المسنة لا تقع في الفخاخ بالسهولة التي تقع بها
صغارها والصائد لا يستطيع الصيد في موضع واحد دائماً لأن الحيوانات تعرف الفخ
وتتوقاه. والقرد يكسر البندق والجوز بالأحجار والفيل يقطع أغصان الأشجار ويذب عن
نفسه الذباب، والحيوان يقدر الجمال مثل الإنسان...والحاصل في رأي داروين أنه ليس
ثمة فرق نوعي بين الإنسان والحيوان في القوى العقلية.[41] وعن العلاقة بين الإنسان
والقرد يلاحظ سلامة موسى أن حدائق الحيوان لا تحتوي في الغالب إلا على الأنواع
الدنيا من القردة، والتي لا يمكن لأحد أن يفكر بأنها تشترك مع الإنسان في أصل
واحد. ولكن هناك أربعة أنواع من القردة العليا لا نراها عادة في كل الحدائق وهي
"الجيبون" و"الأورانج أوتان" و"الشمبانزي"
و"الغوريلا". وهذه القردة "بتراء"، بدون ذيل كالإنسان ونحن
نمتاز عنها بقامة عمودية وبجمجمة كبيرة وبجسم أملط أو خفيف الشعر. ونحن نحبو أولاً
في طفولتنا ثم نتعلم الانتصاب ونعود في شيخوختنا إلى الانحناء. ولو لم يكن وضعنا
العمودي لا ثقلت الجمجمة الكبيرة كاهلنا. أما الملط وزوال الشعر فمرجعه إلى أننا
نحن البشر قد اهتدينا إلى النار وإلى السكن في الكهوف منذ أزمان بعيدة فانتفت
حاجتنا للشعر الكثيف على أجسامنا. ولا يزال أثر المناخ واضحاً، فإن الزنجي الذي
يعيش حول خط الاستواء أملط بخلاف الأوروبي الذي لا يزال الشعر يكسو معظم جسمه، لأن
الشعر يؤدي عمل الكساء الصوفي في التدفئة، وأوروبا باردة وأفريقيا حارة. والفيل في
أفريقيا وآسيا يكاد يكون بلا شعر بينما الدب والثعلب في القطب الشمالي يكتسيان
بفراء وفيرة كثيفة.[42]
المبحث الرابع: معوقات
النهضة عند سلامة موسى.
يرى
المفكر سلامة موسى أن للنهضة ثلاث أعداء لا يمكن للعرب أن يحققوا نهضتهم المنشودة
إلا إذا تخلصوا منها و هي سيطرة التراث القديم على الوجدان العربي، العائق اللغوي
و العائق الديني.
أولا: سيطرة التراث
القديم على الوجدان العربي:
عكست كتاباته رؤية وهُوية واضحة ومحدّدة
لبُنية مجتمعه ومحصلة القوى المؤثرة فيه. اكتشف أنّ مجتمعه مكبّل بالجمود والجهل
وسيطرة الرجعية الإقطاعية وقوى دينية رجعية متحالفة معها ومع الاستعمار، ويكشف لنا أنّ
هذه القوى ترسّخ الجهل وتقدّس الماضي والخرافة والتقاليد البالية، كأداة لشرعنة
وتبرير البؤس، العذاب، التشرّد والتهميش في صفوف المعذبين في الأرض. فنجدها بلا
ضمير ولا رادع ولا وازع أخلاقي لديها، بتصويرها الواقع المحطّم في أوطاننا
بتبريرات وتسويغات العيش في شرق الروحانيات المترفع عن الماديات، العاشق للتزهّد
والقهر والخنوع. ويعكس رفضه هذا التوجه بقوله: "في الشرق يكدّ الزارع في
الأرض ويشكرها على القليل ... جعل الشرق من الفاقة فضيلة فاخترع التنسك، وجعل
الغرب من الفاقة رذيلة فعم الرفاه".[43]
ويتهم سلامة موسى الاستعمار وخاصة
الإنجليزي، كعامل مركزي وأساسي في تخلّف الشرق وجموده. فيكشف كيف حرم مصر من
مواردها الطبيعية وأفشل و أعاق كل محاولة لتصنيعها، ولا رادع يصدّه عن تطبيق سياسة
"فرق تسد" لضمان استمرارية هيمنته ونهبه لمواردها وثرواتنا. إنّ السياسة
الاستعمارية المرتبطة عضويا مع الرجعية المحلية قصرت العلم على التلقين والاجترار لا على
التجارب والاختراعات. فكان هدفها في هذا المضمار تربية طبقة بيروقراطية، تتمثل
لخدمة مصلحة المستعمر. فكيف برأيه لمجتمع أن يتطوّر وهو لا يرتكز على إشراك اليد
مع الدماغ لإخصاب العلم. ويضيف أنّ المتعلّم النموذجي في هذه المنظومة المهترئة
يتبحر فقط في الدراسات النظرية الجافّة.[44]
إلّا أنّ هذا الواقع بكل سلبياته والعقبات
التي تواجهه لا يُفْقِد سلامة موسى الإيمان والثقة بأن المستقبل للشعب الكادح في
مصر. والحلّ لهذا الواقع المتخلّف سيتحقق بثورة واعية يتضامن فيه المسحوقون
للتغيير نحو مستقبل زاهر. والحلّ الذي يُؤْمِن به هو تسلح الأفراد والمجتمع
وتطبيقهم لنظرية التطوّر، لأنّ التطوّر في منظوره يخلق مجتمعا يكون أفراده على
استعداد لمواكبة الحداثة التي ستحقّق انقاذه وخلاصه وتحريره من كل أنماط المعاناة والقهر،
الجهل، التشرذم، التمزّق الفهلوية، السطحية والاتكالية، إنّ الخطوة الأولى في كسر
أغلاله هي التحرّر من الفاقة. لذا كان يؤكّد باستمرار أن "الجوع كافر، والبرد
أكثر كفرا، والعراء أنكى، وهو الذي يغرس في الفقراء الجهل والحقد والتورط في عالم
الجريمة. لذا آمن بكل جوارحه، أنّه لا خلاص إلّا بالتطوّر، لأنّه المصدر لتثوير
العقل، ولإقناع أفراد المجتمع بأنّ عزيمة الانسان وإرادته الحرّة والخلّاقة هي
الطريق لبناء واقع جديد ومشرق. ويؤكّد ذلك بقوله: "إنّ رسالته في الحياة هي
الإيمان بحرية الفكر التي تدعو الى استعمال العقل بدل العقيدة الجامدة، وبناء
وتطبيق مفاهيم التطوّر والاشتراكية لتحقّق مستقبلا زاخرا بالسعادة بدل التمسّك
الأعمى بأوهام عودة الماضي، فهذا هو السبيل لتحقيق قفزة تطوّر نوعي في مجتمعنا".
انطلاقا من تمسكه بنظرية التطوّر يقوم
بتحديد السياسة المرغوب تطبيقها والتي لا يكفي أن تكون دعامتها التعدّدية الحزبية
والدساتير، إنّما الأهم هو تأسيس المدارس والمستشفيات، وتوفير المساكن التأمينات
والضمانات الاجتماعية لإلغاء الفقر. ولقد وّجه أصابع الاتهام في عصره للحركات
السياسية المنتفعة المرتزقة لأنّها تتاجر فقط بشعارات المساواة ومحاربة الفقر.
ويعكس موقفه المتخوّف منها بقوله: "إن أسوأ ما أخشاه أن نقضي على المستعمرين
ونطردهم ثم نعجز أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا ونعود الى دعوة عودوا الى
القدماء".
لقد وقف سلامة موسى منذ بداية كفاحه ضد
القوى المناصرة والداعمة والمروّجة للاستغلال بكل أطيافه، وقفة مواجهة وتحدّ تدعو
الى النهضة والتقدم. لقد استمر حتى مماته بنشر فكره التنويري والإنساني في مجتمع
كان يرضخ تحت نير الاستعمار المتحالف مع جلاوزة وزبانية الاستبداد في وطنه[45].
ولقد كان من الطبيعي في واقع كهذا، عدم توفر
المناخ والتربة لنقل القيم النهضوية التي كرّس حياته وكتاباته لنشرها. ففي مجتمع
كان مشبعا بنزعة قهر وقمع كل دعوة للتغيير، فإنّه من السهل لزمرة الأقلام المجنّدة
لخدمة السلطة، تحريض الجماهير ضد سلامة موسى، ليصبح ضحية لدعوته وفكره التقدمي، إلّا أنّ كل حملات التحريض والمقاومة ضده لم
تفلّ عزيمته الكفاحية وتشبثه بفكره التنويري والنهضوي. ويؤكد موقفه هذا بقوله:
"أنا لا أحس بعمق السعادة الحقيقية إلّا حين أكافح، لأنّ الكفاح هو السبيل
الوحيد الذي يجعلني حيّا وفعالا" ... ويضيف أنّه مهما ستكلفه آراؤه ومواقفه
الكفاحية من تضحيات جسيمة وهائلة كالسجن والفقر والإقصاء، فكل ذلك لن يؤدّي
لتحطيمه، إنما سيزيده قوة وصمودا وشعورا بالكرامة والاعتزاز". وبرأيه، يستحيل
أن تثنيه أيّة قوة إرهاب وكبت عن متابعة توعية الطبقات المظلومة والمهمشة بنشره
الفكر والثقافة العلمية والاجتماعية في صفوفها. وكان تعريفه للإنسان المثقّف هو كل
من تزيده الثقافة وجدانا وإحساسا وتضامنا بمشكلات شعبه وعصره. رغم تهميش وتغييب
قوى معينة لفكره، إلّا أنّه ترك بصماته على الكثير من رواد النهضة المتأثرين
بفكره. فمثلا، كتب الأديب رجاء النقاش: "إنّ سلامة موسى هو المدرسة الكبرى
التي تخرج، وسيتخرج منها أجيال تنويرية. أمّا المفكر وعالم الاجتماع العراقي، علي
الوردي، فقد كتب: "يتّهمني بعض أدباء العراق بأنّني من تلامذة سلامة موسى،
السائرين على نهجه … تلك تهمة أرجو أن تصح".[46]
ثانيا: العائق الديني:
يكتب سلامة موسى: "إنّ الدين في ذاته
لا يمكن أن يضطهد، إنّما ينشأ الاضطهاد من السلطة المستغلة للدين، وربما من
الجمهور الذي يفضّل المألوف والموروث على التجريب والمواجهة والتغيير، وإنّ أسوأ
ما تُصاب به أمّة أن يتّحد الدين مع الاستبداد"[47] . ويؤكد التحليل الموضوعي
والمتعمّق لكتاباته في الدين، أنّها تمحورت بالأساس بضرورة تحرير الدين من براثن
استغلاله من قبل العناصر الرجعية والمتزمّتة، لإعادته الى أصوله الإنسانية
الجوهرية والتي تقوم على خدمة الانسان ورقيّه، وسعادته ورفاهيته. كما يقوده تعمّقه
وفهمه الواعي للدين إلى أنّه لا وجود لأيّ تناقض وصراع بين الديانات لأنّها بعمقها
وأبعادها الانسانية هي الحبّ، الحياة، التسامح، الإخاء والتعاون.[48]
ويؤكد رؤيته هذه بقوله: "كثير من الفضوليين
يسألونني ما هو إيمانك؟ وجوابي: "أنّي أومن بالمسيحية، الاسلام، اليهودية والبوذية.
وأحبّ المسيح وأعجب بمحمد واستشهد بموسى وأهفو الى بوذا، وأحسّ أنّ هؤلاء أقربائي
بالروح … إنّ بؤرة إيماني وديني هي الإنسانية بما تحويه من أنبياء وفلاسفة وأدباء،
وبما تشمله من أخلاق ومرؤة وجمال وشرف[49]". إنّ هذا الطرح
والبلورة للدعوة للقيم الدينية السامية، جسمت وبلورت تحدّيا جريئا وصريحا في عصره
لهيمنة المفاهيم والتقاليد الإقطاعية والنخب الرجعية والسلفية المتحالفة معها،
والتي كانت تروّج وترسّخ التفكير الغيبي، الخُرافي والسحري، والإحباطي – الجبري،
(كل ما يحصل هو قضاء وقدر محتوم)، وتدأب على اختلاق وتصعيد وتفجير الصراعات
الطائفية والمذهبية لضمان استمرارية نهبها وتسلّطها على المجتمع. وعليه كانت
مواقفه صرخة مدوية تتصدّى لواقع الانسان الأليم والمجحف في مجتمعه بفعل تكبيله
بأغلال الجهل، الفقر والمرض. إنّ رسالته الإنسانية التنويرية لم تقتصر على تأكيد
رسالة الدين السامية، إنّما ثابر باستمرار في كتاباته ومواقفه لتعرية وفضح تآمر
فئات من رجال الدين الرجعيين والنفعيين، وبكشفه تأثيراتهم السلبية على المجتمع.
وأكد هذا الموقف بقوله: "إنّ هؤلاء هم الذين يدعمون استمرارية واقعنا المريض،
ويبذرون بذور التفرقة والكراهية والأنانية. إنّهم بمواقفهم هذه يتنكّرون لرسالة
الدين الجوهرية ألا وهي تحقيق الحب والسعادة والانسانية". كما اتهمهم بدعم
ومساندة الثالوث الدنس: الاستعمار، الملك والإقطاع من خلال ممارستهم الديماغوچية،
بتثبيت الجهل والاستغلال والجمود. وكشف لنا أيضا، محركات ترويجهم للخرافة
والشعوذات كوسيلة لتسخيف ومسخ تفكير الفرد وتلقينه تفسيرات خاطئة ومأساوية للقبول
والاقتناع بواقعه الأليم.[50]
كان من الطبيعي أن تقوده رؤيته وتحليلاته
هذه للدين، لدعوته الى نبذ التعصب والطائفية والمذهبية والفئوية. وأكّد ذلك
بمقولته: "أجل نحن بشر قبل أن نكون مصريين أو فرنسيين أو هنودا، وهذه الدنيا
تتسع لنا جميعا". مواقفه النقدية الجريئة والهادفة لكشف وفضح إساءة استغلال
أصحاب السلطان للدين، حفزته للمطالبة باستمرار وحزم، بضرورة فصل الدين عن الدولة،
من منطلق أنّ الدولة لا دين لها. وبرأيه إنّ استمرارية عدم الفصل (والمأساوي
هيمنته حتى يومنا هذا)، يصبّ في خدمة مصلحة قوى انتهازية ونفعية تتاجر بالدِّين
لتخليد سيطرتها على ثروات ومقدرات الوطن.[51]
يتطرق أيضا في هذا المجال إلى المقارنة بين
الدين والاشتراكية. فيفرض أنّ المشترك بينهما هو الاهتمام بالمجتمع والمسحوقين
فيه، والدعوة لتحقيق التعاون، الإخاء، المحبة، السلام وقدسية حياة الانسان
ورفاهيته. ويعالج أيضا في هذا المجال، قضايا الموقف من التقاليد والعادات. فنجده
يفرض أنّ العادات والتقاليد كانت حلولا مناسبة للتكيّف والتأقلم الاجتماعي في
مرحلة تاريخية عينية. وبما أنّ جدلية الحياة تطرح استمرارية التغيير، فإنّه من
الحتمي، أن تفقد بعض العادات والتقاليد دورها الفعّال والإيجابي في خدمة قضايا
التطور. لذا طالب بضرورة تمسّكنا بكل موروث يخدم تقدّمنا من ناحية ونبذ كل ما
يُعيقه من ناحية أخرى. وكمثال لذلك نجده يطالب بنبذ عادة الفصل بين الجنسين وخاصة
في مراحل الدراسة، لأنّ ذلك يحمل معه عرقلة وإعاقة النمو السوي للمجتمع.[52]
ثالثا: العائق اللغوي
العائق اللغوي في منظور
سلامة موسى عائق يسهل تجاوزه بالتقريب بين الفصحى و العامية و الدعوة إلى العامية
ليست فكرة حديثة ولا حركة جديدة، بل كانت منذ بداية القرن السابع الهجري /
الثالث عشر الميلادي، بدوافع دينية وسياسية، وبقيت حاضرة منذ ذلك التاريخ، تظهر
صداها حيناً وتختفي أخرى، إلى أن عادت بشكل جديد في نهاية القرن التاسع عشر، على
يد بعض المفكرين والمثقفين الذين نادوا باتخاذ العامية لغة رسمية وأداة للتفاعل
الجماهيري والتعبير الأدبي والثقافي وإحلالها محل العربية الفصحى كما حلت
الإيطالية الحديثة محل اللاتينية.[53]
كان سلامة موسى في مقدمة الذين دعوا إلى التقريب
بين الفصحى والعامية مرحليا، حين أدرك أن العامية في عصره لا يمكنها أن تحل محل
الفصحى للتعبير عن العلوم والآداب، ولذا دعا إلى ما يسميه “التسوية” بينهما وحدد
مجال التقريب. وظهرت الدعوة إلى التقريب في إطار حركة التمصير التي تزعمها أحمد
لطفي السيد ودعا إلى ما أسماه بـالتسامح اللغوي، وهو يعني به إصلاح الفصحى
باستعمال ألفاظ من العامية، والألفاظ المستعارة من اللغات الأخرى في الكتابة.[54]
برزت قضية اللغة العربية،
التي وصف أسلوبها السائد وصيغها المتداولة بين العديد من الكتاب والأدباء
والمفكرين، بالانغلاق على رؤيةٍ سلفيةٍ، ورأى أنّها تستعير صوراً قديمةً وتقليديةً،
تعكس حالةً من الجمود العقائدي، وتبتعد عن روح العصر، وإمكانيات الثقافة الحديثة،
والإنتاج المعرفي والعلمي الجديد لها.
رفض الجمل البلاغية
"المفخخة"، والمعاني الفضفاضة الواسعة، والمجازات البعيدة، وقصد في
كتابته أن يشتقّ لغةً علميةً سهلةً وواضحةً، يقتصد فيها على ضرورات المعنى، دون
إفراطٍ أو تفريطٍ، فيقول: "أنا لا أبالي بما يقال عن أسلوب الكتابة،
لكنّني أبالي أسلوب الحياة، ولا أعبأ ببلاغة العبارة، لكنّني أعتني بأن تكون
الحياة بليغة".
وإلى جانب الحثّ على
تبسيط اللغة واعتماد العامية، ونبذ اللغة القديمة المتهالكة، رأى في الأدب العربي
الذي انتشر في أوروبا من خلال الأندلس، سبيلاً إلى إحداث الثورة الرومانسية في
الأدب الأوروبي، لذلك، ظلّ شغفه وهمّه الأساسي، هو التعريف بأدباء ومثقفي التنوير.[55]
وحديث سلامة موسى عن
اللغة العربية ينطلق من الشك في جدارتها. فالقرآن الكريم عنده أول الكتب التي يجب
أن يقرأها المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم. لكن وجوب قراءته لا يأتي من دلالته
الإلهية، بل لأنه مصدر لمعرفة بنيان المجتمع العربي. كما أنه لا يوافق على تفوق
اللغة العربية على بقية لغات العالم، ولا على رأي الذين يعدون اللغة العربية
والقرآن وحدة لا تنقسم. وإذا كانت اللغة العربية المصدر الأول لدى المسلمين
لهويتهم وانتمائهم القومي والديني، كانت عناية سلامة موسى مقتصرة على كونها وسيلة
للتفكير والتخاطب والتواصل كما هو حال اللغات لشعوبها. وتتركز عيوب اللغة العربية
عند سلامة موسى في الجمود والمثالية والصحراوية والخصائص الطبقية. فيقول إنها: “لغة
بدوية تحفل بآلاف الكلمات عن الصحارى والإبل والخيل والغزو والخيام. ولذا لاتكاد
تكفل الأداء إذا تعرضت لحالة مدنية راقية”.[56]
ويرى سلامة موسى أن مسرح
الحضارة البشرية قد شهد تغيرا جسيما، أهمه توسع المعارف و تنوعها وتعمقها. لذا
يؤكد أن هذا الزمن هو زمن العلم والصناعة الآلية فيجب أن نقبل عليها. فيحتاج
الانسان العصري إلى لغة تليق بالحضارة العصرية المادية، لأن اللغة أكبر أداة
للتفكير والفهم والابتكار، وللاستعداد للمستجدات المرتقبة في الحياة. إلا أن اللغة
العربية التي تتسم بارتباط اللغة بالدين والتقاليد، أداة ناقصة لأنها تغرس في نفس
الناطقين بها حب الماضي والاستقرار. بل أصبحت عائقة تحول دون التطور. وذلك أننا
نعالج موضوعات عصرية بلغة غير عصرية. وفي مقال له في مجلة الهلال بعنوان “اللغة
الفصحى واللغة العامية”، تظهر أول مرة نزعته الوطنية المصرية وميله إلى العامية[57]. يقول فيه إن اللغة
العربية حتى بعد تعلم قواعدها بصعوبة، لا تفي بالموضوعات الأدبية ولا العلمية. ثم
اللغة العربية لا تفيق مصلحة مصر، لأن المتعمق في اللغة الفصحى، يشرب روح العرب
ويعجب بأبطال بغداد بدلا من أن يشرب الروح
المصرية ويدرس تاريخ مصر.[58]
ويستطرد قائلا إن “النهضة
لاي مكن أن تتحقق إلا باتخاذ اللغة المصرية العامية أو بإيجاد ما يشبه التسوية
بينها وبين اللغة الفصحى بحيث تتمصر هذه اللغة”.
وعلى الرغم من موافقته
على فكرة اتخاذ العامية من حيث المبدأ فهو
يرى أن وضع العامية لا يسمح بهذه الطفرة. ولإصلاح حال العربية يدعو إلى التقريب
بين العامية والفصحى، ويشير إلى مرحلة انتقالية، فيقول : “ولست أشك في أن اللغة
العامية تفضل اللغة الفصحى وتؤدي أغراضنا الأدبية أكثر منها. ولكننا لم نبلغ بعد
الطور الذي يمكننا أن نطفر هذه الطفرة إلا أن هذا لا ينبغي أن يمنعنا من إيجاد
تسوية بين الفصحى والعامية”.[59]
[1] شاكر فريد حسن، سلامة
موسى الكاتب والمفكر التنويري في النهضة العربية المعاصرة، صحيفة المثقف، العدد 5311، مقال منشور على
الموقع: https://www.almothaqaf.com/ تاريخ الاطلاع: 21/03/2021 على الساعة: 11:58.
[2]
محمود الشرقاوي، سلامة موسى المفكر و الانسان، دار الهلال، القاهرة، 1968، ص 23.
[3]
محمود أمين العالم، الانسان موقف، المؤسسة العربية للنشر، بيروت ، 1972، ص 33
[4]
سلامة موسى، مشاعل الطريق للشباب، دار العلم للملايين، ط3، بيروت، 1964، ص ص
16-17.
[5]
محمود أمين العالم، المرجع السابق، ص 36
[6] المرجع السابق، ص 37.
[7] سلامة موسى، اليوم والغد، المطبعة العصرية
بالقاهرة 1927م، ص 241.
[8]
المرجع نفسه، ص 257.
[9]
مصطفى النشار، سلامة موسى رائد الاشتراكية التقدمية في الفكر العربي المعاصر، بحث
محكم، قسم الفلسفة و العلوم الانسانية ،
القاهرة مصر، 2016، ص 7.
[10] كمال عبد اللطيف،
سلامة موسى وإشكالية النهضة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة
الأسرة، القاهرة 2009م، ص 111.
[11] الجمعية الفابية ، جمعيه اشتراكيه انجليزيه ، تأسست سنة
1884 ، يؤمن اعضائها بالاشتراكية التطورية و
تحقيقها عن طريق الدستور، تتعارض مع الماركسية في موضوع
الصراع بين الطبقات و ديكتاتورية الطبقة العاملة و الاستيلاء على الحكم بالقوة.
يرجع لها الفضل في تأسيس حزب العمال البريطاني سنة 1900. جورج برنارد شو كان من أهم
قاداتها تأثرالمفكر المصري الكبير سلامه موسى بأفكارها لما
زار لندن فى بدايات القرن العشرين.
[12] كمال عبد اللطيف المرجع السابق، ص ص 111-112.
[13] سلامة موسى: ما هي النهضة، نشرة مكتبة الأسرة
بالهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2002م، ص 3.
[14] المرجع نفسه، ص ص 3-5.
[15] المرجع نفسه، ص 8
[16] سلامة موسى، حرية الفكر - الجزء الثاني، منشورات
مكتبة الأسرة بالهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1996م، ص 179.
[17] سلامة موسى: حرية الفكر وأبطالها في التاريخ،
طبعة دار الهلال بمصر، بدون تاريخ، ص 177.
[18] المرجع نفسه، ص 176.
[19] المرجع نفسه، ص ص 15-17
[20] سلامة موسى، حرية الفكر - الجزء الثاني المرجع السابق، ص 178.
[21] انظر على سبيل المثال فيما يتعلق بفرح أنطون
روايته الأولى بعنوان «الدين والعلم والمال» التي جعل عنوانها الفرعي «المدن
الثلاث» حيث تحدث عن كيف تتصارع قوى الدين والعلم والمال وكيف تتحول العلاقة بينها
من علاقة سلام ووئام وحوار وتفاعل إلى علاقة تنابذ وقتال وصراع.» فرح أنطون:
الدين العلم والمال، نشرت ضمن مهرجان القراءة للجميع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب،
القاهرة 1995م
[23] المرجع نفسه، ص 93.
[24]
المرجع نفسه، ص 93.
[25]
مصطفى النشار، سلامة موسى رائد الاشتراكية التقدمية في الفكر العربي المعاصر، بحث
محكم، قسم الفلسفة و العلوم الانسانية ،
القاهرة مصر، 2016، ص 12.
[26]
حيدر جواد السهلاني، المرأة في نظر سلامة موسى، صحيفة المثقف العربي، العدد 4144،
2020، مقال منشور على موقع: https://www.almothaqaf.com/
تاريخ الاطلاع: 29/04/2021 على الساعة : 21:14.
[27]
سلامة موسى: المرأة ليست لعبة الرجل، دار هنداوي، القاهرة، ص8
[28]
المرجع السابق، ص 09.
[29]
المرجع نفسه، نفس الصفحة.
[30]
سلامة موسى: مقالات ممنوعة، دار هنداوي، القاهرة، ص109.
[31]
سلامة موسى: الصحافة حرفة ورسالة، مطبعة التقدم، القاهرة، ص97.
[32] سلامة موسى: المرأة ليست لعبة الرجل، دار
هنداوي، القاهرة، ص 10.
[33] سلامة موسى: ما هي النهضة؟ مرجع سابق، ص 95.
[34] سلامة موسى: تاريخ الفنون وأشهر الصور، صدر عن
وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية (كتاب مجلة الدوحة )، دولة قطر، 2015 م، ص 5.
[35] المرجع نفسه، ص 09.
[36] المرجع السابق، ص 12.
[37]
مصطفى النشار، المرجع السابق، ص 13.
[38] سلامة موسى: تاريخ الفنون وأشهر الصور، المرجع السابق، ص ص 26-27.
[39] عصام محفوظ، ماذا يبقى منهم للتاريخ، بيروت 2000، ص 112.
[40]
سلامة موسى، نظرية التطور و أصل الانسان،
المكتبة العصرية للنشر، القاهرة، ط3، 1957، ص 11
[41]
سلامة موسى، نظرية التطور و أصل الانسان،
المرجع السابق ص 13.
[42]
سلامة موسى: مقالات ممنوعة، دار هنداوي، القاهرة، ص121.
[43]
كمال عبد اللطيف، سلامة موسى و اشكالية النهضة، دار الفارابي، الدار البيضاء،
المغرب، 1982، ص 57.
[44]
فائزة تومان الشمري، المشروع التنويري لسلامة موسى نقد و تحليل، الجامعة
المستنصرية، بغداد، 2019، ص 08.
[45]
كمال عبد اللطيف، المرجع السابق ، ص 58.
[46]
المرجع نفسه، ص 60.
[47]
سلامة موسى، هؤلاء علموني، الخانجي للنشر، ط1، 1953، ص 15.
[48]
المرجع نفسه، ص 16.
[49]
المرجع نفسه، نفس الصفحة.
[50]
غالي شكري، سلامة موسى و أزمة الضمير العربي، دار الآفاق الجديدة، القاهرة، 1983،
ص 113.
[51]
المرجع نفسه، ص 114.
[52]
المرجع نفسه، ص 115.
[53] أنور الجندى، الفصحى لغة القرآن، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ص
188.
[54]
أنظر: مقدمة كتاب سلامة موسى: البلاغة العصرية و اللغة العربية..
[55]
كريم شفيق، سلامة موسى مفكر أعزل سبح عكس التيار، مجلة حفريات الالكترونية ، مقال
منشور بتاريخ : 25/01/2018 .
[56] سلامة موسى، البلاغة
العصرية واللغة العربية، ص: 77، اليوم والغد، ص:237.
[57] سلامة موسى، مقالات
ممنوعة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، الطبعة الكترونية 2012، ص: 180
[58] سلامة موسى، اللغة
الفصحى واللغة العامية، مجلة الهلال، ج 7، ص:1074.
[59] المرجع السابق، ص 1075.