JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

مبدا الفصل بين السلطات

خط المقالة

 

المبحث الأول : مبدأ الفصل بين السلطات

المطلب الأول: مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات

الفرع الأول:  تعريف مبدأ الفصل بين السلطات

اختلف مضمون مبدأ الفصل بين السلطات حسب وجهة نظر كل فقيه لطبيعة الفصل ودون الخوض في تفاصيل ذلك يمكن القول أن المقصود بمبدأ الفصل بين السلطات هو توزيع وتقسيم وظائف الدولة على هيئات أو سلطات منفصلة تستقل كل منها عن الأخرى بمباشرة وظيفتها، وعدم جمعها أو تركيزها في يد شخص واحد أو هيئة واحدة منعا للاستبداد وإساءة استعمال السلطة وضمانا للحريات، فتنشأ في الدولة سلطة تشريعية مهمتها وضع القوانين وسلطة تنفيذية مهمتها تنفيذ القوانين وسلطة قضائية مهمتها الفصل في المنازعات والخصومات، بحيث تستقل كل سلطة من هذه السلطات عن الأخرى في مباشرتها لوظيفتها ومنع الاستبداد والتحكم من قبل السلطة الأخرى[1] وعليه فمبدا الفصل بين السلطات له معنيان أساسيان هما:

1- الاستقلال العضوي: ويقصد به أن يكون لكل سلطة من السلطات الثلاث في الدولة استقلالها الذاتي من حيث التكوين، فتستقل في تشكيلتها وفي هيئاتها عن غيرها.

2-الاستقلال والتخصص الوظيفي: أي أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بممارسة وظيفة محددة بذاتها فتقتصر وظيفة السلطة التشريعية على سن تشريعات، وتقتصر وظيفة السلطة التنفيذية على تنفيذ القوانين من خلال إصدار القرارات الإدارية وتنحصر مهمة السلطة القضائية في الفصل في الخصومات. وقد عرفه "إسمان" بأنه "المبدأ الذي يقتضي إسناد خصائص السيادة التي تختلف بعضها عن بعض إلى أفراد أو هيئات مختلفة ومستقلة بعضها عن بعض ولما كانت الأمة هي مصدر السلطة فهي التي تسند هذه الخصائص المختلفة المستقلة إلى الهيئات المختلفة والمستقلة ولا يقصد بفصل السلطات ان تستقل كل هيئة عن الأخرى تمام الاستقلال بحيث تكون كل منهما بمعزل تام عن الأخرى، بل المقصود عدم تركيز وظائف الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على هيئات منفصلة، بحيث لا يمنع هذا التوزيع والانفصال من تعاون بينهما ورقابة كل سلطة على الأخرى.

 

الفرع الثاني : نشأة مبدأ الفصل بين السلطات

رغم أن مبدأ الفصل بين السلطات تبلور واتضح أكثر بمساهمة الفقيه الفرنسي مونسكيو، إلا أن المبدأ عرف في الفكر السياسي الإغريقي، وكان لمفكري تلك العصر دور بارز في وضع أسسه فرأى أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تقسم ويجب أن تؤدى من قبل هيئات مختلفة، مع إقامة التوازن بينها، حتى لا تنفرد إحداها بالحكم، على أن تتعاون فيما بينها ويراقب بعضها بعضا، منعا للانحراف. أما أرسطو فقد قسم وظائف الدولة إلى وظيفة المداولة وظيفة الأمر، وظيفة العدل، وتتولى القيام بكل وظيفية هيئة مستقلة عن غيرها، بحيث لا تجتمع الوظائف في يد هيئة واحدة. وقسم جون لوك في كتابه "الحكومة المدنية سنة 1690 سلطات الدولة إلى:

-        التشريعية تتولى مهمة سن القوانين

-        التنفيذية و تتولى مهمة تنفيذ القوانين والمحافظة على الأمن

-        الاتحادية ودورها إعلان الحرب وإقرار السلم وإبرام المعاهدات وإقامة العلاقات

الدول الأخرى،

-        إضافة إلى مهمة التاج وهي المتعلقة بخصائص الملوك وامتيازاتهم وحقوقهم مع

وأكد جون لوك على ضرورة فصل المهمة التشريعية عن التنفيذية، بحيث تتولى كل منهما سلطة مستقلة، لأن جمعهما يؤدي إلى الاستبداد، ولأن طبيعة عملهما مختلفة، فالسلطة التنفيذية تقتضي التواجد المستمر للقيام على شؤون الأفراد أماي السلطة التشريعية فوجودها ليس دائما، بل تجتمع في فترات متقطعة لسن القوانين ولا يعترف لوك بالسلطة القضائية بل يعتبرها جزءا من السلطة التنفيذية.

ثم جاء الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي ارتبط المبدأ باسمه، ففي القرن 18 شهدت أوربا انتشار النظم الملكية المطلقة، وذلك بتركيز كل الوظائف في يد شخص الملك، ما أدى إلى انتشار الاستبداد والاعتداء على حقوق وحريات الأفراد وغياب دولة القانون والمشروعية وقد رأي مونتسكيو أن الفصل بن السلطات هو الكفيل بالقضاء على السلطة المطلقة للملوك، لأن تجميع السلطات يؤدي حتما للاستبداد والحد منها يقتضي وضع حدود لها، ولا يمكن الحد من السلطة إلا من قبل سلطة أخرى مقابل لها، فالسلطة لا توقفها إلا السلطة". ويقول مونتسكيو بهذا الشأن "لقد أثبتت التجارب الأبدية أن كل إنسان يتمتع بسلطة يسيء استعمالها، إذ يتمادى في هذا الاستعمال حتى يجد حدودا توقفه ... وللوصول إلى عدم إساءة استعمال السلطة يجب أن يكون النظام قائما على أساس أن السلطة تحد السلطة"، وعليه ينبغي أن توزع السلطات في الدولة على هيئات مختلفة تعمل معا وتوقف كل منها الأخرى عند اعتدائها على اختصاصاتها، وتتمثل هذه السلطات في[2]:

-        السلطة التشريعية، تتولى وضع القوانين ويتولاها الشعب أو ممثلوه وهي تقوم على مجلسين مجلس منتخب، ومجلس ارستقراطي

-        السلطة التنفيذية مهمتها تنفيذ القوانين وتكون بيد ملك قوي

-        السلطة القضائية تختص بالفصل في المنازعات والمخالفات التي تنشأ عن مخالفة

القانون وتسند هذه المهمة لهيئة مستقلة.

هذا التقسيم الذي يؤدي إلى إجادة واتقان العمل نتيجة التخصص والتفرغ، ويحول دون الاستبداد بالسلطة. ولأن الفصل التام بين السلطات غير ممكن إذ أن السلطات تجد نفسها مضطرة للعمل مع بعضها، وهو أمر مقبول غير أنه ينبغي تحقيق التوازن بينها، فلا تسيطر أحدها على الأخرى وليس بإمكان أي سلطة أن تشل عمل السلطة الأخرى أو تعرقله، ويتحقق هذا التوازن عن طريق أمرين هما:

-        قدرة البت، أي تكون كل سلطة من السلطات الثلاث قادرة على البت في المسائل التي تدخل في دائرة وظيفتها فالبرلمان باعتباره مكلفا بالوظيفة التشريعية يكون مختصا بعمل القوانين ونفس الأمر بالنسبة لباقي السلطات.

-        قدرة المنع، ويتحقق ذلك بالاعتراف لكل سلطة بقدرة منع السلطات الأخرى في التدخل في اختصاصها أي الاعتراف بالرقابة المتبادلة بين السلطات، حتى تستطيع السلطة أن توقف السلطة[3].

لقد ركز مونتسكيو على وجوب تلافي جمع السلطات، دون أن يتطرق بالتفصيل لكيفية الفصل بين السلطات، مما أدى إلى تعدد القراءات المتعلقة بتطبيق المبدأ في الأنظمة الدستورية[4]، وهو ما سنتطرق له في العنصر التالي المتعلق بتفسيرات أو تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات.

 

المطلب الثاني: تطبيقات  مبدأ الفصل بين السلطات

عرف مبدأ الفصل بين السلطات تفسيرين مختلفين، ومرد هذا الاختلاف إلى نقطتين أساسيتين، تتمثل الأولى في درجة الفصل، إلى أي مدى يجب أن يفصل بين السلطات؟ هل يفصل ينهما بشكل تام ومطلق فلا يقبل أي شكل من أشكال التعاون والتداخل العضوي أو الوظيفي ؟ والنقطة الثانية، في كيفية مراقبة السلطات لبعضها البعض، أي كيف توقف السلطة السلطة؟ وما هي حدود هذه الرقابة؟ اختلفت وجهات النظر في الإجابة عن هذه الأسئلة، ونتج عنها ظهور مفهومين مختلفين لمبدأ الفصل بين السلطات، هما الفصل المرن والفصل الشديد أو (التام).

1-الفصل الشديد (التام) بين السلطات

ويعني تنظيم العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث لا يمكن أن تتعدى سلطة على سلطة فلا السلطة التنفيذية يمكن أن تتدخل في صياغة القوانين، ولا السلطة التشريعية يمكن أن تتدخل في تنفيذ القوانين ويحكم الفصل الجامد أو المطلق أو التام بين السلطات ثلاثة مبادئ رئيسية هي المساواة والاستقلال والتخصص:

-        المساواة، ويقصد بها ألا تنفرد أي سلطة بسيادة الدولة وانما تتقاسمها.

-        الاستقلال، ويكون الاستقلال على المستوى العضوي والوظيفي

أ- الاستقلال العضوي الذي يعني استقلال كل سلطة بأعضائها، ومنع الجمع بين عضوية السلطة التشريعية والتنفيذية فلا يمكن مثلا لشخص أن يكون وزيرا ونائبا في نفس الوقت.

ب- الاستقلال الوظيفي: فلا يمكن لأي سلطة أن تتدخل في وظيفة سلطة أخرى، فلا مكن للسلطة التنفيذية مثلا أ تسن القوانين ولا تلزم الحكومة بعرض برنامجها على البرلمان للموافقة عليه. التخصص. يعني أن تختص كل سلطة بممارسة وظيفة معينة دون غيرها.

2- الفصل المرن بين السلطات

وبقصد به تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاثة على نحو يضمن التعاون فيما بينها. فيصير من الممكن أن تتدخل السلطة التنفيذية في سن القوانين وتعرض الحكومة برنامجها على البرلمان للموافقة عليه، فالفصل المرن يقتضي إمكانية التداخل بين السلطات، سواء في التشكيل والهياكل التداخل العضوي)، أو في امكانية التعاون الوظيفي فيما بينها (التداخل الوظيفي). كما يمكن في ظل الفصل المرن أن تنشأ رقابة متبادلة بن السلطات.

3- مبدأ الفصل بين السلطات في الدساتير الجزائرية

• مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 1963

تبنى دستور 1963 نظام الحزب الواحد واعتبره مبدأ جوهريا يقوم عليه النظام الدستوري الجزائري، وتساغ بناء عليه حلول مختلف المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية  واعتبر المؤسس الدستوري آنذاك مبدأ الفصل بين السلطات تجزئة للسيادة الوطنية  وأن النظام البرلماني أو الرئاسي لا يحققان الاستقرار المنشود، وأن السبيل إلى ذلك هو أن يكون النظام قائما على هيمنة الشعب صاحب السيادة، والحزب الطلائعي الواحد .

وبناء عليه يمكننا القول أن دستور 1963 حاول تنظيم السلطات وإقامة علاقة تعاون ورقابة بينها، غير أنه لم يوفق في ذلك، بسبب سيطرة الحزب على كل السلطات نظرا للاختصاصات الدستورية التي يتمتع بها، وتداعيات الأحداث التي شهدتها الجزائر آنذاك، والتي آلت إلى تركيز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية.

•مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 1976

حافظ دستور 1976 على تركيز السلطة ووحدتها حيث أن الباب الثاني منه لم يتضمن تنظيم السلطات بل تنظيم السلطة، وجاء تحت عنوان السلطة وتنظيمها، وتقوم هذه السلطة بجملة من الوظائف، تتمثل في الوظيفة السياسية والوظيفة التنفيذية والوظيفة التشريعية والوظيفة القضائية والوظيفية التأسيسية ووظيفة المراقبة. ورغم أن هذه الوظائف تتم من قبل أجهزة وهياكل مختلفة، ومستقلة عن بعضها ظاهريا، إلا أنها في نهاية المطاف هي تابعة لسلطة واحدة، فالمرشح لرئاسة الجمهورية يقترحه الحزب،  والرئيس يجسد القيادة السياسية للحزب والدولة 34 ويرشح الحزب أيضا نواب المجلس الشعبي الوطني ،  وحتى القضاء فهو وظيفة متخصصة للسلطة الثورية، وليس سلطة مستقلة، وبشكل مختصر كانت هناك مؤسسة واحدة هي رئيس الجمهورية بوصفه المؤسسة السياسية التي تتحقق من خلالها وحدة الدولة ووحدة السلطة ووحدة القيادة.

•مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 1989

رغم أن دستور 1989 لم ينص صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات، إلا أنه من خلال تخصيص فصل مستقل لكل سلطة، ومجمل الأحكام المتعلق بتنظيم السلطات وتحديد صلاحياتها التي تمارسها بشكل مستقل، والسماح لها بالتعاون فيما بينها، لاسيما بين السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث يمكن لكل من السلطتين أن تشارك في بعض مهام السلطة الأخرى، والنص على صور متعدد للرقابة المتبادلة بينهما والنص على استقلالية القضاء، كل هذا يدل على أن المؤسس الدستوري الجزائري اعتمد مبدأ الفصل المرن بين السلطات، محدثا بذلك تحولا جذريا في تنظيم السلطات.

4 -مبدأ الفصل بين السلطات في دستور 1996

مرت الجزائر مرة أخرى بظرف استثنائي، عطلت فيه المؤسسات الدستورية، وغيب فيه الدستور، ونشأت سلطات استثنائية غير منصوص عنها في الدستور، لمجابهة الظرف ولضمان استمرارية الدولة، واستمرت هذه المؤسسات إلى غاية صدور دستور 1996، الذي ظل وفيا لمبدأ الفصل بين السلطات، وحافظ على نفس التنظيم المقرر في دستور 1989، فنظم كل سلطة بشكل مستقل ونص على استقلالية القضاء، ورغم تجسيد مبدأ فصل بين السلطات والعمل بمقتضاه في دستور 1996 إلا أنه لم يرد النص عليه إلا بموجب التعديل الدستوري لسنة 2016، حيث تطرق له المؤسس الدستوري صراحة في الدباجة بالنص على أنه "يكفل" الدستور" الفصل بين السلطات واستقلال العدالة ..." . ونصت المادة 15 من التعديل الدستوري لسنة 2016 على أنه تقوم الدولة على مبادئ التنظيم الديمقراطي والفصل بين السلطات والعدالة الاجتماعية

• مبدأ الفصل بين السلطات في التعديل الدستوري 2020:  حافظ التعديل الدستوري لسنة 2020 على مكانة مبدأ الفصل بين السلطات بل وعنون الباب الثالث منه بـ "تنظيم السلطات والفصل بينها" وتختم هذه المادة مراحل تطور المبدأ في الدساتير الجزائرية فبعد أن كان الفصل بين السلطات في دستور 1963 مستبعدا لتعارضه مع نظام الحزب الواحد الذي اعتبر حينها مبدأ جوهريا لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة وقاعدة أساسية لضمان استقرار النظام السياسي، أصبح اليوم من العناصر التي تقوم عليها الدولة وترسم معالم نظامها السياسي.

المطلب الثالث: مزايا و عيوب مبدأ الفصل بين السلطات

أولا: مزايا مبدأ الفصل بين السلطات

يحقق مبدأ الفصل بين السلطات العديد من المزايا. وتتلخص أهمها في النقاط التالية:

-        حماية الحرية ومنع الاستبداد وهي الميزة الأولى والأساسية لمبدأ الفصل بين السلطات والمبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ، فجمع السلطات بيد شخص واحد يتيح الفرصة لإساءة استعمال السلطة، وانتهاك حقوق وحريات الأفراد، لأن النفس البشرية تجنح للاستبداد إذا استأثرت بالسلطة، أما توزيع السلطات بين عدة هيئات مع الفصل بينهما فإنه يفسح المجال لكل هيئة في مراقبة أعمال الهيئتين الأخريين بما يؤدي إلى منعها من التجاوز أو الإساءة وانتهاك حقوق وحريات الإفراد.

-        إتقان وحسن أداء وظائف الدولة ويتحقق ذلك من خلال تقسيم العمل والتخصص، الذي من شأنه أن يضمن الاتقان والأداء الحسن للوظيفة. فوظائف الدولة متنوعة ومتعددة ويستلزم كل منها خبرات مختلفة، قلما تتمكن هيئة واحدة أو شخص واحد من امتلاكها جميعا، وعلى فرض امتلاكها يصعب إنجاز الأعمال في الوقت اللازم على الوجه المطلوب، ومن هنا كان الأسلوب الأفضل للعمل توزيع الوظائف والماها في الدولة، فتصبح كل سلطة متخصصة في مجالها تمارس عملها بإتقان وتفان.

-        ضمان احترام مبدأ سيادة القانون (ضمان مبدأ الشرعية): يؤدي مبدأ الفصل بين السلطات إلى ضمان احترام مبدأ سيادة القانون في الدولة، فالسلطة تخضع للقانون الذي ينظمها ويرسم حدود عملها ويقرر بطلان تصرفاتها، إذا ما خالفته فنضمن بذلك خضوع السلطات للدستور والقانون من خلال ما يصاحب هذا الفصل من رقابة متبادلة بينها يؤدي إلى ضمان احترام كل سلطة لحدودها الدستورية واحترامها لقواعد القانون، بالإضافة إلى ان الفصل بين السلطات يجعل السلطة القضائية رقيبة على السلطتين الأخريين ويضمن بوجه خاص خضوع قرارات السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإلغائها عند مخالفتها للقانون.

ثانيا: عيوب مبدأ الفصل بين السلطات

يرى منتقدو مبدأ الفصل بين السلطات أن القصد من هذا المبدأ كان لمحاربة السلطان المطلق للملوك في القرن الثامن عشر، والقضاء على الملكيات المستبدة. وقد حقق المبدأ الهدف الرئيسي له، وانقضت هذه النظم الاستبدادية واندثر عصر السلطان المطلق للحكام ولم تعد هناك حاجة للأخذ بالمبدأ في الوقت الحاضر.

1- كان جون جاك روسو من السباقين لانتقاد مبدأ الفصل بين السلطات معترا بأن صاحي السيادة هو الشعب وبأن الديمقراطية الحقة تفترض مباشرة الشعب للسيادة، لا توزيعها على هيئات تمثيلية تحتكر ممارسة السلطة باسم الشعب، ويقول في هذا منتقدا القائلين بمبدأ الفصل بين السلطات "إنهم يجعلون صاحب السيادة مخلوقا بديعا متكونا من قطع مركبة .

2- اعتبر الماركسيون مبدأ الفصل بن السلطات وهما يزيّف حقيقة السلطة التي تكون حسب رأيهم واحدة تحت سيطرة الطبقة السائدة، وهذا المبدأ لا يعدو أن يكون حيلة من حيل البورجوازية لتسويغ سلطتهم على المجتمع."

3- أنه مبدأ نظري أكثر منه عملي، بحيث يصعب تطبيقه كلية على أرض الواقع، فمهما حاولت الأنظمة السياسية ممارسته ستظل هناك علاقة بين السلطات ونوع من السيطرة لأحد السلطات على الأخرى.

4- ان الأخذ بالمبدأ، يؤدي إلى تفتيت وحدة الدولة، مما يعطل أعمالها، ويعرضها للخطر في أوقات الأزمات لان مباشرة خصائص السيادة تستلزم توحيدها وتركيزها، وليس فصلها فهذه الخصائص كأعضاء الجسم البشري، من غير الممكن فصلها عن بعضها وهذا لا يتفق مع الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات.

5- تطبيق المبدأ يقضي على فكرة المسؤولية، ويشجع كل سلطة على التهرب منها وإلقائها على الهيئات الأخرى، فهو يؤدي إلى تجزئة المسؤولية وتقسيمها وبالتالي صعوبة حصرها أو تحديدها، إذ أن تعدد السلطات في الدولة مع استقلالها عن بعضها يؤدي إلى توزيع المسؤولية عليها توزيعاً يضعفها عن القدر اللازم، أما إذا كانت السلطة مركزه في يد سلطة واحدة انصبت عليها المسؤولية كاملة فيزداد الإحساس بها ويتضاعف أثرها، لأنه في حالة الفصل بين السلطات تستطيع أي منها التخلص من المسؤولية وإلقاء التبعة على عاتق السلطة الأخرى.

6- يؤدي اعتماد المبدأ إلى خلق صراع بين السلطات، فلقد أثبتت التجارب أن توزيع السلطة في الدولة يجعل الدولة تتخبط في الصراع القائم بين السلطات، ويدفعها إلى إيجاد حلول بعيدة عن القانون للتقارب بينها، فينشأ بذلك دستوران الأول قانوني لا وجود له إلا على الورق والثاني واقعي حقيقي يسيّر الصراع ويترجم الاتفاقات الخفية بين السلطات القائمة .

7- أنه مبدأ عديم الفائدة وغير مبرر. فقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الهدف من وراء اعتماد هذا المبدأ كان انتزاع السلطة التشريعية من يد الملوك للحد من سلطاتهم المطلقة، وقد تحقق هذا الهدف، وعليه فلا مانع اليوم من خضوع الـ السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية باعتبارها ممثلة للأمة مع بعض الضمانات يقررها الدستور لمنع استبداد السلطة التشريعية.

8- ازدادت أهمية الأحزاب السياسية وعادة ما يسيطر الحزب الحائز على الأغلبية على السلطتين التشريعية والتنفيذية مما يجعل الفصل بين ا السلطات  عديم  الفائدة .

ولكن مع هذه الانتقادات لايزال المبدأ يحتل مكانة محترمة دستوريا، كأحد المبادئ الأساسية التي تنظم على أساسه السلطات في الدولة، والملاحظ على الانتقادات الموجهة إليه أنها تنصب جميعا على الفصل المطلق بين السلطات، رغم أن هذا المعنى نظري فقط، بل هذا المعنى لم يكن مقصودا لمونتسكيو أساسا، أما الفصل المرن بن السلطات حيث يتم التعاون بين السلطات فلا تطاله تلك الانتقادات.



[1] نعمان أحمد الخطيب، النظم السياسية والقانون الدستوري ص 183. انظر أيضا حاج كرازدي، المرجع السابق، ص 37.

[2] نعمان الخطيب المرجع السابق، ص 185

[3] سعيد بو الشعير المرجع السابق، ص 166 مولود ديدان المرجع السابق، ص 114.

[4] محمد شفيق صرصار المرجع السابق، ص 36.


NameEmailMessage