JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

تطور مفهوم الأخلاق عبر العصور

خط المقالة

 

تطور مفهوم الأخلاق عبر العصور


المبحث الأول: مفهوم الأخلاق:

تمهيد:

إنّ مفهوم تطور المفاهيم الأخلاقية لهو من المواضيع الهامة التي سال فيها الكثير من المداد والمناقشات والجدالات الفلسفية والكلامية بين مختلف الاتجاهات الفكرية الإنسانية والتي من خلالها تمكننا من فك طلاسم تطور الأفراد والمجتمعات الإنسانية التي تقوم على هذه الأخلاق وتترجم إلى معارف وشعور وغائيات ووسائل.

1-المفهوم اللغوي :

الأخلاق جمع خلق، والخُلُق -بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها   [1].

وقال الرَّاغب: (والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد... لكن خص الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخُلْق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة).[2]

ويقال الأخلاق في اللغة جمع خلق، وهو العادة و السجية و الطبع و المروءة و الدين ، وعند القدماء ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدم روية وفكر و تكلف ، وقد يطلق لفظ الأخلاق على الأفعال الصادرة عن النفس المحمودة كانت ، أو مذمومة". [3] .

الأخلاق في الدلالة اللغوية تعتبر جملة الأفعال و السلوكات التي تصدر عن النفس و تكون محمودة مما يدل على أدب الشخص ، أو مذمومة تدل على أن هذا الشخص سيئ الطباع ويمكن أن نستنتج أن من الناحية اللغوية أن لفظ خلق تعني السجية و الطبع ومن هنا نعني تكرر السلوك في الإنسان بحيث يكون ذا خاصية معينة فنصفه إما القبح و إما بالحسن" وهذه هي الحلقة التي تدور عليها القيم [4].

2-المفهوم الاصطلاحي:

عرَّف الجرجاني الخلق بأنَّه عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقًا سيئًا.[5]

وعرفه ابن مسكويه بقوله: (الخلق: حال للنفس، داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا رويَّة، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعيًّا من أصل المزاج، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب، ويهيج من أقل سبب، وكالإنسان الذي يجبن من أيسر شيء، أو كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعه، أو يرتاع من خبر يسمعه، وكالذي يضحك ضحكًا مفرطًا من أدنى شيء يعجبه، وكالذي يغتمُّ ويحزن من أيسر شيء يناله. ومنها ما يكون مستفادًا بالعادة والتدرب، وربما كان مبدؤه بالرويَّة والفكر، ثم يستمر أولًا فأولًا، حتى يصير ملكة وخلقًا.[6]

و الأخلاق في الاصطلاح الشائع هي: " علم السلوك الذي موضوعه الفضائل و الرذائل و طبيعتها  و كيفية اكتسابها و تهذيبها" حيث عرف إبن مسكويه الأخلاق بقوله" الخلق حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية" ، وهذا الحال ينقسم إلى قسمين ، منها يكون طبيعيا من أصل المزاج مثل أن الإنسان الذي يرتاح بسماع خبر ما يفرحه ، ومنهاما يكون مستفادا بالعادة و التدرب ، وربما كان مبدؤه الفكر ثم يستمر أولا فأولا ، حتى يصير ملكة وخلقا[7].

3-مفهوم الأخلاق عند طه عبد الرحمان:

يرى طه عبد الرحمان أن اليونان استخدموا كلمة Ethico أي خلقي ، وهو ما نقله اللاتينيون التي لغتهم Moralis أما المتقدمون فقد استخدموا اللفظين بمعنى واحد أي كمترادفين ، بينما المفكرون المعاصرون أقرو بالفروقات الموجودة بينهما و نتج عن ذلك أربع مواقـــــــف:

الموقف الأول:

يرى أن كلمة Morale عبارة عن جملة الأوامر و النواهي المقررة عند مجتمع مخصوص في فترة مخصوصة ، أما Ethiques فهي العلم الذي ينظر في أحكام القيمة التي تتعلق بالأعمال إما تحسينا أو تقبيحا. [8] 

الموقف الثاني:

يرى أن كلمة Morale تختص بكونها واحدة و كلية تجري أحكامها بالسوية على الناس جميعا، في حين Ethique تختص بكونها متعددة و شخصية تختلف معانيها باختلاف مذاهب الأشخاص، وأنساق الفلاسفة و يعتبر هذا الموقف أن الكلمة الأولى أعلى درجة من الثانية.

 

 

الموقف الثالث:

يعتبر Morale خطاب معياري يبنى على التعارض الموجود بين الخير و الشر باعتبارهما قيمتين مطلقتين بغية كمال الفضيلة، أما بالنسبة إلى كلمة Ethique فيعتبرها خطابا معياريا يبنى على التعارض الموجود بين الخير والشر ، باعتبارهما قيمتين نسبيتين قاصدا تحصيل السعادة.

الموقف الرابع:

ينظر إلى Moraleعلى أنها دائرة التأمل التي تبحث في مسالة الخير والشر من زاوية ما بينما يجب أن يكون Ethiques هي دائرة التأمل في مسألة الخلاص أي المصير النهائي للحياة الإنسانية.

يغلب على فكر طه عبد الرحمن انه فكر أخلاقي حيث حاول طه عبد الرحمن إخراج الإنســــــــــــــــان من أنه كائن عاقل في الفلسفة الغربية إلى كائن أخلاقي في الفلسفة الإسلامية.
فطه عبد الرحمن نظر إلى الإنسان من جانبه الأخلاقي و ركز عليه في مشروعه الفكري، وبذلك أعطى الأولوية الأخلاقية على العقلانية.

ومن هنا يعرف طه عبد الرحمن الأخلاق  قائلا : " أن الأخلاق مأخوذة من الدين وتوضيح ذلك أنهـــــــــــــــــا تدور على الخير والشر، والخير والشر قيمتان لا تنشآن من الواقع، لان الواقع لا ينشئ إلا الواقع، والقيمة أمر واجب والواجب خلاف الواقع ". [9]

وعليه نلاحظ إن طه عبد الرحمن قد ربط بين الأخلاق والدين، ولا يمكن الفصل بينهما حيث انه لا يمكن تصور دين بلا أخلاق، كما انه لا يمكن تصور أخلاق بدون دين والمنبع الحقيقي للأخلاق هو الدين.

ربط بين الأخلاق والدين، ولا يمكن الفصل بينهما حيث انه لا يمكن تصور دين بلا أخلاق، كما انه لا يمكن تصور أخلاق بدون دين.

ويؤكد طه عبد الرحمن على وجود الأخــــــــــــلاق في الحياة الإنسانيــــــة، حيث لا يمكن الاستغناء عنها، حيث يعتبرها عنصرا أساسيا لتحقيق الاتزان في الحياة البشرية.
ويواصل طه عبد الرحمن في تعريفه للأخــــــــلاق: " إن ماهية الإنسان تحددها الأخلاق وليس العقل. بحيث يكون العقل تابعا للأخلاق، فيكون محمودا متى أفاد و مذموماً متى أساء      و ليس بالعكس[10] ".

حيث ربط طه عبد الرحمن الوجود الإنساني بوجوده الأخلاقي، فليس العقل هو ما يحدد الإنسان، وانما أخلاقه، فالأخلاق تعكس شخصيته ووجوده وماهيته.

يعتبر طه عبد الرحمن إن الأخلاق أولى من العقل، ومن هنا فان الإنسان كائن أخلاقي و ليس عقلاني فأفعاله وتصرفاته هي أفعال أخلاقية وليست عقلانية.

ويمكن أن نلخص إلى أن الأخلاق من منظور طه عبد الرحمان لا بد أن تكون أخلاقا كونية ( أو ما يسمى بالأخلاق العالمية) وعميقة تتسم بالحركية ليصطلح عليها فيما بعد بأنها الأخلاق الحسنى، والتي بإمكانها أن ترد الهوية الإنسانية إلى أصلها، والمتمثل في الدين .[11]

المبحث الثاني: تطور مفهوم الأخلاق عبر العصور:

علم الأخلاق هو أحد المباحث الفلسفية التي تهتم باستقصاء ودراسة الفضيلة بمعناها المجرد الإنساني، وقد شهدت البشرية على مدار التاريخ العديد من المحاولات لتنظير هذا العلم وتحديد إطار محدد يحصر أهم المفاهيم والمقاصد التي يتناولها، و مع تقدم الوعي الانساني استطاع العقل البشري بلورة الأفكار الرئيسية لهذا العلم في مجموعة من المبادئ و القيم و في هذا الصدد نطرح ماهية هذا العلم و أهم محاوره.

و مما سبق يمكن تقسيم تطور مفهوم الأخلاق عبر العصور  إلى ثلاث مراحل متميزة ، لكل مرحلة خواصها و كيفياتها[12] :

-1 الفترة اليونانية و تبدأ من عام 500ق.م وتنتهي عام 500م.

-2فترة العصور الوسطي التي تبدأ من عام 500بعد الميلاد إلى عام 1500ميلادية.

-3الفترة الحديثة و تبدأ من عام 1500م حتى يومنا هذا.

و أول ما نستهل به هو الأخلاق عند اليونان باعتبار أن هذا المفهوم نشأته تعود إلى 500 سنة قبل الميلاد.

أ‌-    الأخلاق عند اليونان:

قام بعض فلاسفة الأخلاق الاغريق أمثال (سقراط، أفلاطون، أرسطو، و غيرهم )  بتعريف الإنسان بأنه حيوان أخلاقي، فهو لديه الصفات الحيوانية لأنه يشارك الحيوانات في الرغبة لإشباع رغبات الجسد وحاجات الغريزة، فهو يسعى دومًا إلى البحث عن المأكل والمأوى والرفيق والعائلة لكي تستمر حياته ويحفظ نوعه، ويصدر عن سلوكه أمور طبيعية مثل الحب والكراهية، لكن الإنسان ينفرد عن الحيوان بخاصية التأمل العقلي، فهو يستطيع أن يتجرد من شهواته ويفكر ويتأمل، وهو لديه وعي ويستطيع أن يتخذ القرار وأن يضبط دوافعه وأن يسيطر على أهوائه وأن يُوجِّه قراراته، فهكذا يكون الإنسان هو الكائن الأخلاقي الوحيد الذي يحمل القيم الأخلاقية التي ترد للإنسان كرامته وتجعله ساميًا عن أية دوافع مادية وطبيعية، وفي الواقع فإن الإنسان لا يستطيع أن يترك واقعه الطبيعي المادي لأنه جزء منه لكنه يستطيع تسيير هذه الطبيعة لتحقيق قيمه السامية، وأيضًا فإن الإنسان حر، أما الحيوان فهو خاضع لنزواته ودوافعه ولا يستطيع الاختيار، فإذًا الإنسان هو الحيوان الأخلاقي القادر على تسيير حياته وسلوكه حسب المبادئ والقيم الأخلاقية فيسمو فوق الحيوان ليصبح الإنسان.[13]

و على هذا الأساس ارتأينا أن نقدم التصور الذي يقدمه فلاسفة اليونان عن مفهوم الأخلاق بداية من سقراط إلى أفلاطون و أرسطو.

·       الأخلاق عند سقراط:

يرى سقراط*  أن الفصيلة ضبط للأفعال لتحقيق الاعتدال و ضبط للانفعالات و الأهواء لتحقيق الاتزان فالشجاعة مثلا: هي توسط بين الجبن و التهور، والكرم وسط بين البخل و التبذير، الفضيلة تعتبر إذن هي وسط بين رذيلتين، ومصدر الفضيلة هو العلم.[14]

حينما عبر السفسطائيون عن ضيقهم من القيم الأخلاقية التي كانت سائدة في عصرهم، بدأوا في هدمها ليمهدوا الطريق إلى بناء قيم أخرى أصلح وأسلم، وكانوا بهذا الموقف يمثلون النزعة الإنسانية من ناحية ومن ناحية أخرى يمثلون عصر التنوير في الفكر اليوناني، لكن بعد أن بدأت أفكار السفسطائيين في الانتشار وترويجهم لآرائهم حول إنسانية القيم ونسبيتها والطابع الاتفاقي الاجتماعي الذي تمتاز به، كانت هذه الأفكار بمثابة هدم لأساسيات في الحياة الاجتماعية عند اليونان، فمن الطبيعي أن يأتي أشخاص من هذا المجتمع ليردوا على تلك الآراء ويدحضوا حججهم، فظهر سقراط الفيلسوف اليوناني الشهير الذي أعاد لليونانيين اتزانهم الأخلاقي بعد آراء السفسطائيين الهدَّامة، ويعتبره البعض أول مؤسس لعلم الأخلاق، فناهض سقراط السفسطائية منذ بداية حياته الفلسفية ولاحق السفسطائيين في كل مكان وظل يحاورهم في الأسواق ويجادلهم بالمنطق ويفضح جهلهم ويكشف مقصادهم.

 لذلك نجد سقراط ضد أفكارهم الهدامة التي تخل بأسس أخلاق المجتمع، ومع هذا فهو ليس من المتشبثين بالعادات والتقاليد، أي أننا يمكن أن نقول عنه أنه (وسطي)، قال سقراط بأن الإنسان يمكنه أن يتوصل بعقله إلى مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي تجعله يتمكن من التوفيق بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة، ويمكن أن تكون هذه المبادئ صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان، ونحن نجد أن السفسطائيين قدموا مصطلحات بليغة رنانة مثل "العدالة شريعة الأقوى" التي قالها ثراسيماخوس (Thrasymachus)  و"الإنسان مقياس الأشياء كلها" لقائلها بروتاجوراس (Protagoras)، لكن سقراط بدأ في البحث عن الأخلاق الأرستقراطية وأخلاق الأسواق، فلم يجد القاعدة الكلية الواحدة التي كان يبحث عنها، واضطر إلى أن يقول بضرورة وجود هذه القواعد الكلية التي بدون وجودها لن نستطيع أن نسوغ الأفعال الإنسانية.[15]

·       الأخلاق عند أفلاطون:

اعتمد أفلاطون* في وضع فلسفته الأخلاقية على نظريته في ثنائية النفس و البدن ، وتتلخص نظريته في أن النفس كانت لها حياة سابقة في عالم الآلهة ، وهذا ما يسميه أفلاطون بعالم المثل ، وبعد ذلك عوقبت النفس لسبب ما ، دخلت في الجسد و لهذا يقول أفلاطون " البدن سجن النفس"، بحيث أصبح الجسد مانعا و عائقا لتحقيق الفضائل و هذا ما أكد عليه أفلاطون بأن الفضائل و القوانين الأخلاقية ، يتم توليدها بالحوار لهذا كانت كتابات أفلاطون أغلبها بأسلوب المحاوارت ، بحيث يرى أفلاطون أنه من واجب الإنسان كي يحيا حياة فاضلة أن يتسامى فوق مطالب الجسد ونوازع الشهوة ويسعى إلى تزكية وطهارة نفسه ، ويوجهها إلا في تحصيل المعرفة و الحكمة ،وعلينا أن نقضي على الرذيلة   و نحارب الجهل[16].

و المتتبع لفكر افلاطون يلاحظ ان هناك تداخلا بين المبحث الأخلاقي عنده مع ابحاثه في النفس الانسانية، لذلك يبني فلسفته الأخلاقية على نظريته في ثنائية النفس و البدن، فالنفس هي جوهر روحاني بسيط من عالم المثل، و بعد معاقبتها دخلت في الجسد و لهذا يقول أفلاطون: "البدن سجن النفس"[17] فالجسد أصبح بمثابة عائقا لتحقيق الفضائل.

فالفضيلة عند أفلاطون هي زهد، أي أنها التقرب الى الله تعالى و الابتعاد عن ملذات الحياة، و التخلص من شهواتها و الابتعاد عن ملذات الحياة، والتخلص من الآلام هو السبيل الوحيد إلى تحقيق السعادة و عليه فمعرفة الفضائل و العمل بموجبها يكون باكتساب العلم و المعرفة.[18]

-اذا تحققت هذه الفضائل الثلاث للأنفس بحيث خضعت الشهوانية للعصبية و الفضيلة للعاقلة تحقق في النفس النظام و الانسجام و هذه هي الحالة التي يسميها أفلاطون بالعدالة و من هنا عرفت الأخلاق عنده بأنها أخلاق العدالة حيث قال: " إن الشخص العاقل لا يسمح لأي جزء منه بفعل شيء خارج عن طبيعته"[19].

 

 

·       الأخلاق عند أرسطو:

تقوم فلسفة أرسطو* الاخلاقية على قاعدة أساسية بالغة الأهمية و هي أن الانسان كائن اجتماعي بالفطرة، هذه الأخيرة تجعل الانسان دائما يسعى إلى الاجتماع مع غيره من أجل تأمين الحاجات الضرورية و بذلك يكون تحقيق سعادة المجتمع المنشودة، فالأخلاق الأرسطية اذن ليست علما نظريا متعلقا بالظواهر الأخلاقية و انما يتصف الانسان بالفضائل اذا ما قام بممارستها.

 فالفضيلة عند أرسطو هي وسط بين رذيلتين فمثلا فضيلة الكرم وسط بين البخل و التبذير وفضيلة الشجاعة هي وسط بين الجبن و التهور و مصدر الفضيلة عنده هو العلم.[20]

السياسة و الأخلاق عند أرسطو:

لقد قام أرسطو بالربط بين السياسة و الأخلاق نتيجة تأثره بأفلاطون و سنوضح هذا الأمر من خلال ثلاث نقاط أساسية تتمثل في: (الغائية، الخير الأقصى، علم السياسة الذي يحقق الخير الأقصى).[21]

فكل سلوك انساني غائي بمعنى أنه يهدف إلى غاية ما و تعتبر هذه الغاية بدورها خيرا، فعلم الطب غايته حفظ الصحة، و بهذا يكون تحقيق الغاية هي الخير الأقصى أو المطلق ، و لا يتحقق هذا الخير الأقصى للإنسان إلا بعلم السياسة ، فعلم السياسة هو علم السعادة و هو أسمى هدف للسلوك البشري.[22]

 

ب-الأخلاق في العصور الوسطى (500-1500م):

كانت العصور الوسطى ، على الرغم من شهرتها كعصر مظلم ، إلا أنها تعتبر فترة مهمة حدث فيها نشاط فلسفي كبير، و تم تطوير فلسفة القرون الوسطى بمفردات نظرية تقنية للغاية ، ويرجع ذلك أساسًا إلى التقليد الفلسفي السائد ، فلقد ربط المفكرون في تلك المرحلة بين الأخلاق و بين الدين ، كما ذهبوا إلى أنه لا توجد قطيعة بين الأخلاق و بين علم السياسة و  قام المفكرون في ذلك الوقت بتوحيد العقيدة الدينية المسيحية مع بعض عناصر الفلاسفة الكلاسيكيين ، مثل حقيقة أن الهدف النهائي للأعمال البشرية هو الحصول على الخير ليكون سعيدًا ،  وبالتالي ، فإن الهدف النهائي للسلوك البشري هو المحبة ، والتي لا يمكن تحقيقها إلا إذا عاش المرء من الإنجيل، هذا يسمح للإنسان بالوصول إلى رؤية الله بعد الموت ، وهي اللحظة الوحيدة التي يتم فيها تحقيق أقصى قدر من الخير.

و من أهم فلاسفة العصر الوسيط القديس أوغسطين و توما الأكويني.

·       الأخلاق عند القديس أوغسطين:

يركز أوغسطين*[23] في كافة تعاليمه وفي شتى مجالات الحياة على ضرورة الفضائل ، فلكي يتخلص الإنسان من الشرور و الآلام و الآثام ، و يتخلص من سجن الجسد عليه التحلي بالفضائل و اجتناب الرذائل ، فيجب بذلك رضا الله و محبته.

الفضائل التي يقصدها القديس أوغسطين هي تلك الفضائل التي نكسبها بالتربية السليمة و التجربة المعيشة استمد القديس أوغسطين هذه النظرة للفضيلة من تجربته في الحياة.

يعرف القديس أوغسطين الفضيلة: " على أنها كل ما على الإنسان أن يعمله و السعادة ،هي كل ما يشتهيه"، فالسعادة عنده تتعلق بما يطلبه الجسد ، وترتبط بالشهوات و الملذات ، أما الفضيلة فتتعلق بما يقدمه و يعطيه الإنسان لغيره.[24]

ويري أوغسطين أن طلب الحكمة يبدأ بالإيمان ، فالإيمان مصدر المعرفة و منبع اليقين ، القائم على سلطة الكتاب المقدس نجد أن القديس أوغسطين مجاله في الأخلاق حيث يرى أن حب الخير هو المبدأ الديناميكي الأساسي لكل الأخلاق. [25]

بمعني أن المسيحية قد بينت أن الخير هو طاعة القانون و ليس هذا القانون هو ما يكتشفه العقل البشري بل هو الوحي المنزل من السماء ، فيجب علينا الالتزام به لمجرد كونه تعبيرا عن الإرادة الإلهية سواء بدا لنا معقولا أم غير معقول ، منطقيا أم تعسفيا عادلا أم ظالما.

وضع أوغسطين منهجه في المقولة الشهيرة "أعقل كي تؤمن ، وآمن كي تعقل" ، بمعنى العقل أولا ثم الإيمان ثانيا[26] ،بمعني طلب العلم و المعرفة يبدأ بالإيمان و الإيمان مصدر الحقيقة.

يذكر القديس أوغسطين أربعة فضائل منها : الاعتدال، البر، القوة، و الفضيلة و التي سنوضحها كالآتي:[27]

-فضيلة الاعتدال : الاعتدال هو الفضيلة التي تهتم بكبح الشهوات و الميولات الجسدية  فالإنسان عند أوغسطين نوعان : إنسان ارضي آثم قد انغمس في إشباع رغبات الجسد ، و إنسان سماوي قد أحب الله و عرف الحقيقة.

-فضيلة البر: هي الفضيلة التي تعنى بالحب الذي يجعل للإنسان سيدا واحدا وهو الله ، فيكون خادما له بصدق .

-فضيلة القوة : التي تحمل الحب الذي يجعل المرء يتحمل كل العذابات و الآلام في سبيل محبوبه.

-فضيلة الفطنة : وهي الفضيلة الرابعة و يقول " الفطنة هي الحب الذي يميز ما يقرب إلى الله وما يبعد عنه الفطنة عند القديس اوغسطين هي اسمي الفضائل من باب التفضيل بين الفضائل الأربع.

·       الأخلاق عند توما الاكويني:

لقد اهتم توما الاكويني* بالبحث في القيمة الخلقية في كتابه " الخلاصة اللاهوتية" لبلوغ السعادة القصوى التي لا يمكن بلوغها إلا بتحقيق الفضائل و تجنب الرذائل ، هنا نقول ما مصدر القيمة الخلقية عند توما الاكويني ، هل هو العقل أم الدين أم هما معا ؟

استند توما الاكويني في تحديده لمصدر القيمة الى موقف القديس أوغسطين الذي يرى أن الفضائل تكتسب عن طريق الإيمان ، ذلك أن كل الخيرات تأتي من الله ، و يضيف توما مصدرا آخر لاكتساب الفضائل وهو العقل.[28]

ويؤكد بأن الفعل الأخلاقي قائم على إرادة الاختيار ، هذه الإرادة تختار بطبيعتها الفعل الفاضل الذي يقبله العقل ، و توما الاكويني هنا مقلدا لأرسطو.

إذ يعرف الفضيلة على أنها العادة المطابقة للعقل المستقيم ، فتوما الاكويني يعطي للعقل القدرة على التمييز بين الفضائل و الرذائل مثل أرسطو، حيث اعتبر توما الاكويني العدالة : بأنها أشرف الفضائل ،كما اعتبرها أرسطو سابقا .[29]

الحكمة: هي الرأس بين الفضائل العقلية، بحيث تبحث الحكمة في العلة الأولى و هي الله
المحبة: هنا توما في تحديده لماهية هذه الفضيلة اللاهوتية المحبة لا يعتمد على ارسطو ، وانما  على الكتاب المقدس ، و أن المحبة هي الفضيلة التي تمكن المحب من الاتصال بالمحبوب من خلال الانجذاب العاطفي إليه و الذوبان فيه، وهنا يتبين لنا مدى تأثر توما الاكويني بالعقيدة المسيحية  واعتبرها جوهر العقيدة التي تهدف لبلوغ السعادة القصوى.

إن غاية الفضيلة عند توما الاكويني هي بلوغ السعادة القصوى التي تتمثل في توجيه النفس نحو الله.

ونستخلص في الأخير أن توما الاكويني في تأسيسه للقيمة الخلقية أن الفضائل في نظره ترجع كلها إلى فضيلة عليا واحدة ، وهي فضيلة الحب أي حب الله ، أما الفضائل الأخرى ولاسيما الفضائل الأربعة الرئيسية ، حاول أن يرجعها جميعا إلى الفضيلة الرئيسية و هي حب الله كصفات خيرة ، أو عادات للذهن التي يعيش الإنسان بواسطتها حياة سليمة ، وتتشكل العادة الفاضلة بواسطة أفعال خيرة و تشمل إنجاز أفعال تالية للغاية نفسها ، و تعتمد الفضائل الأخلاقية على الوسط ، مثال : يشير إلى أن العفة الكاملة لا تكون فاضلة إلا عندما تكون مطابقة مع العقل مستنيرة بنور الآلهة قانون الأفعال البشرية و معيارها هو العقل ، فالعقل هو الذي يوجه نشاط الإنسان نحو غايته.[30]

ج- الأخلاق في العصر الحديث:

برزت في العصر الحديث العديد من التيارات الفلسفية التي ترى الأخلاق سابقة على العقيدة،  بعد قرون من سيادة الفكر الديني في أوروبا، وبدأ اهتمام المفكرين بالمبحث الأخلاقي يأخذ نظرة عقلانية إلى الخير تعتمد على حق الإنسان في الاختيار وحريته المطلقة.

·       مذهب المنفعة العامة:

علينا قبل دراسة مذهب المنفعة العامة في الفلسفة الحديثة أن نوضح جذوره الممتدة من أثر مذهب الأبيقوريين اليونان حيث ذهب الفيلسوف اليوناني أرستبس إلى أن اللذة هي صوت الطبيعة، وأن الغريزة هي المحرك الأول لأفعال الإنسان مثله في ذلك كمثل الحيوان والطفل، وجعل معيار اللذة والألم هي معيار القياس لخيرية الأفعال وشريتها، وقصر اللذة على اللذات البدنية. وجاء بعده ابيقور فاتفق مع سلفه من حيث نشود الناس للذة - مثل الحيوانات -، بدافع الغريزة. ولكنه رأى أنه مع أن اللذة هي الخير الأعظم إلا أن لها أحيانًا عواقب قد لا تكون خيرًا، فالإفراط في اللذات يؤدي إلى عواقب جسيمة، فنادى بضرورة اجتناب اللذات التي تجر آلامًا؛ لأنها عائقة لتحقيق السعادة. وعارض أرستبس الذي اعتبر اللذة مطلقة، إذ فطن إلى نسبة اللذة لأنها تقاس دائمًا بالألم المقابل لها، كما أعلى ابيقور من ممكن اللذات الروحية، وأصبحت الأخلاق عنده بمثابة تهذيب اللذات النبيلة: كالصداقة والحكمة وما إلى ذلك، "ولم يقف أبيقور عند هذا الحد، بل لقد دعا أيضًا إلى التحكم في الدوافع الدنيا واعتبر الفضيلة مظهرًا من مظاهر "ضبط النفس" وتغلب "القيم العليا" على "القيم الدنيا ."[31]

وفي العصر الحديث، ظهر المذهب النفعي محاولًا التحايل للعودة إلى تقرير مبدأ اللذة، ولكن مع تدخل "الفكر" لتنظيم اللذات لأنها لو تركت لذاتنا وشأنها لتحولت إلى حشد متناقض فوضوي من الملذات وتأثرت بمجال الوعي كله، بينما العالم متناه ويستحيل أن تتحقق فيه سائر اللذات معًا، إن إدخال التفكير أو التدابير أو التحطم على سلسلة اللذات ينتقل بنا إلى مذهب اللذة معدلًا بعبارة أخرى، يريد مذهب المنفعة لنفسه "أن يكون مجرد تصحيح عقلي لفلسفة اللذة". وقد بعث الفلاسفة الفرنسيون في أواخر القرن الثامن عشر تعاليم تشبه تعاليم الأبيقورية. كما تجلت هذه التعاليم في مذهب المنفعة العامة وشغل إنجلترا في القرن التاسع عشر.[32]

أولا: النفعية عند بنثام (1748- 1832م):

اعتنق بنثام* المذهب النفعي، وأنشأ مجلة الدعوة إلى الإصلاح الدستوري، وكان لدعوته أثرها الكبير في السياسة الإنجليزية.

أما مذهبه في المنفعة فإنه يرى أن الناس بطبائعهم يسعون وراء اللذة ويجتنبون الألم كالحيوانات تمامًا مع امتيازهم عن الحيوان باتباعهم لمبدأ النفعية لاستخدامهم للعقل، لأن العقل هو الذي يحكم على الفعل الخير؛ إذ يعود بلذة مستمرة تفوق فيه اللذة على الألم، وبالعكس فإن الفعل الشرير يؤدي إلى زيادة الألم على اللذة، مع استمراره، وهو يقيس اللذات من حيث صفاتها الذاتية كالشدة والمدة والثبات وقرب المنال أو القدرة على إنتاج لذات أخرى وخلوها من الألم، كما تقاس بالنظر إلى آثارها الاجتماعية كخوف المواطنين من عواقب الجريمة إذ إنها قدوة سيئة وتسبب اضطرابًا اجتماعيًا، ينبغي على الفرد مراعاتها لأن منفعة المجموع شاملة للمنافع الفردية.[33]

     ثانيا: الأخلاق عند سبينوزا أنموذجا:

مذهب سبينوزا* في الأخلاق يتشابه مع مذهب الرواقية في الأخلاق فمثله الأعلى للحكيم وتوكيده ضرورة أن يعرف الإنسان مكانته في الكون و اعتقاده أن المعرفة تحمي الإنسان من اضطراب النفس اتجاه مصائب الحياة و ضربات القدر ، و الحاجة على جعل الحياة تسير بمقتضى العقل ، وطلب الفضائل من أجل الفضائل نفسها ، كل هذه الملامح نجدها في المذهب الأخلاقي الرواقي ، كذلك يشتركان في تقرير الجبرية و إنكار الحرية الإنسانية[34].

كتب سبينوزا الرسالة الفلسفية الموسومة بعنوان " علم الأخلاق" الذي يتحدث فيها في الجزء الأول عن العلاقة بين الله و العالم الطبيعي وفقا للرؤية التقليدية ، فإن الله منفصل عن الكون و خلقه لسبب ما      و الله لم يخلق لأي هدف ، وقد تحدث عن الأخلاق باعتبارها نوعا من فروع الفلسفة ،لكن الكتاب لا يتناول هذا المعنى المعروف لكلمة الأخلاق Ethics  إلا في الجزء الأخير من الكتاب ، ونلاحظ أن هذا الكتاب لا يحتوي على مذهب سبينوزا في الأخلاق إلا في نهايته ، أما أغلبه فهو بحث عن الإله وفي الإنسان (طبيعته وطبيعة معرفته)، ويحتل كتاب علم الأخلاق لسبينوزا مكانة مهمة من بين مؤلفاته وقد تحدث في هذا الكتاب عن الله في الباب الأول حيث قال " أعني بعلة ذاته ما تنطوي ماهية على وجوده".[35]

وبعبارة أخرى : ما لا يمكن لطبيعته أن تتصور الا موجودة بمعنى أنه غير منتهي إطلاقا أي أنه أزلي.

وتكلم أيضا في الباب الثاني عن طبيعة النفس و أصلها بحيث يرى أن الانسان يتكون من نفس وجسم وأن الجسم البشري موجود كما نحس به، بحيث أن النفس البشرية متحدة بالجسم[36] ، فالأخلاق بالنسبة في كتاب سبينوزا موضوع المقالتين الاخيرتين ، ولكن سبينوزا أطلق هذا الاسم على الكتاب كله ، لان غاية النظر عنده العمل و لان اخلاق كما هو الحال عند الرواقيين.[37]

-الأخلاق عند العرب و الغرب:

·       أولا الأخلاق عند الفارابي و ابن مسكويه أنموذجا:

يتناول الحديث في الأخلاق لدى المسلمين ثلاثة ميادين:

الأول: ميدان الفلسفة التقليدية التي يعبر عنها أمثال: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد الذين اقتصروا في أكثر الأحوال على الدراسة النظرية متأثرين بالفلسفة اليونانية، الدخيلة على علوم المسلمين.

الثاني: ميدان علم الكلام، ولا نكاد نعثر فيه على مذهب أخلاقي متكامل شامل لكافة المشاكل الأخلاقية فيما عدا بعض الموضوعات المهمة المتصلة بالأخلاق كقضية الخير والشر والحسن والقبح، والاختيار والجبر.

الثالثة: ميدان الزهد والتصوف وقد احتوى تراثه على كثير من البدع باستثناء أهل القرون الأولى من الزهاد الذين التزموا بالتقيد بالكتاب والسنة، وهؤلاء يمكن اعتبارهم علماء أخلاقيين بمعنى الكلمة.

·       الأخلاق عند الفارابي (260-339م)

لقد تأثر الفارابي* بفكر أفلاطون في الأخلاق و السياسة، و تأثر بفكر أرسطو في المنطق و الطبيعيات فالأخلاق عند كل من أفلاطون، أرسطو و الفارابي تعتبر فرعا من السياسة، فالأخلاق تعني "دراسة السلوك الفردي المؤدي إلى اكتساب الفضائل و تحصيل السعادة لكل فرد على حدى بينما تعنى السياسة بدراسة كيفية تحصيل السعادة للجميع بأسره، فغاية الأخلاق و السياسة اذن واحدة"[38].

و يؤكد الفارابي أن الأخلاق هي عبارة عن قيم راسخة في النفس تتم عنها الأفعال ، و قد تكون محمودة أو مذمومة، إلا أنه عندما لا تتوفر لدى الانسان قيم و سلوكات و أخلاق محمودة بإمكانه أن يكتسبها بالتدريب و العادة حتى تصبح  أخلاقا فاضلة[39] .

الفضائل الأخلاقية عند الفارابي:

   للفاربي مؤلف يتكلم فيه عن موضوع الأخلاق عنوانه: "تحصيل السعادة" يؤكد فيه أن الغاية من الأخلاق هي تحصيل السعادة، فالأشياء الانسانية إذا حصلت في الأمم حصلت لهم السعادة في الحياة الدنيا و السعادة القصوى في الحياة الأخرى، و من هذه الأشياء هي الفضائل بالنسبة إلى الفارابي أربعة هي[40]:    

-الفضائل النظرية : وهي العلوم التي يكون الغرض منها حصول الموجودات في الذهن معقولة ببراهين يقينية و طرق إقناعية ، و هذه العلوم منها ما يحصل للإنسان منذ أول مرة من حيث لا يشعر ولا يدري كيف ومن اين حصلت ، ومنها ما يحصل بتأمل و عن فحص و استنباط وعن تعليم و تعلم.

-الفضائل الفكرية : وتتمثل هذه الفضيلة في القوة ، التي يتمكن بها الإنسان من استنباط ما هو انفع في غاية ما فاضلة لطائفة أهل المدينة أو أهل المنزل و القدرة على سن القواعد و القوانين التي يجب إتباعها.

-الفضائل الأخلاقية: هي التي يتوخى بها الإنسان فعل الخير، وتوخي أفعالها متوقف على استعمال غيرها من الفضائل، فكل فضيلة خلقية لا بد لها من فضيلة فكرية، سابقة لها توجهها وكلما اكتملت الفضائل الفكرية كانت الفضائل الخلقية المرتبطة بها أشد وأقوى.

-فضائل (الصناعات) العملية: هي التي يراد بها اكتساب الفنون العملية المعروفة و جميع هذه الفضائل إنما سبيلها أن تحصل بالطبع و هم ذو الفطرة الفائقة و الطبائع العظيمة و تحصيلها يكون بطريقتين بالتعليم أولا و هو إيجاد الفضائل النظرية في الامم و المدن وبالتأديب ثانيا :هو طريق إيجاد الفضائل الخلقية و الصناعات العملية في الامم ،و الفرق بين الطريقتين، هو أن التعليم كما يرى  الفارابي يكون بالقول وحده أما التأديب فيجمع بين القول و العمل . [41]

ولهذا فإن الفضائل عند الفارابي ماهي الا وسائل للحصول على السعادة وهي ليست خيرات بذاتها و إنما هي خيرات لأنها توصل إلى السعادة.

- الأخلاق عند ابن مسكويه ( 320-421م):

يعتبر ابن مسكويه* من أبرز الفلاسفة المسلمين الذين كان لهم الفضل الكبير في المساهمة في تحليل الفكر الأخلاقي الإسلامي ، بل أنه يوصف بأنه اكبر باحث عربي في الأخلاق ، و تعد فلسفته الأخلاقية عبارة عن مزيج من آراء أفلاطون و أرسطو ، وجالينوس ، فضلا عن الشريعة الإسلامية و تجاربه الشخصية.

ألف مسكويه في الأخلاق كتاب اسمه " تهذيب الأخلاق" ، ويعتبر أكمل دراسة علمية في هذا المجال و قد وضع مسكويه كتابه ليوضح فيه كيفية الوصول إلى السلوك المستقيم وحقيقة المسألة أن مسكويه يعرف الخلق بقوله " انه حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ". إذ يقول كل خلق يمكن تغييره ،حيث يؤكد مسكوية انه إمكانية تبدل الخلق ، بحيث أن الأخلاق بالنسبة إليه تكتسب و تصقل  الهدف من الأخلاق هو صلاح الإنسان و سعادته.[42]

إن الأخلاق عند مسكويه ليست أخلاقا نظرية كأخلاق اليونان فقط ، تكتفي بالتعريف الكلي للفضيلة و لكنها تسعى إلى العلم التام بكافة الموجودات و بخالق الكون و بهذا جعل مسكويه للدين اثر الكبير في تقويم الأخلاق و الوصول إلى تحقيق السعادة.

ويقرر مسكويه أن السعادة ليست في المتع و اللذات الحسية، لان من رضي لنفسه لتحصيل اللذات البدنية و جعلها غايته و أقصى سعادته ، فقد رضي باخس العبودية لأخس الموالي لأنه يصير نفسه الكريمة التي يناسب بها الملائكة عبدا للنفس الدنيئة التي يناسب بها الخنازير و الديدان...، وعليه فإن مسكويه ينظر إلى اللذات و المتع الحسية نظرة سلبية تحط من شأن الإنسان. [43]

نستخلص أن الحكمة هي السعادة و الحكيم هو السعيد لأنه الأقدر على النظر في الموجودات القريبة و البعيدة الضابط لحركة النفس.

ومن هنا يمكن أن نفهم مسكويه يوجه نقدا لاذعا لأصحاب اللذة ، وقد يكون كلامه هذا موجها لشريحة اجتماعية واسعة في عصره،  وهم الذين لا هم سوى البحث عن المتع و الشهوات الحسية وبعد ان تعرفنا على الأخلاق عند كل من الفارابي و مسكويه و تبين لنا أنهم قد تأثر بآراء غيرهم من الفلاسفة اليونانيين و خاصة أفلاطون و أرسطو ،إلا أنهم قد أضافوا إلى هذه الآراء الكثير من الأبعاد الدينية الإسلامية.[44]

فضائل النفس:

تتألف النفس من وجهة نظر مسكويه من ثلاث قوى : القوى العاقلة وهى " التي بها يكون الفكر و التميز و النظر في حقائق الأمور."

و القوة الغضبية :" و التي بها يكون الغضب و الجدة والإقدام على الأموال ،و الشوق إلى التسلط".
و القوة الشهوانية وهي" التي بها يكون الشهوة وطلب الغذاء و الشوق إلى الملاذ التي في المآكل و المشارب والمناكح والقوى الناطقة هي " التي تسمى الملكية وآلتها التي تستعملها من البدن الدماغ التي موضعها الرأس و فضيلتها التفكير و الحكمة."

والقوة الشهوانية هي " تسمى بالبهيمية وآلتها التي تستعملها من البدن هي الكبد أو البطن و فضيلتها العفة".

والقوة الغضبية و هي " التي تسمى السبعية و ألتها التي تستعملها من البدن هي القلب و فضيلتها الشجاعة. [45]

فلذلك وجب أن يكون عدد الفضائل بحسب عدد هذه القوى ويجب أن تخضع القوتان الأخيرتان للقوى الأولى العاقلة باعتبار أن فضيلتها اسمي عن غيرها ، اي عندما يكون الجانب العاقل من النفس معتدلا وكان يتشوق إلى المعرفة الصحيحة التي هي غرضها الحقيقي تنشأ فيها فضيلة العلم أو الحكمة ،ومتى كانت القوة الشهوانية معتدلة منقادة للنفس العاقلة ، تنشأ فضيلة العفة و تتبعها صفة السخاء ومتى كانت تخضع القوة الغضبية للقوة العاقلة ، تنشأ فضيلة الحلم و تتبعها الشجاعة ، ومن اتحاد هذه الفضائل الثلاث تنشا فضيلة رابعة هي كمالها وتمامها من حيث اعتدالها ، وهي فضيلة العدالة ، التي تعتبر في الأخير هي نتيجة الاتحاد و الانسجام و الاعتدال أو التوسط بين القوى الثلاث وعليه فان مسكويه يعدد أربعة أجناس للفضائل وهي                                           :
الحكمة، العفة، الشجاعة، و العدالة، وما أضدادها المقابلة لها فهي أربع: الجهل، والشره، الجبن، الجور.[46]

نظرية السعادة عند مسكويه:

مفهوم السعادة عند ابن مسكويه ، قال ابن مسكويه" إن السعادة أفضل خير و هي تمام الخيرات و غايتها ولكنها تحتاج في مرتبتها الأولى من هذا التمام إلى أشياء في البدن و خارج البدن " ويرى ان السعادة جسمية و نفسية في الوقت نفسه ، لان طبيعة الإنسانية ذات نفسية تعكس الفضيلة و الروحانية فالسعادة الدنيوية في نظره ناقصة لانطلاقها من عالم الحس ، فلا بد من تعرض صاحبها للألم و الحسرات  فمثلا حتى نشعر بلذة الطعام لابد من ان نشعر بالجوع ، وحتى نشعر بسعادة المال لا بد من العمل بتعب حتي تحصيله و السعادة الأخروية هي الأفضل والأكمل ، لأن صاحبها يتمتع بالخير فهو مقيم بروحه الداخلية بالقرب من الملأ الأعلى ، حيث يستنير بنور الإله القادر ، لذلك فالفرد يكون بعيدا عن الألم و الحسرات الدنيوية التي تشقيه فالأخلاق هي غاية السعادة ، فلا بد من تهذيب الخلق و تقويمه للوصول إليها و البحث عن السبيل للمحافظة عن الأخلاق السليمة وما يمكن أن نستخلصه من مذهب مسكويه الأخلاقي أنه مذهب اجتماعي ، لأنه دعا لان يعيش المرء في جماعة لا منفرد وحده ولا بد من تعاون كثيرين على تحصيل الخيارات ، فالغاية من الشعائر الدينية كالصلاة مثلا ، غرس الفضائل في نفوس الناس.

إن الأخلاق عند مسكويه تتميز في كتابه "التهذيب " بطابع المعقولية المتمثلة في قابليتها لان تصير علما  وامكانية حصولها في الإنسان، ومن هنا تبرز الواقعية التي تجعل من السلوك الإنساني فعلا يلائم حاجياته الطبيعية ،وترسم له منهجية واضحة في تهذيب كل إفراط يرجح كفه ممارسة معينة ويحقق له السلوك الإنساني ، الاعتدال ثم العلمية التي تعكس الإطار المعرفي الذي تنخرط فيه الأخلاق.[47]

·       ثانيا: الأخلاق عند الغرب ديكارت و كانط أنموذجا:

-الأخلاق عند رينيه ديكارت(1596-1650م):

جعل ديكارت* علم الأخلاق رأس الحكمة، و تاج العلوم، و أنه لا بد من الاطلاع على كل العلوم قبل الخوض في علم الأخلاق و قال: " مثل الفلسفة كمثل شجرة جذورها الميتافيزيقا، و جذعها العلم الطبيعة و أعضائها بقية العلوم، وهذه ترجع لثلاثة علوم كبرى هي : الطب، الميكانيكا، و الأخلاق العليا الكاملة و هذه الأخيرة تتطلب معرفة تامة بالعلوم الأخرى، و هي أعلى مراتب الحكمة"[48].

-و من العجيب أن مذهب الشك الديكارتي لم يصل بديكارت الى الإلحاد، بل لقد كان مؤمنا بوجود الإله و دعا الى ضرورة التخلص من كل الآراء القديمة التي توصل على أنها موضع الشك بغض النظر عن الدين و قال: " اننا اذا شئنا تجديد المسكن الذي نقيم فيه وجب عليه قبل هدمه ايجاد منزل آخر نؤوي إليه أثناء إليه العمل في المسكن ، و كذلك لما كانت السعادة و النجاح في الحياة العملية".[49]

ومن هنا فإن أخلاق ديكارت تتلخص في ثلاث قواعد هي:

الأولى: طاعة الانسان لقوانين بلاده، و احترام عاداتها مع الثبات على الديانة.

الثانية: أن يكون ثابتا في أعماله على أكبر قدر ممكن، و اجتنابه للشك .

الثالثة: الاجتهاد في مغالبة و مواجهة نفسه و السيطرة على رغباته و شهواته.

فالأخلاق الديكارتية في صميمها أخلاق عقلية، و قد بين ديكارت ذلك في رسالته إلى الأميرة "إليزابيت" أن العقل وحده لا يكفي لإقامة صرح الأخلاق ، و الأخلاق لن تجد تتمتها إلا في الدين، و عاد ديكارت إلى المنبع الأصيل للحياة و يتمثل هذا المصدر في الدين. فالمستقبل لا يعلمه إلا الله، و بالتالي فأقدارنا مكتوبة فلنعش بهدوء.[50]

-الأخلاق عند ايمانويل كانط (1724-1804):

يعتبر مشروع الأخلاق عند كانط* من أهم المشاريع الأخلاقية ، و قد ألف في هذا المجال الأخلاقي ثلاث كتب أساسية هي ميتافيزيقيا الأخلاق، تأسيس ميتافيزيق الأخلاق و نقد العقل العلمي.

وقد افتتح مشروعه هذا عن معيار القيم الأخلاقية بما يجب أن تكون و في هذا يقول: "لا يوجد شيء يمكن عده خيرا على وجه الاطلاق و دون قيد، اللهم إلا شيء واحد هو الارادة الخيرة"[51]، و يقصد بها النية الحسنة أو الطيبة لأنها لا تقاس بما تحققه لنا من خيرات كثيرة و إنما تقاس بقدر نيتها الخالصة.

و يرى أن الفعل الأخلاقي ليس هو الفعل المشروط بغاية في حد ذاتها، و انما هو الفعل المطلق الذي لا يرتبط بأي وسيلة و لا بأي غاية و من هنا نجد أن كانط يحدد عدة قواعد أساسية للأخلاق تحكمها أوامر مطلقة منها ما يلي:

القاعدة (1): " افعل كما لو كانت قاعدة فعلك قانونا عاما للطبيعة "[52] .

القاعدة (2): "افعل بحيث تعامل الانسانية، على أنها غاية و ليس مجرد وسيلة"[53].

ومن المسائل التي بحث فيها كذلك نجد مسألة السلام العالمي حيث خصص لها كتابا يحمل عنوان (نحو مشروع سلام دائم) و هو كتاب يوضح لنا علاقة الأخلاق بالسياسة حيث أقر فيه خطة يتم من خلالها احلال سلام يشمل الأرض بكاملها.

المبحث الثالث: مدخل إلى المشروع الاخلاقي لطه عبد الرحمان:

السيرة الذاتية لطه عبد الرحمن:

طه عبد الرحمان مفكر مغربي معاصر، ولد بمدينة الجديدة، جنوب الرباط سنة 1944 م ، بها تلقى دراسته الابتدائية، ثم تابع دراسته الاعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم دراسته الجامعية بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط، حيث نال إجازة في الفلسفة، و استكمل دراسته الجامعية العليا بجامعة السوربون بفرنسا، حيث حصل فيها على إجازة ثانية في الفلسفة، و دكتوراه السلك الثالث عام 1972م برسالة في موضوع "اللغة و الفلسفة"، رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود، ثم دكتوراه الدولة عام 1985م عن اطروحته " رسالة في الاستدلال الحجاجي و الطبيعي و نماذجه"، درس المنطقي في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ بداية السبعينيات ، حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم جائزة الاسيسكو في الفكر الاسلامي و الفلسفة عام 2006م.

- منهجه:

تتميز ممارسته الفلسفية بالجمع بين التحليل المنطقي والتشقيق اللغوي والإرتكاز إلى إمدادات التجربة الصوفية وذلك في إطار العمل على تقديم مفاهيم متصلة بالتراث الإسلامي ومستندة إلى أهم المكتسبات الفكر الغربي المعاصر على مستوى نظريات الخطاب والمنطق الحجاجي وفلسفة الأخلاق.

الأمر الذي جعله يأتي بطريقة في التفلسف يغلب عليها التوجه التداولي والأخلاقي في كتابه" اللسان والميزان أو التكوثر العقلي" الذي كشف فيه طه عن وضعية تدريس المنطق في الجامعة المغربية في مطلع السبعينات من القرن  20وما بذله من جهد في ترسيخ تدريس المنطق الحديث في الجامعة المغربية إذ كان له الفضل في إحداث منعطف جديد في تدريس هذه المادة. بنقلها من المنطق القديم إلى المنطق الحديث . وكان راغبا في إصلاح التعليم الفلسفي. 

لقد أحدث طه انقلابا منهجيا في الفكر العربي الحديث بناء على منجزات الثورة المنطقية واللغوية في العالم المعاصر ، بإبداعه لكتابة منطقية أصيلة تربط المضامين الفكرية بآلياتها.

وبهذا كان طه ظاهرة منهجية في هذا العصر وكان أحد كبار المناطقة في الفكر العربي الحديث . [54]
يعتمد الدكتور طه عبد الرحمن بشكل أساسي على المنطق الصوري في معالجة الموضوع وهذا بطبيعة الحال نتيجة لكونه أحد كبار المناطقة في الفكر العربي المعاصر.

أهم مؤلفاته                                        :
طه عبد الرحمان له عدة مؤلفات و دراسات في المنطقيات و الفلسفيات واللسانيات و الإسلاميات باللغات الثلاث : العربية و الفرنسية و الانجليزية.

ومن كتبه في مناهج المنطق:

 ·المنطق و النحو الصوري 1983 .

 ·في اصول الحوار و تجديد علم الكلام 1987 .

· تجديد المنهج وتقويم التراث 1994 .

· اللسان و الميزان 1998 .

· حوارات من أجل المستقبل.

ومن كتبه في فلسفة اللغة:

·اللغة و الفلسفة بالفرنسية (  langage et philosophie)  1977.

· فقه اللغة الفلسفية، الجزء الأول : الفلسفة و الترجمة 1995  .

 ·فقه الفلسفة ، الجزء الثاني : القول الفلسفي ، كتاب المفهوم و التأثيل.

ومن كتبه في فلسفة الأخلاق:

 ·العمل الديني و تجديد العقل1989  .

· سؤال الأخلاق ، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية  2000 .

فلسفته:
من الفلسفة المجردة من العمل إلى الفلسفة المسددة بالأخلاق شاع بين المختصين و جمهور القراء على التصور بأن الفلسفة معرفة كلية و تجريدية و برهانية إلا أن طه عبد الرحمان يؤكد أنه لا وجود لفلسفة برهانية مما جعله ينادي بضرورة إعادة النظر في التصور التقليدي للفلسفة ، وبناء تصور جديد قائم على مبدأ التعدد و الاختلاف ، ومن هنا قوله الحق العربي في الاختلاف الفلسفي ، والحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، إذ يرى أن الحضارة الأوروبية الغربية التي تعيش _ في رأيه أزمة صدق ناتجة عن فصل العلم عن الأخلاق ، وأزمة القصد ناتجة عن فصل العقل عن الغيب.

العالم الإسلامي عندما تلقى الفلسفة سماها الحكمة، الحكمة مشروطة أساسا بالعمل إذ كانت أحد تعريفات الفلسفة عند العرب قديما هي " أنها كمال العلم لكمال العمل".

بمعني أن الفلسفة مرتبطة بالجانب العملي ، والحكمة يرى طه عبد الرحمان أنها مفهوم راسخ
في المصادر الأولى للتراث الإسلامي العربي.

العمل هنا هو جملة السلوكيات و التصرفات تحتمل إن توصف إما بالحسن أو بالقبح ، أي بالخير أو بالشر ومن هنا يكون دخولها في باب الأخلاق إلا أن المدرسة الرواقية كان تصورها للفلسفة تصورا عمليا ونحتاج هنا إلى إنشاء فلسفة تكون قادرة على التصدي للعقبات ،و الإشكاليات التي لا يكون حلها بواسطة الفكر المجرد وحده بل لا بد من فكر تطبيقي[55].

نجد أن الأخلاق تشمل جميع أفعال الإنسان ، كائنة ما كانت ، إن التصرفات التي لا تعد أخلاقية ليست بالضرورة تصرفات لا عقلانية ، بل توصف بكونها تصرفات لا إنسانية ، نستخلص أن طه عبد الرحمان يؤكد على أن الأديان والشرائع السماوية تكمل بعضها البعض ، وأن لكل دين زمنا خلقيا خاصا به يفضل الزمن الخلقي للدين الذي سبقه ، وذلك لإثباته بصفات وفضائل و معان جديدة يضيفها إلي ما سبق  فكلما كان هناك تراكما معرفيا فهناك كذلك تراكم ديني، وحقيقة أنه تراكم أخلاقي و قيمي و روحي مما جعل الأخلاق الإسلامية أكمل قيمة و أكثر حركية.[56]

وتمثل التجربة الروحية في حياة الدكتور طه عبد الرحمان منعطفا ذا أهمية قصوى ، أدى إلى إحداث تغيير جذري في أفكاره الفلسفية و الأخلاقية على السواء ، فساهمت التجربة الصوفية في توسيع مداركه   و انفتاح الكون أمام ذهنه بشكل أكبر فأسهمت هذه التجربة الصوفية في توسيع مداركه و فك القيود عن فهمه و كشفت له فضل التجربة الحية على العمل المجرد ، كفضل العمل على النظر المجرد وانطلاقا من هذا الأساس ، نرى مدى تلازم و ترابط التصور الأخلاقي لطه عبد الرحمان بتجربته الروحية التي
لا تتعارض عنده أبدا مع المعرفة العقلية بل هي في نظره تفعل في المعرفة الفعلية و تكون سببا من أسباب إثراء هذه المعرفة و التغلغل فيها، أضعاف ما تفعله التجربة الحسية فيها، التجربة الروحية ليست الا الدخول في تجربة حية التي تبلغ القوة للإنسان و أن الحب الصوفي هو يعتبر مناط التجربة كلها و لتصفية الإنسان لنفسه حتى يضحى كائنا أخلاقيا كاملا وراقيا.

وهذا ما دفع طه عبد الرحمان بعد خوضه لغمار التجربة العرفانية ، ومعاناته لدقائقها ، أن يخرج منها معلنا على الملأ أن الأخلاق هي التي تحدد ماهية الإنسان.[57]



[1] الفيروز أبادي ، القاموس المحيط، ، ط3، دار الحديث القاهرة، 2013ص 881.

[2] ابن منظور ، لسان العرب، ط2 ، دار المعارف، القاهرة، 2007 ص 86.

[3] جميل صليبا: المعجم الفلسفي، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1982، ص 49.

[4] رضا شريف : أسئلة التراث و الحداثة في فكر محمد عابد الجابري ( المعرفة ، السياسة ، الأخلاق،)، دار كنوز الحكمة، الجزائر، 2018، ص307.

[5] الجرجاني، كتاب التعريفات، دار الفضيلة، القاهرة، 2010، ص 101.

[6] ابن مسكويه ، تهذيب الأخلاق، ط2، المطبعة الحسينية، جمهورية مصر العربية، 2017 ،ص 41.

[7] رحيم أبو رغيف الموسوي: الدليل الفلسفي الشامل ، دار الحجة ، البيضاء ، لبنان ،ج1 ، 1ط ،2013 ،ص 56.

[8] طه عبد الرحمان : سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية ، المركز الثقافي العربي ، لبنان ، 2000، ص 17.

[9] طه عبد الرحمن: تعددية القيم، ما مداها وحدودها، ط1، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، المغرب، 2001 ، ص 37.

[10] طه عبد الرحمان، تعددية القيم، المرجع السابق، ص 38.

[11] طه عبد الرحمن : روح الحداثة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب ،2006، ص 15.

[12] وليام ليلى : مقدمة في علم الأخلاق ، تربية وتقديم علي عبد المعطي محمد ، دار الكتب و الوثائق القومية ، الإسكندرية، د.ط ، 2000، ص56.

1 علي سعيد، لمحة عن الفكر الأخلاقي في الفلسفة اليونانية، ط2، دار المعارف ،  القاهرة، 2010.

[14]* سقراط: فيلسوف و حكيم يوناني (470 ق م-399 ق م) يعتبر أحد مؤسسي الفلسفة الغربية، لم يترك  سقراط كتابات و جل ما نعرفه عنه مستقى من خلال روايات تلاميذه عنه.

2 اسعد السمراني : الأخلاق في الإسلام و الفلسفة القديمة ، ط1، دار النفائس ، بيروت ،1988، ص 84.

[15] أحمد عثمان ، الأدب الإغريقي، تراثًا إنسانيًا وعالميًا، ط2، دار المعارف ،القاهرة: ، ص347.

* أفلاطون: فيلسوف يوناني كلاسيكي ولد في اثينا سنة 430 ق م وكانت وفاته سنة 348 ق م من مؤلفاته: "كتاب الجمهورية".

[16] اسعد السمراني : الأخلاق في الإسلام و الفلسفة القديمة ، المرجع السابق، ص 74.

[17] المرجع نفسه، ص 74.

[18] المرجع نفسه، ص 74.

[19] ول ديورانت: ترجمة فتح الله المشعسع، قصة فلسفة، ط6، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، ص 53.

 

[20]* أرسطو: فيلسوف يوناني (384ق م-322ق م) تلميذ افلاطون و مؤسس مدرسة ليسيوم و المدرسة المشائية.

1 أسعد السمراني، الأخلاق في الاسلام و الفلسفة القديمة، المرجع السابق، ص 84.

[21] وليام ليلى : مقدمة علم الأخلاق ، المرجع السابق ،ص57.

[22] إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق و السياسة، دراسة في فلسفة الحكم، المرجع السابق ، ص 175.

 

[23]* ولد في 13 نوفمبر 354م بطاجسكا (سوق أهراس حاليا)، و توفي سنة 430م ، و يعتبر القديس اوغسطين من آباء الكنيسة، من مؤلفاته: كتاب الاعتراف.

 

[24] القديس أوغسطين : مدينة الله ، ترجمة ،الخور أسقف يوحنا العلو ، دار الشرق، بيروت، ج2 ، ط2، ،2008 ، ص 193.

[25] الموسوعة العربية مختارات اجتماع فلسفة و عقائد، ط2 ، منتدى مكتبة الإسكندرية ، ص  32.

[26] المرجع نفسه، ص 34.

[27] فيجل الهاشمي : التأسيس الأخلاقي للحضارة عند القديس أوغسطين، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في الفلسفة ، إشراف مزواد نسيبة ، قسم الفلسفة ، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية ، جامعة محمد بوضياف ، المسيلة ،2016-2017، ص 24.

 

[28]*قسيس  إيطالي فيلسوف و لاهوتي ولد سنة 1225م قرب قلعة والده الكونت في مملكة لاتسيو اليوم، توفي في 07 مارس 1274 من مؤلفاته: كتاب الخلاصة الاهوتية. 

1 مجموعة المؤلفين ، إشراف و تحرير سمير بلكفيف ، الفلسفة الأخلاقية من سؤال المعنى إلي مأزق الإجراء، ط1 ، دار الإيمان ، الرباط ، ،2013 ، ص 151.

[29] فيجل الهاشمي : التأسيس الأخلاقي للحضارة ، المرجع السابق ، ص 27.

[30] حامد عبد الحمزة محمد علي ، النظرية الأخلاقية في فلسفة القديس توما الاكويني ، مجلة العلوم الإنسانية ، العدد الثالث، ايلول، 2016.

[31] مصطفي علي: الأخلاق بين الفلاسفة وعلماء الإسلام ، (ب ص).

[32] توفيق الطويل ، الفلسفة الخلقية:. ص 96- 97.

* عالم قانون وفيلسوف إنكليزي، ومصلح قانوني واجتماعي، وكان المنظر الرائد في فلسفة القانون الأنجلو-أمريكي. ويشتهر بدعواته إلى النفعية و حقوق الحيوان، وفكرة سجن بانوبتيكون

[33] يوسف كرم، المرجع السابق، ص 332.

* باروخ سبينوزا  ولد بامستردام في 24 نوفمبر 1632 في اسرة يهودية و توفي سنة 1677 من مؤلفاته: علم الأخلاق سنة 1674.

[34] عبد الرحمان بدوي : موسوعة الفلسفة، ج1 ،ط1 ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت ، 1979-1981، ص 143.

[35] باروخ سبينوزا : علم الأخلاق ترجمة جلال الدين سعيد مراجعة جورج كتورة ، ط 1،بيروت ، ،2009،ص31

[36] باروخ سبينوزا، المرجع نفسه، ص 96.

[37] باروخ سبينوزا، المرجع نفسه، ص 114.

[38]*هو أبو نصر محمد بن صرخان بن ازولغ الفارابي نسبة الى مدينة فاراب ولد عام 257م وحكم حياته متصوفا، توفي في دمشق عام 339م، من أهم مؤلفاته: احصاء العلوم، آراء المدينة الفاضلة.

1 موزه أحمد راشد العباد: القيم الأخلاقية بين الفكرين الاسلامي  و الغربي في عصر العولمة، ط1، الدار العالمية للنشر و التوزيع، القاهرة، 2008، ص 141.

[39] مراد وهبة : المعجم الفلسفي، (د.ط)، دار قباء الحديثة، القاهرة، 2007، ص 34.

[40] ابي نصر الفارابي :تحصيل السعادة قدم له وعلق عليه وشرحه الدكتور علي بوملحم، ط1 ، دار و مكتبة الهلال ، بيروت ، 1995، ص 26.

[41] جلول خدة معمر، المرجع السابق، ص  34.

*ولد بالري سنة 325هـ و مات في أصفهان، من مؤلفاته: تهذيب الأخلاق و تطهير الأعراق.

[42] أبي نصر الفارابي، المرجع نفسه، ص 35.

[43] ابن مسكويه دراسة تحقيق عماد الهلالي: تهذيب الاخلاق و تطهير الأعراق، ط1 ،1426 ، ص 51 .

[44] جلول خدة معمر، المرجع السابق، ص  41.

[45] ابن مسكويه : دراسة و تنسيق عماد الهلالي : تهذيب الأخلاق و تطهير الأعراق ، المرجع السابق ، ص7 .

[46] ابن مسكويه، المرجع نفسه، ص 07.

[47] ابراهيم ونزار : مكانة الإنسان في الفلسفة الأخلاقية العربية قراءة في الفكر الأخلاقي لأبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه (325-421ه) ، مجلة مؤمن بلا حدود ، ص 19 ..

* ولد في لاهاي سنة 1596 وتوفي في السويد عام 1650م ومن مؤلفاته: المقال على المنهج.

[48] السيد محمد عقيل بن علي المهدي: المنهج الفلسفي عند الغزالي و ديكارت للوصول الى الحقيقة، ط2، دار الحديث، القاهرة، ص 192.

[49] رينيه ديكارت، مقال عن المنهج لأحكام قيادة العقل و للبحث عن الحقيقة في العلوم، ترجمه و شرحه: محمود الحضري، المطبعة السلفية و مكتبتها، القاهرة ، 1930، ص 65.

[50] ابراهيم مصطفى ابراهيم: الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم (د.ط)، دار و فاء للطباعة و النشر، الاسكندرية، 2001، ص 115.

*فيلسوف ألماني ولد عام 1724م في مملكة بروسيا و توفي عام 1804م، من مؤلفاته: نقد العقل المجرد، نقد العقل العلمي.

[51] ايمانويل كانط: تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، تر عبد الغفار مكاوي و مراجعة عبد الرحمان بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980، ص 37.

[52] عبد الرحمان بدوي: الموسوعة الفلسفية، المرجع السابق، ص 283.

[53] المرجع نفسه، 284.

[54] دالي زهية: المشروع الفلسفي لطه عبد الرحمن، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، العدد 16جوان 2016.

[55] طه عبد الرحمان : الحوار أفقا للفكر ، الشبكة العربية للأبحاث و النشر ، بيروت ، ط1 ، 2003،ص ص 35-55.

[56] طه عبد الرحمان ، المصدر السابق ، ص ص . 58-62

[57] محمد أحمد الصغير: خصائص التجربة العقلية و الصوفية من منظور طه عبد الرحمان ، مجلة مؤمنون بلا حدود ، العدد ،2مايو ،2014  .



NomE-mailMessage