JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

جريمة الاتجار بالبشر في القانون الجزائري

خط المقالة

 

جريمة الاتجار بالبشر في القانون الجزائري


مقدمة

تُعد جريمة الاتجار بالبشر من أخطر صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لما تنطوي عليه من انتهاك جسيم لـالكرامة الإنسانية وتحويل الإنسان إلى وسيلة لتحقيق أرباح غير مشروعة. وقد شهدت هذه الجريمة انتشارًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة نتيجة هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي شبكات الإجرام المنظم، إضافة إلى التطور التكنولوجي الذي سهّل عمليات التجنيد والاستدراج والاستغلال.

ونظرًا لخطورة هذه الجريمة، أولتها المواثيق الدولية عناية خاصة، وعلى رأسها بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال (بروتوكول باليرمو 2000). وانسجامًا مع التزاماتها الدولية، أصدرت الجزائر القانون رقم 23-04 المؤرخ في 07 ماي 2023 المتعلق بالوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته، باعتباره إطارًا تشريعيًا شاملًا يجمع بين التجريم والعقاب والوقاية وحماية الضحايا.


أولًا: الإطار المفاهيمي والقانوني لجريمة الاتجار بالبشر

1. التطور الدولي لمفهوم الاتجار بالبشر

يُعد بروتوكول باليرمو أول وثيقة دولية قدمت تعريفًا شاملًا ودقيقًا لجريمة الاتجار بالأشخاص، حيث مثّل — وفق الفقه الدولي — "أول تعريف جامع لجرائم الاتجار بالبشر في اتفاقية دولية".

تعريف الاتجار بالبشر في بروتوكول باليرمو

عرّف البروتوكول الاتجار بالأشخاص بأنه:

"تجنيد أو نقل أو إيواء أو استقبال أشخاص، بوسائل الإكراه أو التهديد أو الخداع… بهدف الاستغلال".

ويشمل الاستغلال على وجه الخصوص:

  • استغلال دعارة الغير.

  • السخرة: أي عمل أو خدمة تُنتزع من شخص تحت التهديد بعقوبة ما دون رضاه الحر.

  • التسول.

  • نزع الأعضاء.

  • الاسترقاق: وضع الشخص في حالة استعباد كامل وتجريده من حريته وحقوقه الأساسية.

  • أي شكل آخر من أشكال استغلال الإنسان.

وقد صادقت الجزائر على هذا البروتوكول بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03-417.


2. التعريف القانوني الوطني للاتجار بالبشر

كان المشرّع الجزائري يستعمل سابقًا مصطلح "الاتجار بالأشخاص"، غير أنه استبدله بمصطلح "الاتجار بالبشر" في القانون 23-04، لما يحمله من دقة وشمول، إذ يشمل كل إنسان دون تمييز، ويُعد أكثر اتساعًا من التعبير السابق.

تعريف المادة 02 من القانون 23-04

تنص المادة 02 على أن الاتجار بالبشر هو:

"تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص أو أكثر بواسطة التهديد أو القوة أو الخداع أو استغلال حالة الاستضعاف… بقصد الاستغلال".

ملامح التعريف الوطني

  • يساير التعريف الدولي الوارد في بروتوكول باليرمو.

  • يقوم على عناصر الجريمة الثلاثة: الفعل – الوسائل – الغرض (الاستغلال).

  • يشمل جميع الضحايا دون أي استثناء.


3. أركان جريمة الاتجار بالبشر

أ. الركن المادي

يتكوّن من ثلاثة عناصر رئيسية:

1. الأفعال الإجرامية (السلوك)، ومنها:

  • الإيواء.

  • الاستقبال.

وقد أكدت المذكرة التفسيرية أن صور السلوك في القانون الجزائري "مطابقة تمامًا" لتلك الواردة في بروتوكول باليرمو.

2. الوسائل المستعملة، وتتمثل في:

  • التهديد.

  • استعمال القوة.

  • الاختطاف.

  • الاحتيال والخداع.

  • إساءة استعمال السلطة.

  • استغلال حالة الضعف.

  • تقديم مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على الضحية.

وقد اعتبر المشرّع هذه الوسائل شرطًا أساسيًا لقيام الجريمة.

3. الغرض (الاستغلال)، ويشمل:

  • استغلال دعارة الغير.

  • الاسترقاق.

  • التسول.

  • السخرة.

  • نزع الأعضاء البشرية.

ب. الركن المعنوي (القصد الجنائي)

جريمة الاتجار بالبشر جريمة عمدية، ولا يشترط تحقق النتيجة الإجرامية، إذ يكفي مجرد الشروع، وقد جرم القانون ذلك صراحة في المادة 60 من القانون 23-04.


ثانيًا: السياسة التشريعية لمكافحة الاتجار بالبشر في الجزائر

1. القانون 23-04 ومجالات التجريم

جاء القانون 23-04 لمعالجة قصور النصوص السابقة الواردة في قانون العقوبات، والتي لم تعد كافية لمواجهة هذه الجريمة الخطيرة، حيث أكدت المذكرة التفسيرية أن:

"الإشارة إلى جريمة خطيرة مثل الاتجار بالبشر في قانون العقوبات لم تكن كافية لردعها، ما استدعى إصدار قانون خاص".

وقد شمل القانون:

  • تعريفًا دقيقًا للجريمة.

  • توسيع صور الاستغلال.

  • تجريم الشروع.

  • حماية خاصة للفئات الهشة (النساء والأطفال).

  • تقرير مسؤولية الأشخاص الطبيعيين والمعنويين.


2. العقوبات المقررة

أ. عقوبات الشخص الطبيعي

اعتمد المشرّع سياسة عقابية ردعية تتناسب مع جسامة الجريمة، وتشمل:

  • عقوبات سالبة للحرية لمدد طويلة تختلف حسب الحالات.

  • غرامات مالية معتبرة.

ويتم التشديد في حال:

  • ارتكاب الجريمة ضد قاصر.

  • استعمال وسائل خطيرة.

  • ارتكابها من طرف جماعة إجرامية منظمة.

ب. العقوبات التكميلية

تشمل:

  • المنع من مزاولة النشاط.

  • مصادرة الوسائل المستعملة.

  • غلق المحل.

ج. عقوبات الشخص المعنوي

أقرّ القانون عقوبات خاصة بالأشخاص المعنويين، من بينها:

  • غرامات مالية كبيرة.

  • الحل.

  • نشر الحكم.

  • الحرمان من الصفقات العمومية.


3. حماية الضحية في القانون الجزائري

1. عدم معاقبة الضحايا لا يُتابَع ضحايا الاتجار بالبشر جزائيًا أو مدنيًا، حتى وإن خالفوا إجراءات الإقامة أو الدخول.

2. عدم الاعتداد برضا الضحية لا يُعتد برضا الضحية في قيام الجريمة، لأن الرضا يكون وليد وسائل غير مشروعة كالإكراه والخداع.

3. حماية الجزائريين في الخارج تنص المادة 18 الإجرائية على التزام الدولة بحماية المواطنين ضحايا الاتجار بالبشر في الخارج، والتنسيق مع الدول المعنية لتسهيل عودتهم.


ثالثًا: آليات الوقاية والتحري والمتابعة

1. اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالبشر

أُنشئت بموجب المرسوم الرئاسي 16-249، وأكد القانون 23-04 دورها المحوري في المكافحة. وتتمثل مهامها في:

  • وضع السياسة الوطنية.

  • إعداد خطة العمل.

  • تنسيق التدخل بين مختلف القطاعات.

وتضم ممثلين عن وزارات وهيئات، منها: الداخلية، العدل، التضامن، الأمن الوطني، الدرك الوطني، والجمارك.


2. دور المجتمع المدني

يلعب المجتمع المدني دورًا أساسيًا في:

  • التوعية بمخاطر الاتجار بالبشر.

  • رصد الحالات.

  • توفير الرعاية والإيواء للضحايا.

  • محاربة عوامل الخطر مثل الفقر واستغلال القاصرات.


3. آليات التحري والمتابعة

يُعد هذا الجانب من أهم الجوانب العملية التي عالجها القانون 23-04.

أ. إجراءات الاستدلال والتحري، ومنها:

  • المراقبة الإلكترونية للمعطيات.

  • تحديد الموقع الجغرافي للضحايا أو الجناة.

  • تلقي البلاغات إلكترونيًا.

  • نشر صور أو أوصاف الأشخاص محل البحث.

  • تفتيش المساكن في حالات محددة قانونًا.

ب. أساليب التحري الخاصة، وتشمل:

  • اعتراض المراسلات.

  • تسجيل الأصوات.

  • التقاط الصور.

  • التسرب (الاختراق).

  • المراقبة التقنية.


خاتمة

تُظهر هذه الدراسة أن الجزائر اعتمدت سياسة تشريعية واضحة وشاملة لمكافحة الاتجار بالبشر، تجسدت في القانون 23-04 الذي جمع بين التجريم والعقاب والحماية والوقاية، وجاء متوافقًا مع الالتزامات الدولية، خاصة بروتوكول باليرمو. كما أن استحداث آليات خاصة للتحري، وإنشاء اللجنة الوطنية، وتكريس حماية الضحايا، كلها عناصر تؤسس لاستراتيجية وطنية متقدمة.

ومع ذلك، لا تزال هناك صعوبات في التطبيق العملي، لا سيما قلة الدراسات المتخصصة، والحاجة إلى تدريب مستمر للأجهزة المعنية، مما يجعل المجال مفتوحًا لمزيد من البحث والتطوير لتعزيز مكافحة هذه الجريمة الخطيرة.

NameEmailMessage